01 يناير 2017 م

قيمة الرحمة في الحضارة الإسلامية

قيمة الرحمة في الحضارة الإسلامية


الإسلام دين الرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة، والرحمة في الإسلام سمة حضارية عامة تشمل الأكوان كلها من إنسان وحيوان وطير وشجر وحجر ومؤمن وغير مؤمن، وقد أجمل الله سبحانه وتعالى الغاية العظمى من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب الحصر والقصر بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] وقال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]. وقال تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 12]. وآيات الرحمة في القرآن كثيرة، وقد تكررت مفردة الرحمة في القرآن الكريم خمسًا وسبعين مرة منسوبة لله تعالى تارة، وللرسول صلى الله عليه وسلم أخرى، وللوحي تارة، ولعامة المؤمنين مرات عديدة، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على ضرورة التراحم بين العباد جميعًا، روى أبو داود والترمذي بإسناد حسن من حديث عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: قال رسُولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: «الرَّاحِمُون يرحمُهُمُ الرَّحمنُ، ارحمُوا من فِي الأرضِ يرحمكُم من فِي السَّماءِ، الرَّحِمُ شُجنةٌ مِن الرَّحمنِ، فمن وصلها وصلهُ الله ومن قطعها قطعهُ الله». وروى البخاري في "صحيحه" من حديث أبِي هُريرة رضِي الله عنهُ، قال: سمِعتُ رسُول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقُولُ: «إِنَّ اللَّه خلق الرَّحمة يوم خلقها مِائة رحمةٍ، فأمسك عِندهُ تِسعًا وتِسعِين رحمةً، وأرسل فِي خلقِهِ كُلِّهِم رحمةً واحِدةً، فلو يعلمُ الكافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِند الله مِن الرَّحمةِ لم ييأس مِن الجنَّةِ، ولو يعلمُ المُؤمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِند الله من العذابِ لم يأمن مِن النَّارِ». وهذه الرحمة العظيمة هي التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يصبر كثيرًا على أذى المشركين له وأصحابه الكرام بشتى أنواع الإيذاء البدني واللفظي، على الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على هدايتهم وعلى نجاتهم، وقد جاءه جبريل عليه السلام قائلًا له: إن اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». إن هذه السمة الحضارية هي التي جعلت الإسلام ينتشر انتشارًا واسعًا في ربوع المعمورة، فالسيفُ لا يفتح القلوب للمحبة، ولا يخاطب العقول بالحجة والبرهان، والإكراه لا يثبت عقيدة صحيحة، والسيف لا يجعل غير المسلمين آمنين على أنفسهم وأموالهم وأولادهم في ظل حضارة الإسلام التي قامت على الرحمة، وإن أكبر دليل يشهد على انتشار الإسلام بالرحمة وبالدعوة بالموعظة الحسنة، أنَّ أغلب حملة الشريعة من محدثين وفقهاء ولغويين ومفسرين هم من أبناء وأحفاد الأجداد الأوائل الذين دخلوا الإسلام بدعوة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن جلهم من غير العرب، وإمام النحو سيبويه هو من أصول فارسية، وتلميذه الأخفش بلخي وهذا منتشر جدًّا في الحضارة الإسلامية بحيث يصعب حصره واستقصاؤه؛ مما يدل أكبر دلالة على أن نور الإيمان والرحمة الذي خالط القلوب هو الذي حدا بهؤلاء إلى الامتزاج بالإسلام قرآنًا وسنة ولغة وعلومًا وسلوكًا. وكما شملت الرحمة في الإسلام الإنسانية كلها دون تفريق على أي أساس ديني أو عرقي، شملت كذلك الحيوانات التي لا تستطيع التعبير عن مكنون نفسها؛ فالمرأة التي حبست الهرة دخلت فيها النار بقسوتها عليها، والبغيُّ التي أنقذت كلبًا من العطش أدخلها الله تعالى الجنة برحمتها لذلك الكلب، حتى روي عن بعض حكام المسلمين أنه كان يأمر عماله بنثر القمح على رءوس الجبال حتى لا يقال جاعت الطير في بلاد المسلمين! لقد تغلغلت الرحمة في قلوب المسلمين حتى صارت منهج حياة، وأسلوب دعوة، ونمط تعايش، ولهجة خطاب، وظهر ذلك في حربهم قبل سلمهم، وفي شدتهم قبل رخائهم، ومع مخالفهم قبل موافقهم. ولا شك أن هذه السمة العظيمة لرسالة وحضارة الإسلام، لتؤكد بالدليل الدامغ أن ما تقوم به بعض الجماعات المتطرفة من إرهاب وسفك للدماء بغير وجه حق هو شيء لا علاقة له بالإسلام من قريب أو من بعيد، ويؤكد أيضًا أن الإسلام لن تعود رايته وحضارته تظلل البشرية إلا تحت ظلال الرحمة. 

مثَّلت المراعي الطبيعية موردًا مهمًّا لتغذية الحيوانات وتربيتها، ولا تزال تحظى بأهمية كبيرة للحفاظ على الثروة الحيوانية وتنميتها، ولقد كان الإنسان منذ القدم يهاجر من أرضٍ إلى أرضٍ بحثًا عن أنسب الأماكن التي تصلح للرعي والزراعة والتجارة، واستيفاء ما ينقصه من وسائل العيش وتهيئة ظروف الأمن والاستقرار.


الحضارة مشتقة من (الحضر) وهو المكان الذي يكون فيه عمران واستقرار لأهله من ساكني المدن، بخلاف أهل البداوة الذين يعيشون على التنقل في الصحراء وبواديها بحسب الظروف المعيشية المتوفرة لهم. ومفهوم الحضارة واسع يشمل مختلف أنواع وعوامل التقدم والرقي، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو متعلقة بنظم الإدارة وممارسات الحياة العامة بأشكالها المتنوعة. ومن المظاهر الحضارية التي اعتنى بها المسلمون الاهتمام بالطب والتداوي، فلم يكن المسلمون في ميادين الطب والصيدلة مجرد ناقلين ومقلدين لخبرات الأمم الأخرى في هذا المجال، بل ترجموا ونقلوا وجربوا وهذبوا وابتكروا


جاء ذكر المعادن وتصنيعها في القرآن الكريم بصورة إيجابية؛ فقد كان العمل بها صناعة بعض الأنبياء مثل سيدنا داود عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ [الأنبياء: 80]، واللبوس: هو السلاح كله؛ أي السيف والرمح والدرع وغيره، وقال تعالى عنه وعن سيدنا سليمان عليهما السلام، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ۞ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۞ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ۞ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 10-13]،


نحن أُمَّةٌ متدينة، امتزجت حضارتنا بعقيدتنا، فكان الدينُ أساسَها وروحَها وموَجِّهَها وسببَ ازدهارها وباعثَ حياتها عبر العصور.


لم يَخْلُ ميدانٌ من ميادين النُّهوض والتَّقدُّم إلا وأسهم فيه المسلمون إسهامًا متميِّزًا؛ ومن هذه الإسهامات ما قدَّموه في ميدان علم التَّشريح، الذي يُعْنَى بالبحث في أعضاء الكائن الحيِّ وتركيبِها وكيفيَّةِ عملِها؛ حيث اعتبروا ممارسة التَّشريح أمرًا ضروريًّا ليس فقط لفهم وظائف أعضاء الجسد، بل ولسلامة التَّشخيص وتقرير العلاج الناجع أيضًا.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :14
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 48
العشاء
9 :15