01 يناير 2017 م

مسيرة الفتوى

مسيرة الفتوى

المفتي موقع عن الله سبحانه، وترجمان لمراده عز شأنه، وإذا كان قد نسب الفتوى لذاته العلية فقال: قل الله يفتيكم، فإنما ينزل الحكم على الواقع المفتي، مستخلفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول من قام بمنصب الفتوى عن الله بوحيه المبين، فكانت فتاواه جوامع الأحكام وفيها فصل الخطاب.
ويتتبع الكتاب على مدار صفحاته تاريخ الإفتاء بمصر من لدن الصحابة الأجلاء: عقبة بن عامر الجهني، وعبد الله بن عمر بن العاص، مرورا بنخبة من التابعين وتابعي التابعين، وتلاميذ مالك والشافعي، ويعرض للمفتين في عصر الفاطميين، مرورا بالأيوبيين والمملوكيين، حتى ظهور منصب مفتي دار العدل، وهي منظمة قضائية كانت أشبه بنظام قضاء المظالم العباسي، وأول من أنشأها في مصر السلطان الظاهر بيبرس بجوار القلعة على نظام المذاهب الأربعة. وبعد اختفاء منصب مفتي دار العدل، ظهر منصب مفتي السلطنة العثمانية بالديار المصرية، الذي لم يستطع أن يملأ الساحة ويغني الناس عن طلب الفتيا عند شيوخ المذاهب وأعلامها ممن لم يتقلدوا منصبا رسميا للفتوى. وهكذا تحولت وظائف الإفتاء التطوعية تحت ضغط الأمر الواقع إلى وظائف رسمية أصبح للمفتين فيها دور قضائي وسياسي هام. وكان أول من جمع بين منصبي مشيخة الأزهر والإفتاء الشيخ محمد العباسي المهدي، ثم يتلو الكتاب بعد ذلك سيرة السادة المفتين الذين تولوا تباعا منصب دار الإفتاء المصرية، ومن أبرزهم: الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ عبد الرحمن قراعة، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ حسن مأمون، والشيخ جاد الحق علي جاد الحق، والدكتور محمد سيد طنطاوي ونصر فريد واصل، والشيخ أحمد الطيب، والشيخ علي جمعة، حتى المفتي الحالي الدكتور شوقي علام.
ثم تتبع الكتاب مقرات دار الإفتاء المصرية رغم الغموض الشديد المحيط بها؛ إذ كان الإفتاء يسير في مصر بشكل شخصي غير مؤسسي، سواء كان الإفتاء بشكل رسمي أو تطوعي، وكان المفتي يجلس للفتوى عادة في نفس مكان درسه بالأزهر، أو في المحكمة إذا سئل هناك، وإن كنا نعرف أن الشيخ العباسي هو أول من تولى مشيخة رواق الحنفية، واتخذه مقرا له، ثم انتقل المقر مع الشيخ محمد البناء إلى سراي الحقانية، وفي هذه الفترة تغير لقب مفتي الحنفية إلى لقب مفتي الديار المصرية، وهكذا حتى تولى الشيخ محمد عبده منصب الإفتاء وظلت مقراته تتغير بتغير المشايخ حتى استقر أخيرا في مقره الحالي بحديقة الخالدين بالدراسة بجوار مشيخة الأزهر ونقابة الأشراف.
وإذا كان لنا أن نقر بالدور التاريخي والحضاري الذي تقوم به دار الإفتاء المصرية من خلال وصل المسلمين المعاصرين بأصول دينهم من خلال بيان الأحكام الشرعية ومتابعة البحوث الفقهية والأصولية ومعالجة ما التبس على المسلمين شرقا وغربا من أمور دينهم ودنياهم، وكل ما استجد على الساحة المعاصرة وفق معالم هادية وضوابط رشيدة أسس لها السادة الفقهاء الأكابر عبر العصور؛ إذا كان لنا الإقرار بذلك من غير لجاجة أو تغبيش على هذا الدور الهام الواضح للعيان، فإن التعريف بتاريخ دار الإفتاء المصرية وما وصلت إليه من مكانة كبيرة عند المسلمين من المهمات الجليلة التي تفرضها اللحظة التاريخية التي تمر بها أمتنا، والمحن التي تكاد تعصف بهويتنا، وتطيح بقيمنا وثوابت ديننا...

تقوم الأديان والحضارات بل والحركات الإصلاحية من سالف الزمان إلى يوم الناس هذا، بسواعد الشباب ووقود هممهم وعصارة أعمالهم، ولا يعرف دورهم في بناء الحضارة إلا من أوتي حكمًا؛ وقد خاطب الزهري الشباب فقال: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم؛ يبتغي حدة عقولهم.


عمارة الإسلام تقوم على بنيان مرصوص من العبادات تشد بعضها بعضًا، فمن بين عبادات فردية قائمة بين العبد وربه كالصلاة والصيام، إلى عبادات جمعية تمس المجتمع وتؤثر فيه كالزكاة وشهود الجماعات في الجمع والأعياد؛ ما يحافظ على هيكله الاقتصادي ويحفظ هويته وقيمه وتاريخه الاجتماعي. والحج والعمرة عبادة شاملة تحوي معاني العبادات الفردية والجماعية، وتؤدي أغراضها الاقتصادية والاجتماعية؛ ففيها التلبية بتوحيد الله، واقتباس المناسك عن الرسول الكريم، وهذا تحقيق للشهادة بفرعيها، وفيها الطواف والدعاء الذي هو روح الصلاة، وفيها بذل المال وإطعام الطعام الذي هو لب الزكاة، وفيها ضبط النفس والإمساك عن الرفث والفسوق والجدال بما يمثل جوهر عبادة الصيام، ثم فيها من المشقة والتعرض لمخاطر السفر ما يذكر بالجهاد في سبيل الله ... عبادة هذا شأنها هي عبادة جليلة الشأن عظيمة المقام، ينبغي للمسلم أن يظل حريصًا على أدائها متى توافرت لديه شروطها، فإذا ما تحققت فيه الشروط، المعروضة في ثنايا هذا الكتاب، لزمته معرفة الآداب التي ينبغي عليه أن يتحلى بها ـمعتمرًا كان أم حاجًّا، رجلًا كان أم امرأة.


الأقليات المسلمة هم أولئك المسلمون الموجودون في بلاد غير إسلامية، يختلفون في مرجعيتهم الدينية بالنسبة إلى سكان تلك البلاد المتمتعين بالسيادة عليهم. وموضوع فقه الأقليات هو الأحكام الفقهية المتعلقة بالمسلم الذي يعيش خارج بلاد الإسلام. ومصطلح فقه الأقليات مصطلح حادث لم يكن موجودًا في التراث الفقهي، بل استُحدث تبعًا لمتغيرات العصر، وهو من هذا المنطلق فقه نوعي يراعي ارتباط الحكم الشرعي بظروف جماعة ما في مكان محدد نظرًا لظروفها الخاصة من حيث كون ما يصلح لها لا يصلح لغيرها، غير أنه ليس فقهًا مستقلًّا خارجًا عن الإطار التشريعي العام بل لا يخرج عن الأدلة المتفق عليها في كتب الفقه التراثية، وإن كانت لها صورة جديدة معاصرة.


إن بعض حسني النية قد يظنون أن البابية لا تختلف مع الإسلام ولا تتعارض معه، ودليل قناعتهم أنهم يعرفون أناسًا دخلوا في الإسلام بفضل مجهودات البابيين، وأن البابية لها نشاط واسع وأن أتباعها كانوا ينشرون الإسلام في أمريكا الشمالية وفي أوربا. ولكن الحقيقة أن البابيين، أو البهائيين كما شاع عنهم، يتخفون في صورة المسلمين الملتزمين، وهم في الحقيقة معادون للإسلام وإن تصفح كتب البابيين تؤكد أن المذهب البابي يتعارض مع الدين الإسلامي، بل يضاده في أصوله وفروعه.


لم يدعِ الشرع الحنيف حالًا يتلبس فيها المسلم تخالف مستقر حياته ومعتاد معاشه إلا وأصَّل لها وفصَّل حكمها؛ حتى لا تفضي به متغيرات الزمان والمكان إلى الحرج والمشقة، وهما من أسباب جلب التيسير الذي هو مقصود الشارع الحكيم.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :39
الظهر
12 : 50
العصر
4:21
المغرب
7 : 2
العشاء
8 :20