01 يناير 2017 م

"كفالة جده ثم عمه له صلى الله عليه وسلم"

"كفالة جده ثم عمه له صلى الله عليه وسلم"

عاد الحبيب صلى الله عليه وسلم من بادية بني سعد إلى حضن أمه التي لم ينعم بصحبتها طويلًا فقد فاضت روحها بعد قليل من عودته بعد أن اصطحبته معها لزيارة أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة التي صارت منورة به صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وما لبثت أن توفيت في طريق العودة بمكان اسمه الأبواء ودفنت فيه وتركته صلى الله عليه وسلم يتيم الأبوين، وهو في السادسة من عمره حيث يكون الإنسان أحوج إلى والديه، لكنها إرادة الله.

قال الدكتور البوطي في هذا: "أرادت حكمة الله أن ينشأ رسوله يتيمًا، تتولاه عناية الله وحدها، بعيدًا عن الذراع التي تمعن في تدليله، والمال الذي يزيد في تنعيمه، حتى لا تميل به نفسه إلى مجد المال والجاه، وحتى لا يتأثر بما حوله من معنى الصدارة والزعامة، فيلتبس على الناس قداسة النبوة بجاه الدنيا، وحتى لا يحسبوه يصطنع الأول ابتغاء الوصول إلى الثاني". [فقه السيرة].

انتقل صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى كفالة جده الذي حباه بعطف ومحبة وعناية شديدة حرصًا على جبر خاطره وشفقة عليه بعد أن فقد والديه، حتى يروى أن عبد المطلب وكان زعيم مكة إذ ذاك كان يُجلس الحبيب صلى الله عليه وسلم على بِساطه الذي لا يجرؤ أحد على الجلوس عليه وكان يصحبه معه إلى حجر الكعبة حيث يجلس مع سادة قريش وكبرائها حتى لا يتركه للوحدة والحزن.

لم يعش عبد المطلب كثيرًا فقد فارق الحياة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره، وكان جده قد أوصى به عمَّه الشقيق أبا طالب، الذي تحمل مسؤولية الحبيب صلى الله عليه وسلم بسرور رغم أنه كان كثير العيال ولم يكن موسرًا لكنه رحب بابن أخيه اليتيم الذي كان بعد ذلك سببًا في أن البركة حلَّت عليه وعلى بيته وعياله.

لم يقبل الفتى الصغير أن يعيش عالة على عمِّه الذي كفله وتعهد بالاعتناء به فقد بادر صلى الله عليه وسلم بالسعي والعمل رغم أنه ما يزال في سن مبكرة على بذل الجهد وتحمل المسؤولية، لكنه قدره الذي ينتظره ويهيئه الله تعالى له بإعداده إعدادًا دقيقًا.

ثم مرت الأيام وَردَّ النبي صلى الله عليه وسلم الجميل إلى عمِّه أبي طالب بكفالته لولده علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، كما ورد عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، قال: "كان من نعم الله على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما صنع الله له وأراده به من الخير أن قريشًا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب في عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس، وكان من أيسر بني هاشم: «يا أبا الفضل، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه نخفف عنه من عياله؛ آخذ من بنيه رجلًا، وتأخذ أنت رجلًا فنكفلهما عنه» فقال العباس: نعم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلًا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيًّا فاتبعه وصدَّقه وأخذ العباس جعفرًا، ولم يزل جعفر مع العباس حتى أسلم، واستغنى عنه" [المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 666)].

وفي هذا ما فيه من كريم الخلال ورد الجميل ومقابلة الإحسان بالإحسان، وهذه الصفات الكريمة يحتاجها الناس في كل زمان ومكان؛ فعلينا أن نتعلم منه صلى الله عليه وسلم ونسير على خطاه الشريفة.

 

عندما يبدأ الحق في الانتشار والتمكن يجن جنون أهل الباطل، ويلجؤون إلى كل السبل التي تعطل مسيرة الحق والحقيقة.


مضت الأيام وأقبل موسم الحجِّ عام 621م، وفيه وفد اثنا عشر رجلًا من أهل يثرب، فأزالت أخبارهم السَّارَّة كلَّ هموم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما لاقاهم في المكان المُتفق عليه. وحينما التقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوفد المدينة، حدَّثوه بأنَّ أهل بلده ينتظرونه ليلتفُّوا حوله ويعتنقوا رسالته حتى يمكنهم أن ينتصروا على اليهود ويتخلَّصُوا مما يحيط بهم من الخلاف والشِّقَاقِ.


لطالما وفدت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن ضمن هؤلاء الوفود الذين قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أول الإسلام وفد من النصارى؛ حكى حكايتهم ابن إسحاق حينما ذكرهم قائلًا: ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشرون رجلًا، أو قريبًا من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه فكلَّموه وسألوه، ورجالٌ من قريشٍ في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما أرادوا، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به، وصدَّقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.


الجزيرة العربية جزء هام من العالم له تميز خاص بسبب موقعه الجغرافي وتاريخه الديني، ولم تكن الجزيرة بمنأًى عن التأثر بالحالة العامة التي يعيشها العالم هذه الأثناء فهي سياسيًّا قبائل متفرقة تعاني التناحر والاقتتال غالب الوقت بسبب العصبية والحرص على الزعامة ولا أشهر من حرب داعس والغبراء والبسوس دليلًا على ذلك.


كانت الإنسانية قبل مبعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة من التيه والتخبط؛ فعند التأمل تجد العالم في هذه الأثناء ممزقة أوصاله متفرقة أواصره، ولتزداد الصورة وضوحًا سنلقي شيئًا من الضوء على أحوال الأمم إذ ذاك.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :39
الظهر
12 : 50
العصر
4:21
المغرب
7 : 2
العشاء
8 :20