01 يناير 2017 م

"فضيلة الرفق في الأمور كلها"

"فضيلة الرفق في الأمور كلها"


عَنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» رواه مسلم.

الرِّفْقُ فِي اللُّغَةِ: لِينُ الْجَانِبِ، وَلَطَافَةُ الْفِعْل، وَإِحْكَامُ الْعَمَل، وَالْقَصْدُ فِي السَّيْرِ. وَالرِّفْقُ يُرَادِفُهُ الرَّحْمَةُ، وَالشَّفَقَةُ، وَاللُّطْفُ، وَالْعَطْفُ، وَيُقَابِلُهُ الشِّدَّةُ، وَالْعُنْفُ، وَالْقَسْوَةُ وَالْفَظَاظَةُ، وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاحِيُّ لِلرِّفْقِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ. "الموسوعة الفقهية الكويتية" (22/ 291).

قال العسكري: «والرفق هو اليسر في الأمور والسهولة في التوصل إليها وخلافه العنف وهو التشديد في التوصل إلى المطلوب، وأصل الرفق في اللغة النفع، ومنه يقال: «أرفق فلان فلانًا» إذا مكنه مما يرتفق به، ومرافق البيت المواضع التي ينتفع بها زيادة على ما لا بد منه».

وقال شيخ الإسلام الغزالي في "الإحياء": «اعلم أن الرفق محمود، ويضاده العنف والحدة؛ والعنف نتيجة الغضب والفظاظة، والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة؛ وقد يكون سبب الحدة الغضب، وقد يكون سببها شدة الحرص واستيلاءه، بحيث يدهش عن التفكر ويمنع من التثبت؛ فالرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق، ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة، وحفظهما على حد الاعتدال، وَلِأَجْلِ هَذَا أَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرِّفْقِ، وَبَالَغَ فِيهِ فَقَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ أَهْلَ بَيْتٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ»، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِعَائِشَةَ»: «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» اهـ.

ولا يختلف اثنان في أنه بالرفق تسهل الأمور، وبه يتصل بعضها ببعض، وبه يجتمع ما تشتت ويأتلف ما تنافر وتبدد، ويرجع إلى المأوى ما شذ، وهو مؤلف للجماعات، جامع للطاعات، ومنه أخذ أنه ينبغي للعالم إذا رأى من يخل بواجب أو يفعل محرمًا أن يترفق في إرشاده ويتلطف به؛ روي عن أبي أمامة أن شابًا أتى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال له: ائذن لي في الزنا! فصاح الناس به فقال: «ادن مني» فدنا، فقال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا، قال: «فالناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟» قال: لا، قال: «فالناس لا يحبونه لبناتهم» حتى ذكر الزوجة والعمة والخالة، ثم دعا له، فلم يكن بعدُ شيء أبغضَ إليه من الزنا. اهـ. من "فيض القدير" (5/ 461).

فرسول الله صلى الله عليه وسلم يخط لنا قاعدة ومنهاجًا ينبغي أن نسير عليه في جميع أمورنا، هذا المنهاج يقول: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه» إذ هو سبب لكل خير «ولا ينزع من شيء إلا شانه» إذ العنف مصدر كل شر.

وقد قال هذا الحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد ركبت بعيرًا فيه صعوبة فجعلت ترده وتضربه؛ فنصحها رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك النصيحة الجامعة المانعة.
فصلاةً وسلامًا عليك يا سيدي يا رسول الله.

فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكَ -أَوْ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ- عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ؟ تَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ».


عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: نَرَاكَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ. فَقَالَ: «أَجَلْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ»، ثُمَّ أَفَاضَ الْقَوْمُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى خَيْرٌ مِنْ الْغِنَى، وَطِيبُ


عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» متفق عليه. وفي روايةٍ لمسلمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ، ثُمَّ يَمْحَقُ».


عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ» رواه البخاري. الحياء من أعظم الفضائل التي يتحلى بها الإنسان، بل هو مصدر للفضائل الأخرى، وقد تعددت الأحاديث التي أوصى فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بهذه الفضيلة العظيمة وهذا الخلق السامي.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 03 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :15
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 47
العشاء
9 :13