01 يناير 2017 م

الرقابة والمحاسبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء

الرقابة والمحاسبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء


تعد الرقابة والمحاسبة من أسس العمل الناجح، الذي تنبني عليه قيمة هذا العمل ومدى إمكانية تحقيقه للنتائج المرجوَّة منه، ولقد اهتمَّت الرؤية الإسلامية بهذا الأمر، وأوْلَته ما يستحقُّ من عنايةٍ واهتمامٍ.

إن المسلم ينشأ على اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى يراقبه ويطَّلع على دقائق أعماله، فلا يكون في كونه سبحانه وتعالى إلا ما أراد، وأن كلَّ ما في الكون بحسابٍ وتقديرٍ، وليس فيه شيءٌ خلقه الله سبحانه زائدًا لا فائدة منه أو مفتقرًا إلى استكمال؛ فينشأ المؤمن الذي في ذهنه هذا التصور على منهجٍ يدفعه إلى إتقان العمل، ومحاسبة نفسه على مقدار أهميته وأولويته قبل أن يحاسبَه غيرُه عليه، وهذا التصور أيضًا يرسِّخ من قيمة المحاسبة والرقابة وتقييم العمل؛ قال تعالى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ [الرحمن: 5]، وبيَّنَ سبحانه أن أعمالنا نُجازى عليها وأنه سبحانه بصيرٌ بنا وبما نعمل؛ فقال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 110]، وقال أيضًا: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، وأخبرنا سبحانه أنه يطلع على أعمالنا، وتُعرض على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، وفي النهاية سنحاسب على هذه الأعمال: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105].

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجَّهَ المسلمين إلى العناية بأمر العمل وأدائه بأمانة، وأن كلَّ أحدٍ مسئولٌ عمَّن له سلطة عليهم فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه مسلم.

وكان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم أن يُحاسب مَن يُكَلِّفهم بعملٍ ما؛ فعن أبي حميدٍ الساعدي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل ابن الأُتَبِيَّةِ على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحاسبه قال: هذا الذي لكم، وهذه هدية أهديت لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال: «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ، وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا»، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلَّانِي اللهُ فَيَأْتِي أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا، فَوَاللهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا -قَالَ هِشَامٌ: بِغَيْرِ حَقِّهِ- إِلَّا جَاءَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَلا فَلَأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللهَ رَجُلٌ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٍ تَيْعَرُ» رواه البخاري.

وكذا كان نهج الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنهم تمسَّكوا بأمر الرقابة والمحاسبة حتى لو أدَّى ذلك لإغضاب من تتم محاسبتهم؛ فحين قدم معاذٌ رضي الله تعالى عنه من اليمن بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال له: "ارفع حسابك" فقال: "أحِسابان؛ حسابٌ من الله، وحسابٌ منكم؟ والله لا ألي لكم عملًا أبدًا".

وكان من سيرة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأخذ عماله بموافاته كلَّ سنة في موسم الحج ليحجزهم بذلك عن الرعية، ويحجر عليهم الظلم، ويتعرَّف أحوالهم في قرب، وليكون للرعية وقت معلوم ينهون إليه شكاويهم فيه.

وكانت هناك وظيفة تُسمَّى المحتسب، وكان من يتولاها يمُرُّ بالأسواق ليتأكَّدَ من التزام التجار بضبط الموازين وعدم الغش ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:
- "عيون الأخبار" لابن قتيبة.
- "التراتيب الإدارية" للكتاني.
- "تخريج الدلالات السمعية" للخزاعي.
- "الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والثلاثة الخلفاء" لأبي الربيع بن موسى بن سالم الكلاعي.

اهتم الإسلام بأمر العلم والعناية به، وقد كان ذلك من أوائل التوجيهات الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمسلمين أيضًا، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، من هذا المنطلق كانت الرؤية واضحةً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين، باتخاذ وسيلة ومفتاح تحصيل هذا العلم ونشره عن طريق تعلُّم الكتابة، والتي أوصى الله باستخدامها في موضع آخر، منها مثلًا ما يتعلق بتوثيق الحقوق؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ﴾ [البقرة: 282].


التكايا والزوايا من المؤسسات المهمة التي أنتجتها الحضارة الإسلامية؛ لتقدم نموذجًا فريدًا في خدمة المجتمع والرسالة الدينية والقيم الإنسانية، وقد كانت –تحديدًا- من ثمار التفاعل الصوفي مع الواقع وتيسير أفضل السبل لتحقيق الغاية من سلوك طريق التصوف. وهناك عددٌ من المفاهيم لا بد من بيانها قبل الحديث عن أثر هذه المؤسسات الصوفية في الحضارة الإسلامية


ليس من قبيل المصادفة البحتة أن يكون ذكر القلم والكتابة في أول أيات تنزل من القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ • الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 3، 4] وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، وأقسم بالكتاب ﴿وَالطُّورِ • وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: 1، 2] وفي محكم التنزيل آية كبيرة تسمى بآية الدَّين؛ وهي آية تحث


كان نشرُ العلم أحدَ القواعد الأساسيَّة التي قامت عليها الحضارة الإسلامية؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معلِّمًا وداعيًا، يهديِ به اللهُ من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ، فقد خاطبه الله تعالى قائلًا له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].


(المآذن نموذجًا) الجمال مجلى الحضارة الإسلامية وروحها الذي به تنطلق محلقة في آفاق الفنون والعلوم، شاهدة على أن الله تعالى يحب الجمال ويدعو إليه لأنه جميل. والإسلام يشجع على إبراز المعاني الجمالية في الأشياء من حولنا، حتى تبعث على النفس الإنسانية الأنس والراحة والسكينة والسعادة؛ ذلك أن الفن في الحضارة الإسلامية مرتبط بسبب متين بالجمال المعنوي الذي ينفذ إلى أسرار وحقائق الأشياء التي أبدعها الخالق في كونه وصوَّرها بقدرته في أبدع وأجمل تصوير، وأودع فيها من مظاهر الانجذاب والجمال ما يكون موصلًا إلى الله تعالى، فالفن في الإسلام له وظيفة عمرانية ووظيفة أخلاقية ودعوية،


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 11 يوليو 2025 م
الفجر
4 :18
الشروق
6 :2
الظهر
1 : 0
العصر
4:37
المغرب
7 : 59
العشاء
9 :30