01 يناير 2017 م

الأسرة ودورها في بناء الحضارة

الأسرة ودورها في بناء الحضارة

تحتل الأسرة منزلة كبيرة، وتؤدي دورًا محوريًّا في بناء المجتمعات، ويؤثر وضعها وحالتها على وضع وحالة المجتمع؛ فهي اللَّبِنَةُ الأولى في بنائه؛ ذلك أن الفرد بمفرده لا يُنمِّي المجتمع ويمده باحتياجاته البشرية، فذلك إنما يتحقق من خلال الأسرة فحسب، فضلًا عن أن الفردية التي انتشرت بسبب الفلسفات، والأفكار الحداثية، تؤدي إلى الانعزال والتقوقع داخل الذات، وتتسبب في وقوع كثير من المشكلات الاجتماعية، والحضارية.

ولهذا أوْلَى الإسلام أهميةً كبيرةً لهذه الوحدة الاجتماعية، وعاملها معاملةً خاصةً تكفل لها الاستقرار، وتحقق لها التوازن المطلوب؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]، ونلاحظ هنا ذكر القرآن لثلاثة ملامح مهمة وهي: السكينة، والمودة، والرحمة.

إن تحقيق هذه المقاصد من خلال الزواج وتكوين الأسرة له انعكاسات كبيرة الأثر على حالة هذا المجتمع الذي تحظى وحداته الاجتماعية الأساسية بهذه الثلاثية التي يدفع استقرارها، وما يتوفر لها من سكينة، وطمأنينة، ومودة، ورحمة إلى سعيٍ، وبناءٍ، وتسامحٍ، ومودةٍ، بين وحدات المجتمع الأخرى أيضًا؛ كوحدات الأسرة الكبيرة، والعمل، والحي، والقرية، والمدينة، والدولة، والأمة، وصولًا إلى وحدة الإنسانية؛ فيعيش الناس في بيئة آمنة مطمئنة متعاونة.

ولا تتكون الأسرة في الشريعة الإسلامية إلا بعقدٍ تتوافر فيه ضوابط معينة تكفل ضمان الاعتراف بهذه العلاقة في إطار من الشرعية، ويترتب على هذا العقد حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين؛ كالإنفاق، والرعاية، والميراث... وغيرها. ولقد حرص الإسلام على توثيق هذه الحقوق في القرآن الكريم، وفَصَّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التأكيد عليها وتوضيح تطبيقاتها، وحافظ المسلمون على مدار القرون المتطاولة على رعايتها، والضوابط المتعلقة بها دون تفريط فيها أو تشويه، كما يدُلُّ على ذلك ما دَوَّنَه الفقهاء المسلمون بمختلف مشاربهم وتنوعهم.

أما ما نجده في الثقافات الأخرى من انتشار العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء دون زواجٍ، أو دون ترتيب أي حقوق وواجبات، أو إقامة علاقة جنسية بين رجلٍ ورجل، أو امرأة وامرأة، مما يسهِّل أمر هذه العلاقات ويهوِّن من شأنها بين الناس، ويجعلها مجرد علاقة عادية، وقضاءً لشهوة عارضة، ثم ما يترتب على هذا مثلًا من انفراد أحد طرفي العلاقة؛ كالمرأة بإنجاب طفل -ترتب على هذه العلاقة- ينشأ دون أب يرعاه ويتعاهده ويكون مسؤولًا عنه بصورة إلزامية -كما هو الحال في الإسلام- لمما يُشوِّه الحياة، ويفكك الروابط، ويؤدي إلى جعل الشهوة الذاتية معيارًا، وهدفًا للإنسان، وهذا مما يضعف ترابط المجتمعات؛ إذ ينشأ كل فرد فيه ولا يعنيه سوى نفسه، فيقل الحب، والاحترام، والتعاون، والتسامح فيه، وتنتشر الأنانية، والسعي لتحقيق المصلحة الذاتية، دون النظر لاعتبارات تتعلق بالآخرين، الذين يعيشون في المجتمع ذاته، وهذا الأمر لا يقف عند حدود الفرد فحسب، بل يتعداه إلى سلوك المجتمع كوحدة ينتشر بين أفرادها نزوع لتحقيق المصالح الذاتية، فيسعى هذا المجتمع لتحقيق مصالحه كمجتمع دون نظر لاعتبارات تتعلق بمصالح المجتمعات الأخرى؛ فيترسخ منطق الصراع، والنزاع بين المجتمعات كأساس للعلاقة فيما بينها.

لقد سمَّى الإسلام العقد الذي يُنشئ أسرة بالميثاق الغليظ؛ فقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ۞ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21].

وجعل ارتباط الزواج بناءً على التدين أفضلَ من ارتباطه بناءً على ما يشتهيه الإنسان عادة، من جمال، أو مال، أو مكانة اجتماعية.

طبعًا، لا وجه لتعارض الجمال والمال وحيازة المكانة الاجتماعية مع التدين، ولكن المقصود أن التدين هو الأساس، وفي ذلك إشارة واضحة على ربط تصرفات المسلم بدينه في سعيه وحركته في المجتمع، ومن ثمَّ في بناء أسرته التي هي الوحدة الأساسية فيه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ» رواه البخاري.

وإذا كان بناء الأسرة بالزواج لا يتم إلا بناءً على "عقد" فإنه يلزم لهذا العقد توافر شرط الرضا فيه؛ فلا إكراه في الزواج؛ فعن خنساء بنت خِذَام الأنصارية: أن أباها زَوَّجَهَا وهي ثَيِّبٌ فكَرِهَتْ ذلك، فأتَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فَرَدَّ نكاحَه.

هذه لمحة خاطفة عن بعض جوانب نظرة الإسلام للأسرة، وانعكاس ذلك على بناء المجتمع وحركته الحضارية، وبيان موضع الأسرة في هذا البنيان الذي يُعدُّ من الأسس المهمة لإقامة الحضارة، على أساس سليم، يكفل لها الفاعلية في تحقيق مراد الله من خلقه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "تفسير الطبري".
- "تكوين الأسرة" للدكتور محمد المسيَّر، ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ـ مصر).
 

كان نشرُ العلم أحدَ القواعد الأساسيَّة التي قامت عليها الحضارة الإسلامية؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معلِّمًا وداعيًا، يهديِ به اللهُ من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ، فقد خاطبه الله تعالى قائلًا له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].


علم الجرح والتعديل أو علم الرجال، هو أحد العلوم التي تميَّزَ بها المسلمون عن سائر الأمم، وقد كان الهدف منه التثبت من نقل الأخبار والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتوقف على هذا العلم الحكم بصحة الخبر أو الحديث أو ضعفه أو كذبه، وهو توجيه إلهي حث الله سبحانه عليه المؤمنين حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].


شكلت المياه في مسيرة الإنسانية عاملًا مهما من عوامل قيام الحضارات وازدهارها، كما كان في فقد الماء أو سوء استخدامه تأثير بالغ في انهيار الحضارات واختفائها. وقد وقف القرآن موقفا صريحًا كشف فيه عن أهمية الماء في حياة المخلوقات؛ حيث قال المولى عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، كما جاء في سياق بيان طلاقة القدرة والامتنان على العباد بخلق الماء قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ۞ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 10-11]، وغير ذلك من آيات تكرر فيها ذكر الماء وأنواعه ومصادره ووظائفه وغيرها.


"الأدب" كلمةٌ ترجع إلى معنى الاجتماع والضيافة والكرم، ومن ذلك تسمية العرب للمأدبة، فكان العرب يقولون: أدِبَ القومَ يأدبهم أدبًا، إذا دعاهم إلى طعامٍ يتَّخذه، وكان إقراءُ الضيوف وتقديمُ الطعام لهم من أرقى الخصال التي يتحلَّى بها المرءُ في هذه البيئَة الصَّحراويَّةِ المُقْفِرَةِ؛ حيث كان امتلاكُ الطَّعام هو السبيلُ الدُّنيويُّ الوحيد تقريبًا للحياة، فكان تقديمُه للضيوف دليلًا على رُقِيٍّ أخلاقيٍ عالٍ، وَسُمُوِّ نفسٍ كبيرٍ.


لم يكن هدف الحرب في الإسلام السيطرة على الشعوب ونهب مقدراتها، وإنما كانت تهدف إلى تحريرهم من نير الظلم والاستعباد، والدفاع عن الدعوة إلى الدين الحق، لقد كان هذا هو محور التوجيهات الإسلامية في القرآن والسنة وإجماع العلماء والتطبيق العملي الواقعي المتمثل في سلوك كثير من القادة العسكريين على مدار التاريخ الإسلامي.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57