24 يوليو 2017 م

إنما الأعمال بالنيات

إنما الأعمال بالنيات

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» متفق عليه.
لقد ذهب بعض العلماء إلى أن قصة "مهاجر أم قيس" سبب لورود حديث إنما الأعمال بالنيات؛ فقد نقل الحافظ ابن حجر في "الفتح": أن سعيد بن منصور رضي الله عنه رواها بإسناده فقال: "وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور رضي الله عنه قال: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله هو بن مسعود رضي الله عنه قال: من هاجر يبتغي شيئا فإنما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له: "مهاجر أم قيس". وقد رواها أيضًا الطبراني في "المعجم الكبير".
وقال ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام": بعد أن ذكر اسم الهجرة وعلى ماذا يطلق: [وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَحُكْمُهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَ يَقْتَضِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ، لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضِيلَةَ الْهِجْرَةِ وَإِنَّمَا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تُسَمَّى أُمَّ قَيْسٍ] اهـ.
ثم هذا الحديث قد تواتر النقل عن الأئمة بتعظيم موقعه، وكثرة فوائده، وأنه أصلٌ عظيم من أصول الدين، ومن ثَمَّ خطب به صلى الله عليه وآله وسلم -كما في رواية البخاري- فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما الأَعمال بالنيَّاتِ»، وخطب به عمر رضي اللَّه تعالى عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -كما أخرجه البخاري أيضًا-.
ولذلك قال أبو عبيد: "ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدةً منه، ومن ثَمَّ قال أبو داوود: إنه نصف العلم؛ ووجهه: أنه أجلُّ أعمالِ القلب والطَّاعة المتعلقة بها، وعليه مدارها، فهو قاعدة الدين، ومن ثَمَّ كان أصلًا في الإخلاص أيضًا، وأعمالُ القلب تقابل أعمال الجوارح، بل تلك أجلُّ وأفضل، بل هي الأصل، فكان نصفًا، بل أعظم النصفين كما تقرر.
وقال كثيرون؛ منهم الإمام الشافعي: (إنه ثلث العلم).
قال البيهقي: (لأن كسب العبد إما بقلبه، أو بلسانه، أو بجوارحه، فالنية أحدها وأرجحها؛ لأنهما تابعان لها صحةً وفسادًا، وثوابًا وحرمانًا، ولا يتطرق إليها رياءٌ ونحوه بخلافهما، ومن ثَمَّ ورد: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ من عَمَلِهِ» وهو ضعيفٌ لا موضوع، خلافًا لمن زعمه.
ويدل لخيريَّتها خبرُ أبي يعلى: "يقول اللَّه تعالى للحفظة يوم القيامة: اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر، فيقولون: ربنا؛ لم نحفظ ذلك عنه، ولا هو في صحفنا".
وقال الإمام الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه أيضًا: (إنه يدخل في سبعين بابًا)، ولم يُرِدْ به المبالغة، خلافًا لمن وهم فيه؛ لأن من تدبَّر مسائل النية في متفرقات الأبواب.. وجدها تزيد على ذلك؛ إذ تدخل في ربع العبادات بكماله، وكنايات العقود، والحلول، والإقرار، والأيمان، والظهار، والقذف، والأمان، والردة، وفي الهدايا، والضحايا، والنذور، والكفارات، والجهاد، وسائر القُرَب؛ كنشر العلم، وكل ما يتعاطاه الحُكَّام، بل وسائر المباحات إذا قصد بها التَّقَوِّي على الطاعة، أو التَّوصُّل إليها.
ويعد هَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةً مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ ثُلُثُ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: رُبْعُهُ. وَقِيلَ: خُمْسُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إنَّهُ ثُلُثُ الْعِلْمِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ، فَالنِّيَّةُ أَحَدُ الْأَقْسَامِ، وَهِيَ أَرْجَحُهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِبَادَةً بِانْفِرَادِهَا، وَلِذَلِكَ كَانَتْ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرًا مِنْ عَمَلِهِ، وَهَكَذَا أَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُلُثَ الْعِلْمِ مَعْنًى آخَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: أُصُولُ الْإِسْلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثُ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ».
وَقَالَ أَبُو دَاوُد اجْتَهَدْت فِي "الْمُسْنَدِ"، فَإِذَا هُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ، ثُمَّ نَظَرْت، فَإِذَا مَدَارُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ»، وَ«الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ»، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا»، وَحَدِيثُهُ: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» . هَكَذَا رَوَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْهُ وَرَوَى ابْنُ دَاسَةَ عَنْهُ نَحْوَهُ، إلَّا أَنَّهُ أَبْدَلَ حَدِيثَ «إنَّ اللهَ طَيِّبٌ» بِحَدِيثِ «لَا يَكُونُ الْمَرْءُ مُؤْمِنًا حَتَّى لَا يَرْضَى لِأَخِيهِ إلَّا مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ» .
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مَكَانَ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي تَرَدَّدَ كَلَامُ أَبِي دَاوُد فِيهِ حَدِيثَ «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبّكَ النَّاسُ»، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَيْضًا: الْفِقْهُ يَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ»، و«الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، و«مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، و«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، و"الدّينُ النّصيحةُ".
المصادر
- "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني.
- "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد.
- "الفتح المبين بشرح الأربعين" لابن حجر الهيتمي.
- "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقي.

 

عن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ» رواه البخاري.


"كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاةِ". هذه جملةٌ جامعةٌ صيغت برهافةِ الحسِّ ووجدانيَّةِ النَّفس ونُورَانيَّة الرُّوح تحاول تلخيص بركات الصَّلاة في عبارةٍ رائقةٍ وبلاغةٍ سابقةٍ، وإلا فإنَّ بركات الصلاة لا يعلم كُنْهَهَا وحقيقتَها وحصرهَا إلا رب البشرِ سبحانه وتعالى: قال الإمام/ ابن عجيبة في "البَحر المديد": [وفي الصَّلاة قضاءُ المآربِ وجبرُ المصائب؛ ولذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصَّلاة، ﴿وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ﴾ [البقرة: 45]، أي: شاقَّةٌ على النَّفس؛ لتكريرِها في كلِّ يومٍ، ومجيئِها وقت حلاوةِ النَّومِ، ﴿إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ﴾ الذين سكنت حلاوتُها في قلوبِهم، وتناجَوا فيها مع ربِّهم، حتى صارت فيها قُرَّة عينهم] اهـ.


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ؛ يَقُولُ: «قُولُوا: اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» رواه مسلم.


فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» رواه مسلم.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 13 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :9
الشروق
6 :42
الظهر
11 : 49
العصر
2:38
المغرب
4 : 56
العشاء
6 :19