18 مايو 2022 م

الغيرة بين الأزواج

الغيرة بين الأزواج

الغيرة المحمودة في أصلها من المطلوبات الشرعيَّة والفضائل الأخلاقية؛ حيث تبعث على إظهار كِلَا الزوجين المودةَ والحب والاهتمام للطرف الآخر استجابة إلى ما تدعو إليه طبيعة النفوس من حب اختصاصها بمحبوبها بصفة خالصة حتى لا يشاركها في ذلك غيرها.

والغَيْرَة في لغة العرب مشتقة من تغيُّر القلب، وهي باعثة على حب الاستئثار من طرف بالآخر، وتكون في أعلى درجاتها بين الزوج والزوجة في الحياة الأسرية، ولهما في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فيما يحصل بينهما من غيرة محمودة؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم يعرف مشاعر زوجاته، فكان صلى الله عليه وسلم يقول للسيدة عائشة رضى الله عنها: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى»، قالت: فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ». قالت: قلت: أجل، والله يا رسول الله، ما أَهْجُرُ إلا اسْمَكَ. "متفقٌ عليه".

ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم النموذج الأرقى والمثل الأعلى في التعامل مع غيرة الأزواج في إطارها المحمود الداعم لاستقرار الأسرة والمغذى للحب وسريان المودة بين الزوجين؛ حيث كان يغض طرفه عن الهفوات والأخطاء غير المؤثرة، بل كان يظهر وفاءه وحبه لهنَّ، فيناديهنَّ بأحب الأسماء وأحسنها، ويصطحبهنَّ للتنزه والفسحة، ويساعدهنَّ في أعباء المنزل وشئون البيت، فذات مرة أتت السيدة أمُّ سَلَمة رضى الله عنها بطعام في صَحْفةٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت السيدة عائشة رضى الله عنها، ففلقت به الصَحْفةَ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فِلْقَتَيْ الصَّحْفَةِ، ويقول: «كُلُوا، غَارَتْ أُمُّكُمْ» مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صَحْفةَ عائشة، فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صَحْفةَ أم سلمة عائشة. "سنن النسائي".

وتؤسس هذه السمات النبوية محاور الإطار العام الذي ينبغي على الزوجين مراعاة أصوله ومظاهره في إقامة البعد العاطفي بينهما بما يوِّسع مساحة الحب والإخلاص والصدق والصراحة في سائر تعاملاتهما على نحوٍ يحافظ على الأسرة من التوتر والقلق بين أفرادها.

وهي تكشف أيضًا عن جوانب الغيرة الأخرى السلبية التي تفتك بالحياة الزوجية وتهدد استمرارها، وترجع جذور ذلك للانفعالات العاطفية التي تؤدي إلى غلبة الشك وعدم الثقة في مظاهر هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ، من خلال تعمد أحد الزوجين مضايقة الطرف الآخر وإثارة غيرته بكثرة التبرير والكذب أو بوضع نفسه مواضع الشك فيه؛ كالتكلم بصوت منخفض في حضور الطرف الآخر، أو بالابتعاد عنه، أو تصدير شعور له بأن هناك أمورًا لا يصح اطلاعه عليها. ولا شك أن حدوث هذه الأمور يتسبب عند بعض الأزواج في حالات زائدة من الغيرة، وتُرَسِّخ لديه الشك المفرط وقلة الثقة في شريك الحياة دون مبررٍ حقيقيٍّ لذلك، بل يدفعه في أغلب الصور المعاصرة إلى التجسسِ على الطرف الآخر وتتبع تحركاته بدقة وريبة كبيرة كالتجسسِ على المكالمات الهاتفية، والتفتيشِ في مراسلاته ومحادثاته الإلكترونية وأجهزة الاتصال الخاصة به، ومن ثمَّ تنتهي هذه الأمور بتكدير العلاقة بين الزوجين بسوء الظن وتتبع العورات واختلال الثقة بينهما، فضلًا عن اشتمال ذلك على عددٍ من المنهيات والمحظورات الشرعية المفروضةِ؛ صيانةً لأحوال الناس وأسرارهم.

إن العلاقة الزوجية لا تسير على نسقٍ صحيحٍ إلا بوجود الحب والمودة بين الزوجين، مع تخلُّقهما بالسماحة وغضِّ الطرف عن الهفوات؛ حتى يمارسا الغيرة المحمودة التي لها دور مهم في حماية استقرار العلاقة الزوجية، ومراعاة مشاعر وأحاسيس بعضهما، وما يترتب على ذلك من المحافظة على مساحة الود والرحمة بينهما، وإلا كانت من أهم الأسباب التي تزيد المشكلات بين الزوجين، ومن العوامل المباشرة المسببة لتوتر العلاقة الزوجية وتهديد الحياة الأسرية.

****

أحاط الشرع الشريف الأسرة بالعناية والرعاية والصيانة من المؤثرات المهددة لتثبيت بنيان هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ بكل وسائل الاستقامة والسلامة والاستقرار؛ فأرشد إلى أن الأصل في إنشاء رابطتها هو المودة والرحمة.


أرسى الشرع الشريف للأسرة الأسس المتينة والآداب الحكيمة الضابطة لهذه العلاقة ذات الميثاق الغليظ؛ حتى تكون بمراعاتها محل اطمئنان الزوجين وواحة الراحة والهدوء التي يلجأون إليها؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].


أودع الله تعالى في الإنسان فطرة طبيعية تُولِّد بين كلا نوعيه -الذكر والأنثى- مَيْلًا إلى الآخَر؛ ومن ثَمَّ كان الرباط المخصوص والميثاق الغليظ الذى ينظِّم حياتهما معًا، حتى يكون أحدهما للآخر بمنزلة جُزئِه وبعضِه المُتَمِّم لوجودِه، ومن أجل المحافظة على الإنسان واستمرار نوعه، وتوفير حواضن اجتماعية يحقق فيها حاجاته الطبيعية.


غرس الشرع الشريف جذورًا إنسانية وشرعيَّة جعلت للأمومة خاصة وللمرأة عامة عند المسلمين معنًى رفيعًا له دلالته السامية في تراثهم الديني وموروثهم الحضاري والثقافي؛ فالأم لبنة قوية في الصلات العائلية الـمُكَوِّنة لأصل نظام الاجتماع البشري عبر العصور.


تتشابك الجذور الإنسانية والشرعية في جعل الوالديْن في مكانة عالية ودرجة رفيعة داخل الأسرة، فلا يوجد نظام اجتماعي عبر التاريخ غير متمسك بسريان الصلة بين الأبناء ووالديهما؛ فالعلاقة بينهما قائمة على الإنسانية المحْضة باعتبار الوالدَيْن مظهرًا كونيًّا تجلت فيه صفة الإيجاد والخلق للأبناء، والأولاد أيضًا زينة حياة الوالدين ومظهر كمالها واستقرارها؛ كما في قولِه تعالى: ﴿الْمَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 يونيو 2025 م
الفجر
4 :9
الشروق
5 :55
الظهر
12 : 58
العصر
4:33
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :34