حكم قبول تبرعات غير المسلمين في مصالح المسلمين

تاريخ الفتوى: 11 أبريل 2006 م
رقم الفتوى: 182
من فتاوى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
التصنيف: الهبة
حكم قبول تبرعات غير المسلمين في مصالح المسلمين

هل يجوز أن يتبرع غير المسلمين لكفالة أطفال المسلمين وبناء المساجد وإقامة المشاريع الخيرية كإنشاء المستشفيات ومعاهد التعليم وغير ذلك من أبواب التكافل الاجتماعي؟

نعم يجوز، ولا مانع شرعًا من قبول تبرعات غير المسلمين في مصالح المسلمين العامة؛ دينية كانت أم دنيوية، ما دام لا يترتبُ على ذلك مفسدةٌ شرعيةٌ؛ لأن الأصل في التعايش بين المسلمين وغيرهم هو قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، ولما ورد في السنة المطهرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قَبِلَ الهدايا من غير المسلمين.

المحتويات

 

قبول تبرعات غير المسلمين في مصالح المسلمين والتعايش معهم

الأصلُ في التعايشِ بين المسلمين وغيرِهم هو قولُهُ تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، وهذا يشملُ كافَّةَ أنواعِ العلاقاتِ الإنسانيةِ من التكافلِ والتعاونِ أخذًا وعطاءً على مستوى الفردِ والجماعةِ، وقد جاءت السنةُ النبويةُ المطهرةُ بقبولِ هدايا غيرِ المسلمين؛ فعن علي رضي الله عنه قال: "أَهْدَى كِسْرَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَبِلَ مِنْهُ، وَأَهْدَى لَهُ قَيْصَرُ فَقَبِلَ مِنْهُ، وَأَهْدَتْ لَهُ الْمُلُوكُ فَقَبِلَ مِنْهُمْ" رواه الإمامان أحمد والترمذي وحسَّنه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ رضي الله عنه أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم جُبَّةَ سُنْدُسٍ" متفق عليه، وعنه أيضًا رضي الله عنه: "أَنَّ مَلِكَ ذِي يَزَنَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم حُلَّةً أَخَذَهَا بِثَلاثَةٍ وَثَلاثِينَ بَعِيرًا أَوْ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ نَاقَةً فَقَبِلَهَا" رواه أبو داود، وعن عامرِ بن عبدِ اللهِ بن الزبيرِ قال: "قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ أَسْعَدَ مِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ حَسَلٍ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ بِهَدَايَا؛ ضِبَابٍ وأَقِطٍ وَسَمْنٍ، وهي مُشْرِكَةٌ، فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا" رواه الإمام أحمد.

واستدل العلماء أيضًا على ذلك بقبولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الهديةَ من سلمان الفارسي رضي الله عنه قبلَ إسلامِهِ؛ يقول الحافظ العراقي في "طرح التثريب": [وفيه قبولُ هدية الكافرِ؛ فإن سلمانَ رضي الله عنه لم يكن أسلم إذ ذاك، وإنَّما أسلمَ بعد استيعابِ العلامات الثلاثِ التي كان عَلِمَها من علامات النبوة] اهـ.

ولا فرقَ في قبولِ تبرُّعِ غيرِ المسلمين بين أن يكونَ تبرُّعُهم في مصالحِ الدنيا أو الدين، وبذلك أخذَ الشافعيةُ حين أجازُوا الوقفَ من غير المسلم على منافعِ المسلمين الدينية والدنيوية؛ نظرًا إلى اشتراطِ كون الوقفِ قربةً في ذاته، بقطعِ النظرِ عن اعتقادِ الواقف، خلافًا للمالكية في تصحِيحِهم وقفَ غيرِ المسلمِ على المنافعِ الدُنْيويَّةِ فقط، وللحنفية في اشتراطهم في وقفِ أهلِ الذمَّةِ أن يكون قربةً عندنا وعندهم.
قال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (4/ 122، بتصرف يسير): [وبَطل على حربيٍّ وغير مسلمٍ لِكَمسجدٍ ورباطٍ من كل منفعةٍ عامةٍ دينية، من جملتها بناؤه مسجدًا. ولبطلان القربةِ الدينيةِ من غير المسلم: رد مالكٌ دينارَ نصرانية عليها حين بعثت به إلى الكعبة، وأمَّا القُرب الدنيوية كبناءِ قناطر وتسبيلِ ماءٍ ونحوهما؛ فيصِحُّ] اهـ.
وقال العلامة ابنُ نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (5/ 204): [قوله: يُشترط كونُهُ قربةً عندنا وعندهم، الظاهر أنَّ هذا شرطٌ في وقفِ الذمِّي فقط؛ ليخرج ما لو كان قربةً عندنا فقط كوقفِه على الحجِّ والمسجد، وما كان قربةً عندهم فقط كالوقفِ على البِيعةِ، بخلاف الوقفِ على مسجدِ القدسِ؛ فإنه قربةٌ عندنا وعندهم؛ فيصح] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 510، بتصرف يسير): [شرطُ الواقفِ: صحةُ عبارته، دخل في ذلك غير المسلم؛ فيصح منه ولو لمسجدٍ وإن لم يعتبره قربةً؛ اعتبارًا باعتقادنا] اهـ.

المقصود بالعمارة في قوله ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ

وأما قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: 17]، فالمقصود بالعمارَةِ المَنْهِيِّ عنها هنا ما كان لغيرِ المسلمين فيه ولايةٌ على المساجدِ واستقلال بالقيام بمصالحها، أو خِيفَ من إقامتهم للشِّرك فيها كما قال الله تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18].

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا مانعَ شرعًا من قبولِ تبرُّعاتِ غيرِ المسلمين في مصالحِ المسلمين العامة دينيةً كانت أم دنيويةً، أخذًا بمذهب الشافعية في ذلك ما دام لا يترتبُ على ذلك مفسدةٌ شرعيةٌ.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم التصرف في المال حال الحياة بإعطائه بعض الورثة؟ فهناك رجل له خمس بنات صغيرات، وله أخت ظروفها المادية مستقرة، ويريد أن يكتب كلَّ مالَهُ لبناته الخمس، وحرمان أخته من الميراث بعد وفاته؛ لوجود مشكلات بينهما. فما الحكم؟


ما حكم كتابة الشقة باسم الزوجة؟ فقد اشتريتُ مع زوجي شقة مناصفةً بيننا، ثم قام بكتابة ورقة في حياته بأنه باع لي في حياته نصيبه منها، وأن ثمنها خالص، وله إخوة وأخوات، فما الحكم في هذا البيع؟ وهل هو آثم؟


ما حكم التسوية بين البنين والبنات في العطايا والهبات؟ فـأنا لي أخ وأربع أخوات، وقد كتب والدنا للذكرين منّا نصف ممتلكاته في حياته، وترك الباقي نرثه جميعًا؛ فهل ما فعله أبي فيه ظلم للبنات؛ لأنه يزرع الأحقاد والكراهية وقطيعة الرحم بيننا؟


كيف تكون التسويةُ بين الأولادِ عند الهبة لهم في العطايا؟ وهل تكون على قواعدِ الميراث أو لا؟


ابنتي متزوجة منذ عشر سنوات، ومنذ شهرين ونصف قال لها زوجها: أنتِ طالق أنتِ طالق، ثم ترك الشقة وأخذ علبة الذهب الخاصة بها، التي تحتوي على الذهب الذي اشتراه لها أثناء العشرة الزوجية خاصة عندما كانا سويًّا في إحدى دول الخليج عندما كانت توفِّر من المصروف وتعطيه له ويكمل ويشتري لها ذهبًا، وعند مطالبته به رفض وقال: إنه كان يشتريه لها بِنِيَّة مؤخر الصداق، علمًا بأنه لم يُعلمها بذلك أثناء العشرة الزوجية. فما حكم الشرع في ذلك؟ 


ما حكم الرجوع في هبة الأب لابنه؛ فرجل وهب لابنه القاصر أملاكًا معلومةً مفرزةً محدودةً هبةً صحيحةً شرعيةً في يد والده بطريق ولايته عليه بعقد قانوني أمام قاضي العقود بالمحكمة المختلطة، ثم بعد مُضي زمن أثناء وجود ابنه الموهوب له في بلاد أوروبا لدرس العلوم والتربية في مدارسها باع والده -وابنه المذكور قاصر تحت ولايته- بعضًا من هذه الأملاك الموهوبة واشترى بثمنها أرضًا لنفسه لا لابنه، وذكر في عقد الشراء أنه اشتراها لنفسه، ودفع ثمنها من ماله الخاص؛ أي من مال الأب. ثم إن الأب المذكور وقف هذه الأرض بحجة إيقاف شرعية صادرة من محكمة مصر الشرعية، ثم توفي ابنه الموهوب له، وانحصر إرثه الشرعي في أبيه الواهب المذكور وأمه فقط. فهل الثمن الذي باع به الأب بعض الموهوب يكون دَينًا على الأب الواهب؟ وهل لوالدة الابن أن تطالب الأب الواهب بما خصها من ذلك الدَّين بالميراث الشرعي من ابنها الموهوب له المتوفى، أم كيف الحال؟ أفيدوا الجواب، ولفضيلتكم الثواب.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31