امرأة تقول: تسبب زوج ابنتي في وفاتها في حادث سيارة بالمملكة العربية السعودية، وتركت غيرنا بنتين، ولها عفش زوجية ومؤخر صداق، فَمَنِ الأحقُّ بحضانة الطفلين، علمًا بأني في صحة جيدة؟ وما الحكم في الميراث وحقوق بنتي الزوجية؟

دية وميراث وحضانة وسداد ديون من مؤخر وعفش الزوجية

بوفاة بنت السائلة في هذه الحادثة عن المذكورين فقط، يكون ما يورث عنها هو ديةُ القتل الخطأ التي تؤخذ من عاقلة زوجها، وكاملُ مؤخر صداقها، وعفشُ الزوجية سوى متعلقات زوجها الخاصة، وسائرُ ما كانت تملكه من غير ذلك.
ويتم تقسيم هذا كله إلى ثلاثة عشر سهمًا: للأم سهمان، وللزوج ثلاثة أسهم، ولكل بنت من الاثنتين أربعة أسهم.
أما الحضانة فهي للسائلة المذكورة -أي: لأم الأم- لا ينازعها فيها أحد.
الدية شرعًا هي المال الواجب في النفس أو فيما دونها، والأصل في وجوبها قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 92]، ولم يعيِّن اللهُ تعالى في كتابه قدر الدية، والذي في الآية هو إيجابها مطلقًا، وليس فيها إيجابها على العاقلة أو القاتل، وإنَّما ذلك كله من السنة المشرفة.
وقد أجمع أهل العلم على وجوب الدية؛ فروى أبو داود وغيره عَن عِكرِمةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا مِن بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ فجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم دِيَتَه اثنَي عَشَرَ أَلفًا».
وروى أبو داود أيضًا من حديث عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عَن أَبِيه عَن جَدِّهِ رضي الله عنهم قال: "كانت قِيمةُ الدِّيةِ على عَهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثَمانِمائةِ دِينارٍ أو ثَمانِيةَ آلافِ دِرهَمٍ، ودِيةُ أَهلِ الكِتابِ يَومَئِذٍ النِّصفُ مِن دِيةِ المُسلِمِينَ، قال: فكانَ ذلكَ كذلكَ حتى استُخلِفَ عُمَرُ رَحِمَه اللهُ، فقامَ خَطِيبًا فقال: أَلا إنَّ الإبِلَ قد غَلَت، قال: ففَرَضَها عُمَرُ على أَهلِ الذَّهَبِ أَلفَ دِينارٍ، وعلى أَهلِ الوَرِقِ اثنَي عَشَرَ أَلفًا، وعلى أَهلِ البَقَرِ مائَتَي بَقَرةٍ، وعلى أَهلِ الشَّاءِ أَلفَي شاةٍ، وعلى أَهلِ الحُلَلِ مِائَتَي حُلَّةٍ، قال: وتَرَكَ دِيةَ أَهلِ الذِّمَّةِ لم يَرفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيةِ". قال ابن عبد البر: في هذا الحديث ما يدل على أن الدنانير والدراهم صنف من أصناف الدية لا على وجه البدل والقيمة.
ودية الأنثى على النصف من دية الرجل كما هو مقررٌ شرعًا.
وأمَّا مَن يتحمَّل الدية عن القاتل القتل الخطأ فهم العاقلة؛ لما ثبت من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنه قضى بِديَة القتل الخطأ على العاقلة"، وأجمع أهل العلم على القول به، فإن القاتل لو أُخِذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله؛ لأن تتابع الخطأ لا يُؤمَن، ولو تُرِك بغير تغريم لأُهدِر دم المقتول.
وعاقلة الرجل عَصَبته من النسب، فيُبدأ بفخذه الأدنى، فإن عجزوا ضُمَّ إليهم الأقرب فالأقرب المكلف الذكر الحر من عصبة النسب، ثم من بيت المال.
والحكم في الدية أن تقسَّط على العاقلة على ثلاث سنين على ما قضاه عمر وعلي رضي الله عنهما، وإنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطيها دفعة واحدة لأغراض: منها أنه كان يعطيها صلحًا وتسديدًا، ومنها أنه كان يعجِّلها تأليفًا، فلما تمهَّد الإسلام قَدَّرَتها الصحابة على هذا النظام. قاله ابن العربي.
وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء قديمًا وحديثًا على أن الدية على العاقلة لا تكون إلا في ثلاث سنين، ولا تكون في أقل منها، وأجمعوا على أنها على البالغين من الرجال، وأجمع أهل السِّيَر والعلم أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة، فأقرَّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإسلام، وكانوا يتعاقلون بالنصرة، ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك حتى جعل عمر الديوان، واتفق الفقهاء على رواية ذلك والقول به، وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا زمن أبي بكر ديوان، وأن عمر جعل الديوان وجمع بين الناس، وجعل أهل كل ناحية يدًا وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو. اهـ من "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي.
فإن لم يمكن للعاقلة فيدفعها القاتل، فإن لم يستطع جاز أخذ الدية من غيرهم ولو من الزكاة.
والتصالح في أمر الدية بالعفو أو بقبول قيمة أقل أمر مشروع بنص القرآن الكريم؛ حيث يقول تعالى: ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: 92]، ويقول: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: 178]، وقد فَوَّضَ الشارعُ الحكيم لأهل القتيل التنازل عن الدية أو عن بعضها تخفيفًا عن القاتل إن لم يتيسر دفعها أصلًا أو دفعها كلَّها، وقبول الدية جائزٌ شرعًا؛ لأنها حقٌ لأهل القتيل، فلهم قبولُها أو التنازلُ عنها أو التصالحُ على جزءٍ منها.
وأما الكفارة الواردة في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: 92] فالجمهور على أن المراد: فمن لم يجد عتق رقبة صام شهرين متتابعين، فيكون الصيام غير مسقط للدية بحال، قال الضحاك: الصيام لمن لا يجد رقبة، وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء؛ هذا قول الجمهور.
وذهب مسروق والشعبي إلى أن صيام الشهرين يجزئ عن الدية والرقبة معًا لمن لم يجد. رواه الطبراني عن الشعبي عن مسروق بسند صحيح.
وهذا القول الثاني رده الطبري وغيره بأن الدية إنما هي على العاقلة لا على القاتل، والكفارة على القاتل لا على العاقلة، فكيف يجزئ هذا عن هذا، والذي نراه أن هذا المذهب يُتصور فيمن لا عاقلة له تدفع عنه الدية ولا مال له يفي بها ولا يجد أحدًا يعطيه من الزكاة ليؤديها، فحينئذٍ يكون صوم الشهرين مُجزِئًا عن الدية والرقبة معًا، والله تعالى يقول: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، والدية يأخذها الورثة بنسبة أنصبائهم الشرعية.
والأحق بالحضانة للطفل دون البلوغ في الشريعة الإسلامية هم النساء؛ لأن الحضانة حقٌ للمحضون، وهو في هذه السن يحتاج أكثر إلى رعاية النساء، وهذا لا يمنع حق الأب في التدخل في أمور التربية والتعليم والتوجيه مع الاحتفاظ للنساء بحق الحضانة، وأَوْلَى النساء بذلك هي الأم؛ لوفور شفقتها على المحضون في هذه السنِّ، فإن سقطت حضانتها بوفاتها أو بزواجها من أجنبي عن المحضون انتقلت للنساء من جانبها: أمِّها ثم جدَّتِها وإن عَلَتْ ثم أختها... إلى آخر مَن تكون صالحة للحضانة منهن، فإن عُدِمَت الجميع أو لم يكنَّ مؤهَّلات للحضانة انتقلت إلى النساء مِن قِبل الأب، فإن عدمت الجميع أو لم يكنَّ مؤهلات للحضانة انتقلت للأب.
والمرأة عند وفاتها لها كاملُ المؤخَّر، ولها كامل عفش الزوجية وإن لم يكن به قائمة، فيكون لها من بيت الزوجية كلُّ شيءٍ عدا متعلقات الزوج الشخصية من ملابس أو كتب أو جهاز خاص به وحده.
وعليه وفي واقعة السؤال، وبوفاة ابنتكِ بهذه الحادثة عن المذكورين فقط: يكون ما يُورَث عنها هو دية القتل الخطأ التي تؤخذ من عاقلة زوجها كما سبق بيانه وكامل مؤخر صداقها وعفش الزوجية سوى متعلقات زوجها الخاصة، وسائر ما كانت تملكه من غير ذلك، وتقسم للأم السدس فرضًا، ولزوجها الربع فرضًا؛ لوجود الفرع الوارث، ولبنتَيها الثلثان فرضًا؛ لتعددهما وعدم المُعَصِّب لهما.
وفي المسألة عَوْل؛ فهي من اثني عشر سهمًا وتعول إلى ثلاثة عشر سهمًا: للأم سهمان، وللزوج ثلاثة أسهم، ولكل بنت من الاثنتين أربعة أسهم.
وأما الحضانة فهي لكِ لا ينازعكِ فيها أحد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.