نشبت معركة بين عائلتين، ضرب أحد أفراد العائلة الأولى امرأةً برصاصة في المعركة من العائلة الأخرى ماتت بسببها بعد أيام بالمستشفى، فقام أولادها بقتل هذا الرجل، وانتهت المشكلة منذ عام 1986م.
فهل المرأة متساوية مع الرجل في القصاص باعتبارها نفسًا؟ وما موقف الإسلام إذا جاء ابن الرجل وأراد قتل رجل آخر من عائلة المرأة، فهل هذا يجوز؟ وما موقف الشرع إذا قام أفراد العائلتين بتقديم كفن كل منهم للآخر في هذه الحالة؟
مساواة المرأة بالرجل في القصاص والأخذ بالثأر وتقديم الكفن لإنهاء الخصومة
المرأة متساوية مع الرجل في القصاص؛ لقوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: 45]، وللحديث أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: «أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ»، ولا يجوز لابن الرجل المذكور أو غيره أن يقتص من القاتل بنفسه، ولكن يرفع الأمر إلى القضاء.
ولا مانع شرعًا من تقديم كل عائلة أكفانها للعائلة الأخرى وإن لم يرد بذلك نصٌّ شرعيٌّ أو عملُ السلف؛ لأنه يدل على انتهاء الصراع بين العائلات والخصوم.
شرع الله تعالى القصاص ردعًا للمجرم الذي يهدد حياة الآمنين ويعتدي على حقوقهم وحرماتهم وينشر في الأرض الفوضى والفساد، مما يترتب عليه بالضرورة انهيار الأخلاق وزلزلة كيان الأفراد والأسر والمجتمعات وزعزعة الثقة في قدرة التشريع الإلهي على توفير الأمن والسلام للناس على هذه الأرض التي أمروا بتعميرها وإقامة حدود الله فيها، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179].
والحياة التي في القصاص تنبثق من كف الجناة عن الاعتداء ساعة الابتداء، فالذي يوقن أنه سيدفع حياته ثمنًا جزاء جنايته جدير بأن يتروى ويفكر ويتردد، كما تنبثق من شفاء صدور أولياء الدم -عند وقوع القتل بالفعل- من الحقد والرغبة في الثأر الذي لم يكن يقف عند حَدٍّ في القبائل العربية، حتى كانت تدوم معاركهم المتقطعة أربعين عامًا كما في حرب البسوس المعروفة عندهم، وكما نرى نحن في واقع حياتنا اليومية، حيث تسيل الدماء على مذابح الأحقاد العائلية جيلًا بعد جيل.
وفي القصاص حياة على معناها الأشمل الأعم، فالاعتداء على حياة فرد اعتداء على الحياة كلها، واعتداء على كل إنسان حي يشترك مع القتيل في سمة الحياة، فإذا كف القصاص الجاني عن إزهاق روح واحدة فقد كفه عن الاعتداء على الحياة كلها، وكان في هذا الكف حياة، حياة مطلقة لا حياة فرد، ولا حياة أسرة، ولا حياة جماعة، بل حياة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنًى.
وليس كل قتل يوجب القصاص، وإنما يوجبه القتل العمد بشروط مخصوصة نص عليها الفقهاء.
وبناءً على ما ذُكِر وفي واقعة السؤال:
أولًا: يقتل الرجل بالأنثى، وهو قول جمهور الفقهاء، ودليلهم قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: 45]، وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179]، وهذا عامٌّ إلا فيما خصه الدليل، ولحديث أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَكَانَ فِي كِتَابِهِ: «أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ» أخرجه عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما. ولأنهما شخصان يُحَدُّ كلُّ واحد منهما بقذف صاحبه فجرى القصاص بينهما كالرجلين.
وعلى ما سبق: فالمرأة متساوية مع الرجل في القصاص.
ثانيًا: لا يجوز للرجل أن يقوم بالقصاص بنفسه، ولكن يرفع أمره إلى القضاء المختص لاستيفاء شروط القصاص.
ثالثًا: مسألة تقديم كل عائلة أكفانها للعائلة الأخرى مسألة لم يرد بها نص من كتاب أو سنة أو عمل السلف، بل هي عادة مستحدثة تدل على وضع أوزار الصراع بين العائلات والخصوم، فلا مانع من ذلك شرعًا.
ويسقط القصاص بواحد من الأمور الآتية:
1- عفو أولياء المقتول عنه أو عفو واحد منهم بشرط أن يكون عاقلًا بالغًا.
2- موت الجاني قبل أن يُقتص منه. وإذا سقط القصاص وجبت الدية إلا إذا عفا الأولياء عنها، فإنها تسقط أيضًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.