منع الأب ابنه من السفر للجهاد

منع الأب ابنه من السفر للجهاد

أنا ليبي أعيش في بلدي مع أسرتي، فهل يجوز لي منع إبني البالغ من السنِّ ثمانية عشر عامًا من الذهاب للجهاد في سبيل الله سواء أكان في العراق أو الشيشان أو أفغانستان أو فلسطين المحتلة؟ وهل الجهاد في الوقت الحالي فرض عين؟ وهل موقفي في منع ابني من ذلك موقف شرعي أم أنه خروج عن طاعة الله عز وجل ومنع له من إقامة الفرائض الشرعية كما يقول؟

الجهاد هو بذل الوسع في إعلاء كلمة الله بالنفس والمال بعد أن يستكمل الإنسانُ مرحلةَ مجاهدةِ نفسه بالتغلُّب على هواه؛ فهذا هو الجهاد الأعظم، أما الجهاد الذي هو القتال فمِن فروض الكفايات، والذي يستلزم للمشاركة فيه وضوحَ الرايةِ والسبيلِ الذي تتمُّ به وعنه المدافعة، وهذا لا يُدركه آحادُ الناس، لذا فإن الأمر راجع فيه إلى ولاة الأمور والساسة العالِمِين بمجريات الأمور ومآلاتها.
أما الخروج الفردي للجهاد بغير إذن ولي الأمر فلا يجوز، ومفسدته أكثر من منفعته، بالإضافة إلى عدم جواز خروج الإنسان للجهاد بغير إذن الوالدين إن كانا على قيد الحياة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لرجلٍ هاجر إليه من اليمن: «هل لكَ أحدٌ باليمن؟» قال: أبواي، قال: «أَذِنَا لَكَ؟» قال: لا، قال: «ارجِع إليهما فاستأذِنْهُمَا، فإنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبرَّهُمَا»؛ وذلك لأن الجهاد فرض كفاية وبر الوالدين فرض عين، وفرض العين مقدمٌ على فرض الكفاية قطعًا.

التفاصيل ....

الجهاد في اللغة مصدر الفعل الرباعي جاهد، وهو: استفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل.
وقد نقل الشرع معنى الجهاد من الوضع اللغوي العام وقَصَره على معنًى خاص وهو: [بذلُ الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك] اهـ. "رد المحتار على الدر المختار" (4/ 121، ط. دار الكتب العلمية).
أو هو كما قال الإمام الفاكهاني من المالكية: [المبالغة في إتعاب النفس في ذات الله وإعلاء كلمته التي جعلها الله طريقًا إلى الجنة] اهـ. "حاشية العدوي على شرح الرسالة" (2/ 3، ط. دار الفكر).
وقد يُستَخدَم مُصطلح الجهاد في سبيل الله كما في كتب الأخلاق والرِّقاق بمفهوم أوسع بما يشمل مجاهدة النفس والهوى والشيطان، وإليه أشار الحديث الشهير الذي رواه الإمام البيهقي في "الزهد الكبير" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومٌ غُزاة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «قَدِمتم خَيرَ مَقدَم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: «مُجاهَدَةُ العبدِ هواه». وهذا الحديث وإن كان الحُفَّاظ قد نَصُّوا على أنَّ به شيئًا من الضعف من ناحية الإسناد إلا أنَّ معناه صحيحٌ موافقٌ للشرع؛ فإن مجاهدة النفس أَعسَر وأَشَق بكثير من مجاهدة العدو، بل إن الإنسان لا يستطيع أن يجود بنفسه وماله في جهاد العدو إلا بعد أن يجاهد نفسه ويقتل حظها في قلبه.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (4/ 119، ط. دار الكتب العلمية): [وفضل الجهاد عظيم, كيف وحاصله بذل أعزِّ المحبوبات وهو النفس وإدخال أعظم المشقات عليه؛ تقرُّبًا بذلك إلى الله تعالى. وأشق منه: قصر النفس على الطاعات على الدوام ومجانبة هواها] اهـ.
وقد تواردت عبارات السلف على هذا المعنى وتقريره؛ فقد سُئل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: كيف تقول في الجهاد والغزو؟ فقال: "ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها، فإنك إن قُتِلتَ فارًّا بعثك الله فارًّا، وإن قُتِلتَ صابرًا محتسبًا بعثك الله صابرًا محتسبًا". وقال إبراهيم بن أدهم: "أشد الجهاد جهاد الهوى، من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلائها، وكان محفوظًا معافًى من أذاها". وقال حاتم الأصم: "الجهاد ثلاثة: جهادٌ في سِرِّك مع الشيطان حتى تكسره، وجهادٌ في العلانية في أداء الفرائض حتى تؤديَها كما أمر الله، وجهادٌ مع أعداء الله في عِزِّ الإسلام".
وأما الجهاد الذي هو القتال، فهو في الأصل من فروض الكفايات التي يعود أمر تنظيمها إلى ولاة الأمور والساسة الذين ولَّاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارت المصيرية، حيث ينظرون في مدى الضرورة التي تدعو إليه من صدِّ عُدوان أو دَفع طُغيان، فيكون قرارهم مدروسًا دراسة صحيحة فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها خطام الحكمة أو زمام التعقل، وهم مثابون فيما يجتهدون فيه من ذلك على كل حال؛ فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، وإن قَصَّروا فعليهم الإثم، وليس لأحد أن يَتَوَرَّك عليهم في ذلك إلا بالنصيحة والمشورة إن كان من أهلها، فإن لم يكن مِن أهلها فليس له أن يتكلم فيما لا يُحسِن، ولا أن يبادر بالجهاد بنفسه وإلا عُدَّ ذلك افتئاتًا على الإمام، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه، فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد.
ولو كُلِّف مجموعُ الناس بالخروج فُرادَى من غير استنفارهم مِن قِبَل ولي الأمر لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ المُؤمِنُونَ ليَنفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: 122]، مع ما في هذا التصرف مِن التَّقَحُّم في الهلكة دون مكسب مذكور للجماعة المسلمة، وإهمال العواقب والمآلات، والتسبب في تكالب الأمم على المسلمين، وإبادة خضرائهم، والولوج في الفتن العمياء والنزاعات المهلكة بين المسلمين، التي تفرزها قرارات القتال الفردية الهوجائية هذه. ومن المعلوم شرعًا وعقلًا وواقعًا أن التشتُّت وانعدام الراية يُفقِد القتال نظامه من ناحية، ويُذهِب قِيَمَه ونُبْلَه ويشوش على شرف غايته من ناحية أخرى.
فنقل الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (5/259، ط. دار الكتب المصرية) عن الإمام سهل بن عبد الله التُّستَري -رحمه الله تعالى- أنه قال: [أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد] اهـ.
وقال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (1/ 581، ط. دار الكتب العلمية): [أمر الله سبحانه الناس بالجهاد سرايا متفرقة أو مجتمعين على الأمير, فإن خرجت السرايا فلا تخرج إلا بإذن الإمام; ليكون متحسسًا إليهم وعضدًا من ورائهم، وربما احتاجوا إلى درئه] اهـ.
وجاء في "مواهب الجليل" للإمام الحطَّاب المالكي (3/ 349، ط. دار الفكر): [قال ابن عَرَفة الشيخ عن الموازية: أَيُغزى بغير إذن الإمام؟ قال: أما الجيش والجمع فلا، إلا بإذن الإمام وتولية والٍ عليهم] اهـ.
وفيه أيضًا (3/ 350) عن سيدي أحمد زَرُّوق من فقهاء المالكية الكبار ومن الصالحين الكُمَّل أنه قال في بعض وصاياه لإخوانه: [التوجه للجهاد بغير إذن جماعة المسلمين وسلطانهم فإنه سُلَّمُ الفتنة، وقَلَّما اشتغل به أحدٌ فأنجح] اهـ.
وقال إمام الحرمين من الشافعية في كتابه "غِيَاث الأُمَم في الْتِيَاث الظُّلَم" (155، 156، ط. مكتبة إمام الحرمين): [ومما يجب الإحاطةُ به: أنَّ مُعظَمَ فروضِ الكفاية مِمَّا لا تتخصص بإقامتها الأئمةُ، بل يجب على كافة أهل الإمكان أن لا يُغفِلُوه ولا يَغفُلُوا عنه؛ كتجهيز الموتى ودفنهم والصلاة عليهم، وأما الجهاد فموكولٌ إلى الإمام] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 166، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأمرُ الجهاد مَوكولٌ إلى الإمام واجتهاده, ويَلزم الرعيةَ طاعتُه فيما يراه من ذلك] اهـ.
هذا، وقد يكون الجهاد في بعض الأحوال من فروض الأعيان:
كحالِ ما إذا حضر الإنسان القتال؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ • وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال: 15، 16]، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم التولي يوم الزحف في جملة السبع الموبقات. "رواه مسلم".
وكحال ما إذا استنفر وليُّ الأمر الناسَ، واستنفاره هو طلبه منهم الخروج إلى الجهاد في سبيل الله؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة: 38]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لا هِجرَةَ بَعدَ الفَتحِ ولكِن جِهادٌ ونِيَّة، وإذا استُنفِرتُم فانفِروا» "رواه البخاري ومسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما، واللفظ للبخاري.
وكحال ما إذا دخل العدو بلدًا من بلدان المسلمين ودهمها، فيتعيَّن الجهاد حينئذٍ على أهل هذا البلد كلٌّ على حسب طاقته ووسعه.
والجهاد في هذا الحال هو ما يسمى بجهاد الدفع، وفي هذا النوع لا يَلزم أهل البلد إذن ولي الأمر في القتال ودفع المعتدين عن البلاد والعباد.
ولما أغار الكفار على نِياق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فصادفهم سلمةُ بن الأكوع رضي الله عنه خارجًا من المدينة تبعهم وقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال فيه: «خيرُ رِجالتِنا سلمةُ بنُ الأَكوَع»، وأعطاه سهمَ فارسٍ وراجلٍ. "رواه مسلم".
وقد نقل صاحب "الفروع" (6/ 190، ط. عالم الكتب) عن الإمام أحمد من رواية المَرُّوذي أنه قال: [يجب الجهاد بلا إمام إذا صاحوا النفير] اهـ. والذي يظهر من هذه الرواية أنها في حال يباغت فيها الناس ويفاجئهم فيها العدو، وربما خيف الضرر بتأخير حربهم فساغ القتال حينئذٍ بغير الإمام وإذنه.
وفي مسائل عبد الله بن الإمام أحمد (ص 257، ط. المكتب الإسلامي) قال: [سمعت أبي يقول: إذا أذن الإمام القوم يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا، قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا، إلا أن يأذن الإمام، إلا أن يكون يفاجئهم أمر من العدو ولا يمكنهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعًا من المسلمين] اهـ.
والأصل أن وليَّ الأمر هو صاحب التقدير في هذا الشأن، لكن إذا تعذَّر استئذانه كما في هذا الفرض كان القتال حينئذٍ جائزًا؛ لأن الضابط هنا هو ميزان الضرر والمصلحة حسب تقدير من له صلاحية التقدير.
قال صاحب "المغني" (9/ 213، ط. مكتبة القاهرة): [وواجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا؛ المقلُّ منهم والمكثر، ولا يخرجوا إلى العدو إلا بإذن الأمير، إلا أن يفجأهم عدو غالب يخافون كَلَبه؛ أي هجومه وتواثبه عليهم، فلا يمكنهم أن يستأذنوه. قوله: (المقل منهم والمكثر) يعني به -والله أعلم: الغني والفقير؛ أي مقل من المال ومكثر منه، ومعناه أن النفير يعم جميع الناس ممن كان من أهل القتال حين الحاجة إلى نفيرهم لمجيء العدو إليهم. ولا يجوز لأحد التخلف، إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال، ومن يمنعه الأمير من الخروج، أو من لا قدرة له على الخروج أو القتال؛ وذلك لأنهم إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فرض عين فوجب على الجميع، فلم يجز لأحد التخلف عنه، فإذا ثبت هذا فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير؛ لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلَّتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يرجع إلى رأيه؛ لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه؛ لأن المصلحة تتعين في قتالهم والخروج إليه؛ لتعين الفساد في تركهم] اهـ بتصرف.
والبلاد التي يُعتدى فيها على حرمات المسلمين من قِبل الغُزاة البغاة وإن تعين الدفاع عنها من قبل أهلها، فإن الجهاد فيها في حق من هو خارجها لا يلزم كل أحد من المسلمين بل هو فرض كفاية في حق مَن بَعُد كما نص عليه الفقهاء.
قال في "المنهاج وشرحه" للعلامة المحلي من كتب الشافعية (4/ 218 مع حاشيتَي قليوبي وعميرة، ط. دار إحياء الكتب العربية): [(الثاني) من حال الكفار (يدخلون بلدة لنا فيلزم) أهلَها الدفعُ بالممكن، فإن أمكن تأهبٌ لقتال وجب الممكنُ على كل منهم ... (ومن هو دون مسافة القصر من البلدة كأهلها)، فيجب عليه أن يجيء إليهم إن لم يكن فيهم كفاية، وكذا إن كان في الأصح مساعدة لهم، (ومن) هم (على المسافة يلزمهم الموافقة بقدر الكفاية إن لم يَكفِ أهلُها ومَن يليهم. قيل: وإن كفوا) يلزمهم الموافقة مساعدة لهم] اهـ بتصرف.
وقال العلامة الشربيني الخطيب في "الإقناع" من كتب الشافعية (4/ 254- 255، مع حاشية البجيرمي، ط. دار الفكر): [والحال الثاني من حالي الكفار أن يدخلوا بلدة لنا مثلًا، فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذٍ فرض عين ... ومَن هو دون مسافة القصر مِن البلدة التي دخلها الكفارُ حكمُه كأهلها وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم ... ويلزم الذي على مسافة القصر المضيُّ إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية؛ دفعًا لهم وإنقاذًا من الهلكة، فيصير فرض عين في حق من قَرُب وفرض كفاية في حق من بَعُد] اهـ بتصرف.
فَعُلِم من هذا أنَّ الجهاد في حق من هو خارج الأرض المعتدى عليها تابع لمدى حاجة من هم داخلها من أهلها، وأنه يُلحق بهذه الأرض في وجوب الدفع عنها ما كان داخلًا في مسافة القصر (وهي حوالي ثلاثة وثمانين كيلومترًا ونصف المتر) من جميع أطرافها، فإن لم يَفِ ذلك أُضيف إلى هذه المسافة مثلها وهكذا.
ولكن تنفيذ الحكم الشرعي بهذه الطريقة أيضًا لا بد فيه من سلوك الطرق الصحيحة؛ كمراجعة الجهات المضطلعة بواقع الأمور والمشرفة على تقدير الحاجة من عدمها، والتي تراعي حساب المآلات والنتائج والمصالح والمفاسد المتعلق بالاعتبارات الإقليمية المفتقرة إلى موازنات خاصة، وليتم الأمر بشكل رسمي محدد المعالم يُؤمَن فيه على مريدي الجهاد من أن يقعوا فريسة لجهات مشبوهة تستغلهم وتوظف حماسهم لخدمة أهداف خارجية باسم الجهاد.
وعليه وفي واقعة السؤال: فإن للأب السائل الحق في أن يمنع ابنه من السفر بغرض الجهاد في البلاد المذكورة، ولا إثم عليه في ذلك، ويجب على الابن المذكور طاعة أبيه ويحرم عليه مخالفته في مراده ورغبته؛ لأن الجهاد في حقه غير متعين، وقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" وبَوَّب عليه البخاري باب: (لا يجاهد إلا بإذن الأبوين) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: «أحيٌّ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهِد».
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 403، ط. دار المعرفة): [أي: إن كان لك أبوان فأبلغ جهدك في برهما والإحسان إليهما، فإن ذلك يقوم لك مقام قتال العدو] اهـ.
وقد روى أبو داود في "سننه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن، فقال: «هل لك أحد باليمن؟» قال: أبواي، قال: «أَذِنا لك؟» قال: لا، قال: «ارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما».
قال العلامة الزرقاني في "شرح الموطأ" (3/ 20، ط. دار الكتب العلمية): [قال الجمهور: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية] اهـ.
وقال ابن قدامة في "المغني" (9/170، ط. مكتبة القاهرة): [(وإذا كان أبواه مسلمين، لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما). روي نحو هذا عن عمر وعثمان، وبه قال مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وسائر أهل العلم؛ ... لأن برَّ الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية، وفرض العين يُقَدَّم] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا