قراءة القرآن قبل الجمعة والأذان الثاني

قراءة القرآن قبل الجمعة والأذان الثاني

اختلطت الأمور علينا بين ما تقوم به المساجد التابعة لإدارة الأوقاف والمساجد التي تتولاها الجماعات الإسلامية من إقامة الشعائر لصلاة الجمعة من تلاوة القرآن قبل الصلاة والأذان الثاني، وزاد الخلاف بين رواد المساجد ومن يمثل هذه الجماعات. أرجو من السادة علماء الدين والقائمين على الفتوى الفَصْلَ بشكل واضح بين الحلال والحرام في إقامة شعائر صلاة الجمعة والأذان الثاني حتى تتضحَ الأمورُ ونُنْهِيَ الخلاف. 

قراءة القرآن قبل خطبة الجمعة واجتماع الناس على سماعه هو أمرٌ مشروعٌ حسنٌ يجمع الناسَ على كتاب الله تعالى ويهيئهم لأداء شعائر الجمعة، ولا بدعة في ذلك، وإنما البدعةُ في التضييق على المسلمين بمنعهم منه.
أما الأذان الثاني للجمعة: فهو سنة سيدنا عثمان رضي الله عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ» رواه ابن حبان والحاكم. 

التفاصيل ....

قراءةُ القرآن يومَ الجمعة قبل الأذان مشروعةٌ بعموم الأدلة الشرعية التي جاءت في الحث على قراءة كتاب الله واستماعه والإنصات إليه مطلَقًا؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]، ولم يأتِ ما يقيِّد قراءةَ القرآن قبل أذان الجمعة، كما أن الاجتماع لها مشروعٌ بعموم الأدلة التي جاءت في الحثِّ على الاجتماع على الذِّكْر والقرآن؛ كما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم يأتِ أيضًا ما يخصص يوم الجمعة من ذلك.
ومن المقرر أن الأمر المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال، فلا يجوز تخصيصُ شيء من ذلك إلا بدليل، وإلا عُدَّ ذلك ابتداعًا في الدين بتضييق ما وسَّعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وبناءً على ذلك: فإن قراءة القرآن قبل خطبة الجمعة واجتماع الناس على سماعه هو أمرٌ مشروعٌ حسنٌ يجمع الناسَ على كتاب الله تعالى ويهيئُهم لأداء شعائر الجمعة، ولا إثمَ فيه ولا بدعة، وإنما البدعةُ في التضييق على المسلمين فيما فسح الله تعالى لهم ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وجرت عليه أعرافُهم وعاداتهم وعلماؤهم وعوامُّهم مِن أمر الذكر وقراءة القرآن.
وبالنسبة للأذان الثاني يوم الجمعة: فإن الله قد شرع الأذان لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وتنبيههم للإقدام عليها، وشرعت الإقامة لاستنهاض الناس لأداء الصلاة، وشُرِعَ أذانٌ واحدٌ لكل فريضة، وكان زمن التشريع للأذان بعد الهجرة في السنة الأولى؛ كما ثبت في حديث رؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، رواه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وكان لكلِّ فريضةٍ أذانٌ واحدٌ وإقامةٌ، وكانت الجمعة كسائر الفرائض في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وزاد عثمان رضي الله عنه الأذان الثاني يوم الجمعة؛ للحاجة إليه؛ وهي كثرة الناس، فعُلِمَ أن الأذان مشروعٌ بأصله، وليس هناك مانعٌ من زيادة أذان مشروع في وقت يحتاج الناس إليه، كما فهم بلال رضي الله عنه ذلك عندما صلَّى سنة الوضوء مع كونها لم تكن مشروعةً بخصوصها.
وأورد الإمام البخاري زيادةَ عثمانَ رضي الله عنه للأذان الثاني؛ فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ"، وسماه البخاري الثالث؛ لأنه يُسمِّي الإقامةَ أذانًا.
وما فعله عثمان رضي الله عنه لم يشذَّ به عن باقي الأمة؛ فقد أقره الصحابةُ في عهده، وثبت الأمر على ذلك بعده في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى يومنا هذا، ولقد روى البخاري نفس الحديث برواية أخرى زاد فيها: عن الزهري قال: سمعت السائب بن يزيد رضي الله عنه يقول: إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَثُرُوا أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْأَذَانِ الثَّالِثِ، فَأَذَّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ".
ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 394): [والذي يظهر أن الناس أخذوا بفِعْل عثمانَ في جميع البلاد إذ ذاك؛ لكونه خليفةً مطاعَ الأمر … إلى أن قال: وكل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمى بدعةً، لكن منها ما يكون حسنًا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك. وتبين بما مضى أن عثمان رضي الله عنه أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة؛ قياسًا على بقية الصلوات، فألحق الجمعةَ بها، وأبقى خصوصيتَها بالأذان بين يدَي الخطيب، وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله] اهـ.
ومما سبق نعلم أن الأذان الثاني للجمعة سَنَّهُ سيدُنا عثمانُ رضي الله عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ» رواه ابن حبان والحاكم.
وعثمانُ رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين، ولقد قام الإجماعُ العمليُّ من لدن الصحابة إلى يومنا هذا على قبول الأذان الثاني، فالذي يطعن فيه وينكرُه إنما يطعن في إجماعٍ عمليٍّ وفي مَظهَر مِن مظاهِر شعائر الإسلام التي ارتضاها العلماء عبر القرون، والذي يدَّعي أنه بدعة ضلالة يخالف ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن الله سبحانه لا يجمع أمته على ضلالة.
والله سبحانه وتعالى أعلم. 

اقرأ أيضا