لو بُنِيَ على أرض المسجد القديم معهد ديني مثلًا، فهل تبقى حرمته بحيث يُسَنُّ فيه الاعتكاف وتحية المسجد، ويحرم مكث الحائض فيه؟ وهل يجوز شرعًا تغيير الأرض الموقوفة للمسجد وجعله وقف استبدال لأجل بناء مبنًى آخر، أو أي مشروع خيري؟
المنوط بالنظر في أمر نقل الوقف واستبداله هو القاضي المختص، ويجوز له شرعًا الحكم باستبدال الأرض الموقوفة للمسجد بغيرها وبناء معهد ديني أو غيره من المشاريع الخيرية محله إذا ثبت لديه مصلحة الوقف في ذلك.
وأما عن بقاء الأحكام المتعلقة بالمسجد؛ من نحو مشروعية الاعتكاف، واستحباب تحية المسجد، وحرمة مكث الحائض والجنب فيه: فالأحكام متعلقة بالوصف؛ فإذا بيع المسجد أو استبدل فإن المسجدية بأحكامها تتحول إلى المسجد الجديد، وإذا بقيت أرضه فالأرض باقية على أصل المسجدية؛ فتبعية الأحكام للمسجد.
المحتويات
ما ورد من السؤال عن حكم بناء معهد ديني أو نحوه من المشروعات الخيرية على أرض مسجد قديم، ونقل المسجد إلى أرض أخرى؛ فقد تعرض الفقهاء لبحث هذه المسألة تحت عنوان "نقل الوقف" أو "استبدال الوقف"، وأجازه بعضهم إذا ثبتت المصلحة.
ففي كتب الحنفية: قال العلامة الموصلي في "الاختيار لتعليل المختار" (3/ 45، ط. الحلبي): [(رباط استغني عنه يصرف وقفه إلى أقرب رباط إليه)؛ لأنه أصلح ... (ولو ضاق المسجد وبجنبه طريق العامة يوسع منه المسجد)؛ لأن كليهما للمسلمين، نص عليه محمد (ولو ضاق الطريق وسع من المسجد)؛ عملًا بالأصلح] اهـ.
وفي "السراجية" سئل عن مسألة استبدال الوقف: ما صورته؟ وهل هو على قول أبي حنيفة وأصحابه؟ فأجاب: [الاستبدال إذا تَعَيَّن؛ بأن كان الموقوف لا ينتفع به، وثَمَّ مَن يرغب فيه ويُعطي بدله أرضًا أو دارًا لها ريع يعود نفعه على جهة الوقف، فالاستبدال في هذه الصورة قول أبي يوسف ومحمد، وإن كان للوقف ريع، ولكن يرغب شخص في استبداله إن أعطى مكانه بدلًا أكثر ريعًا منه في صُقع أحسن من صُقع الوقف جاز عند القاضي أبي يوسف، والعمل عليه، وإلا فلا يجوز] اهـ. بواسطة "البحر الرائق" لابن نجيم (5/ 241، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وفي مذهب الإمام أحمد: قال الإمام ابن قاضي الجبل الحنبلي في كتابه "المناقلة بالأوقاف" (1/ 489، مطبوع ضمن مجموع بعنوان: "من مؤلفات وتحقيقات سماحة العلامة الشيخ عبد الله بن عمر بن دهيش"، توزيع: مكتبة الأسدي): من مذهبه -أي: الإمام أحمد- في الوقف: [تغييره، وتبديله، وتحويله، وإزالته عن هيئته ووضعه، منوط بالمصلحة الراجحة للوقف وأهله، ومرتبط بالوجه الأَولى في فعله] اهـ.
وجاء في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه صالح" (3/ 34، ط. الدار العلمية بالهند): [قلت: المسجد يخرب أو يذهب أهله، ترى أن يحول مكانًا آخر؟ قال -يعني: الإمام أحمد-: نعم. قلت له: مسجد يحول من مكان إلى مكان؟ قال: إذا كان إنما يريد منفعة الناس فنعم، وإلا فلا؛ وابن مسعود قد حول مسجد الجامع من التَّمَّارين، فإذا كان على المنفعة فنعم، وإلا فلا] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 425، ط. عالم الكتب): [(لا يفسخ) الوقف (بإقالة ولا غيرها)؛ لأنه عقد يقتضي التأبيد، (ولا يباع) فيحرم بيعه، ولا يصح، ولا المناقلة به (إلا أن تتعطل منافعه المقصودة) منه (بخراب ولم يوجد) في ريع الوقف (ما يعمر به) فيباع (أو) تتعطل منافعه المقصودة (بغيره) أي غير الخراب، كخشب تشعث وخيف سقوطه نصًّا (ولو كان) الوقف (مسجدًا) وتعطل نفعه المقصود (بضيقه على أهله) نصًّا. قال في المغني: ولم تمكن توسعته في موضعه (أو) كان تعطيل نفعه (بخراب محلته) وقال في رواية صالح: يحول المسجد خوفًا من اللصوص، وإذا كان موضعه قذرًا. قال القاضي: يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه فيباع (أو) كان الوقف (حبيسًا لا يصلح لغزو فيباع)؛ لأن الوقف مؤبد. فإذا لم يمكن تأبيده بعينه استبقينا الغرض، وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى. واتصال الإبدال يجري مجرى الأعيان. وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض، كذابح الهدي إذا عطب في موضعه مع اختصاصه بموضع آخر. فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفى منه ما أمكن. وقوله فيباع؛ أي: وجوبًا، كما مال إليه في "الفروع". ونقل معناه عن القاضي وأصحابه والموفق والشيخ تقي الدين] اهـ.
وقد انتصر الشيخ تقي الدين بن تيمية لجواز المناقلة بالوقف للمصلحة، وذكر ذلك في مواضع؛ منها قوله في "مجموع فتاواه" (31/ 212، ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف): [(فصل: في إبدال الوقف) حتى المساجد بمثلها أو خير منها للحاجة أو المصلحة، وكذلك إبدال الهدي والأضحية والمنذور، وكذلك إبدال المستحق بنظيره إذا تعذر صرفه إلى المستحق. والإبدال يكون تارة بأن يعوض فيها بالبدل، وتارة بأن يباع ويشترى بثمنها المبدل. فمذهب أحمد في غير المسجد يجوز بيعه للحاجة. وأما المسجد فيجوز بيعه أيضًا للحاجة في أشهر الروايتين عنه، وفي الأخرى لا تباع عَرْصَته، بل تنقل آلتها إلى موضع آخر] اهـ. وفيها أيضًا (31/ 261): [وسئل عن تغيير صورة الوقف، فأجاب: الحمد لله، أما ما خرج من ذلك عن حدود الوقف إلى طريق المسلمين وإلى حقوق الجيران، فيجب إزالته بلا ريب. وأما ما خرج إلى الطريق النافذ فلا بد من إزالته، وأما إن كان خرج إلى ملك الغير، فإن أذن فيه وإلا أزيل. وأما تغيير صورة البناء من غير عدوان، فينظر في ذلك إلى المصلحة، فإن كانت هذه الصورة أصلح للوقف وأهله أقرت، وإن كان إعادتها إلى ما كانت عليه أصلح أعيدت، وإن كان بناء ذلك على صورة ثالثة أصلح للوقف بنيت. فيتبع في صورة البناء مصلحة الوقف ويدار مع المصلحة حيث كانت. وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين؛ كعمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قد غيرا صورة الوقف للمصلحة، بل فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما هو أبلغ من ذلك حيث حول مسجد الكوفة القديم، فصار سوق التَّمَّارين، وبنى لهم مسجدًا في مكان آخر. والله أعلم] اهـ.
وقد ألف الإمام ابن قاضي الجبل الحنبلي -صاحب كتاب "الفائق" في مذهب أحمد- في الانتصار لهذا المنحى، وإثبات أن ذلك مذهب أحمد كتابًا مفردًا سماه: "المناقلة بالأوقاف وما وقع في ذلك من النزاع والخلاف"؛ قال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (7/ 101، ط. دار إحياء التراث العربي): [وصنف صاحب "الفائق" مصنفًا في جواز المناقلة للمصلحة؛ سماه: "المناقلة بالأوقاف وما في ذلك من النزاع والخلاف"، وأجاد فيه، ووافقه على جوازها الشيخ برهان الدين بن القيم، والشيخ عز الدين حمزة ابن شيخ السلامية، وصنف فيه مصنفًا سماه: "رفع المثاقلة في منع المناقلة"، ووافقه أيضًا جماعة في عصره، وكلهم تَبَعٌ للشيخ تقي الدين رحمه الله في ذلك] اهـ.
يدل على ذلك أمور، منها ما يلي:
1- أن عدم الاستفادة من الوقف مع تعطل منافعه فيه إفساد للمال، وهذا قد نهت الشريعة عنه؛ فعن المُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» متفق عليه. ووجه الدلالة فيه واضح.
2- ما رواه الطيالسي في "مسنده" عن يعلى بن مُنْيَةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلًا عليه جُبَّة عليها أثر خَلُوقٍ أو صُفْرَة، فقال: «اخْلَعْهَا عَنْكَ واجْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَجْعَلُ فِي حَجِّكَ». قال قتادة: وقلت لعطاء: كنا نسمع أن قال: «شُقَّهَا»، قَالَ: هَذَا فَسَادٌ، وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. ووجه الدلالة فيه: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر هذا المحرِم بنزع ثيابه مع ما يكون فيه من تغطية رأسه أثناء الخلع، وكان يمكن أن يأمره بشق الثوب؛ هروبًا من المخالفة، ولكن لما كان الأمر بالشق فيه إفساد للمال تم تحمل هذه المخالفة؛ تجنبًا لهذا الإفساد. ويتعلق هذا بما نحن بصدده بأن ترك الوقف دون الانتفاع به، مع إمكان التوفيق بين الانتفاع والوقف بالاستبدال، يكون فيه إفساد للمال، المندرج في عموم قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]، وهذا فهم عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه.
3- ما أخرجه البخاري ومسلم عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ، فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ؛ بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ»، فذلك الذي حمل ابن الزبير رضي الله عنهما على هدمه، قال يزيد: وشهدت ابن الزبير حين هدمه، وبناه، وأدخل فيه من الحجر.
ووجه الدلالة: جواز الهدم والتغيير في بناء الكعبة من أجل الانتفاع الأكمل منها، ويظهر هذا جليًّا في مسألة إلزاق الباب بالأرض، وجعل لها بابين، وهذا عند التأمل ليس بضرورة، ومع ذلك كان سيتم هدم الجزء الذي فيه الباب من أجل ذلك؛ قال ابن قاضي الجبل في "المناقلة بالأوقاف" (1/ 529): [ووجه الاحتجاج ... : أن عمارة البيت الذي هو أشرف المساجد بَيَّنَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه لولا المانع من حدثان عهد القوم كما ذكر لهدمها وغَيَّر وضعها وهيأته؛ طولًا وزيادة من الحجر وإلصاقًا لبابها بالأرض، فدل ذلك على مساغ مطلق الإبدال في الأعيان الموقوفات للمصالح الراجحات] اهـ.
4- أن الصحابة غيروا كثيرًا من بناء مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبدلوه بأمكن منه للمصلحة الراجحة في ذلك؛ روى البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ: وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً: وَبَنَى جِدَارَهُ بِالحِجَارَةِ المَنْقُوشَةِ، وَالقَصَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ -نوع من الخشب الثمين-".
قال ابن قاضي الجبل (1/ 531) مُعَلِّقًا: [وهذه تغييرات للهيئة ببنيان آخر من الحجارة والساج، وتبديلات للآلة الموقوفة أولًا للمصالح الراجحة من فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهما، ثم زاد المهدي وغَيَّر بعض الهيئة، ثم المأمون، ولم ينقل إنكار هذا عن أحد من العلماء، مع وجود الصحابة، ثم التابعين، ثم الأئمة مِن بعدهم رضوان الله عليهم أجمعين] اهـ.
5- ما رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 192، ط. مكتبة ابن تيمية) عن القاسم قال: قدم عبد الله -يعني: ابن مسعود- وقد بنى سعدٌ -يعني: ابن مالك- القصرَ، واتخذ مسجدًا في أصحاب التمر، فكان يخرج إليه في الصلوات، فلما ولي عبد الله بيت المال نقب بيت المال، فأخذ الرجل، فكتب عبد الله إلى عمر، فكتب عمر: "أَنْ لَا تَقْطَعْهُ، وَانْقُلِ الْمَسْجِدَ، وَاجْعَلْ بَيْتَ الْمَالِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْ يُصَلِّي".
ووجه الدلالة: أن المسجد نُقِل بأمر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، دون إنكار من أحد مع اشتهاره، فكان كالإجماع؛ قال الشيخ بهاء الدين المقدسي الحنبلي في "العدة شرح العمدة" (ص: 313، ط. دار الحديث): [وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه، ووجه الحجة منه: أنه أمره بنقله من مكانه، فدل على جواز نقل الوقف من مكانه وإبداله بمكان آخر، وهذا معنى البيع، ولأن فيما ذكرنا استبقاء الوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته، فوجب كما لو استولد الموقوف عليه الجارية الموقوفة أو قتلها، فإنه يجب قيمتها وتصرف في شراء مثلها] اهـ.
وقال ابن قاضي الجبل في "المناقلة" (1/ 521-522): [وهذه الواقعة اشتهرت بالحجاز والعراق، والصحابة متوافرون، فلم ينقل إنكارها ولا الاعتراض فيها من أحد منهم، بل عمر هو الخليفة الآمر، وابن مسعود هو المأمور الناقل، فدلَّ هذا على شياع القصة، وعلى الإقرار عليها والرضا بموجبها. قال الإمام أبو الوفا بن عقيل في كتاب "المفردات": وهذا كان مع توفر الصحابة لم ينكر أحد ذلك، مع كونهم لا يسكتون عن إنكار ما يعدونه خطأً؛ لأنهم أنكروا على عمر النهي عن المغالاة في الصدقات؛ حتى ذكرت له امرأة قوله تعالى: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ [النساء: 20]. وردوه عن أن تُحَدَّ الحامل؛ وقالوا: إن جعل الله لك على ظهرها سبيلًا، فما جعل لك على ما في بطنها سبيلًا. واعترضوا على عثمان في إتمام الصلاة؛ حتى قال الرجل: يحل في بلد فيه أهله. وعارضوا عليًّا حين رأى بيع أمهات الأولاد. فلو كان نقل المسجد منكرًا لكان أحق بالإنكار؛ لأنه أمر ظاهر فيه شناعة. انتهى كلامه] اهـ.
بناء على ما سبق: فيجوز تقليدًا لهذا القول استبدال الأرض الموقوفة للمسجد بغيرها وبناء معهد ديني أو غيره من المشاريع الخيرية محله، إذا كانت مصلحة الوقف في ذلك؛ بأن تكون مساحة البقعة الجديدة المنقول إليها أكبر من مساحة نظيرتها القديمة، وأن تكون أرفق بالمصلين، ويكون بناء المسجد أبهى وأفخم من القديم، والذي يحكم بذلك هو القاضي، وليس للعامة نظر في ذلك.
وأما عن بقاء الأحكام المتعلقة بالمسجد للبقعة القديمة إذا تم نقل المسجد وإنشاء بناء آخر محله؛ من نحو مشروعية الاعتكاف، واستحباب تحية المسجد، وحرمة مكث الحائض والجنب فيه، فالأحكام متعلقة بالوصف، فإذا بيع المسجد بناء وأرضًا أو استبدل فإن المسجدية بأحكامها تتحول إلى المسجد الجديد، أما إذا بقيت أرضه فالأرض باقية على أصل المسجدية، فتبعية الهواء للمسجد إنما تكون في حال بقائه على حاله، فإذا تحول إلى بناء آخر كان هواه تبعًا للبناء الجديد كأي بناء. قال الشيخ الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (4/ 369، ط. المكتب الإسلامي): [ويصير حكم المسجد بعد بيعه للثاني الذي اشتري بدله. وأما إذا نقلت آلته من غير بيع؛ فالبقعة باقية على أنها مسجد] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الصرف من ثمرة وقف في وقف آخر؟ فواقفٌ وقفَ وقفًا على أن يصرف من ريعه على مسجده في كل سنة من سني الأهلة 15360 نصفًا فضة من الأنصاف العددية الديوانية؛ فما يصرف للناظر الأصلي على الوقف 3000، وللناظر الحسبي 1000، وللمباشر 720، وللجابي 360، وللإمام 720، وللخطيب 660، وللمرقي 120، ولمستقبل الدكة يوم الجمعة 120، ولمؤذنين اثنين سوية 920، وللفراش والكناس 360، وللوقاد 360، وللبواب 360، ولسواق الساقية وخادم الثور 720، ولخادم المطهرة 360، ولمزملاتي الصهريج 360، ولفقيه المكتب 360، وللعريف 180، ولخمسة أنفار فقهاء 300 سوية، ولقراءة البردة 2400، ولمنشدي الواقف 480، ويصرف للتوسعة للإمام 60، وللمؤذنين 80، وللفراش والوقاد بالسوية 120، ويصرف لعشرة أنفار بالمكتب نظير جرايتهم 600، وعلى أن يصرف من ريع الوقف المذكور سنويًّا في ثمن زيت وقود لسائر الأيام وفي الليالي الشريفة وشهر رمضان، وفي ثمن زجاج، وسلاسل، وأحبال، وجمع إسكندراني، وحصر للمسجد، وماء عذب للصهريج، وفول، وتبن، وبرسيم لثور الساقية، وفي مصرف مولد الأستاذ الواقف سنويًا، وفي كسوة الأيتام والفقيه والعريف بالمكتب، وفي مقاطعة آلة الساقية المذكورة، وثمن طوانيس وقواديس، وحلف سنويًا، وفي آلة الصهريج من سلب وأدلية وكيزان وغير ذلك، وفي أجرة نجار الساقية حسب الواقع في كل زمن بحسبه، ويصرف ذلك الناظر المذكور بالحظ والمصلحة، وما بقي بعد ذلك يستغله الواقف لنفسه أيام حياته، ومن بعده على أولاده ذكورًا وإناثًا بالسوية بينهم، ثم من بعد كل منهم على أولاده وذريتهم.
ثم وقف غيره وقفًا على أن يصرف ريعه في مصالح ومهمات وإقامة الشعائر الإسلامية بالمسجد المذكور، وفي عمل خمسة أجزاء من القرآن تقرأ كل يوم بضريح الواقف الأول بالمسجد المذكور، وترب أصول الواقف الثاني وفروعه الكائنين بذلك المسجد.
وآخران وَقَفَا وقفًا على أن يصرف ريع وقفهما على مصالح ومهمات وشعائر المسجد المذكور.
وآخر وقف وقفًا على أن يصرف ريعه في مصالح المسجد المذكور.
وآخر وقف وقفًا على أن يصرف نصف ريعه في إقامة شعائر ومصالح ومهمات المسجد والضريح المذكورين.
وآخر وقف وقفًا على أن يصرف ريع ثلثه في إقامة شعائر المسجد والضريح المذكورين، وعلى صهريج ومطهرة المسجد المذكور، وفي قراءة ربعة شريفة كل يوم تجاه الضريح المذكور؛ خمسة أجزاء لكل نفر في كل شهر 15 نصفًا فضة.
والنظر على الأوقاف المذكورة لشخص واحد فيما يجريه الناظر، فهل تعتبر الأوقاف المذكورة جميعها كأنها وقف واحد حيث هي متحدة الجهة، ولناظر الأوقاف المرقومة صرف جميع المشروط من ريعها بنسبة ريع أصل كل وقف، أو منها ما لا يعد من مصالح ومهمات وشعائر المسجد المذكور؟ وإذا كان كذلك فهل يصرف ما لا يعد من ريع أصله، وما بقي يضم لباقي الأوقاف المتحد صرفها على ما ذكر أو منها ما هو مُقَدَّر ومعين فيخرج من ريع أصله وما بقي يضم كما ذكر؟ وإن كان المبلغ المقدر لم يف بالمرتبات هل يجوز تكميله من باقي الأوقاف المتحدة في الصرف على الشعائر والمهمات والمصالح أم لا؟ وهل الأنصاف الفضة المشروط صرفها في الوقف الأول تعتبر بحسب المتعارف من أن كل أربعين نصفًا فضة منها بقرش واحد صاغًا، أو يحسب قيمتها الآن؟ وما هي القيمة إن كانت تعتبر؟ وحيث إن الواقف الأول شرط النظر الحسبي على وقفه لزوج بنته مدة حياته ولم ينص على من يكون بعده ناظرًا حسبيًا، وقد شرط للناظر الحسبي مبلغًا معينًا، فهل بموته يصرف مرتبه للفقراء، أو يضم لباقي غلة الوقف المستحق للمستحقين؟ وإذا كان تأخر صرف شيء مما شرط صرفه في أوقاف معينة وقد فاتت، هل يصرف ما كان يصرف لها للفقراء أم كيف؟ أفيدوا الجواب.
سئل في تاجر اقترض مبلغًا، ورهن عليه عند دائنه بضاعة -منقولات- تساوي أكثر من قيمة الدين وقت الرهن بكثير كما هي العادة المتبعة في مثل ذلك، وقد اتفق المدين مع الدائن المرتهن على أن يرسل الدائن البضاعة المرهونة لخارج القُطر لأجل بيعها هنالك، وفعلًا شُحِنت البضاعة بعد أن ضمنت إحدى شركات التأمين أخطار البحر كما جرت العادة بذلك، وبعد هذا حصلت عوارض بحرية للبضاعة المرهونة لم تنقص بها قيمة البضاعة عن مقدار الدين، بل ظلت زائدة عليه، وعلم بذلك التاجر، فطالب شركة التأمين بالتعويض عن الضرر الذي نتج من العوارض المذكورة، وقد حصل في أثناء المطالبة أن المدين مالك البضاعة وقف ما كان يملكه من العقارات التي لا علاقة لها بالدين مباشرة، وفي وقت الوقف كانت قيمة البضاعة لا تزال أكثر من مقدار الدين، ثم إنه قد ظهر أخيرًا بعد مضي مدة تغيرت فيها الأسعار وحالة البضاعة أن عملت التصفية بين الدائن والمدين، فتبين منها أن قيمة الأشياء المرهونة والتعويض لا يكفي لسداد الدين والمصاريف والملحقات.
فهل والحالة هذه يكون الوقف صحيحًا؛ لأن الدائن كان معتمدًا وقت الإدانة على البضاعة المرهونة وعلى مركز التاجر الذي كان متينًا وقتئذٍ، ولأن الوقف حصل في وقت كانت فيه البضاعة المرهونة أكثر قيمة من الدين خصوصًا إذا ضم إليها التعويض الذي كان مطلوبًا من شركة التأمين، أو أنه يكون باطلًا؟ وإذا كان صحيحًا فهل يمكن إبطاله والعود على أعيانه بما بقي من الدين بعد المحاسبة واستنزال ما تحصل من التعويض وقيمة الدين المرهونة على حسب ما تساويه الآن لا وقت الاستدانة ولا وقت الوقف؟ أرجو أن تفيدونا بالجواب، ولفضيلتكم الثواب.
سائل يقول: قام بعض الناس بشراء قطعة أرض مجاورة للمسجد وألحقوها به يفرشونها أيام الجمع والأعياد حينما يضيق المسجد برواده؛ فهل يجوز استغلال هذه المساحة الملحقة في أنشطة تعليمية واجتماعية ورياضية لأطفال وشباب المسلمين في غير أيام الجمع والأعياد؟
ما حكم تغيير الوقف من الإنفاق على المسجد إلى الإنفاق على مصالح الناس؛ فقد أوقف أحد الأشخاص قطعة أرض للإنفاق على مسجد معين، ثم صار هذا المسجد تابعًا لوزارة الأوقاف فيما بعد، والتي أصبحت هي من يتولى الإنفاق عليه، وعائلة الواقف الآن في احتياج إلى قطعة الأرض هذه للإنفاق من ريعها على الجَبّانة الخاصة بالعائلة ودار مناسباتهم، فهل يصح نقل الوقف من الإنفاق على المسجد إلى الإنفاق على الجبانة ودار المناسبات؟
ما حكم الانتفاع بأرض كانت مخصصة للدفن لإقامة مشروعات عامة عليها؛ حيث توجد مساحة مخصصة للدفن للمسلمين داخل كتلة سكنية، ولكن لم يُدْفَن فيها من أكثر من مائة عام، فهل يجوز الحفر ونقل أي بقايا داخل باطن الأرض إلى المقابر الجديدة المستعملة حماية وتكريمًا لمن كان في بطن تلك الأرض، وتخصيص المساحة القديمة لمشروعات النفع العام؛ كمسجد أو معهد تعليمي أو غيرهما من المشروعات ذات النفع العام؟
ما حق ورثة الواقف في قيمة وقف نزعت ملكيته؛ فرجل بنى مسجدًا، وأقيمت فيه الشعائر الدينية من مائة سنة تقريبًا، وفي هذا العام نزعت وزارة البلديات أرض وبناء هذا المسجد للمنافع العامة وكذلك ما ألحق به من دكاكين بناها الواقف للإنفاق عليه من إيرادها وكانت ضمن بنائه، وقدرت لذلك ثمنًا أودعته خزانتها، ولم يكن الواقف قد حرَّر حجّة بوقف المسجد وما ألحق به من الدكاكين، وطلب السائل بصفته من ضمن ورثة الواقف بيان الحكم بالنسبة للمبلغ المودع خزانة الحكومة كتعويض لأرض وبناء المسجد وملحقاته، وهل للورثة الحق في صرف هذا المبلغ والتصرف فيه على أساس أنه تركة تورث عن مورثهم، أم ليس لهم الحق في ذلك؟