فتوى ابن تيمية في أهل ماردين

فتوى ابن تيمية في أهل ماردين

اتخذ كثير من الجماعات المتطرفة في العصر الحالي من فتوى ابن تيمية في أهل ماردين سندًا في تبرير ما يقومون به من أعمال تخريب وتدمير وقتل للنفس الإنسانية باسم الإسلام، ما حقيقة هذه الفتوى؟ وهل تصلح سندًا لاستباحة دماء الناس وأموالهم؟

اشتهرت فتوى ماردين عن ابن تيمية رحمه الله وهي بلدة تقع في جنوب تركيا الحالية، وقد ولد فيها ابن تيمية، وتقع فيها بلدة حَرَّان وقد استولى عليها التتار في حياته وخرج منها هو وأهله وهو في السابعة من عمره.
وكان أهل ماردين مسلمين، واستولى عليهم التتار الذين كانوا يجمعون بين الكفر في نظر ابن تيمية وهو الذي عاصرهم وعرفهم وبين البغي والعدوان حيث استولوا على ديار المسلمين وبغوا فيها بأعظم أنواع البغي والفجور، فهي بلد أهله مسلمون والمتغلب عليه ويحكمه غير مسلمين.
وجاء السؤال لابن تيمية لمعرفة حال أهل هذا البلد، وهل يصح وصفهم بالنفاق، وهل تجب عليهم الهجرة، وإذا وجبت عليهم ولم يهاجروا فما حكمهم، وهل تعتبر دارهم دار إسلام؟
ونص الفتوى كالتالي:
[مسألة: في بلد ماردين هل هي بلد حرب أم بلد سلم؟ وهي يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله، هل يأثم في ذلك؟ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها، وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم، والمقيم بها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه، وإلا استُحبت ولم تَجِبْ، ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم من تغيب أو تعريض أو مصانعة، فإذا لم يمكن إلا بالهجرة تعيَّنت، ولا يحل سبُّهم عمومًا ورميهم بالنفاق، بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم، أما كونها دار حرب أو سلم فهي مُركَّبة فيها المعنيان: ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام؛ لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه] اهـ. "الفتاوى الكبرى" (3/ 533، ط. دار الكتب العلمية).
وقد وقع اختلال في الفهم من بعض المتشددين حيث تعلقوا بهذه الفتوى دون الرجوع إلى أهل العلم والاختصاص، ليبينوا فحوى هذه الفتوى ومعناها والسياق الذي قيلت فيه، والذي أدى إلى هذا الاختلال هو عدم الوقوف فضلًا عن الدربة والاستخدام للمنهج العلمي في كيفية توثيق النصوص وفهمها لدى علماء المسلمين، حيث انتقى هؤلاء الأحَداث وغير المتخصصين فتوى ابن تيمية بشكل مُحرف، فحرفوا كلمة: [ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام] بكلمة [ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام]، وبذلك برروا أعمال القتل والعنف والتخريب وترويع الآمنين من المسلمين وغير المسلمين، والصواب من عبارة ابن تيمية ما أثبتناه بدليل:
أ- أنها وردت هكذا [ويعامل] في النسخة المخطوطة الوحيدة الموجودة في المكتبة الظاهرية وهي برقم (2757) في مكتبة الأسد بدمشق.
ب- فيما نقله ابن مفلح وهو تلميذ ابن تيمية وقريب العهد منه فقد نقلها على الصواب [ويعامل] في "الآداب الشرعية" (1/ 190، ط. عالم الكتب).
جـ- نقلت الفتوى في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (9/ 248، ط. السادسة) على الصواب.
د- نقلها الشيخ رشيد رضا في "مجلة المنار" على الصواب، وأما هذا التصحيف فقد وقع أول ما وقع قبل مائة عام تقريبًا في طبعة "الفتاوى" التي أخرجها فرج الله الكردي عام 1327هـ، ثم تابعه على ذلك الشيخ عبد الرحمن القاسم في "مجموع الفتاوى" (28/ 248) وأصبح هذا النص هو المشهور والمتداول لشهرة طبعة "مجموع الفتاوى" وتداولها بين طلبة العلم.
إن غياب التوثيق في فتوى ابن تيمية أدى إلى تحريفها بشكل أهدر كثيرًا من دماء المسلمين وغيرهم، بل وأضر بمقاصد الشريعة وأهدافها، وتسبب في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ووصمهما بالتطرف والعنف والإرهاب وبخاصة وأن ترجمة الفتوى إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية قد اعتمدت النص المُصَحَّف.
هذا، وإن كانت القاعدة عند العلماء أن دعوى الوهم في التفسير أسهل من دعوى التصحيف في الأصل إلا أن مَن استخدم نص ابن تيمية المحرف قد وقع في الأمرين معًا؛ لأن التفسير مبني على صحة الأصل؛ فَهُمْ قد جانبهم الصواب في توثيق النص وقراءته، وأخطئوا أيضًا في فهم الكلمة المحرفة من خلال السياق وسابق الكلام ولاحِقه، وأمارة ذلك الاقتران والازدواج الواردان في نص الفتوى بين قوله: [ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه] وقوله: [ويعامل المسلم فيها بما يستحقه]؛ إذ لو كان المراد كما فهموا [ويقاتل الخارج] لما كان هناك داعٍ لقوله بعدها: [بما يستحقه]؛ لأن الخلاف ليس في كيفية القتال، وإنما في إقرار القتال ومشروعيته، هذا أمر.
الأمر الآخر: أن سبب استمداد القتاليين من هذه الفتوى وجعلها دليلًا لهم أن عبارة "ويقاتل الخارج عن الشريعة" تضمنت أمرين:
الأول: تشريع القتال للخارج عن الشريعة بصيغة البناء للمجهول؛ إذ من حق أي مسلم أن يقوم بهذا، وبذلك أصبحت هذه الجماعات تدَّعي أنها هي التي ستقوم بهذا الدور بما فيه من قتال والخروج على الدول والمجتمعات الإسلامية.
الثاني: لفظة [الخارج عن الشريعة] لفظة واسعة، فإن الخروج عن الشريعة مساحة واسعة تبدأ من صغائر الذنوب وتنتهي إلى كبائر الذنوب الكفرية، وبالتالي أصبحت كل هذه المساحة مساحة للقتال واستحلال أموال الناس، وبتصحيح النص كما ذكرناه يتم تجريد الفتوى من هذا التمسك للجماعات المتطرفة، كما أن التفقه في معنى الفتوى يجردها كذلك من هذا التمسك حيث أكد ابن تيمية على مجموعة من الأسس كما هو واضح لمن أمعن النظر في الفتوى حيث أكد:
أ- حرمة دماء أهل ماردين وأموالهم، وأن بقاءهم في بلادهم تحت سلطة الكفار المتغلبين عليهم لا يهدر شيئًا من حقوقهم، ولا يحل سبهم ولا رميهم بالنفاق ناهيك عن الكفر.
ب- عدم وجوب الهجرة عليهم إذا تمكنوا من إقامة دينهم.
ج- حرمة مساعدتهم لعدو المسلمين، ولو اضطروا للمصانعة أو التعريض أو التغيب.
د- أن دارهم ليست دار إسلام محض؛ لأن المتغلب عليها غير مسلمين، وليست دار كفر محض؛ لأن أهلها مسلمون، ولكنها دار مركَّبة فيها المعنيان؛ يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه.
ولذا لا يمكن أبدًا أن تكون فتوى ابن تيمية في حق أهل ماردين سببًا في استباحة دماء المسلمين وأموالهم بمجرد بقائهم في بلادهم تحت سلطة الكفار المتغلبين عليهم، وابن تيمية في فتواه هذه ينطلق من رؤية إسلامية صِرْف، تحتاط في الدماء والأموال بله التكفير إلى أبعد حد؛ لأن المسلم يحكم بإسلامه إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالها فقد عصم دمه وماله إلا بحقه، ولا يزول وصف الإسلام عنه إلا بيقين.
ومن هذه النصوص التي توضح ذلك:
قوله عليه الصلاة والسلام: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» أخرجه البخاري (باب ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة﴾) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما الذي قتل رجلًا شهد أن لا إله إلا الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟!» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟!» قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ. أخرجه البخاري (باب بعث النبي أسامةَ بن زيد رضي الله عنهما).
وفي الحديث: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه (باب زيادة الإيمان ونقصانه).
وقال عليه الصلاة والسلام كذلك: «مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ»، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ «قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» أخرجه مسلم (باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة).
وأجمعت الأمة على أنه يترتب على الشهادتين إسبال وصف الإسلام على الناطق وعصمة دمه وماله، والخروج من الإيمان بجحود وإنكار ما جاء عن الله؛ لأنه رد للشهادتين وجحود بهما، وقد نبَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى موقع المعاصي والذنوب من قضية الإيمان في الحديث الذي رواه أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا نُخْرِجُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ» أخرجه أبو داود (باب الغزو مع أئمة الجور).
ومع تأكيدنا على أهمية العمل الصالح في كمال الإيمان، وعدم التهوين من المعاصي صغرت أم كبرت إلا أننا نقرر ما قرره العلماء، ونَكُفُّ ألسنتنا عن أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يلزم مع الشهادة شيء آخر، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يشترط للدخول في الإسلام شيئًا غير الشهادة وكان يقول: «قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ تُفْلِحُوا» رواه أحمد في "مسنده" عن ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه.
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَقْتُلْهُ»، فقلت: يا رسول الله: إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ فقال: «لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ» رواه مسلم (باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ» رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه (باب استقبال القبلة).
وقال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: [وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر؛ فمن أظهر شعائر الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك] اهـ. "فتح الباري" (1/ 497، ط. دار المعرفة).
ومما سبق يتبين أن الإقرار بالنطق بالشهادتين أو ما يقوم مقامه هو الأصل في ثبوت وصف الإسلام للمعين مطلقًا، وهذا حكم شرعي مطلق لا يختص بزمان ولا مكان معين، ماردين أو غيرها كما في السؤال، ولا بحال دون حال إلا إذا تعلق وصف بالمعيَّن على الخصوص يوجب استثناءه من هذا العموم فإن له حكمه الخاص بحسبه هو دون معارضة للقاعدة العامة. ينظر: "مبدآن هدامان" لعمر عبد الله كامل (ص: 24)، و"قضية تكفير المسلم" لسالم البهنساوي (ص: 60).
وقد حذرنا الله سبحانه من عدم الأخذ بهذا الظاهر فقال: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: 94]. وهذا المعنى هو ما تتابعت عليه كلمات العلماء.
قال العلامة ابن الهمام الحنفي: [ولا شك أنه يجب أن يحتاط في عدم تكفير المسلم حيت قالوا: إذا كان في المسألة وجوه كثيرة توجب التكفير ووجه واحد يمنعه على المفتي أن يميل إليه ويبني عليه] اهـ. "فتح القدير" (5/ 315، ط. دار الفكر).
وقال الإمام الغزالي: [استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم] اهـ. "المنثور في القواعد" للزركشي (3/ 87، ط. وزارة الأوقاف الكويتية).
ويقول الإمام الشوكاني: [اعلم أن الحكم على رجل مسلم بخروجه عن دين الإسلام ودخوله في دين الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقْدِمَ عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار] اهـ. "السيل الجرار" (4/ 578، ط. دار ابن حزم).
بل إن ابن تيمية نفسه الذي اتخذوا من فتواه سندًا لإراقة الدماء واستباحة الأموال يقول: [ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فَعَلَهُ، ولا بخطأ أخطأ به، كالمسائل التي تتنازع فيها أهل القبلة؛ فإن الله تعالى قال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]، وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم] اهـ. "مجموع الفتاوى" (3/ 282).
والعجب كل العجب ممن يستحلُّ دماء وأموال وأعراض المسلمين لمجرد شبهة طرأت على ذهنه وغفل عن التوجيه الإسلامي الراقي الذي يركز على أن: «كُل الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» رواه مسلم (باب تحريم ظلم المسلم وخذله)، وأبو داود (باب في الغيبة).
ونبَّه على أنه: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ مِنْ طِيبِ نَفْسٍ» رواه البيهقي في "السنن الكبرى".
بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم شدَّد على حرمة المُعَاهَد مع عدم إسلامه في دمه وماله فقال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا وَانْتَقَصَهُ وَكَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلَا وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» رواه البيهقي في "السنن".
هذا الحال مع غير المسلم، فما بالك بمن يقول: لا إله إلا الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، فكيف يمكن أن يستحل حرمته أو يباح دمه وماله دون موجب شرعي: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» متفق عليه.
ومسائل التكفير ينبغي الاحتياط فيها، ولا تكون إلا من العلماء المختصين أو مَنْ له أهلية الإفتاء، ويكون بصدور حكم من القاضي المعتمد؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي: [ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظيم خطره، وغلبة عدم قصده سيما من العوام] اهـ. "تحفة المحتاج" (9/ 88، ط. دار الفكر).
وعليه: لا يجوز أن تكون فتوى ماردين لابن تيمية سندًا لاستباحة دماء الناس وأموالهم، واستباحة دم شخص معين أو ماله من وظيفة المفتي والقاضي، وتقوم السلطات المختصة بتنفيذ ذلك الحكم، ولا يترك بحال لآحاد الناس أو لجماعة من الجماعات وإلا اختل ميزان العدل والشرع.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا