الطلب الـوارد مِن إحدى النيابات العامة، بمناسبة التحقيقات التي تجريها في إحدى القضايا، لاستطلاع الرأي الشرعي من دار الإفتاء المصرية، بشأن الشكوى المقدمة من رجل قرر أنه قد فقد بطاقة الرقم القومي الخاصة به، وعثر عليها أحد الأشخاص (مجهول الهوية)، وقام الأخير باستخدامها في الزواج من امرأة بواسطة مأذون شرعي، بقسيمة زواج على غير الحقيقة.
لذلك نرجو إفادتنا بالإفتاء عن مدى صحة عقد الزواج المبرم محل الواقعة؛ لبيان عما إذا كان الزواج باطلًا بطلانًا مطلقًا، أم أن هناك فسادًا في عقد الزواج، وبيان ما إذا كانت الواقعة المذكورة تشكل مواقعة أنثى بغير رضاها من عدمه، أم أن العلاقة الزوجية التي نشأت بين طرفي الزواج هي علاقة شرعية؟
العقد المذكور هو عقد فاسد يحق للزوجة معه طلب الفسخ؛ لوجود التغرير بمعظم صوره فيه، بدءًا من التغرير في الهوية والنسب وحتى التغرير في الدين، وهو تغرير يؤثر على الرضا، والفسخ هنا يعدُّ نقضًا للعقد من أصله بحيث لا يترتب عليه أي أثر من آثار النكاح الصحيح، والأمر في ذلك كله موكول لجهة التحقيق.
المحتويات
عقد النكاح له خصوصية؛ حيث إنه عقد يبتغى منه الدوام والاستمرار ويترتب عليه أعظم الآثار بخلاف باقي العقود، ولذلك أفرده الشرع باشتراط الشهادة فيه، وهذا رأي جمهور الفقهاء.
والمقرر أنه إذا وجد في العقد عيب لا يُبطل العقد لكنه يمنع من استيفاء المنفعة على وجه الكمال، أو كان أحد المتعاقدين قد دلَّس على الآخر بأن أوهمه بأن العقد يحقق له منافع موهومة دفعته لأن يبرم العقد فإن الشرع قد أعطى للمضرور حق المطالبة بفسخ هذا العقد، والفسخ هو نقض للعقد من أصله بحيث يعود المتعاقدان إلى ما كانا عليه قبل العقد؛ وذلك لأن العقد مع التغرير يكون مشوبًا بعيب في الرضا.
ونطاق التغرير عند الحنفية هو الكفاءة والعيوب، فإيهام الطرف الآخر بأنه كفء له على خلاف الحقيقة، وكذلك إخفاء العيوب التي لا يمكن معها استيفاء مقصودات النكاح هو تغرير يبيح للمغرور أن يطلب فسخ النكاح، ولا يكون حق طلب الفسخ للتغرير إلا للمرأة لأن الرجل يملك التخلص من العقد بالطلاق.
والكفاءة عند الحنفية تكون في الخصال التي يحصل بها التفاخر والتعيير ومنها الدين والنسب، وذلك حسب عرف كل زمان ومكان، والكفاءة المعتبرة في الدين هي الصلاح فيه، فالفاسق ليس كفئًا للصالحة.
قال العلامة الكاسائي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 318، ط. دار الكتب العلمية): [فما تعتبر فيه الكفاءة أشياء. منها النسب، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم -«قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، حَيٌّ بِحَيٍّ، وَقَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، رَجُلٌ بِرَجُل»-؛ لأن التفاخر، والتعيير يقعان بالأنساب، فتلحق النقيصة بدناءة النسب، فتعتبر فيه الكفاءة] اهـ.
وقال أيضًا (2/ 320، ط. دار الكتب العلمية): [ومنها الدين في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف حتى لو أن امرأة من بنات الصالحين إذا زوجت نفسها من فاسق كان للأولياء حق الاعتراض عندهما؛ لأن التفاخر بالدين أحق من التفاخر بالنسب، والحرية والمال، والتعيير بالفسق أشد وجوه التعيير] اهـ.
وقد تنوعت نصوص فقهاء الحنفية؛ بين اعتبار الكفاءة شرط لزوم ينشأ معه العقد صحيحًا إلَّا أنه قابل للفسخ، وبين اعتبارها شرط صحة يترتب على فقدها فساد العقد، ومحل القول بأنها شرط لزوم فيكون في حالة تزوج المرأة بغير كفء وهي تعلم بذلك، فيثبت لأوليائها حق الاعتراض وطلب الفسخ باعتبار أن هذا العقد غير لازم بالنسبة لهم، أمَّا محل القول بأن العقد يكون فاسدًا لفقد شرط الكفاءة فهو حالة ما إذا كانت المرأة نفسها قد غُرِرَ بها وأوهمها الرجل بكونه كفئًا على غير الحقيقة، فإن هذا التغرير يرتِّب فساد العقد؛ لأن الإيجاب والقبول لم يتلاقيا على محل واحد، وكل عيب في الرضا يفسد النكاح، ويكون المطالبة بالفسخ هنا حق للمرأة وأوليائها.
قال العلامة السرخسي في "المبسوط" (5/ 13، ط. دار المعرفة): [وعلى رواية الحسن -رحمه الله تعالى- قال: إذا زوجت نفسها من غير كفء لم يجز النكاح أصلًا] اهـ.
وقال العلامة ابن مَازَه البخاري الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (3/ 37، ط. دار الكتب العلمية): [لو وكلت رجلًا أن يزوجها فزوجها من كفء بمهر مثلها فالكلام فيه كالكلام فيما إذا زوجت نفسها، وأنه على الخلاف على ما يأتي بيانه في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى، فكذا هذا. وإن زوجها من غير كفء لها لم يجز عليها] اهـ.
وقال العلامة الزيلعي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (2/ 135، ط. الأميرية): [وكذا لو أمرت امرأة رجلًا أن يزوجها فزوجها من نفسه لم يجز، وكذا إذا زوجها غير كفء بالإجماع على الصحيح] اهـ.
تعمد الرجل التزوج ببيانات مزورة هو أشد أنواع التغرير؛ لأن البيانات الرسمية المقيدة في سجلات الدولة والمرتبطة بالرقم القومي هي وحدها ما يمكن معه تحديد هوية الشخص ومعرفة نسبه وعائلته وحالته الاجتماعية وسجله الجنائي وخلافه من البيانات الأساسية التي يحدد الطرف الآخر على أساسها قبوله أو عدم قبوله الزواج منه، كما أنه لا يمكن مطالبة أي طرف بآثار هذا العقد إلا من خلال هذه البيانات الرسمية، وما تعتبر به الكفاءة في أزماننا إنما يتحدد عن طريق هذه البيانات.
كما أن هذا الفعل دليل على قلة الديانة، لعلم من قام به أن هذه المرأة ستصبح معلقة؛ حيث إنها قد ارتبطت في المستندات الرسمية بشخص لا تعرف عنه شيئًا، ولم يتزوجها بالفعل، فلا يمكنها أن تستكمل معه العقد، كما أنها لا تستطيع أن تتخلص من هذه الزيجة لأنه ليس له وجود رسمي، بالإضافة إلى أنها لن تستطيع أن تنسب الطفل الذي قد يولد من هذه الزيجة إلى أبيه الحقيقي، ومجموع هذا الغش يجعله غير كفء لأي مسلمة الأصل في حالها الصلاح.
بناءً على ذلك وفي واقعة الدعوى: فإن العقد المذكور هو عقد فاسد يحق للزوجة معه طلب الفسخ؛ لوجود التغرير بمعظم صوره فيه، بدءًا من التغرير في الهوية والنسب وحتى التغرير في الدين، وهو تغرير يؤثر على الرضا، والفسخ هنا يعدُّ نقضًا للعقد من أصله؛ بحيث لا يترتب عليه أي أثر من آثار النكاح الصحيح، والأمر في ذلك كله موكول لجهة التحقيق.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الزواج من فتاة رضعت من جدته أكثر من أربع رضعات؟ ففتاة رضعت من امرأة، ويريد حفيد زوجها الزواج من هذه الفتاة، وكان رضاعها مع أحد أولادها، وكان عدد الرضعات أكثر من أربع رضعات، وكانت الرضاعة بعد زواج المرضع من جد الرجل الذي يريد الزواج منها. فهل هذا جائز؟
ما قولكم دام فضلكم في رجل سبق له في سن الصغر أن رضع من امرأة رضعات تقل عن الخمس مرات متفرقة، فهل يجوز له شرعًا الزواج بابنة هذه المرأة المرضعة؟ وإذا كان حصل الزواج بناءً على فتوى أحد العلماء بجواز الزواج ما دام أقل من خمس متفرقة، فهل العقد في هذه الحالة صحيح أم باطل؟
ما حكم زواج شاب من ابنة عمه وتدعي أمها أنها أرضعته؟ فقد خطب شاب ابنة عمه، ولكن بعد مدة قالت أم الفتاة إنها قد أرضعت الفتى، ولما قيل لها: لِمَ سكتِّ عن هذا الأمر طوال هذه المدة؟ قالت إنها لم تكن تعلم أن الرضاعة من أسباب التحريم رغم أنه قد حدث عدة خطبات في الأسرة، وقبل أن يتقدم الشاب إلى ابنة عمه، وفسخت هذه الخطبات بسبب الرضاع، وقد حدثت إحدى هذه الخطبات في بيت ملاصق للمنزل الذي تقيم فيه هذه الأم وهو في الوقت نفسه بيت أخ لزوجها، وقد فسخت هذه الخطبة بسبب الرضاع، وقد علمت هذه الأم بسبب فسخ هذه الخطبة في حينه ألا وهو الرضاع، ولما عرض الأمر على أم الشاب أنكرت ذلك كل الإنكار، وقالت إنها مستعدة أن تحلف على أنها لم ترَ والدة الفتاة ترضع ابنها، ولما طلب إلى أم الفتاة أن تأتي بأدلتها التي تثبت صدق قولها استشهدت بعمات الفتى والفتاة وهن ثلاث سيدات، ولكن العمات أنكرن حصول رضاع أمامهن، وقلن إنهن لم يرين أو يسمعن عن هذا الرضاع إطلاقًا، واستشهدت أيضًا بامرأة أخرى، ولكن هذه المرأة قالت إنها لم ترها ترضع الفتى أبدًا، وأبدت استعدادها لحلف اليمين أيضًا، ولم تستشهد أم الفتاة بأي رجل، ولم يشهد أي رجل بحصول الرضاع. ثم بعد مدة قالت أم الفتاة إنها مستعدة لليمين، وقد سُئِل الفتى عن وقع هذا الكلام في قلبه فقال إني لا أصدقها؛ لأن هناك خطيبًا آخر، ولم يتيسر سؤال الفتاة؛ لأنها في كنف أمها، فهل هناك مانع شرعي من إتمام الزواج، أم لا؟
ما حكم عدة المرأة التي توفي عنها زوجها قبل الدخول؟ فقد عقد رجل على امرأة، ومات عنها قبل الدخول بها، وقبل حصول خلوة شرعية معتبرة، فهل يجب عليها أن تعتد؟ وكيف تكون عدتها؟
ما قولكم -دام فضلكم- في رجل حكم عليه بنفقة وكسوة وأجرة حضانة لإخوته من أبيه في سنة 1918م، واستمر يؤدي هذه النفقة إلى والدتهم المحكوم لها إلى سنة 1931م. ثم رفعت عليه دعوى مدنية من بعض هؤلاء الأولاد وأمهم عن نفسها وبصفتها وصية على باقي أولادها بالمطالبة بتثبيت ملكيتهم إلى فدانين، 10 قراريط، ونصف منزل باعتبار أن هذا النصيب تركة لهم بعد والدهم مورثهم، واستندوا في دعواهم إلى إقرار صادر من المحكوم عليه بالنفقة إلى والدهم المذكور بملكيته لأطيان ومنزل، وفعلًا حكمت لهم المحكمة الأهلية بملكيتهم لهذا القدر، وحكمت لهم أيضًا بريع الأطيان ابتداء من تاريخ وفاة المورث في سنة 1918م لغاية رفع الدعوى المدنية في سنة 1931م، وأن هذا الأخ المحكوم عليه بالنفقة لإخوته لأبيه ما كان يعلم أن هذا الإقرار يؤدي معنى ملكية أبيه المورث شيئًا بدليل أنه كان ينازع في صحة هذا الإقرار بهذا المعنى إلى آخر درجة من درجات التقاضي بالمحاكم الأهلية.
فهل يجوز لأخيهم الذي حكم عليه بالنفقة وأداها لهم على اعتبار أنهم كانوا فقراء وليس لهم مال ظاهر أن يرجع عليهم بما أداه لهم من النفقة، أو أن يحتسب ذلك مما حكم لهم به من الريع؛ حيث حكم لهم بريع الأطيان عن المدة التي كان يؤدي فيها النفقة، وحيث ثبت لهم مال في المدة التي كانوا يتقاضون فيها النفقة، أو لا يجوز له الرجوع أو الاحتساب من الريع؟ أفتونا في ذلك، ولفضيلتكم من الله الأجر والثواب.
هل من حقِّ الزوج أن يمنع زوجته من زيارة أبويها وأخواتها ومحارمها؟