البرمجة اللغوية العصبية

البرمجة اللغوية العصبية

 ما حكم تعلم البرمجة اللغوية العصبية والاستفادة من تطبيقاتها في النواحي الدينية؛ كتحفيز النفس على فعل الخيرات من عبادات أو معاملات أو طلب للعلم الشرعي؟

 مدح الإسلامُ العلمَ والعلماءَ، وصرَّح برفعة مكانتهم في الدنيا والآخرة، وحفَّز المسلمين على طلب العلم والحكمة؛ فيقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9]، وقال سبحانه: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]، فدلت الآيات على أن الازدياد من العلم هو ازدياد من الخير والفضل، كما دلَّت على أن العلم هو سبيل العقلاء للتذكرة والاتعاظ بآيات الله سبحانه وتعالى القرآنية والكونية، بل العلم هو الوسيلة الحقيقية للانتفاع بما أنزل الله من شرائع الدين وما سخره للناس من الموجودات، غير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يستعيذ بالله تعالى من علمٍ لا ينفع؛ فكان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا»، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، فتحصَّل من هذا أن المنفعة هي المعيار الإسلامي الذي تتحدد به العلوم التي يجوز الاشتغال بها لكونها ذات منفعة دنيوية أو أخروية؛ والعلوم التي لا يجوز الاشتغال بها لعدم منفعتها، أما العلوم التي تلحق الضرر بمتعلمها فالامتناع عن الاشتغال بها يكون واجبًا من بابِ أَوْلَى؛ قال الله عز وجل: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102]، وعلى فرض اجتماعِ نفع وضرر في علمٍ ما، فالحكم حينئذٍ يتبَع الغالب منهما؛ قال شمس الأئمة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (10/ 196، ط. دار المعرفة): [الحكم للغالب؛ لأن المغلوب يصير مستهلكا في مقابلة الغالب، والمستهلك في حكم المعدوم] اهـ.
لكن يشترط حينئذٍ فيمن يشتغل به أن يكون على دراية بثوابت الإسلام عقيدة وشريعة، كما اشترط العلماء سابقًا فيمن يدرس علم المنطق المخلوط بعقائد الفلاسفة الفاسدة أن يكون قد تمرَّس أولًا في علوم الكتاب والسنة بما اشتملت عليه من عقائد وشرائع وسلوك؛ قال العلاَّمة الأخضري صاحب "السُّلَّم المنورَق" في علم المنطق:
[والقولة المشهورة الصحيحة ** جوازه لكامل القريحة
ممارس السنة والكتاب ** ليهتدي به إلى الصـواب] اهـ.
قال العلامة الملَّوي في "شرحه على السلم" (ص: 42، ط. مصطفى الحلبي): [(ممارس السنة) أي الحديث (والكتاب) أي القرآن فيجوز له (ليهتدي به إلى الصواب) لكونه قد حصَّن عقيدته فلا يضره بعد ذلك الاطلاع على العقائد الفاسدة وشبهها، أما إذا كان بليدًا فلا؛ لأنه لا يقدر على دفع شبههم فربما تمكنت من قلبه وكذا إذا كان ذكيًّا غير ممارس السنة والكتاب] اهـ.
والبرمجة اللغوية العصبية علمٌ أو فنٌّ تجريبيٌّ حديثُ النَّشأَة، يسمى بالإنجليزية: "Neuor Linguisitic Programming"، أو "NLP" اختصارًا، وموضوع هذا الفن معرفة كيفية تحفيز الإنسان كي ينجح في الوصول إلى أي غرضٍ يهدف إليه، وكيفية تجاوز الصعوبات التي تعوقه عن النجاح في ذلك قدر الإمكان، سواء كانت صعوبات حقيقية أو متوهمة، وذلك من خلال التأثير على النفس إيجابيًّا باستخدام التعبيرات "اللغة" اللِّسانيَّة أو الجسديَّة التي ترسِّخُ في النفس الثقة والحماسة وتدفعها نحو النجاح وتخلصها من القناعات السلبية.
وقد قيل عن هذا الفن: إنه "هندسة النجاح الإنساني"، وقيل عنه: إنه عبارة عن مجموعةِ طرق وأساليب تعتمد على مبادئ نفسيَّة تهدف لحلِّ بعض الأزمات النفسيَّة ومساعدة الأشخاص على تحقيق نجاحات وإنجازات أفضل في حياتهم.
وتتميز هذه المدرسة النفسية بأن مُتقِنَ أساليبها لا يحتاج معالجًا خارجيًّا؛ فهي يمكن أن تكون وسيلةَ علاجٍ نفسيٍّ سلوكيٍّ ذاتيّ، تحاول أن تحدد خطة واضحة للنجاح، ثم استخدام أساليب نفسيَّة لتعزيز السلوك الأنجع ومحاولة تفكيك المعتقدات القديمة التي تشخص على أنها معيقة لتطور الفرد، ومن هنا جاء تسميتها بـ"البرمجة"؛ أي أنها تعيد برمجة العقل عن طريق اللسان أو اللغة.
وأول من طرح أسلوب البرمجة اللغوية العصبية كان "ريتشارد باندلر" و"جون جريندر" عام 1973م كمجموعة نماذج ومبادئ لوصف العلاقة بين العقل واللغة؛ سـواء كانت لغة حرفيَّة أو غير حرفيَّة (جسديَّة) وكيف يجب تنظيم العلاقة بينهما (برمجة) للتأثير على عقل الشخص وجسده وتفكيره؛ هذا التأثير قد يكون بعلم ووعي الشخص المعالَج أو بلا وعيه، ودراسة لبنية الخبرة الشخصية، فهي أساسًا تتأسس على أن سلوك الفرد بكامله له بنية قابلة للتحديد عمليًّا.
ويبدو أن فكرة هذا العلم قائمة على أن كل أفعالنا وممارساتنا في الحياة تصدر عن مجموعة قناعات عقلية متكاملة، وبالتالي فإنه إذا كانت هذه القناعات إيجابية فسوف ينجح الإنسان في فعل ما يريد، وإذا كانت سلبية فسوف يفشل، ودور البرمجة اللغوية العصبية هو التحكم في منظومة القناعات بالتعديل أو الحذف أو الإضافة بما يحقق النجاح في العمل، وقد وجد مؤسسو البرمجة اللغوية العصبية بالتجربة أن الإنسان عادةً ما يوجه إلى نفسه رسائل لغوية (لسانية وجسدية) تؤثر في قناعاته العقلية ويصدر عنها سلوكه ويتوقف عليها نجاحه وفشله بصورةٍ كبيرةٍ، وهذه الرسائل اللغوية هي الوسيلة التي يركز عليها علم البرمجة من أجل الوصول إلى التحكم في الذات وتصرفاتها وتطويرها للأفضل، واستخدام اللغة لهذا الغرض يعتبر استخدامًا فنيًّا كاستخدامها في الشِّعر والتمثيل ونحو ذلك للتأثير في السَّامع أو المشاهَد بتحريك خياله تجاه استحسان شيءٍ ما ودعوته إلى فعله أو استقباحه وتنفيره من ارتكابه.
فالحاصل: أن هذا العلم تخصص في دراسة أداة فنية مؤثرة في النفس البشرية يمكن استخدامها لحل بعض الأزمات النفسية بما يساعد على تحقيق نجاحات وإنجازات في الحياة العملية، وليس في غاية كهذه ما يتعارض مع الشريعة في شيء؛ فإن التفاؤل والإيجابية وعلو الهمة وتحفيز النفس للعمل الصالح دنيويًّا كان أو أخرويًّا هي أمورٌ محمودةٌ حثَّ عليها الشَّرع الشَّريف وذمَّ ضدها؛ قال تعالى داعيًا عباده إلى عدم الاستسلام لرسائل القُنوط واليأس التي يرسلها الإنسان المسرف إلى نفسه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾ [الزمر: 53]، وقال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56]، وقال سبحانه على لسان نبيه يعقوب عليه السلام: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87]، وقال عز وجل محفزًا لنفوس المؤمنين على التسابق والمنافسة إلى النجاح في فعل الخيرات: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [المائدة: 48]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۞ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ۞ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ۞ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 22-26]، وقال جلّ وعَلَا في مدح البسالة والصبر على المشاقِّ لتحقيق النصر: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146]، وقال تبارك وتعالى في الرَّفع من الحالة المعنوية للمؤمنين حين أصابهم البأس والألم في حربهم مع المشركين: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۞ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 139-140] وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾ [النساء: 104]، وقال تعالى في ذمِّ الاستسلام للتخاذل والتثاقل عن نصرة الحق: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة: 38]، وفي ذم المثبطين وأصحاب الرسائل السلبية والتحذير من الاستماع إليهم يقول سبحانه: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ۞ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 46-47]، وفي ذم الكسل وأداء العمل على كره دون إيمان بفائدته يقول الله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 54].
وقال عز وجل في تحفيز المؤمنين على الجهاد بآيات خالدة يرددها المسلمون في الصلاة وخارجها: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 41]، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ۞ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: 159-160].
وقال سبحانه في بيان أن من الأقوال والقصص ما يكون له كبير الأثر في تثبيت الإنسان على الطريق الصحيح وتدفعه للنجاح الحقيقي: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27]، وقال جل شأنه: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [هود: 120].
وفي اتخاذ القدوة الحسنة ومعرفة عوامل نجاح القادة وضرب المثل بهم -وهو ما اصطلح عليه في البرمجة اللغوية العصبية باسم "النمذجة"- أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتدي بهدي خير الخلق وأعلاهم همة وأصفاهم نفسًا وأرشدهم سلوكًا وأفعالًا وهم الأنبياء والرسل عليهم السلام وذلك بعد أن ذكر قصصهم وأحوالهم وعوامل نجاحهم؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]، وقال سبحانه: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35].
وحثَّ عز وجل المسلمين على الاقتداء بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21].
لكن مما أُخِذَ على علم البرمجة اللغوية العصبية أن واضعيه قد أهملوا التأكيد على أهم عناصر النجاح على الإطلاق، وهو جانب اتصال العبد بربه، وإيمانه به وبقدرته وقضائه وقدره، ووجوب الالتزام بمنهجه ونهيه وأمره لتحقيق النجاح، لذلك فإنهم ينظرون إلى النجاح نظرةً ماديةً بحتة، وكأن النجاح يمكن إحرازه بعيدًا عن الإيمان بالله عز وجل، وكأن الإنسان لا يسعده ويجعله راضيًا عن نفسه إلا النجاح المادي في الحياة الدنيا وفي علاقاته مع البشر، فهذه المقدمات ينتج عنها نتيجةٌ إلحاديةٌ فاسدةٌ، وهي أن سعادة الإنسان لا يشترط فيها الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولا اتباع هدى الأنبياء والمرسلين، وهذا تكذبه الفطرة التي يجدها كل إنسانٍ بداخله، كما يكذبه واقع المجتمعات غير المتدينة التي أحرزت نجاحًا ماديًّا كبيرًا، ولكن خواءها الروحي دفع أبنائها للانحراف والدمار والانتحار في نهاية الأمر، فحاجة البشر إلى الدين والتدين حاجةٌ ضروريةٌ لا تقل عن حاجتهم للطعام والشراب والهواء وحفظ النفس والعقل والنسل والمال.
ومع هذا، فما دام في هذا العلم ما يمكن الانتفاع به فلا بأس بأن يشتغل به المتخصصون من المسلمين لتنقيحه وتهذيبه والإضافة إليه على وفق عقائد الإسلام وشرائعه العملية والأخلاقية، وضرب الأمثال بنماذج من الحضارة الإسلامية والشخصيات الإسلامية الناجحة التي خلد ذكرها التاريخ، لينتفع بذلك المسلمون وغيرهم؛ فقد كان الاقتباس والمزج والتطوير هو دأب المسلمين في انفتاحهم على الحضارات الأخرى وتبادلهم للثقافات والعلوم النافعة والصناعات المفيدة مع مختلف الأمم، وكان شعارهم في هذا أن "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، وأن خير الناس أنفعهم للناس".
ومما سبق: يتبين جواز الاشتغال بتعلم البرمجة اللغوية العصبية إذا لم يكن فيه ما يتنافى مع عقائد الإسلام وشرائعه؛ وإلا كان الجواز قاصرًا على المتخصصين الذين يقومون على تطويره ليتوافق مع هدي الإسلام وينتفع به الناس.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا