حكم إفطار عموم المرضى في رمضان عند تفشي الوباء

تاريخ الفتوى: 01 مايو 2020 م
رقم الفتوى: 5216
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم إفطار عموم المرضى في رمضان عند تفشي الوباء

ما حكم الإفطار في شهر رمضان لعموم المرضى، خاصَّة في هذه الظروف التي تفشَّى فيها وباء كورونا المستجد؟

الذي عليه المذاهبُ الأربعة المتبوعة وعليه الفتوى والعملُ أنه ليس كلُّ مرضٍ مبيحًا للفطر، وإنما يُرَخَّصُ فيه إذا كان المرض يستوجب الإفطار لتناول العلاج، أو كان للصوم مضاعفات على المريض فيقوى بلاؤه، أو على تطويل أمد المرض فيتأخر شفاؤه، أو لا يتحمل المريض مشقَّته لشدَّة جوع أو عطش أو ألم فيزداد عناؤه، فالرخصة لمن يتعارض مرضه مع الصوم في أخذ الدواء، أو زيادة العناء أو تأخر الشفاء، أو الحاجة للغذاء، وذلك كلُّه بمشورة الطبيب المختص، أو خبرة الإنسان وتجربته التي يعلمها من مرضه، وقد يكون الإفطار في بعض الحالات واجبًا إذا كان الضرر بالغًا وكان احتمالُ حصوله غالبًا، ويجب على من أفطر منهم قضاءُ ما أفطره عند زوال الطارئ الذي منع الصوم. وعلى الإنسان في كل ذلك الاستجابة لأمر الطبيب، والالتزام الدقيق والأمين بالقرارات الصحية العامة للمسؤولين ونصائح الأطباء وتعليمات المختصين، وأخذ توجيهاتهم محمل الجِدِّ واليقين من غير استهتار أو تهوين.

المحتويات 

 

الصوم في نفسه ليس له أثرٌ سلبيٌّ على الصحة

حقيقة العلم التي يُصدِّقُها الواقع أن عدوى الوباء في ذاتها لا علاقةَ لها بالصوم، وهذا هو الذي قرَّره المتخصصون وأثبتته الأبحاثُ الطبيةُ والدراسات العلمية والتجارب المعملية كما سبق؛ فالصوم في نفسه ليس له أثرٌ سلبيٌّ على الصحة، وكثيرٌ من الأمراض ينفع الصوم في دفْع غوائلها، وتخفيفِ آثارها، وكبْح مضاعفاتها، بل ويُتَدَاوَى به في علاجها، وإنما يرخص في الإفطار لمن كان الصوم يزيدُ من مرضه بنصيحة الطبيب المختص.
فإن الله تعالى قد عقَّب فرض الصوم بالرخصة لمن كان مريضًا أو مسافرًا؛ فقال سبحانه: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]، والذي عليه جماهيرُ علماء الأمة أن المقصود بالمرض هنا هو الذي يؤدي إلى ضرر النفس أو زيادة في العلة؛ كما يقول الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (5/ 63، ط. دار الكتب العلمية)، خلافًا للظاهرية وبعض السلف؛ فالرخصة عندهم حاصلةٌ بكل مرض.

حكم إفطار عموم المرضى في رمضان عند تفشي الوباء

المعتمد هو ما عليه المذاهبُ الأربعة المتبوعة؛ فليس كلُّ مرضٍ يصيب المكلَّفَ مُرخِّصًا له في الإفطار، بل نصوا على أن مِن الأمراض ما ينفع معها الصومُ في شفاء مَرْضاها؛ فيكون الصوم خيرًا لهم من الإفطار، وإنما تكون رخصة الفطر في المرض الذي يزداد بالصوم شِدّةً أو مُدَّةً بإخبار الطبيب المختص الحاذق، أو لا يستطيع المريض معه الصوم، أو يستطيعه بمشقَّة شديدة، وربما كان الإفطارُ في بعض الحالات واجبًا إذا كان الضرر بالغًا وكان احتمالُ حصوله غالبًا، وعلى من أفطر أن يقضي ما أفطره عند القدرة.
قال الإمام علاء الدين البخاري الحنفي في "كشف الأسرار" (4/ 376، ط. دار الكتاب الإسلامي) شرح أصول الإمام البزدوي: [المرض لم تتعلَّق الرخصة بنفسه؛ لأنه متنوع إلى ما يضر به الصوم وإلى ما لا يضر به بل ينفعه؛ فلذلك تعلَّقت الرخص بالمرض الذي يوجب المشقَّة بازدياد المرض لا بما لا يوجبها، ألا ترى أنه لو حدث به بَرَصٌ في حال الصوم لا يمكن أن يُرَخَّصَ له بالإفطار، مع أنه من الأمراض الصعبة؛ فعرفنا أن الحكم غير متعلق بنفس المرض] اهـ.
وقال الإمام العيني الحنفي في "منحة السلوك في شرح تحفة الملوك" (ص: 270، ط. أوقات قطر): [قوله: (المريض إذا خاف شدة مرضه أو تأخر بُرئه أفطر)؛ لأن ذلك قد يُفضي إلى الهلاك، فيجب الاحتراز عنه، وطريق معرفته الاجتهاد، فإذا غلب على ظنه أفطر، وكذا إذا أخبره طبيب حاذق عدل، والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم فهو كالمريض] اهـ.
قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 261، ط. دار الفكر):
[وجاز الفطر بسبب مرض خاف زيادته ومنه حدوث علة، أو تماديه بالصوم، وبعبارة أخرى: أي زيادة نوعه بأن تحدث له علَّة أخرى، فإن خاف على نفسه الهلاك، أو أن يلحقَه مشقَّة عظيمة فإنه يجبُ عليه الإفطار؛ لأن حفْظَ النفوس واجبٌ ما أمكن. اهـ.
قال الإمام العدوي في حاشيته عليه: (قوله: خاف زيادته) إما بقول طبيب عارف -ولو ذميًّا عند الضرورة- كما قاله البدر، أو علم ذلك في نفسه بتجربة، أو ممن هو موافق له في المزاج كما تقدم. واعلم أنَّ الصحيح إذا خاف بصومه الهلاك أو شدَّة الأذى يجب عليه الفطر، ويرجع في ذلك لأهل المعرفة] اهـ.
وقال الإمام الرازي الشافعي في "مفاتيح الغيب" (5/ 63-64): [وكيف يمكن أن يقال: كلُّ مرضٍ مرخِّصٌ مع علمنا أن في الأمراض ما ينقصه الصومُ!! فالمراد إذن منه ما يؤثر الصوم في تقويته، ثم تأثيره في الأمر اليسير لا عبرة به؛ لأن ذلك قد يحصل فيمن ليس بمريض أيضًا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 170، ط. دار عالم الكتب): [وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقَّة ظاهرة لم يجز له الفطر بلا خلاف عندنا] اهـ.
وقال العلامة الشمس الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 185،ط. دار الفكر): [(ويُباح تركُه للمريض إذا وجد به ضررًا) شديدًا.. وشمل الضررُ ما لو زاد مرضُه أو خشي منه طولَ البُرء.. قال في "الأنوار": ولا أثر للمرض اليسير كصداعٍ، ووجع الأذن والسن، إلا أن يخاف الزيادة بالصوم فيفطر. اهـ، قال العلامة الشَّبْرامَلِّسي في حاشيته عليه: "(قوله: ويباح تركه) وينبغي قياسًا على ما تقدم في التيمم أنه لا يجوزُ له ذلك إلا بإخبار طبيب عدل مسلم، وإلا فلا يباح له الترك] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 156): [المرض لا ضابط له، فإنَّ الأمراض تختلف؛ منها ما يضرُّ صاحبَه الصومُ، ومنها ما لا أثرَ للصوم فيه كوجع الضرس، وجرح في الإصبع، والدمل، والقرحة اليسيرة، والجرب، وأشباهِ ذلك، فلم يصلح المرض ضابطًا، وأمكن اعتبار الحكمة، وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره] اهـ.
وقال الإمام ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (4/ 437): [ولا يفطر مريض لا يتضرر بالصوم "و" (أي: اتفقت المذاهب الثلاثة في ذلك مع الحنابلة) وجزم به في "الرعاية" في وجعِ رأسٍ، وحُمَّى، ثم قال: قلتُ إلا أن يتضرر] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فالذي عليه المذاهبُ الأربعة المتبوعة وعليه الفتوى والعملُ أنه ليس كلُّ مرضٍ مبيحًا للفطر، وإنما يُرَخَّصُ فيه إذا كان المرض يستوجب الإفطار لتناول العلاج، أو كان للصوم مضاعفات على المريض فيقوى بلاؤه، أو على تطويل أمد المرض فيتأخر شفاؤه، أو لا يتحمل المريض مشقَّته لشدَّة جوع أو عطش أو ألم فيزداد عناؤه، فالرخصة لمن يتعارض مرضه مع الصوم في أخذ الدواء، أو زيادة العناء أو تأخر الشفاء، أو الحاجة للغذاء، وذلك كلُّه بمشورة الطبيب المختص، أو خبرة الإنسان وتجربته التي يعلمها من مرضه، وقد يكون الإفطار في بعض الحالات واجبًا إذا كان الضرر بالغًا وكان احتمالُ حصوله غالبًا، ويجب على من أفطر منهم قضاءُ ما أفطره عند زوال الطارئ الذي منع الصوم.
وعلى الإنسان في كل ذلك واجب الاستجابة لأمر الطبيب، والالتزام الدقيق والأمين بالقرارات الصحية العامة للمسؤولين ونصائح الأطباء وتعليمات المختصين، وأخذ توجيهاتهم محمل الجِدِّ واليقين من غير استهتار أو تهوين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم تخزين أدوية المناعة المستخدمة في علاج كورونا؛ ففي ظل ما يعانيه معظم بلاد العالم من "فيروس كوفيد-19" وفي ضوء ما قامت به وزارة الصحة من وضع بروتوكولات علاج لهذا الفيروس؛ يقوم البعض بتخزين أدوية المناعة وغيرها من الفيتامينات المدرجة ضمن هذه البروتوكولات دون الحاجة إليها تَحسُّبًا لزيادة ثمنها فيما بعد؛ فما حكم هذا التخزين بهذه الكيفية؟


ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ حيث توجد بعض الألعاب المنتشرة على شبكة الإنترنت تكون بين مجموعة من اللاعبين، يأخذ كل متسابق في بداية اللعبة عددًا من العملات الخاصة باللعبة (coins)، فإذا خسر قَلَّ عدد هذه العملات، وإذا تقدم في اللعبة زاد عددها، كما أنَّ اللاعب عند وصوله إلى مستوى معين يكون قد جمع الكثير من هذه العملات ولا يكون في حاجة إليها، فيبيعها لغيره بأموال حقيقية، عن طريق تحويلها إلى حساب الشخص الآخر في اللعبة، أو يبيع حساب اللعبة (account) بالكامل، بأن يعطي اسم الحساب والرقم السري للمشتري؛ فما حكم ذلك شرعًا؟


ما حكم إفطار المسافر ببلد زوجته؟ فهناك رجلٌ مقيمٌ للعملِ في موضعٍ يَبعُد عن البلد الذي تسكن فيه زوجتُه مسافةً تُقصر في مثلها الصلاة، فسافر في مأموريَّة عملٍ خلال شهر رمضان، سَنَحَت له فيها فرصةٌ فمرَّ على زوجته، ومكث عندها يومين لَم يَنْوِ فيهما الإقامة، واستمر فيهما على فِطره آخِذًا برخصة السفر، ثمَّ أكمل سَفَرَه، ويسأل: ما حكم ما فعله مِن التَّرخُّصِ بالفِطرِ في هذين اليومين؟


هل ما يَدخل المِهْبَلَ والإحليل مِن قسطرةِ أنبوبٍ دقيقٍ أو منظارٍ، أو مادةٍ ظليلةٍ على الأشعة، أو دواءٍ يفسد الصيام؟


ما حكم تعجيل إخراج الزكاة بسبب وباء كورونا؟ حيث يمر العالم في هذه الآونة بنوع من الكساد الاقتصادي بسبب انتشار وباء فيروس كورونا، وأمام الإجراءات التي تتخذها دول العالم ومنها مصر للحد من انتشار عدوى هذا الوباء؛ من المكث في البيوت، وإغلاق المحلات، وغير ذلك، تأثر كثير من الناس بذلك، فهل يجوز تعجيل أموال الزكاة عن موعدها بسبب هذه الحالة التي تمر بها مصر وبلاد العالم؟


ما الذي يجب على المسلم المريض في حالة عدم القدرة على الصيام في رمضان؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :10
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 56
العشاء
6 :19