حكم بيع السمك في الماء في المطاعم وغيرها

حكم بيع السمك في الماء في المطاعم وغيرها

ما هو الرأي الشرعي حول بيع السمك في الماء في الحالات الآتية:
- المزارع السَّمكية: تُعرَض عيّنةٌ من السمك على المشتري، ويُتَّفق على الكمية والسعر، ثم يتم التسليم.
- أسماك الزينة في الأحواض الزجاجية: تُعرَض الأسماك بأسعارها وهي في الحوض.
- الأحواض في المطاعم الكبرى: يختار الزبائن الأسماك وهي في الأحواض، ويكون البيع بالوزن أو بالعدد.
والسؤال: هل تتفق هذه البيوع -التي يتم فيها بيع السمك في الماء- مع ما هو موجودٌ في الفقه الإسلامي الموروث من نصوصٍ تُفيدُ النهيَ عن بيع السمك في الماء؟ مع العلم بأنَّ هذه الأحواض محددة المساحة ومُقسَّمة؛ بحيث يتم الوصول إلى ما فيها من أسماك بسهولةٍ ويسر حسب الكمية المتفق عليها بين البائع المشتري.

لا مانع شرعًا من بيع السمك بصوره الثلاث المسؤول عنها، وليست هذه الصور داخلةً ضمن النهي النبوي الشريف عن بيع السمك في الماء؛ لانتفاء الغرر والجهالة فيها؛ وذلك بتحقق رؤية المشتري للمبيع وقدرة البائع على تسليمه، وانحصار الماء في الأحواض وأماكن العرض، وعدم الكلفة الكبيرة عرفًا في إخراجه وتسليمه وإن طالت مدة التحصيل.

التفاصيل ....

المحتويات

حكم البيع المشتمل على جهالة

نهى الشرعُ الشريف عن بيع كل ما هو مُشتملٌ على جهالةٍ أو غررٍ يُطوَى عن المشتري علمُه، ويخفَى عليه باطنه وسرُّه؛ كبيع المعدوم، والمجهول، وما لا يُقدر على تسليمه، وما لم يدخل تحت ملك بائعه، ونحو ذلك ممَّا له ظاهرٌ يَغُرُّ المشتريَ وباطنٌ مجهول؛ وذلك حتَّى تُحصَّنَ الأموالُ وتُقطَع الخصومة ويُحسَم النزاع؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم َعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ" رواه الإمام أحمد في "المسند"، ومسلم في "صحيحه"، وأصحاب السنن.
قال الإمام الخطَّابي في "معالم السنن" (3/ 88، ط. المطبعة العلمية): [أصل الغرر: هو ما طُوِيَ عنك علمُه، وخَفِيَ عليك باطنُه وسرُّه، وهو مأخوذ من قولك: طويتُ الثوبَ على غَرِّه؛ أي: على كَسْرِه الأول، وكلُّ بيع كان المقصودُ منه مجهولًا غيرَ معلوم ومعجوزًا عنه غيرَ مقدورٍ عليه: فهو غرر، وذلك مثل أن يبيعه سمكًا في الماء، أو طيرًا في الهواء، أو لؤلؤة في البحر، أو عبدًا آبقًا، أو جملًا شاردًا، أو ثوبًا في جراب لم يره ولم ينشره، أو طعامًا في بيت لم يفتحه، أو ولدَ بهيمةٍ لم تولد، أو ثمرَ شجرةٍ لم تثمر، وفي نحوها من الأمور التي لا تُعلَم ولا يُدرَى هل تكون أم لا، فإنَّ البيع فيها مفسوخ.

سبب النهي عن البيوع المشتملة على جهالة

نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه البيوع: تحصينًا للأموال أن تضيع، وقطعًا للخصومة والنزاع أن يقعا بين الناس فيها. وأبواب الغرر كثيرة، وجِمَاعُها: ما دخل في المقصود منه الجهلُ] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "شرح مسلم" (10/ 156، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأمَّا النهي عن بيع الغرر فهو أصلٌ عظيم من أصول كتاب البيوع؛ ولهذا قدَّمه مسلم، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة: كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير.. وكل هذا بيعه باطل: لأنه غرر] اهـ.

حكم بيع السمك في الماء وأقوال الفقهاء في ذلك

من الأمور التي نهى الشرع الشريف عنها لاشتمالها على غررٍ وجهالة: بيع السمك في الماء؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ؛ فَإِنَّهُ غَرَرٌ»، رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، والإمام أحمد في "المسند"، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
فعلة النهي عن بيع السمكِ في الماء: وجودُ الجهالة والغرر، وعدمُ القدرة على التسليم، وقد تقرر أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا؛ فإذا انتفى الغرر وأمكن التسليم: ارتفع النهي، وعلى ذلك جاءت نصوص الفقهاء؛ حيث نصوا على أن تحريم بيع السمك في الماء منوط بتحقق علة النهي، فإذا تخلفت علةُ النهي فلا نهي ولا تحريم:
يقول العلَّامة الأمير الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 43، ط. دار الحديث): [وظاهرُهُ النهي عن ذلك مطلقًا، وفصَّل الفقهاء في ذلك؛ فقالوا: إن كان في ماءٍ كثيرٍ لا يمكن أخذُه إلا بتَصَيُّدٍ ويجوز عدمُ أخذه: فالبيعُ غير صحيح، وإن كان في ماء لا يفوت فيه ويؤخذ بتصيد: فالبيع صحيح ويثبت فيه الخيار بعد التسليم، وإن كان لا يحتاج إلى تصيد: فالبيع صحيح ويثبت فيه خيار الرؤية، وهذا التفصيل يُؤخَذ مِن الأدلة، والتعليلُ المقتضي للإلحاق يخصصُ عموم النهي] اهـ.

حكم بيع السمك في الماء إذا لم يكن في البيع جهالة ولا غرر عند الفقهاء

اتفق أصحاب المذاهب الفقهية المعتمدة على أنه يجوز بيع السمك في الماء إذا لم يكن في البيع جهالة ولا غرر، وأمكن تسليمه، على تفصيلٍ بينهم في الشروط التي تحقق مناط انتفاء الغرر:
- فالسادة الحنفية:
اشترطوا أن يكون السمك في الماء مقدورًا على تسليمه من غير حيلة ولا اصطياد، خلافًا للعراقيين منهم الذين أجازوه عند القدرة على التسليم ولو بالحيلة والاصطياد. فإذا رآه المشتري بعد تسلُّمه فهو بالخيار، أما إذا كان قد رآه في الماء قبل الشراء ففي الخيار إذا تسلَّمه قولان، والصحيح ثبوتُ الخيار أيضًا؛ لأن انكسار الضوء في الماء يحول دون رؤية حجم ما فيه حقيقةً:
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في "المبسوط" (5/ 94، ط. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية): [وإن كان في وعاءٍ أو جُبٍّ يقدر على أخذه بغير صيدٍ: فالبيع جائز والمشتري بالخيار إذا رآه، وليس الذي قد أحرزه صاحبه ويأخذه متى شاء ما شاء كالذي لا يأخذه إلا بصيد] اهـ.
وقال العلَّامة السُّغدي الحنفي في "النُّتَف في الفتاوى" (1/ 474، ط. دار الفرقان) في تعداد البيوع الفاسدة: [والثلاثون: بيع الطير في الهواء، وبيع السمك في الماء، إلا أن يجعله في مكان يقدر على أن يأخذه باليد] اهـ.
وقال العلَّامة الحدَّادي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 201، ط. المطبعة الخيرية): [اعلم أنه إذا باع سمكًا في حوضٍ، إن كان لم يأخذه قط: لا يجوز له بيعه؛ لأنه باع ما لا يملك، وإن أخذه ثم أرسله: جاز البيع إن كان يقدر على أخذه من غير صيدٍ وللمشتري خيار الرؤية، وإن كان لا يمكن أخذُه إلا بحيلة واصطياد: لا يجوز البيع إلا إذا قدر على التسليم، وهذا قول العراقيين، أما عند أهل بلخ: فلا يجوز وإن قدر على التسليم] اهـ.
وقال العلامة زين الدين بن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (6/ 33، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ولو اشترى سمكًا في ماء يمكن أخذه من غير اصطياد فرآه في الماء: قال بعضهم يسقط خيارُه؛ لأنه رأى عين المبيع، وقال بعضهم: لا يسقط، وهو الصحيح؛ لأن المبيع لا يُرَى في الماء على حاله، بل يُرَى أكبرَ مما كان] اهـ.
- وأما السادة المالكية:
فقد وافقوا الحنفية في اشتراط القدرة على التناول من غير كلفة ولا اصطياد، ومعرفة ما فيها، ليرتفع النهي عن البيع. أما إن لم يقدر على تناوله، أو لم يُتَوصَّل إلى معرفة قدره: كان البيع منهيًّا عنه، مخالفين بذلك للعراقيين من الحنفية الذين أجازوا البيع عند القدرة على التسليم ولو بالحيلة والاصطياد.
قال القاضي عبد الوهاب المالكي في "الإشراف على مسائل الخلاف" (2/ 562، ط. دار ابن حزم): [مسألة: السمك في غديرٍ أو بركةٍ لا يجوز بيعه إذا كان لا يمكن أخذه إلا بكلفةٍ وصيدٍ، خلافًا لأبي حنيفة؛ لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر، وهذا منه، ولأنه لا يمكن تسليمه بعد العقد] اهـ.
وقال العلَّامة المنوفي المالكي في حاشيته "كفاية الطالب الرباني" (2/ 169، ط. دار الفكر): [والغرر فيه -أي: في بيع السمك في الماء- من وجهين: عدم التسليم، وكونه يقل ويكثر] اهـ.
وقال العلَّامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 93، ط. دار الفكر): [وما تقدم من منع بيع السمك في الماء: قيَّده بعض الشيوخ بما إذا لم يكن في محلٍّ محصورٍ؛ كبركةٍ صغيرة؛ بحيث يتوصل إلى معرفة ما فيها ويقدر على تناولها، وإلَّا: جاز] اهـ.
- وأمَّا السَّادة الشافعية:
فقالوا بصحة البيع إذا كان السمكُ مُشاهَدًا، وكانَ ببركةٍ غير متصلةٍ بنهرٍ أو نحوه، ولم يتطلب إخراجُه كلفةً كبيرة عُرفًا: قال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (5/ 327، ط. دار الكتب العلمية): [فإن كان السمكُ مشاهَدًا لقلّة الماء وصَفائه، وإن كان السمك كثيرًا يمكن أخذه بغير آلةٍ: جاز بيعه؛ للقدرة عليه] اهـ.
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (2/ 14، ط. دار الكتب العلمية): [فإن باع طيرًا في برجٍ مغلق الباب، أو السمك في بركةٍ لا تتصل بنهر: نُظِرَتْ، فإن قدر على تناوله إذا أراد من غير تعب: جاز بيعه، وإن كان في برجٍ عظيم، أو بركةٍ عظيمةٍ لا يقدر على أخذه إلا بتعب: لم يجز بيعه؛ لأنه غير مقدور عليه في الحال] اهـ.
وقال الإمام الروياني الشافعي في "بحر المذهب" (5/ 49، ط. دار الكتب العلمية): [لو أحبَس السمك في البركة الصغيرة المشدودة أفواهُها: يجوز بيعه؛ لأنَّه يتيسَّر تسليمه، وهذا إذا كان الماء صافيًا يشاهد السمك فيه] اهـ.
وقال الإمام البغوي الشافعي في "التهذيب" (3/ 527، ط. دار الكتب العلمية): [ولو باع السمك في الماء؛ نُظِرَ: إن كان في حوض صغير يقدر على أخذه باليد من غير كُلفةٍ: يجوز إن كان الماء صافيًا يراه تحت الماء] اهـ.
وقال العلَّامة الخطيب الشربيني في "الإقناع" (2/ 275، ط. دار الفكر): [ولا بيع السمك في الماء، إلا إذا كان في بركة صغيرة لا يمنع الماءُ رؤيتَه وسَهُلَ أخذُه: فيصح في الأصح] اهـ.
- وأما السادة الحنابلة:
فوافقوا الشافعية في ما اشترطوه لحل بيع السمك في الماء؛ بأن يكون السمكُ في بركةٍ غير متصلة بالنهر، وأن يسهل إخراج السمك منها، وأن يكون الماء صافيًا يُرى منه السمك:
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (2/ 8، ط. دار الكتب العلمية): [فإن باع طيرًا له في برجٍ مغلق الباب، أو سمكًا له في بركةٍ مُعِدَّةٍ للصيد، وكان معروفًا بالرؤية مقدورًا على تناوله بلا تعب: جاز بيعه؛ لعدم الغرر فيه] اهـ.
وقال في "المغني" (4/ 152، ط. مكتبة القاهرة) في الكلام على البيع المشتمل على جهالةٍ أو غررٍ: [والمعنى: لا يجوز بيعه في الماء إلا أن يجتمع ثلاثة شروط: أحدها، أن يكون مملوكًا، الثاني، أن يكون الماء رقيقًا لا يمنع مشاهدته ومعرفته، الثالث، أن يمكن اصطياده وإمساكه. فإن اجتمعت هذه الشروط، جاز بيعه؛ لأنه مملوك معلوم مقدور على تسليمه؛ فجاز بيعه، كالموضوع في الطست] اهـ.
وقال أيضًا في "المغني" (4/ 153): [ورُوي عن عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى فيمن له أجمة يحبس السمك فيها، يجوز بيعه؛ لأنه يقدر على تسليمه ظاهرًا، أشبه ما يحتاج إلى مؤنة في كيله ووزنه ونقله] اهـ.
وقال العلَّامة البُهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 162، ط. دار الكتب العلمية): [(أو) كان (السمك في ماءٍ) نحو بركة (صاف) ذلك الماءـ (يُشاهَد فيه) السمك، (غير متصل) الماء (بنهرٍ، ويمكن أخذه) أي: السمك (منه) أي الماء: (صحَّ) البيع؛ لعدم الغرر (ولو طالت مدة تحصيلهما) أي: الطير والسمك، هذا إن سهل أخذه، فإن لم يسهل بحيث يعجز عن تسليمه: لم يصح البيع؛ لعجزه عن تسليمه في الحال] اهـ.
فتحصل من ذلك: أنَّ علة النهي عن بيع السمك في الماء إنما هي اشتماله على الجهالة، والغرر والمخاطرة، وعدم القدرة على التسليم حقيقةً أو حكمًا، ويتحقق بعدم معرفة قدر السمك وصفته.
وجمهور الفقهاء اشترطوا مع ذلك عدمَ الكلفة في تناول السمك، وأجاز العراقيون البيع مع وجود الكلفة إذا قدر على التسليم، والتحقيق أن المؤدَّى واحد، وأن المناط هو القدرة على التسليم، وإنما الخلاف في تحقيق هذا المناط؛ هل يمكن ضمان القدرة على التسليم مع وجود الاصطياد والكلفة في التناول؟ فمن نزَّل المَظِنَّة منزلةَ المئنَّة جعل الكلفة في الاصطياد مظنة عدم القدرة على التسليم، ومَن افترض مشقة وكلفة مع القدرة على التسليم رجع إلى أصل الحل، وهذا الذي دعا الشافعية والحنابلة إلى تقييد الكُلفة التي يجوز البيع عندها باليسيرة عرفًا، فكان المعول في ذلك على ما يحكم به كل عرف من القدرة على التسليم من عدمها.
ومن الفقهاء من اشترط المشاهدة كما فعل الشافعية والحنابلة، في حين أن منهم من جعل للمشتري حق خيار الرؤية عند التسليم وإن حصلت المشاهدة في الماء قبل البيع كما فعل الحنفية.
وأما من اشترط عدم اتصال بِرْكة السمك بنهرٍ -كما فعل الشافعية والحنابلة- فإنما أرادوا بذلك انتفاء الجهل بمقدار السمك، وضمان عدم نقصه، وهذا داخل في شروط غيرهم بعدم النقص أو الزيادة.

صور بيع السمك في المزارع السمكية وحكمها

على هذا يجري الكلام في حالات بيع السمك في الماء المذكورة في السؤال:
فأما المزارع السمكية: فهي عبارة عن أحواض صناعية مُحكَمة ومحددة -وإن اختلفَت أحجامها ومساحاتُها- يتم من خلالها التحكم في عمليات البيع والشراء، والتناول والإخراج، وتربية الأسماك –بأن كانت زريعة صغيرة- تحت ظروفٍ بيئيةٍ مناسبةٍ وَفقَ نظامٍ غذائيٍ متكاملٍ وآمنٍ حتى نضجها وتسويقها؛ لتسهُلَ عملية تناولها وإخراجها وتسليمها دون مشقَّةٍ أو كُلفةٍ، من أجل توفير المنتجات ذات القيمة الغذائية العالية بسعر مناسب وبصورة نظيفة وآمنة.
وهذه الحالة –كما أفاده الخبراء- لها ثلاث صورٍ:
الأولى: يتم فيها بيع السمك في هذه الأحواض وهو في عمره الأول وقت تفريخه، والبيع في هذه الحالة يكون عن طريق المكيال المقدَّر.
الثانية: يباع السمك فيها بعد فترةٍ من تفريخه وتربيته داخل الأحواض، وقد تصل هذه الفترة إلى عامٍ أو أكثر، وبيع السمك في هذه الحالة يكون عن طريق العدد.
الثالثة: يُباع السمك فيها حال نضجه واكتمال نموه، والبيع في هذه الحالة يكون عن طريق الوزن.
وهيئة البيع قد تكون واحدة في الصور الثلاث؛ بأن يعرض البائع عيِّنةً مما يطلبه المشتري من هذه الأنواع، ثُمَّ يتم الاتفاق على البيع حالة كون السمك موجودًا في الماء، وبعد الاتفاق يقوم البائع بإخراج ما تم الاتفاق عليه وتسليمه للمشتري.
وعلى ذلك: فقد توفَّر في هذه المزارع ما ينفي عنها الغرر والجهالة والمخاطرة؛ من دخول السمك في ملك البائع، وقدرته على تسليمه دون مشقَّةٍ أو كلفةٍ عُرفًا، وعدم اتصال المزرعة السمكية بنهرٍ أو نحوه مما يمنع دخول سمكٍ فيها أو خروجه منها.

حكم الأحواض الزجاجية التي يباع فيها سمك الزينة

أمَّا الأحواض الزجاجية التي يباع فيها سمك الزينة:
فانتفاء الجهالة والغرر في طريقة البيع فيها أوضح وآكد؛ إذ الأسماك مُشاهَدةٌ مُعايَنةٌ أمام المشتري، والقدرة على تسليمها حاصلة، وأثمانها تتفاوت حسب النوع والحجم واللون؛ لأنَّ القصد منها الزينة، وليس الوزنُ فيها مقصودًا؛ فهي إنما تُشتَرَى لتُتَّخَذَ للجمال والزينة، ولا يتصور فيها خيار الرؤية الذي قال به الحنفية؛ لأنها إنما تؤخذ من الأحواض الشفافة لتوضع فيها؛ فمشتريها قاصد إلى صورة منظرها في الماء، لا إلى هيئتها بعد الخروج من الماء.

حكم الأحواض الموجودة بالمطاعم الكبرى

أمَّا الأحواض الموجودة بالمطاعم الكبرى:
فليس فيها بيع في الماء أصلًا؛ لأن المشتري يشير فيها إلى ما يريد، فيخرجه العامل ويزنه له أو يبيعه بعدده، ويطهوه له على الوجه الذي يشتهيه، ولا غرر في ذلك ولا جهالة؛ إذ أخذُها من الماء ليس إلَّا مجردَ اختيار، وتحديد الثمن حاصل بعد إخراجها عددًا كان البيع أو وزنًا؛ وهذا أبعد ما يكون عن الغرر.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فبيع السمك في الماء بصوره الثلاثة المسؤول عنها: في المزارع السمكية، وأسماك الزينة في الأحواض الزجاجية، وأحواض المطاعم: جائزٌ شرعًا ولا شيء فيه، وليس داخلًا ضمن النهي النبوي الشريف عن بيع السمك في الماء، بل المذاهب الفقهية المعتمدة متفقة على جواز كل هذه الصور؛ لانتفاء الغرر والجهالة عنها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا