استخدام سيارة العمل في الأغراض الشخصية

استخدام سيارة العمل في الأغراض الشخصية

ما حكم استعمال سيارة العمل في الأغراض الشخصية؟ 

العامل مؤتمنٌ على العمل الذي كُلف به، ومؤتمن كذلك على ما تعطيه له الدولة أو الجهة التي يعمل بها ولو كانت شركةً خاصة؛ لأنها صاحبة المال والأدوات والآلات التي يتم بها العمل، فلا يَستعمل شيئًا منها إلا للعمل أو ما يتعلق به، وعلى ذلك فلا يجوز استعمال سيارة العمل في الأغراض الشخصية. 

التفاصيل ....

مدح الله تعالى الذين يؤدون الأمانة في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 253، ط. دار الكتب): [والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور] اهـ.
كما أنه نهى عن الخيانة بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]، وقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النساء: 107]، قال الإمام الطبري رحمه الله في "جامع البيان في تأويل القرآن" (9/ 190، ط. مؤسسة الرسالة): [إنّ الله لا يحب من كان من صفته خِيَانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرَّمه الله عليه] اهـ.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من صفات المنافقين وعلاماتهم خيانة الأمانة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» رواه البخاري.
وَعَدَّ الإمامان الذهبي وابن حجر الهيتمي الخيانة من الكبائر.
قال الإمام الذهبي رحمه الله في "الكبائر" (1/ 149، ط. دار الندوة): [الكبيرة التاسعة والثلاثون: الخيانة] اهـ.
وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 442، ط. دار الفكر): [الكبيرة الأربعون بعد المائتين: الخيانة في الأمانات كالوديعة والعين المرهونة أو المستأجرة وغير ذلك] اهـ.
ومن أعظم مظاهر الأمانة حفظ المال العام؛ ولذا حرَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الاعتداء عليه، وجعل صيانته من النهب والإهدار والاستغلال، مسؤولية الجميع، لأن هذا المال ملك لكل أبناء الوطن، والتصرف فيه يكون وفق ضوابط الشرع وشروطه. فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري.
فقد سمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المال العام الذي لا يملكه فرد بعينه بأنه مال الله، وتوضح ذلك رواية الإمام الترمذي: «مِنْ مَالِ اللهِ وَرَسُولِهِ»؛ إذ هذه الإضافة خاصة بالمال العام، وفي الحديث وعيد شديد لمن يتخوض في المال العام؛ أي: يأخذه ليتملكه ويتصرف فيه تصرف المالك.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (6/ 219، ط. دار المعرفة): [لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي. وقوله: ليس له يوم القيامة إلا النار حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله؛ ففيه إشعار بالغلبة. قوله: «يَتَخَوَّضُونَ -بالمعجمتين- فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ» أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها] اهـ.
وقال الإمام الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (3/ 615، ط. مكتبة دار السلام): [التخوض بالخاء المعجمة والضاد المعجمة: هو التصرف والتقلب، يتصرفون في مال الله بما لا يرضاه، وهو شامل لكل متصرف بالمال في وجوه مَغاضِبَ الله، والمراد بمال الله: بالمال الذي لا يستحقه العبد وهو حق لغيره تحت يده كالزكوات ونحوها من بيوت الأموال وغيرها] اهـ.
فالأخذ من المال العام بغير حق من أشد المحرمات، لأنه نوع من أنواع الغلول، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 161]، قال الإمام النووي رحمه الله في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (12/ 217، ط. إحياء التراث العربي): [وأصل الغلول الخيانة مطلقًا.. وأجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول وأنه من الكبائر، وأجمعوا على أن عليه رد ما غله] اهـ.
والموظف في الدولة إنما هو عاملٌ بأجرة؛ فهو مؤتمن على العمل الذي كُلف به وفوض إليه، ومؤتمن كذلك على ما تعطيه الدولة له من الأدوات والآلات التي يتم بها العمل، فلا يستعمل شيئًا منها إلا للعمل أو ما يتعلق به.
وقد نص فقهاء الحنفية والمالكية على عدم جواز استخدام مال الوقف والمال العام في غير ما وُضِعَ له؛ جاء في "الجوهرة النيرة" (1/ 338، ط. المطبعة الخيرية): [ولو وقف على دهن السراج للمسجد لا يجوز وضعه لجميع الليل، بل بقدر حاجة المصلين، ويجوز إلى ثلث الليل أو نصفه إذا احتيج إليه للصلاة فيه، وهل يجوز أن يدرس الكتاب على سراج المسجد؟ يُنْظَر؛ إن كان وُضِعَ لأجل الصلاة فلا بأس بذلك إلى أن يفرغوا من الصلاة] اهـ.
وقال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (5/ 270، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وليس لمتولي المسجد أن يحمل سراج المسجد إلى بيته، ولا بأس بأن يترك سراج المسجد فيه من المغرب إلى وقت العشاء، ولا يجوز أن يترك فيه كل الليل إلا في موضع جرت العادة فيه بذلك؛ كمسجد بيت المقدس، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الحرام، أو شرط الواقف تركه فيه كل الليل كما جرت العادة به في زماننا، ويجوز الدرس بسراج المسجد إن كان موضوعًا فيه لا للصلاة بأن فرغ القوم من الصلاة وذهبوا إلى بيوتهم وبقي السراج فيه] اهـ.
وقال العلامة ابن الحاج المالكي في "المدخل" (2/ 303، ط. دار التراث): [وبعضهم يفعلون فعلًا محرمًا؛ وهو أنهم يستعيرون القناديل من مسجدٍ آخر، وهو لا يجوز؛ لأن قناديل هذا المسجد وقفٌ عليه؛ فلا يجوز إخراجها منه ولا استعمالها في غيره] اهـ.
وقد نبه فقهاء الشافعية على أنه لا يجوز استخدام المال المخصص لغرضٍ معينٍ في غير ما خُصص له ولو كان لمصلحة أخرى؛ لأنها تنفي الغرض الذي خصص له المال أولًا.
فقد سئل الإمام ابن حجر الهيتمي عما إذا جَدَّدَ مسجدًا بآلات جدد؛ فهل يجوز صرف ما بقي من آلاته القديمة في عمارة مسجد آخر قديم محتاج للعمارة أو لا؟ وهل يجوز استعمال حصر المسجد وفراشه لحاجات كحاجة العرس؟ فقال في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (3/ 288، ط. المكتبة الإسلامية): [لا يجوز صرف تلك الآلات التي قد يحتاج إليها مسجدها في عمارة مسجدٍ آخر ولا يبيعها، بل يجب على الناظر حفظها لحاجات ذلك المسجد.. ولا يجوز استعمال حصر المسجد ولا فراشه في غير فرشه مطلقًا سواء أكان لحاجة أم لا، واستعمالها في الأعراس من أقبح المنكرات التي يجب على كل أحد إنكارها، وقد شدد العلماء النكير على من يفرشها بالأعراس والأفراح، وقالوا: يحرم فرشها ولو في مسجدٍ آخر] اهـ.
وبناءً على ذلك: فالموظف مؤتمنٌ على العمل الذي كُلف به، ومؤتمنٌ كذلك على ما تعطيه له الدولة أو الجهة التي يعمل بها ولو كانت شركةً خاصة؛ لأنها صاحبة المال والأدوات والآلات التي يتم بها العمل، فلا يَستعمل شيئًا منها إلا للعمل أو ما يتعلق به.
وعليه: فلا يجوز استخدام سيارة العمل في الحاجات الشخصية.
والله سبحانه وتعالى أعلم. 

اقرأ أيضا