ما حكم من قضم ظفرًا من أظافره ناسيًا وهو محرم؟
حكم من قضم ظفرا من أظافره ناسيا وهو محرم
إذا قضم المحرم أظافره بأسنانه فأزال منها شيئًا عامدًا عالمًا مختارًا، فإنه تجبُ عليه الفديةُ، بخلاف ما لو انكسر ظفره أو جزء منه دون قصد فأزال باقيَه لأنه يؤذيه، فلا شيءَ عليه في ذلك عند جمهور الفقهاء، أما لو عبث بظفر من أظفاره ساهيًا فقضمه، أو قصَّ ظفره ناسيًا، فقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المشهور عندهم أنه تجبُ عليه الفديةُ -على خلاف بينهم في مقدارها- حتى لو كان ناسيًا كما تجب على العامد؛ لأن ذلك من باب الإتلاف الذي يستوي فيه عندهم العامد والساهي والجاهل، وذهب بعض الحنابلة إلى أن الناسيَ غيرُ مؤاخَذٍ ولا فديةَ عليه، فمن استطاع إخراجَ الفدية أخرجها عملًا بقول الجمهور، ومن لم يستطع فلا حرجَ عليه.
التفاصيل ....المحتويات
- المراد الإحرام وبيان محظوراته
- حكم قص الأظافر وتقليمها للمحرم
- حكم من قضم أظافره بأسنانه وهو محرم دون قصد منه
- حكم من قضم ظفرا من أظافره ناسيا وهو محرم
- مقدار الفدية المترتبة على قضم المحرم ظفره ناسيًا
- الخلاصة
المراد الإحرام وبيان محظوراته
الإحرام: مصدر أحرم الرجل يحرم إحرامًا، إذا أهَلَّ بالحج أو العمرة؛ لدخوله في عملٍ حَرُمَ عليه به فعلُ ما كان حلالًا؛ لأن "حرم" في اللغة بمعنى المنع والتشديد. قال ابن فارس في مقاييس اللغة (2/ 45، ط. دار الفكر): [(حرم) الحاء والراء والميم أصل واحد، وهو المنع والتشديد. فالحرام: ضد الحلال] اهـ.
وقال ابن منظور في "لسان العرب" (12/ 123، ط. دار صادر): [الْمُحَرَّم هو الحَرَم. وتقول: أَحْرَمَ الرجلُ، فهو مُحْرِمٌ وحَرَامٌ، ورجلٌ حَرَامٌ: أي مُحْرِم.. وأحْرَمَ بالحج والعمرة لأنه يحْرُمُ عليه ما كان له حلالًا من قبلُ، كالصيد والنساء. وأحْرَمَ الرجل: إذا دخل في الإحرام بالإهلال] اهـ.
والمراد بالإحرام عند جمهور الفقهاء: نيَّة الدخول في الحج أو العمرة، ويتحقق عند الحنفيَّة وبعض المالكية بالإضافة للنية اقترانها بالتلبية.
قال الملا خسرو الحنفي في "درر الحكام شرح غرر الأحكام" (1/ 219، ط. دار إحياء الكتب العربية): [حقيقة الإحرام الدخول في الحرمة، والمراد الدخول في حرمات مخصوصة؛ أي التزامها، والتزامها شرط الحج شرعًا، غير أنه لا يتحقق ثبوته شرعًا إلا بالنية مع الذكر] اهـ.
وقال الشيخ زروق المالكي في "شرحه على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني" (1/ 527، ط. دار الكتب العلمية): [والإحرام صفة حُكْمِية توجب لموصوفها حرمة مقدمات الوطء مطلقًا، وإلقاء التَّفَث والطِّيب، ولُبْس الذكورِ المخيطَ، والصيد لغير ضرورة. قال: وينعقد بالنية مع ابتداء توجه الماشي واستواء الراكب على راحلته، وشرط ابن حبيب تلبيته كتكبيرة الإحرام] اهـ.
وقال الشيخ سليمان الجمل الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب" (2/ 407، ط. دار الفكر): [الإحرام وهو نية الدخول في النسك، وهو كما يطلق شرعًا على هذه النية، يطلق أيضًا على الدخول في حج أو عمرة أو فيهما] اهـ.
وقال الشيخ البهوتي الحنبلي في "الروض المربع شرح زاد المستقنع" (ص: 285، ط. دار المؤيد): [(الإحرام) الذي هو نية الدخول في النسك؛ لحديث: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»] اهـ.
وللإحرام عدَّة محظوراتٍ يجب على المسلم اجتنابُ فعلها إذا كان محرمًا: كتغطية الرأس، وحلق الشعر أو شدِّه من أي جزء من الجسد، ولا يقص الأظافر، ولا يستخدم الطيب والروائح العطرية، ولا يخالط زوجته أو يفعل معها دواعي المخالطة: كاللمس والتقبيل بشهوة، ولا يلبس المخيط المحيط (المفصل على أي عضو من أعضاء الجسم)، ولا يتعرض لصيد البر الوحشي ولا لشجر الحرم، كما يحرم على المرأة تغطية الوجه أو لبس القفازين.
قال الإمام السمرقندي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (1/ 391، ط. دار الكتب العلمية): [وأما محظورات الإحرام فكثيرةٌ، وهو الارتفاق بمرافق المقيمين؛ لأنه عبادة سفر من لبس المخيط، والوطء ودواعيه من اللمس، والقبلة، والتطيب، وإزالة التَّفث، وحلق الشعر، ونتف شعر الإبط، وتقليم الأظفار، وقتل القمل من أخذ الصيود، والإشارة إليها، والدلالة عليها، وقتلها، سواء كان مأكول اللحم أو لا، ونحو ذلك] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (3/ 301، ط. دار الغرب الإسلامي): [الإحرام يمنع عشرة أنواع: لبس المخيط، وتغطية الرأس والوجه، ولبس الخفين والشمشكين مع القدرة على النعلين، وحلق شعر الرأس أو غيره من البدن، والطيب، وقص الأظفار، وقتل القمل، وقتل الصيد، والوطء في الفرج وإنزال الماء الدافق، وعقد النكاح، زاد غيره: إزالة الشعث بالزينة والتنظيف] اهـ.
حكم قص الأظافر وتقليمها للمحرم
قصُّ الأظافر وتقليمُها وإزالتُها بأي شيء -كأن يزيلها ويقطعها بأسنانه- من محظورات الإحرام التي يجب على المسلم اجتنابُ فِعْلها؛ لأنه من التَّفث الثابت بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: 29].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 50، ط. دار الكتب المصرية): [﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]: إنه قص الأظفار وأخذ الشارب وكل ما يحرم على المحرم إلا النكاح. قال: ولم يجئ فيه شِعرٌ يحتج به. وقال صاحب العين: التَّفث هو الرمي والحلق والتقصير والذبح وقص الأظفار والشارب والإبط. وذكر الزجاج والفراء نحوه، ولا أراه أخذوه إلا من قول العلماء] اهـ.
وقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن المحرم إذا قلم أظافره عامدًا عالمًا مختارًا فإنه تجب عليه الفدية بذلك؛ قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 194، ط. دار الكتب العلمية): [وأما قلم الظفر فنقول: لا يجوز للمحرم قَلْمُ أظفاره؛ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: 29]، وقَلْمُ الأظفار من قضاء التفث.. فإن قلم أظافير يد أو رجل من غير عذر وضرورة فعليه دم؛ لأنه ارتفاق كامل، فتكاملت الجناية، فتجب كفارة كاملة، وإن قلم أقلَّ من يد أو رجل فعليه صدقة لكل ظفر نصف صاع، وهذا قول أصحابنا الثلاثة] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد المالكي في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (2/ 130، ط. دار الحديث): [والجمهور على أنَّ كلَّ ما منعه المحرم من لباس الثياب المخيطة وحلق الرأس وقص الأظفار، أنه إذا استباحه فعليه الفدية، أي: دم على اختلاف بينهم في ذلك، أو إطعام. ولم يفرقوا بين الضرر وغيره في هذه الأشياء. وكذلك استعمال الطيب.. وحكى ابن المنذر أن منع المحرم قص الأظفار إجماع] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (4/ 117، ط. دار الكتب العلمية): [أما الأظفار فحكمها حكم الشعر، يمنع المحرم منها، ويلزمه الفدية لتقليمها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ» وتقليمها ما يزيل الشعث، ويحدث الترفيه، ولأنه نام يتخلف، يترفه المحرم بإزالته، فوجب أن تلزمه الفدية فيه كالشعر، فإذا ثبت وجوب الفدية فيه، فحكمه حكم الشعر، وإن قلم أظفاره فعليه دم، كما لو حلق جميع شعره] اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الفروع وتصحيح الفروع" (5/ 410، ط. مؤسسة الرسالة): [باب الفدية: أجمع أهلُ العلم على أنَّ المحرم ممنوعٌ من أخذ أظفاره، وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم: حماد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي] اهـ.
حكم من قضم أظافره بأسنانه وهو محرم دون قصد منه
أما لو عبث المحرم في ظفره بأسنانه أو انكسر دون قصد منه، أو جزء منه فأزال باقيَه لأنه يؤذيه، فلا تُعَدُّ هذه جناية، ولا شيءَ عليه في ذلك عند جمهور الفقهاء؛ لانعدام معنى النمو، فيكون كشجر الحرم المنكسر اليابس إذا أخذه أحد وانتفع به لا يكون عليه شيء، ويقاس أيضًا على قتل الصيد الصائل الذي يريد الوثوب عليه بجامع دفع الأذى عن نفسه، فكذا ظفره لو انكسر وصار يؤذيه، وكلما مسه شيءٌ آلمه فقصَّ المنكسر فلا شيءَ عليه.
روى الإمام البيهقي في "السنن الكبرى"، والدارقطني في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الْمُحْرِمُ يشمُّ الرَّيْحَانَ، وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَيَنْزِعُ ضِرْسَهُ، وَيَفْقَأُ الْقرحَةَ، وَإِذَا انْكَسَرَ ظُفْرُهُ أَمَاطَ عَنْهُ الْأَذَى".
قال السرخسي الحنفي في "المبسوط" (4/ 78، ط. دار المعرفة): [وإذا انكسر ظفر المحرم فانقطع منه شظية فقلعه، لم يكن عليه شيء؛ لأنَّ ذلك المنكسر لا ينمو من البدن، فقلعه لا يكون جناية، بمنزلة ما لو تكسر من شجر الحرم ويبس إذا أخذه إنسان لا يجب فيه شيء؛ لانعدام معنى النمو] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (3/ 312، ط. دار الغرب الإسلامي): [وإن انكسر ظفره فقلمه فلا شيء عليه؛ لغلبة ذلك في الأسفار، وروى ابن وهب عن ابن مريم قال: انكسر ظفري وأنا محرم فتعلق فآذاني، فذهبت إلى سعيد بن المسيب فسألته فقال: اقطعه: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 226، ط. دار المعرفة): [وليس للمحرم أن يقطع شيئًا من شعره ولا شيئًا من أظفاره، وإن انكسر ظفر من أظفاره فبقي متعلقًا فلا بأسَ أن يقطع ما انكسر من الظفر وكان غير متصل ببقية الظفر، ولا خير في أن يقطع منه شيء متصل بالبقية] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (2/ 423، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن خرج في عينيه شعر فقلعه) فلا شيء عليه (أو نزل شعر حاجبيه فغطى عينيه فأزاله فلا شيء عليه)؛ لأن الشعر آذاه، فكان له إزالته من غير فدية: كقتل الصيد الصائل، بخلاف ما إذا حلق شعره لقمل، أو صداع، أو شدة حر، فتجب الفدية؛ لأن الأذى من غير الشعر (وكذا إن انكسر ظفره فقصه)؛ لأنه يؤذيه بقاؤه] اهـ.
حكم من قضم ظفرا من أظافره ناسيا وهو محرم
أما إذا عبث المحرم بظفر من أظفاره ساهيًا، فقضمه بأسنانه، فأزال منه شيئًا، أو قصَّ ظفره ناسيًا، فقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المشهور عندهم أنه تجب عليه الفدية حتى لو كان ناسيًا كما تجب على العامد؛ لأن ذلك من باب الإتلافِ، والإتلافُ يستوي فيه عندهم العامدُ والساهي والجاهلُ، كالقتل الخطأ وإتلاف المال؛ فإنهما يُضمنان ولو كان القاتل والمتلف غير متعمدَيْن، وأيضًا فإن الله عز وجل أوجب الفدية على المعذور، وإذا وجبت على المعذور فيكون وجوبها على غير المعذور أولى. قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 194-195، ط. دار الكتب العلمية): [وأما قَلْمُ الظفر فنقول: لا يجوز للمحرم قَلْمُ أظفاره؛ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: 29]، وقَلْمُ الأظفار من قضاء التفث.. والذكر، والنسيان، والطوع والكره في وجوب الفدية بالقَلْم سواء عندنا] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي في فقه أهل المدينة" (1/ 389، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [وحلق الشعر وتقليم الأظفار واستعمال الطيب، فإن فعل ذلك كله أو شيئًا منه ناسيًا أو جاهلًا أو مضطرًّا في فور واحد، فعليه في جميعه فدية واحدة] اهـ.
وقال القيرواني المالكي في "التهذيب في اختصار المدونة" (1/ 607، ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث): [ولا ينبغي لمحرم أن يقلم أظفاره، فإن فعل ناسيًا أو جاهلًا افتدى، وإن قلمت له بأمره فعليه الفدية، وإن كان مكرهًا أو نائمًا فالفدية على الفاعل به ذلك من حلال أو حرام، وإن قلم ظفرًا واحدًا لإماطة أذى افتدى، وإن لم يمط به عنه أذى أطعم شيئًا من طعام، فإن انكسر ظفره فليقلمه ولا شيء عليه، وإن أصابت أصابعَه قروحٌ فاحتاج أن يداويَها ولم يصل إلى ذلك إلا بقص أظفاره، افتدى كفدية من أماط الشعر من الأذى] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (7/ 341، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: والمغمى عليه والمجنون والصبي الذي لا يميز إذا أزالوا في إحرامهم شعرًا أو ظفرًا هل تجب الفدية؟ فيه قولان: (الأصح) لا فديةَ بخلاف العاقل الناسي والجاهل، فإن المذهبَ وجوبُ الفدية، فإنه ينسب إلى تقصير، بخلاف المجنون والمغمى عليه] اهـ.
وجاء في "حاشيتي قليوبي وعميرة على المنهاج" (2/ 171، ط. دار الفكر): [ما كان إتلافًا محضًا كالصيد ففيه الفدية وإن كان ناسيًا أو جاهلًا، وما كان ترفُّهًا وتمتُّعًا كاللُّبس والطيب فلا فديةَ في حال النسيان والجهل، وما أخذ شبهًا منهما: كالجماع، والقَلْم، والحلق، ففيه مع الجهل والنسيان خلاف، والأصح في الجماع لا، وفيهما نعم] اهـ.
وذهب بعض الحنابلة في غير المشهور عندهم إلى أن الفدية لا تجب على ناسٍ؛ لأن الناسيَ غيرُ مؤاخَذٍ، وقياسًا على قتل الصيد؛ فإن الفدية فيه على العامدِ المتذكر لإحرامه دون الناسي؛ قال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (2/ 458، ط. دار الكتب العلمية): [قال أحمد: إذا جامع أهله بطل حجه؛ لأنه شيء لا يقدر على رده، والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده، والشعر إذا حلقه فقد ذهب، فهذه الثلاثة العمدُ والخطأُ والنسيانُ فيها سواءٌ، وكل شيء من النسيان بعد هذه الثلاثة فهو يقدر على رده، مثل ما إذا غطى المحرم رأسه ثم ذكر ألقاه عن رأسه وليس عليه شيء، أو لبس خُفًّا نزعه وليس عليه شيء، ويلحق بالحلق: التقليم بجامع الإتلاف] اهـ.
وقال الإمام ابن مفلح الحنبلي في "الفروع وتصحيح الفروع" (5/ 542، ط. مؤسسة الرسالة): [وإن حلق أو قلم فدى مطلقًا، نص عليه، وعليه الأصحاب، ولأنه إتلاف كإتلاف مال آدمي، ولأن الله أوجب الفدية على من حلق لأذى به وهو معذور، فدلَّ على وجوبها على معذور بنوع آخر، ولنا وجه وهو رواية مخرجة من قتل الصيد، وذكره بعضهم رواية: لا فدية على مُكرَه وناسٍ وجاهلٍ ونائمٍ، ونحوهم، واختاره أبو محمد الجوزي] اهـ.
مقدار الفدية المترتبة على قضم المحرم ظفره ناسيًا
كما أنهم قد اختلفوا في مقدار الفدية المترتبة على قضم المحرم ظفره ناسيًا؛ فذهب الحنفية إلى أنه يتصدق بنصف صاع من طعام عن كل ظفر، والصاع: مكيال لأهل المدينة يسع أربعة أمداد، وهو ما يعادل عندهم (1625 جم)؛ قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 194-195، ط. دار الكتب العلمية): [وإن قلم أقل من يد أو رجل فعليه صدقة لكل ظفر نصف صاع، وهذا قول أصحابنا الثلاثة. وقال زفر: إذا قلم ثلاثة أظفار فعليه دم، وجه قوله أن ثلاثة أظافير من اليد أكثرها، والأكثر يقوم مقام الكل في هذا الباب كما في حلق الرأس، ولأصحابنا الثلاثة: أن قلم ما دون اليد ليس بارتفاق كامل، فلا يوجب كفارة كاملة] اهـ.
وقال الإمام ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 365، ط. دار الفكر): [(قوله: وهو أي الصاع ..إلخ) اعلم أن الصاع أربعة أمداد، والمد رطلان، والرطل نصف من، والمن بالدراهم مائتان وستون درهمًا، وبالإستار أربعون، والإستار -بكسر الهمزة- بالدراهم ستة ونصف، وبالمثاقيل قيل: أربعة ونصف] اهـ.
ويجب عند المالكية في الظفر الواحد حفنة من طعام، أي ملء الكفين، وتقدر عند الجمهور غير الحنفية بـ(510 جم): أي ما يساوي مدًّا.
قال الإمام الحطاب في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (3/ 163، ط. دار الفكر): [(وفي الظفر الواحد لا لإماطة الأذى حفنة). ش: يريد أن من قلم ظفره لا لإماطة أذى ولا لكسره، فعليه حفنةٌ. قال ابن فرحون: وإن قلمه على وجه العبث لا لأحد أمرين أطعم حفنة. اهـ. قال مالك في المدونة: والحفنة ملء يد واحدة، قال الشيخ أبو الحسن: والغرفة ملء اليدين جميعًا بخلاف عُرْفِنا الآن] اهـ.
وقال الإمام الخرشي في "شرح مختصر خليل" (2/ 355، ط. دار الفكر للطباعة): [ومفهوم قوله الواحد أن ما زاد عليه ليس حكمه كذلك، وهو كذلك؛ إذ فيما زاد على الواحد الفدية، سواء كان ذلك لإماطة الأذى أم لا، ولو أبان واحدًا بعد إبانة آخر، فإن كان في فَوْرٍ واحد ففيهما الفدية، وإلا ففي كل واحد حفنة] اهـ.
وقال الشيخ أحمد الدردير في "الشرح الكبير على مختصر خليل" (1/ 504، ط. دار الفكر): [(صاع) أربعة أمداد، كل مد رطل بالبغدادي، وقد حُرر الصاعُ فوُجد أربع حفنات متوسطة، وذلك قدح وثلث بالكيل المصري] اهـ.
وقال الشيخ الدسوقي المالكي في "حاشيته" عليه: [(قوله: وقد حرر الصاع) أي الذي هو أربعة أمداد، وقوله: (فوجد أربع حفنات ..إلخ) مراده بالحفنة المتوسطة ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، وليس مراده بالحفنة ملء اليد الواحدة] اهـ.
وعند الشافعية والحنابلة: في الظفر مُدٌّ من طعام، ومقدار المد ما يعادل عندهم (510 جم) أي هو مساوٍ للحفنة؛ قال الشيخ سليمان الجمل في "حاشيته على شرح المنهاج المسماة "فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب" (2/ 513، ط. دار الفكر): [(وفي) إزالة (شعرة) واحدة (أو ظفر) واحد أو بعض شيء منهما (مد) من طعام (و) في (اثنين) من كل منهما (مدان) لعسر تبعيض الدم فعدل إلى الطعام] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي = شرح مختصر المزني" (3/ 382، ط. دار الكتب العلمية): [فأما قدر الصاع المؤدى: فهو أربعة أمداد، كل مُدٍّ منها رطل وثلث بالعراقي، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي، هذا مذهب الشافعي، ومالك وأبي يوسف وأحمد بن حنبل وسائر فقهاء الحرمين، وأكثر فقهاء العراقيين. وقال أبو حنيفة ومحمد: المد رطلان، والصاع ثمانية أرطال] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 433، ط. مكتبة القاهرة): [والحكم في فدية الأظفار كالحكم في فدية الشعر سواء، في أربعة منها دم. وعنه: في ثلاثة دم. وفي الظفر الواحد مد من طعام، وفي الظفرين مدان، على ما ذكرنا من التفصيل والاختلاف فيه. وقول الشافعي وأبي ثور كذلك] اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (3/ 93، ط. دار إحياء التراث): [والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالعراقي] اهـ.
ولا يشترط أن يكون التصدق بالطعام على مساكين الحرم، بل يجزئ على غيرهم أيضًا على ما ذهب إليه الحنفية والمالكية؛ قال الإمام ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري" (3/ 15، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وأطلق في التصدق والصوم، فأفاد أن له التصدُّقَ في غير الحرم، وفيه على غير أهله. قال في "المحيط": [والتصدُّق على فقراء مكة أفضل، وإنما لم يتقيد بالحرم لإطلاق النص] اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "التلقين في الفقه المالكي" (1/ 83، ط. دار الكتب العلمية): [وما يوجب الفدية من ذلك فيوجبها عمدًا وسهوًا أو اضطرارًا وجهلًا، والفدية الواجبة به ثلاثة أنواع: صيام، وصدقة، ونسك، مخير فيها غير مرتبة، فالصيام ثلاثة أيام يستحب تتابعها، والإطعام ستة مساكين مدين، والنسك شاة، وليس لشيء منها مكان مخصوص] اهـ.
ويجوز إخراج الطعام أو قيمته على المفتى به من مذهب الحنفية، فيجزئ المحرمَ دفْعُ قيمة الطعام للمساكين ولو خارج الحرم؛ لأن المقصود هو سدُّ الخلة، وكما يحصل بالإطعام يحصل بقيمته من المال؛ قال الإمام السرخسي في كتابه "المبسوط" (2/ 156، ط. دار المعرفة): [إن أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والصدقات والعشور والكفارات جائزٌ عندنا] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ذلك: إذا قضم المحرم أظافره بأسنانه فأزال منها شيئًا عامدًا عالمًا مختارًا، فإنه تجبُ عليه الفديةُ، بخلاف ما لو انكسر ظفره أو جزءٌ منه دون قصدٍ فأزال باقيَه لأنه يؤذيه، فلا شيءَ عليه في ذلك عند جمهور الفقهاء، أما لو عبث بظفر من أظفاره ساهيًا فقضمه، أو قصَّ ظفره ناسيًا، فقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المشهور عندهم أنه تجبُ عليه الفديةُ حتى لو كان ناسيًا كما تجب على العامد؛ لأن ذلك من باب الإتلاف الذي يستوي فيه عندهم العامد والساهي والجاهل، وذهب بعض الحنابلة إلى أن الناسيَ غيرُ مؤاخَذٍ ولا فديةَ عليه، فمن استطاع إخراجَ الفدية أخرجها عملًا بقول الجمهور، ومن لم يستطع فلا حرجَ عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.