وصية المرأة بالدفن مع أبيها مع وجود مقابر خاصة بالنساء

وصية المرأة بالدفن مع أبيها مع وجود مقابر خاصة بالنساء

ما الحكم لو أوصت المرأة أن تدفن مع أبيها، بالرغم من وجود مقابر خاصة بالنساء، فهل تنفذ وصيتها؟

إذا أوصت المرأة أن تُدفن مع أبيها بعد وفاتها جاز دفنها معه، ويراعى في ذلك أن يكون بينهما حاجز من الطوب أو ساتر من التراب. 

التفاصيل ....

نص الفقهاء على استحباب دفن الأقارب في مكان واحد؛ لأن ذلك أسهل لزيارتهم والتَّرَحُّم عليهم، واستدلوا بما أخرجه أبو داود في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه: عن كثير بن زيد المدني عن المطلب بن عبد الله رضي الله عنه، قال: لما مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه أُخرج بجنازته فدُفن، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلًا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا، ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ: «أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» قال الحافظ ابن حجر: وإسناده حسن.
قال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 142، ط. المكتب الإسلامي): [قال الشافعي والأصحابُ رحمهم الله: يستحب أن يجمع الأقارب في موضع واحد من المقبرَةِ] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 370، ط. دار الكتب العلمية): [وجمع الأقارب في الدفن حسن؛ لتسهل زيارتهم والترحم عليهم] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (6/ 243، ط. هجر للطباعة والنشر): [يستحب جمع الأقارب في بقعة واحدة؛ لأنه أسهل لزيارتهم، وأبعد لاندراسهم] اهـ.
وذهب المالكية في إحدى الروايات إلى جواز الجمع بين أكثر من ميت في القبر الواحد، ولو من غير حاجة لذلك؛ قال العلامة الحطاب الرُّعيني المالكي في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (2/ 236، ط. دار الفكر): [الجزولي: اختلف في دفن الجماعة في قبر واحد اختيارا قيل: لا يجوز وهو المشهور وقيل: يجوز انتهى] اهـ.
وجاء في "حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني" (1/ 434، ط. دار الفكر): [وظاهر كلام الشيخ جواز دفن الجماعة في قبر واحد مطلقًا للضرورة وغيرها] اهـ.
وأما في الجمع بين رجل وامرأة في مقبرة واحدة، فالأصل عدم جواز ذلك إلا في حالة الضرورة، أو وجود محرمية أو زوجية بينهما، وعلى ذلك نص جماعة من الفقهاء؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 330، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ولا يجمع) في قبر (رجل وامرأة إلا لضرورة) فيحرم عند عدمها كما في الحياة، ومحله إذا لم تكن بينهما محرمية أو زوجية، وإلا فيجوز الجمع صرح به ابن الصباغ وغيره] اهـ.
وقال العلامة القسطلاني في "إرشاد الساري" (2/ 441، ط. المطبعة الأميرية): [أما إذا لم يتحد الجنس: كرجل وامرأة، فإن دعت ضرورة شديدة لذلك جاز، وإلا فيحرم، كما في الحياة. ومحل ذلك إذا لم يكن بينهما محرمية، أو زوجية، وإلاّ فيجوز الجمع صرح به ابن الصباغ، وغيره] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2 /14، ط. المكتبة الإسلامية): [وأما جمع امرأة ورجل في لحد واحد فلا يجوز، إلا إن اشتدت الحاجة اشتدادا حثيثًا كأن لم يوجد، أو لم يتمكن إلا من ذلك، أو كان بينهما محرمية أو زوجية، أو أحدهما صغيرًا لم يبلغ حد الشهوة] اهـ.
وقال العلامة الشربيني الشافعي في "الإقناع" (1/ 210، ط. دار الفكر): [قال ابن الصلاح: ومحله إذا لم يكن بينهما محرمية، أو زوجية، وإلا فيجوز الجمع] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 551، ط. دار إحياء التراث): [(ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة) وكذا قال ابن تميم، والمجد، وغيرهما وظاهره التحريم إذا لم يكن ضرورة وهو المذهب نص عليه وجزم به أبو المعالي وغيره وقدمه في الفروع [وغيره وعنه: يكره اختاره ابن عقيل، والشيخ تقي الدين، وغيرهما قال في الفروع] وهو أظهر وقطع به المجد في نبشه لغرض صحيح، ولم يصرح بخلافه فدل أن المذهب عنده رواية واحدة "لا يحرم". انتهى. وعنه "يجوز". نقل أبو طالب وغيره "لا بأس"، وعنه "يجوز ذلك في المحارم"] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه إذا أوصت المرأة أن تُدفن مع أبيها بعد وفاتها جاز دفنها معه، ويراعى في ذلك أن يكون بينهما حاجز من الطوب أو ساتر من التراب.
والله سبحانه وتعالى أعلم. 

اقرأ أيضا