حكم لعبة البوكيمون

حكم لعبة البوكيمون

انتشرت في هذه الفترة لعبة جديدة في أغلب دول العالم، وهي مختلفة تمامًا عمَّا اعتاده الشباب والأطفال من ألعاب الكمبيوتر والهواتف الذكية، وهذه اللُعبة تعتمد على اصطياد بعض الكائنات الخيالية (البوكيمون) الموجودة في أماكن تواجد الهاتف، وعن طريق كاميرا الهاتف تكشف اللُعبة كل هذه الأماكن من غير إذن أصحابها، ويقوم اللاعب بتوجيه الهاتف نحو البوكيمون على مسافةٍ قريبةٍ منه، ولكي يجمع اللاعب أكبر عدد من البوكيمونات الموجودة؛ لا بد له من تتبع كل واحد منها أيًّا كان مكانه، فيدخل الإنسان أماكن غير مسموح له الدخول فيها، ويسير في طرقات غير آمنة حتى يستطيع أن ينتهز فرصة اصطياد البوكيمون.
والسؤال: ما رأي الشرع الشريف في هذه اللُعبة؟ 

ألعاب البوكيمون مُحَرَّمة شرعًا، حرَّمها العلماء والمفتون منذ ظهورها، وحظرتها الدول والمنظمات؛ لما اشتملت عليه من المحاذير والمفاسد والمخاطر، ولما تسببه من أضرار على الأفراد والمجتمعات، من الجاسوسية وخيانة الأوطان، والاستهانة بالمقدسات، وانتهاك حرمات الآخرين، ونشر مفاهيم مخالفة لتعاليم الإسلام وقِيَمِه. وكذلك لما تسببه من أضرارٍ نفسية وجسدية تؤثِّر على صحة الأفراد وعقولهم. 

التفاصيل ....

سبق لدار الإفتاء المصرية أن حرَّمت لعبة البوكيمون في ثوبها القديم؛ حيث أصدر فضيلة المفتي الأسبق الأستاذ الدكتور/ نصر فريد واصل، فتوى بتاريخ: 6/ 10/ 2001م، بتحريم لعبة البوكيمون، وجاء نصُّها كالتالي:
[انتشرت لعبة البوكيمون في الآونة الأخيرة بين الأطفال انتشارًا واسعًا في شتى أعمارهم المختلفة، وصارت ظاهرة مؤثرة في تصرفاتهم مما يعده خبراء التربية خطرًا على الأطفال في حاضرهم ومستقبلهم، وهذه اللعبة تحتوي على ما يشجع الأطفال على القمار ولعب الميسر، وتعودهم على الانحراف، وتغرس في عقولهم خيالات لا أصل لها، كما أنها توجه الأطفال في سنهم المبكرة إلى أمورٍ حرَّمها الدين، ونهى عنها الشرع الحنيف، فهي تلفت أنظارهم إلى طريقة لعب الميسر المحرم شرعًا، والذي قرنه الله تعالى في كتابه بالخمر والأنصاب والأزلام واعتبرها رجسًا من عمل الشيطان إذ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90]. وأيضًا فهي تجبل الأطفال على العادات القبيحة، والأخلاق السيئة المنافية لآداب الإسلام وتعاليمه السمحة الكريمة.
ولعبة البوكيمون تقوم على أساس تجميع القطع البلاستيكية الموجودة داخل أكياس غذاء الشيبسي، ومرسوم عليها شخصيات حيوانية، ورصِّ تلك القطع فوق بعض وضربها بقطعة منفردة، وأخذ وتجميع ما وقع منها من قطع الخصم، وهذه العملية وإن كانت لعبة للأطفال إلا أنَّ فيها تعويدًا لهم على ما يشبه القمار، ولفتا لأنظارهم إلى عمل يدخل دائرة الحرام، وتعليمهم الحصول على ما يملكه الغير دون وجه حق، وخلق مناخ المنافسة الفاسدة غير المفيدة بينهم، وإيجاد روح العداوة والبغضاء بينهم في سنهم المبكرة.
وبناءً على ما ذكر وفي واقعة السؤال: فإن دار الإفتاء المصرية ترى أنَّ لعبة البوكيمون حرام شرعًا، وعلى الآباء والأمهات ألا يتركوا أطفالهم نهبا لمثل هذه الأفكار، ويجب عليهم تحذيرهم من مغبَّة الوقوع في مثل هذه الأعمال التي يحرمها الدين الحنيف، وتعويدهم على فعل الخير وعلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم؛ ليكونوا نافعين لوطنهم وأمتهم. هذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال. ومما ذكر يعلم عنه الجواب. والله سبحانه وتعالى أعلم] اهـ.
والآن ومع تقدم التكنولوجيا في العالم وانتشارها بين الناس، حدث تطور شديد في لعبة البوكيمون: أشكالها، وأنواعها، وطريقة لعبها، واختلفت شكلًا ومضمونًا اختلافًا يقتضي تأكيد حظرها واشتداد تحريمها؛ لما أصبحت تمثله من خطورة وفساد على المجتمع والأفراد.
والبوكي أو البوكيمون "Pokemon GO" كلمة يابانية معناها: "وحوش الجيب"، وهي عبارة عن كائنات أو أشباح افتراضية تظهر على شاشات هواتف المحمول المشتملة على نظام الأندرويد عن طريق الكاميرا أو البلوتوث أو "جي بي أس" GPS، وتبدو هذه الكائنات وكأنها موجودة في الواقع الخارجي فتمزج بين الواقع والخيال.
وتعتمد هذه اللعبة على التنقل والاستكشاف داخل المواقع المختلفة؛ فتفرض على اللاعبين اقتحام أماكن في العالم الحقيقي بهدف اصطياد الوحوش الكارتونية برمي كرة افتراضية عليها (Poké Ball)، وأي وحش يتم اصطياده منها يمكن تدريبه ودفعه للقتال ضد بوكيمونات اللاعبين الآخرين.
وتتنوع أماكن الاستكشاف وطريقة الاصطياد حسب نوع البوكيمون الموجود فيها؛ فهناك البوكيمون الذي يعيش في المياه، ويسمى: سايداك (Psyduck)، وهناك البوكيمون الذي يعيش في الغابات الممطرة، ويسمى: هيراكروس (Heracross)، وهناك البوكيمون الطائر المتجوِّل، ويسمى: بيدجي (Pidgey)، وهناك البوكيمون الناري الزاحف، ويسمى: شارمندر (Charmander)، وهناك البوكيمون الناري الطائر الأسطوري، ويسمى: مولتريس (Moltres)، وهناك البوكيمون الضخم ذو الأنف الطويل الذي يهاجم أعداءه بالتنويم المغناطيسي، ويسمى: ستارمي (Starmie)، وهناك جمع البيوض من مواقع معينة يطلق عليها بوكيستوب (Pokestops)، وهي عبارة عن معالم عالمية مشهورة تظهر في اللعبة، وتطلب السَّير على الأقدام لمسافات تصل إلى 10 كيلومترات، إلى غير ذلك من الأنواع.
وما زالت الشركات المسؤولة عن هذه اللعبة تطرح أشكالًا وأنواعًا مختلفة من البوكيمونات، حتى وصلت إلى أكثر من 100 نوعٍ من البوكيمونات؛ حسب ما نُشِرَ في المواقع المتخصصة بإحصاءات وبيانات اللعبة؛ كموقعي:(PokeVS) و (The Silph Road).
وأصبحت لعبة البوكيمون أكثر الألعاب انتشارًا؛ حيث أُقيمت لهذه اللُعبة مقرَّات في كثير من عواصم العالم، وتنافست المطاعم والمحلات التجارية على تقديم صورها، وأصبح لها مطبوعات ودوريات وأشرطة فيديو وأنواع متعددة من أشكال اللعبات التي تتناسب مع مختلف الأعمار، بل تبنّت بث برامجها محطات تلفزيونية متنوعة، واستحدثت لها مواقع عديدة على شبكة المعلومات "الإنترنت"، حسب تحليل شركة "سيميلارويب" المتخصصة في تحليل التطبيقات المختلفة.
وقد ظهرت بعض الدراسات التي تدّعي أنَّ لعبة البوكيمون لها فائدة تعود على بعض الأفراد؛ حيث إنها تُحفِّز الناس على الخروج من المنازل والتواصل مع غيرهم، واستكشاف العالم المحيط بهم؛ فوفقًا لما ذكرته مجلة "Daily Mail" البريطانية، قام مؤسس شبكة الصحة العقلية بدراسة لعبة البوكيمون، وتوصَّل فيها إلى أنَّ لعبة "Pokemon GO" مخصصة للصحة الذهنية، وتؤثر على تحسين المزاج، وزيادة نشاطهم البدني والحركي، وأن هذه اللعبة قدّمت خدمة قيّمة للقطاع الطبي، الذي يحث الناس على التحرّك المستمر والعمل المتواصل.
وعلى فرض التسليم بهذه الفائدة المزعومة فإن هذه اللعبة ليست هي الطريقة الوحيدة التي تحث على التحرك والعمل، وبدهي أن حركة الناس لن تتوقف إذا لم يلعبوها، وأن الألعاب الرياضية والتمارين الذهنية والتنمية البشرية أكثر منها فائدة وأحسن منها عائدة، وأن الأضرار التي تحويها اللعبة كفيلة بإفقادها كل فائدة، مما يدعو لمنعها والتحذير منها.
فلعبة البوكيمون فيها من المحاذير الشرعية، والمفاسد المجتمعية، والأضرار النفسية والصحية، ما يجرِّمها ويحرِّمها؛ كالاستهانة بالأديان والمقدسات، والتجسس، وانتهاك حرمة الآخرين، واستهداف مناطق خاصة، سواء بالدول أو بالأفراد:
فتشتمل اللُعبة على رموز وشعارات لبعض المقدسات ذات مدلولات خطيرة ومنحرفة؛ كرموز تعدد الآلهة، ورسوم بعض المعبودات من الحيوانات والنباتات ونحو ذلك.
وبمجرد أن يقوم الفرد بتحميل تطبيق هذه اللُّعبة، يقوم التطبيق بالدخول إلى كاميرا الهاتف، وجهات الاتصال، والموقع الجغرافي، وذاكرة الهاتف، وكذلك ِما تتطلبه اللُّعبة من اقتحام الأماكن الاستراتيجية المهمة وتصويرها؛ كالأماكن العسكرية، والمنشآت الحكومية، والمؤسسات الحيوية كالمطارات ونحوها.
وكذلك انتهاك حرمات الآخرين؛ وذلك بالتسلط عليهم في أماكنهم الخاصة، وباستدراج الأطفال والمراهقين إلى أماكن بعيدة لسرقتهم والاعتداء عليهم.
كما أن اللعب بها يشتمل على جملة من الأضرار النفسية والصحية -كما أفاده الخبراء والمتخصصون- حيث إنها تسبب أنواعًا من الاكتئاب الناتج عن العزلة الاجتماعية أغلب الأوقات، وتؤثر على التوازن العقلي، وتؤدي إلى الخلط الكبير بين الواقع والخيال، خاصة لدى الأطفال الذين لم يصلوا لمرحلة الوعي والتفكير المجرد، وتعرِّض اللاعب إلى ضربات الشمس المحرقة، وتآكل البشرة، والسير في الطرقات دون انتباه مما يُعرِّضُ الباحث للكسر والالتواء، أو الحوادث المؤلمة.
وبمجرد انطلاق هذه اللعبة عالميًّا بشكلها الجديد في 6/ 7/ 2016م، في دول أمريكا ونيوزيلاندا وأستراليا، توالت مشكلاتها وآثارها السلبية وما تسببه من الجرائم والأضرار البالغة على مستوى الأفراد والمجتمعات، ولذلك فقد حظرتها كثير من الدول والأقاليم ومنعتها المنظمات، وحرمها العلماء في جميع الدور والهيئات من مختلف الأقطار:
فذكرت صحيفة "Metro" البريطانية في عددها الصادر في 12/ 7/ 2016م أنَّ ظهور البوكيمونات في متحف "الهولوكوست بالعاصمة" واشنطن، أمر غير لائق.
وكانت الصحيفة قد ذكرت في عددها الصادر بتاريخ 11/ 7/ 2016م أن الشرطة الأمريكية بولاية ميزوري حذَّرت من هذه اللعبة؛ لما يسببه ذلك من زيادة في عدد من الجرائم المسلحة التي كشفتها، إذ يستخدم المجرمون هذه التطبيقات للإيقاع بالضحايا، واستدراجهم إلى المناطق النائية، وما أدت إليه من الحوادث؛ كحادثة المُراهِقة الأمريكية التي وجدت نفسها أمام جثة في النهر، وهي تبحث عن البوكيمون.
وقد اعتبرت المنظمة القومية لحقوق الإنسان بمصر؛ كما نشر على موقعها الرسمي على الإنترنت، أنَّ هذه اللُعبة طريقةٌ لتجنيد الشباب المصري لتصوير منشآت حكومية مهمة، ونقلها إلى أجهزة أمنية استخباراتية خارجية دون أن يعوا أنّهم يقومون بذلك، كذلك هي وسيلة للتجسس على خصوصية الأشخاص، وجمع المعلومات الكاملة عنهم، ومن الممكن أن تستخدم لابتزازهم فيما بعد.
وبناءً على ذلك: فألعاب البوكيمون مُحَرَّمة شرعًا، حرَّمها العلماء والمفتون منذ ظهورها، وحظرتها الدول والمنظمات؛ لما اشتملت عليه من المحاذير والمفاسد والمخاطر، ولما تسببه من أضرار على الأفراد والمجتمعات، من الجاسوسية وخيانة الأوطان، والاستهانة بالمقدسات، وانتهاك حرمات الآخرين، ونشر مفاهيم مخالفة لتعاليم الإسلام وقِيَمِه. وكذلك لما تسببه من أضرارٍ نفسية وجسدية تؤثِّر على صحة الأفراد وعقولهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم. 

اقرأ أيضا