ما حكم الزكاة على القرض من البنك؛ فقد أخذتُ مبلغًا من المال من البنك على سبيل القرض، وبعد صرف المبلغ من البنك استهلكتُه في حاجتي التي أخذته لها؛ فهل على هذا المال المأخوذ من البنك زكاة أم لا؟ وهل يختلف الحكم إذا أخذتُ هذا المال لحاجتي ولم يُسْتهْلك كامل المبلغ، أو أخذتُه للاستثمار في البنك ذاته الذي أعطاني القرض، أو استثمرته خارج هذا البنك؟
الأصل أَنَّ المال المأخوذ من البنك تجب فيه الزكاة إذا توافرت شروطها؛ فلو أَخَذتَ المال واستهلكتَه فلا زكاة عليه، ولو استَهْلكتَ بعضه ففي الباقي الزكاة ما دام تحقَّق فيه شروط الزكاة. ولو أخذتَ المال على سبيل الاستثمار في البنك مصدر المعاملة كأن اشتريت به شهادات استثمار؛ فتكون الزكاة بمقدار ربع العشر على المال الذي تم به شراء الشهادات مضافًا إليه الأرباح خلال العام، ولو أخذتَ المال واتَّجَرْتَ به خارج البنك ففيه زكاة عروض التجارة وهي بمقدار ربع العشر، فإذا كان مجال الاستثمار هو الأنشطة الصناعية أو الإنتاجية أو الخِدْمِيَّة؛ فلا زكاة فيه.
المحتويات
المال المأخوذ من البنك على سبيل القَرْض هو "دينٌ" مِن قِبَل البنك على الآخذ للقَرْض. والفقهاء مختلفون في اعتبار الدَّيْن مانعًا من وجوب الزكاة على المدين؛ وخلافُهم في ذلك على قولين؛ ومذهب الشافعية -وهو ما عليه جماعة من الفقهاء-: أَنَّ الدَّيْن لا يمنع وجوب الزكاة.
قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه" (1/ 71، ط. دار الفكر): [ولا يمنع الدَّيْنُ وجوبَها في أظهر الأقوال، والثالث: يمنع في المال الباطن وهو النقد والعرض] اهـ.
وقال أيضًا في "المجموع" (5/ 344، ط. دار الفكر): [الدَّيْن هل يمنع وجوب الزكاة؟ فيه ثلاثة أقوال، أصحها عند الأصحاب، وهو نص الشافعي رضي الله عنه في معظم كتبه الجديدة: تجب.. فالحاصل أن المذهب وجوب الزكاة سواء كان المال باطنًا أو ظاهرًا من جنس الدين أم غيره، قال أصحابنا: سواء دَيْن الآدمي ودَيْن الله عز وجل، كالزكاة السابقة، والكفارة والنذر وغيرها] اهـ.
واستدل الشافعية على ذلك: بعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على مَنْ مَلَك نصابًا؛ قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103].
فعموم النص يدل على وجوب الزكاة في المال، سواء كان عليه دين أو لم يكن عليه دين؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرسل عُمَّاله لجمع الزكاة، ولا يأمرهم أَنْ يسألوا أصحاب الأموال هل عليهم ديون أو لا؟ كما أَنَّ المدين -حال كون المال الذي في يده نِصَابًا- هو مالك له جائز التصرف فيه؛ فيجب أن يُلْزَم بإخراج الزكاة فيه. يُنْظَر: "الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 310)، و"المغني" لابن قدامة (3/ 67، ط. مكتبة القاهرة).
على ذلك الأصل الذي قَرَّرناه مِن أَنَّ الدَّيْن لا يمنع الزكاة تتفرَّع صورة السؤال؛ فالمال المأخوذ مِن البنك على سبيل القرض هو دينٌ، والأصل أنَّه يجب فيه الزكاة، فلو أُخِذ هذا المال من البنك واستُهْلِك قبل حلول الحول فلا زكاة فيه؛ لزوال المحل الذي تجب فيه الزكاة؛ وذلك كما لو قُطِع محل غَسْل الفرض من اليد أو الرِّجْل في الوضوء، فيَسْقُط غَسْله لزوال المحل.
والزكاة واجبةٌ في المال المقتَرض طالما بقي منه ما يبلغ النصاب وحال عليه الحول؛ وذلك إذا استَجْمَعَ شروط الزكاة، وهي ما يلي:
أولًا: الملك التام، فالملك هو تمكن الإنسان شرعًا بنفسه أو بنيابة من الانتفاع بالعين أو المنفعة، ومِن أخْذِ العوض أو تمكنه من الانتفاع خاصة. ينظر: "حاشية ابن الشاط على فروق القرافي" (3/ 209، ط. عالم الكتب).
والملك التام -أو المطلق- هو ما اجتمع للإنسان فيه الملك والقدرة على التصرف في المملوك.
قال العلامة الحدادي من الحنفية في "الجوهرة النيرة" (1/ 113): [الملك التام هو ما اجتمع فيه الملك واليَد، وأما إذا وجد الملك دون اليد؛ كملك المبيع قبل القبض، والصداق قبل القبض، أو وجد اليد دون الملك؛ كملك المكاتب والمديون، لا تجب فيه الزكاة] اهـ.
وقال الشيخ الخرشي في "شرح المختصر من كتب المالكية" (2/ 179، ط. دار الفكر): [شرط الزكاة في العين وغيرها أن يكون المال مملوكًا ملكًا تامًّا؛ فلا زكاة على غاصب ومودع وملتقط؛ لعدم الملك، وعبد ومدين؛ لعدم تمامه، ولا على السيد فيما بيد عبده؛ لأن من ملك أن يملك لا يعد مالكًا، ولا في غنيمة قبل قسمها؛ لعدم قراره] اهـ.
وقال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" -في بيان شرائط وجوب زكاة النعم- (2/ 315 -مع "حاشية البجيرمي"-، ط. دار الفكر): [(و) الثالث: (الملك التام) فلا تجب فيما لا يملكه ملكًا تامًّا] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 170): [من شروط الزكاة: (تمام الملك) في الجملة -قاله في الفروع-؛ لأن الملك الناقص ليس نعمةً كاملةً، وهي إنما تجب في مقابلتها؛ إذ الملك التام عبارة عما كان بيده لم يتعلق به غيره، يتصرف فيه على حسب اختياره. وفوائده حاصلة له] اهـ.
ثانيًا: بلوغ النصاب، أي ما يعادل (85 جرامًا) من الذهب عيار 21.
ثالثًا: الحول، وهو أن يمضي على مِلك المال مِلكًا تامًّا سنةٌ قمريةٌ.
أمَّا إذا أَخَذ الشخص هذا المال من البنك وجعله استثمارًا في البنك نفسه؛ كأن اشترى به شهادات استثمار مثلًا؛ ففي هذه الحالة تكون زكاته بمقدار ربع العشر على المال الذي تَمَّ به شراء الشهادات الذي مَرَّ عليه حول قمري وعلى الأرباح كذلك؛ ذلك أنَّ الأموال المودَعة بالبنوك والتي تُدِرُّ عائدًا بمعدَّلٍ ثابت فيها الزكاة إذا حال عليها الحول القمري، ومقدار الزكاة الواجبة فيها هو ربع العشر (أي: اثنان ونصف بالمائة) من أصل المال مضافًا إليه الأرباح خلال العام.
وإذا أَخَذ الشخص هذا المال واستثمره خارج البنك؛ فإن كان نشاط الاستثمار هو التجارة والتي فيها الشراء من أجل البيع والربح من غير أن يتخللَ ذلك صناعة أو إنتاج أو استغلال واتَّجَر فيه؛ ففيه زكاة عروض التجارة؛ ذلك أن التجارة: هي أن تشتريَ لتبيع وتربح، فيُشترط فيها التملُّك بعقد معاوضة محضة بقصد البيع لغرض الربح، من غير أن يتخللَ ذلك صناعة أو إنتاج أو استغلال.
ومن هذا التعريف للتجارة يتضح أنَّ كلَّ نشاطٍ استثماري خرج عن تعريف "التجارة" بشروطه الثلاثة لا زكاة فيه: كالأنشطة الصناعية، أو الإنتاجية، أو الخِدْمِيَّة للشركات المختلفة؛ لأن الربح فيها قائمٌ على الإنتاج والصناعة والخدمات، لا على البيع والشراء وَحْدَهُما، وعلى ذلك فلو كان تم أخذ القرض من البنك واستُثْمِر خارج البنك وكان نشاط الاستثمار في المال هو الأنشطة الصناعية أو الإنتاجية أو الخِدْمِيَّة للشركات المختلفة والتي فيها الربح قائم على الإنتاج والصناعة والخدمات، لا على البيع والشراء وَحْدَهُما؛ فلا زكاة على المال وذلك على ما هو المفتَى به؛ لأنَّه صناعة وإنتاج وليس تجارة بالمعنى الفقهي الذي يستوجب الزكاة بشروطها.
الأصل أَنَّ المال المأخوذ من البنك تجب فيه الزكاة إذا توافرت شروطها؛ فلو أَخَذتَ المال واستهلكتَه فلا زكاة عليه، ولو استَهْلكتَ بعضه ففي الباقي الزكاة ما دام تحقَّق فيه شروط الزكاة. ولو أخذتَ المال على سبيل الاستثمار في البنك مصدر المعاملة كأن اشتريت به شهادات استثمار؛ فتكون الزكاة بمقدار ربع العشر على المال الذي تم به شراء الشهادات مضافًا إليه الأرباح خلال العام، ولو أخذتَ المال واتَّجَرْتَ به خارج البنك ففيه زكاة عروض التجارة وهي بمقدار ربع العشر، فإذا كان مجال الاستثمار هو الأنشطة الصناعية أو الإنتاجية أو الخِدْمِيَّة؛ فلا زكاة فيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل دين المتوفاة يؤخذ من تركتها؛ فقد سأل رجل في امرأة مرضت ثم توفيت عن تركة قد خلَّفتها، وقد صرف عليها والدها أثناء مرضها مصاريف عند الأطباء لعلاجها، وجهَّزها حين موتها، وكل هذه المصاريف قد استدانها على حسابها بأمرها، فهل ما صرف عليها كلتا الحالتين يكون لازمًا والدها أم يكون لازمًا زوجها؟ أم دَيْنًا في تركتها يؤخذ منها؟ تفضلوا بالإجابة عن هذا، ولكم الشكر.
سائل يقول: توفي رجل وعليه ديون، وله مال محجوز عليه من دائنين بمقتضى أحكام. فهل المال المحجوز عليه يعتبر من مال المتوفى؟ وإذا كان يعتبر من ماله فهل يقدم فيه مصاريف التجهيز والتكفين والدفن على قضاء الديون؟ وهل يدخل في التجهيز والتكفين إقامة ليلة المأتم يصرف فيها أجرة سرادق وفراشة؟ وما هو الكفن اللازم شرعًا؟
سأل بما صورته: رجل توفي وعليه دين يبلغ ثمانين ومائتي جنيه، وترك تركة تساوي أضعاف هذا الدين اقتسمها ورثته فيما بينهم. فهل للدائن مطالبة جميع الورثة بجميع دينه ليسددوه من التركة؟ وهل لأحدهم المعارضة في سداد هذا الدين كله أو بعضه للدائن مع ثبوته، بحجة أن بعض الأعيان بيع لسداد دين آخر، مع أن الباقي من التركة فيه وفاء بباقي الديون وزيادة؟
هل مؤخر الصداق يعتبر دَينا يخرج من تركة الميت؟ وكان زوجي قد أخذ مني ذهبًا كقرض، فما حكمه؟
ما حكم انتقال الدين من ذمة المتوفى إلى ذمة أحد أقاربه؟ فقد توفي أخي، وقلت عند الصلاة عليه: "أيُّ دَيْنٍ على المرحوم في ذمَّتي"، وبعد الدفن صرفت أرملته مستحقاته من عمله بخلاف ما ترك من أموال وهي سيارة خاصة، فهل يسدد الدين من ماله أم أنا ملزم به؟ ويطالبني أخوها بمؤخر الصداق وعدَّه دَينًا على المتوفى وألزمني به، فهل أسدده، أم يؤخذ من ماله؟
ما حكم تعجيل الدائن دينه المؤجل في مقابل التنازل عن بعضه؟