ما هو الحكم الشرعي لقيام الزوجة بتغسيل زوجها المتوفى بوباء كورونا المستجد، وذلك في بعض الحالات التي لا يوجد فيها من الرجال من يغسله، أو لخوف بعضهم من العدوى؟
يجوز للزوجة تغسيل زوجها؛ سواء وجد من يغسله أو لم يوجد، وذلك بإجماع الفقهاء، وسواء كان الوفاة بسبب وباء الكورونا أو بأي سبب آخر، مع التنبيه الأكيد على وجوب أخذ المُغَسل للتدابير والإجراءات الوقائية اللازمة؛ تحرزًا من عدوى الوباء؛ حفاظا على صحته وحياته.
المحتويات
فرض الله غُسْل الميت تنظيفًا لجسده، وجاءت الشريعة بذلك؛ تكريمًا للإنسان، وتفضيلًا له على سائر المخلوقات، وغُسل الميت فرض كفاية بالإجماع؛ إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين؛ جاء في "المجموع" للإمام النووي (5/ 128، ط. دار الفكر): [وغسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين، ومعنى فرض الكفاية: أنه إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم] اهـ.
والأصل في غُسل الرجل أن يُغسله الرجال، وذلك لأن النظر إلى العورة منهي عنه شرعًا؛ لقول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُم﴾ [النور: 30]، وإنما جاز للرجل تغسيل الرجل لأنه من نفس جنسه، وكذلك المرأة يجوز لها تغسيل المرأة؛ لأنها من جنسها؛ قال الإمام الكاساني الحنفي في "البدائع" (1/ 304، ط. دار الكتب): [الجنس يغسل الجنس، فيغسل الذكر الذكر، والأنثى الأنثى؛ لأن حِلَّ المس مِن غير شهوة ثابت للجنس حالة الحياة، فكذا بعد الموت] اهـ.
وقال الإمام ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة" (1/ 183، ط. دار الغرب الإسلامي): [والمشروع أن يغسل الرجال الرجال، والنساء النساء] اهـ.
وهذا الأصل قد اتفق الفقهاء على تقديمه على غيره؛ قال الإمام ابن جزي الغرناطي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 63): [يغسل الرجل الرجل وَالْمَرْأَة الْمَرْأَة اتِّفَاقًا] اهـ.
أما تغسيل المرأة لزوجها: فقد أجمع الفقهاء على جوازه؛ سواء دعت إليه ضرورة أم لا.
جاء في "الجامع لمسائل المدونة" (3/ 1014، ط. دار الفكر للطباعة): [أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات] اهـ.
وقال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (44/ 78، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات] اهـ.
واستدلوا على ذلك بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها: "لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنَ الْأَمْرِ مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَّا نِسَاؤُهُ" رواه الإمام الشافعي وأحمد والطيالسي وأبو يعلى في "المسند"، وأبو داود وابن ماجه في "السنن"، وابن الجارود في "المنتقى"، وصححه ابن حبان والحاكم.
واستدلوا أيضا أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه غسلته امرأته أسماء بن عُمَيْسٍ رضي الله عنهما، وأن أبا موسى الأشعري غسلته امرأته أم عبد الله رضي الله عنهما. قال الثوري: "تغسل المرأة زوجها؛ لأنها في عدة منه" أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة في "مصنفيهما".
نص الحنفية على جواز تغسيل الزوجة لزوجها ما دامت في العدة من وفاة الزوج، أو من الطلاق الرجعي، فإن كانت مطلقة طلاقًا بائنًا، ثم مات وهي في العدة: لم يجز لها غسله؛ لأن النكاح ارتفع بكونها مُبانةً منه؛ جاء في "تحفة الفقهاء" (1/ 240، ط. دار الكتب): [فأما إذا كانا زوجين فالزوجة المعتدة بسبب الموت يحل لها غسل الزوج بالإجماع] اهـ.
وسواء دخل الزوج بزوجته أم لا، فإنه يجوز للزوجة تغسيل زوجها بشرط: أن تكون الزوجية باقية عند الغسل؛ قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 188، ط. دار الكتاب الإسلامي): [الزوجة تغسل زوجها دخل بها أو لا، بشرط بقاء الزوجية عند الغسل، حتى لو كانت مبانة بالطلاق وهي في العدة] اهـ.
وهذا الجواز مقيد بكون الزوجية قائمة حتى الوفاة، أو كانت معتدة من طلاق رجعي، أو كان مظاهرًا لها بشرط عدم انقضاء عدتها؛ لبقاء النكاح ببقاء العدة.
قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 215، ط. المكتبة العصرية): [والمرأة تغسل زوجها ولو معتدة من رجعي أو ظهار منها في الأظهر، أو إيلاء؛ لحل مسه والنظر إليه ببقاء العدة] اهـ.
وعند المالكية يجوز للزوجة تغسيل زوجها مطلقًا؛ سواء كانت في الحضر، أو كانت على سفر، حتى مع وجود من يغسله من الرجال؛ قال الإمام ابن رشد القرطبي المالكي في "البيان والتحصيل" (2/ 262، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال ابن القاسم: والمرأة تغسل زوجها، والزوج يغسل امرأته في الحضر والسفر، وهو قياس قول مالك، وأما الحضر والإقامة فهو قول مالك، قال: تغسل المرأة زوجها، والزوج يغسل امرأته] اهـ.
وعند الشافعية تُغسل الزوجة زوجها؛ قال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 12، ط. دار الكتب): [وهي تغسل زوجها بالإجماع] اهـ.
وعند الحنابلة يجوز للمرأة أن تغسل زوجها، وهو المنصوص عليه؛ جاء في "مختصر الخرقي" (ص: 39، ط. دار الصحابة): [وتغسل المرأة زوجها] اهـ.
وجاء في "شرح الزركشي" (2/ 336، ط. دار العبيكان): [وتغسل المرأة زوجها: هذا هو المشهور المنصوص، الذي قطع به جمهور الأصحاب، وقد حكاه الإمام أحمد، وابن المنذر، وابن عبد البر إجماعًا] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنه يجوز للزوجة تغسيل زوجها؛ سواء وجد من يغسله أو لم يوجد، وذلك بإجماع الفقهاء، وسواء كان الوفاة بسبب وباء الكورونا أو بأي سبب آخر، مع التنبيه الأكيد على وجوب أخذ المُغَسل للتدابير والإجراءات الوقائية اللازمة؛ تحرزًا من عدوى الوباء؛ حفاظا على صحته وحياته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
كثير من العمال باليومية في المهن المختلفة تأثرت دخولهم وظروفهم المعيشية في ظل ظروف الخوف من تفشي مرض "كورونا"، فهل يجوز إخراج الزكاة لهؤلاء، واعتبارهم من مصارف الزكاة المعتبرة؟
ما حكم ترك رخصة الإفطار للمسافر في رمضان؟ وذلك بأن يتمّ صيامه؛ لعدم وجود تعبٍ. وعلى أيّ توقيت يفطر عند الوصول للبلد الْمُسافَر إليها؟
ما حكم إفطار الطاقم الطبي (الأطباء والممرضين) المباشر لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد؟
هل الجماعة شرط لصحة صلاة الجنازة؟ فنظرًا لما تمرُّ به البلاد من وباء كورونا المستجد، وما اتخذته الحكومات من إجراءات وقائية للحد من انتشار هذا الوباء من منع التجمُّعات، وإرجاء بعض العبادات كالجمعة والجماعة في المسجد ونحو ذلك، نجد أن صلاة الجنازة في هذه الآونة يحضرها بعض الأشخاص المحدودين؛ كأن يحضرها ثلاثة أو أكثر أو أقل، فهل يكفي ذلك في صحَّة صلاة الجنازة، أم أنه يشترط فيها حضور الأعداد الكثيرة كما تعودناه في صلوات الجنائز؟
ما حكم التسعير ومراقبة الأسواق؟ حيث ورد في الأحاديث حرمة التسعير، وأن الله تعالى هو المُسعِّر.
حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع الوباء حيث ورد سؤال يقول صاحبه: في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء.
لكن خرج بعضُ مدَّعي العلمِ على بعض المواقع زاعمًا أن التَّعبُّدَ بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التِّلاوة بدعة، وأن التبرُّك والتوسُّل به حرام، وأنه لا فرقَ في ذلك بين "صحيح البخاري" و"مسلم" مثلًا، وأنها مجرَّد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، وأنَّ توظيف "صحيح البخاري" للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمرٌ متكلَّف، وأنَّ من ضرورياتِ الدين أنَّ المقصودَ مِن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو العمل بِمَا فيهما مِن الأوامرِ والنَّواهي، والإيمان بِمَا فيهما مِن الأخبار، وليس المقصود مجرَّد تلاوتهما ألفاظًا وتعبُّدًا.. فبَيِّنوا لنا الصوابَ في ذلك مشكورين.
1- عادة إقراء "صحيح البخاري" عند النوازلِ من الكوارثِ والأوباء قديمة، جرت على لسان السراج البلقيني في اليقظة والمنام.
2- لعل أمر هذه الظاهرة يعودُ إلى أقدم من وباء الطاعون الذي عمَّ الدنيا سنة 749هـ، واشتهرت هذه الظاهرة عند قدوم تيمورلنك إلى بلاد المسلمين.
3- أشهر الإمام سراج الدين البلقيني العمل بها، ودوَّنتها كتب التراجم والتأريخ، ونقلنا ذلك عنه فيما مضى.
4- التحقيق أن هذا العمل ليس موصولًا بعصور السلف، وأنَّ شيوعَه وذيوعَه بحكم وقوعه ووجوده لا يعطيه الحجِّية، وأنه ما زال يحتاجُ للدليل، وأن مجرَّد رؤيةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُ به لا يكفي مُستَدلًّا؛ فالمنامات يُسْتَأنس بها وليست -عند أهل السنة والجماعة- حجةً وبرهانًا، وأن الاتِّكاء عليها مع ترْك الأخْذ بالأسباب بدعةٌ في الدين، ومضادَّة لمقاصدِ الشريعة الكلية، والله المستعان وهو الواقي والعاصم.