حكم صلاة الجمعة في مكان يفرض رسوما للدخول فيه

حكم صلاة الجمعة في مكان يفرض رسوما للدخول فيه

فتوى شرعية في حكم صلاة الجمعة في المسجد المقام بأرض المعرض. اطلعنا على الاستيفاء المتضمن: أن بداخل أرض المعرض الزراعي بمدينة القاهرة مسجدًا تقام فيه صلاة الجمعة، إلا أنه يشترط للدخول في المعرض دفع رسم مقرر بحيث لا يسمح بدخوله لمن لم يدفعه. فهل ذلك مخل بصحة صلاة الجمعة في هذا المسجد؟

أداء صلاة الجمعة في هذا المسجد جائز شرعًا؛ لعدم منع أحد ممن بداخل المعرض من الدخول فيه لأداء الجمعة، وكذا ممن هو خارج المعرض؛ لإمكانه الدخول بدفع الرسم المقرر الذي لم يشرط للدخول للصلاة بل للدخول في المعرض، على أنه يمكنه أداء الجمعة في مسجد آخر من المساجد التي تقام فيها الجمعة بالقاهرة، فلا تفوته بعدم الدخول إلى المعرض، وقد تقرر أن الجمعة إذا كانت تقام في مساجد متعددة بمصرٍ واحدٍ فلا ينبغي أن تكون محل نزاع.

التفاصيل ....

إن من شروط صحة الجمعة عند الحنفية: أن يقيمها السلطان أو من يأمره بإقامتها؛ لأنها لا تقام إلا بجمع عظيم، وقد تقع المنازعة بل المقاتلة بين الناس من أجل التقدم لإقامتها؛ لأنه يعد شرفًا ورفعةً، فيتسارع إليه كل من مالت همته إلى الرياسة، فيقع التجاذب والتنازع، وقد يؤدي إلى التقاتل، وفيه ما فيه من الفتنة والفوضى والإفضاء إلى تفويتها، ولا سبيل إلى حسم ذلك إلا بأن يكون التقدم إليها بأمر السلطان الذي تعتقد طاعته وتخشى عقوبته، فكان هذا شرطًا لا بد منه؛ تتميمًا لأمر هذا الفرض، وإليه ذهب الحسن البصري والأوزاعي وحبيب بن أبي ثابت، وجرى عليه العمل في الديار المصرية منذ قرون إلى الآن.

وذهب الأئمة الثلاثة إلى عدم اشتراطه؛ كما نقله ابن قدامة في "المغني"، ولما كان اشتراط إقامتها بالسلطان أو نائبه إنما هو للتحرز عن تفويتها، وهذا لا يحصل إلا بالإذن العام؛ شرط الحنفية لصحتها الإذن العام من مقيمها، وهو أن يأذن للناس إذنا عامًّا بدخول الموضع الذي تُصلَّي فيه بحيث لا يمنع أحد من دخوله ممن تصح منه الجمعة؛ ولذا قالوا: لو أغلق الإمام باب قصره وصلى بأصحابه الجمعة لم يجز؛ لأنها من شعائر الإسلام وخصائص الدين؛ فتجب إقامتها على سبيل الاشتهار ليجتمع الناس لها ولا تفوت على أحد؛ قال في "الكافي": [والإذن العام وهو أن تفتح أبواب الجامع ويؤذن للناس، حتى لو اجتمعت جماعة في الجامع وأغلقوا الأبواب وجمعوا لم يجز، وكذا السلطان إذا أراد أن يصلي بحشمه في داره؛ فإن فتح بابها وأذن للناس إذنًا عامًّا جازت صلاته؛ شهدتها العامة أو لا، وإن لم يفتح أبواب داره وأغلقها وأجلس البوابين ليمنعوا الناس من الدخول لم يجز؛ لأن اشتراط السلطان للتحرز عن تفويتها، وهذا لا يحصل إلا بالإذن العام] اهـ -بواسطة: "رد المحتار" (2/ 152)-.

قال العلامة ابن عابدين -في حاشيته "رد المحتار" (2/ 152)-: [وينبغي أن يكون محل النزاع ما إذا كانت لا تقام إلا في محل واحد، أما لو تعددت فلا؛ لأنه لا يتحقق التفويت كما أفاده التعليل] اهـ. وهو -أي التعليل- قوله: [لأن اشتراط السلطان.. إلخ. وهذا الشرط لم يشترطه الأئمة الثلاثة، ولم يذكر في كتب ظاهر الرواية عند الحنفية، وإنما ذكر في كثير من معتبرات كتبهم كـ"الكنز" و"الوقاية" و"الملتقى"، وعلله في "البدائع" بأن الله تعالى شرع النداء لصلاة الجمعة بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9]، والنداء للاشتهار وكذا تسمى جمعة؛ لاجتماع الجماعات فيها، فاقتضى أن تكون الجماعات كلها مأذونين بالحضور؛ تحقيقا لمعنى الاسم] اهـ ملخصًا من "رد المحتار" (2/ 151).

ومن هذا: يعلم أن أداء صلاة الجمعة في هذا المسجد جائز على جميع المذاهب الأربعة، أمَّا على المذاهب الثلاثة فظاهر؛ لعدم اشتراط الإذن العام، وأما على مذهب الحنفية؛ فلأن الإذن العام متحقق فيه؛ لعدم منع أحد ممن بداخل المعرض من الدخول فيه لأداء الجمعة، وكذا ممن هو خارج المعرض؛ لإمكانه الدخول بدفع الرسم المقرر الذي لم يشرط للدخول للصلاة بل للدخول في المعرض، وهو بمثابة غلق باب القلعة التي بداخلها المسجد لعادة قديمة؛ كما ذكر في "شرح الدر"، على أنه يمكنه أداء الجمعة في مسجد آخر من المساجد التي تقام فيها الجمعة بالقاهرة؛ فلا تفوته بعدم الدخول إلى المعرض، وقد علمت مما حرره ابن عابدين أن الجمعة إذا كانت تقام في مساجد متعددة بمصر لا ينبغي أن تكون محل نزاع.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا