هل الدعوة لتنظيم الأسرة تتعارض مع دعوة الشرع بالتكاثر في الأولاد؟
لا تتعارض الدعوة إلى تنظيم النسل -تنظيم الأسرة- مع دعوة الشرع إلى التكاثر؛ فالمقصود من التكاثر في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»: الكَثْرة المؤمنة الصالحة القوية المنتجة المتقدمة، ويُعَدُّ تنظيمُ النسل وسيلةً لإخراج أجيال قوية، تأخذ حقها في الرعاية المتكاملة، وتنال الاهتمام الكافي؛ لتكون أجيالًا صالحة ومنتجة ومتقدمة في كل مناحي الحياة، فتنفع نفسها وغيرها.
المحتويات
المراد بـ"تنظيم النسل"، أو ما يُعْرَف بـ "تنظيم الأسرة" -كما تُعَرِّفه منظمة الصحة العالمية-: أن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل التي يريانها كفيلة بتباعد فترات الحمل، أو بإيقافه لمدة معينة من الزمن يتفقان عليها فيما بينهما؛ لتقليل عدد الأسرة بصورة تجعل الأبوين يستطيعان القيام على رعاية الأبناء رعايةً متكاملةً من غير خَلَلٍ.
هذا المعنى المراد من تنظيم الأسرة أمرٌ جائزٌ لا تَأباه نصوص الشرع، ما دام هناك أسباب معتبرة شرعًا تدعو إلى تأخير الإنجاب مؤقتًا، وبشرط موافقة الزوجين عليه؛ وذلك بالقياس على جواز "العزل" -وهو عدم إنزال الرجل المني أثناء الجماع داخل رَحِم زوجته حتى لا تَحْمَل-، وبشرط أن لا يترتب على هذا التأخير ضررٌ؛ فالعاقل مَن يجعل النظام شعارًا له في كل شيء؛ لأن النظام ما وُجِد في شيء إلا زانه؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21].
وقد جمع العلماء النيات التي تستدعي "العزل"، وجعلوا منها: الخوف من كثرة الأولاد والوقوع في الحرج بسببهم؛ وقد بَيَّن ذلك الإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" (2/ 52، ط. دار المعرفة–بيروت): فقال: [النيات الباعثة على العزل خمس: .. الثالثة: الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد، والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكَسْب ودخول مداخل السوء، وهذا أيضًا غير منهيّ عنه؛ فإنَّ قِلة الحرج معين على الدين، نعم؛ الكمال والفضل في التوكّل والثقة بضمان الله حيث قال: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: 6]، ولا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك الأفضل، ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مناقضًا للتوكل لا نقول إنه منهيٌّ عنه] اهـ.
و"العَزْل" قام به عدد من الصحابة رضوان الله عليهم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يُؤثَر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم النهي عنه؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِىَّ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
فلو كان العَزْلُ حرامًا لنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن فعله؛ قال الإمام ابن حَجَر العَسْقلاني في "فتح الباري" (9/ 306، ط. دار المعرفة-بيروت): [فكأنه يقول: فعلناه في زمن التشريع، ولو كان حرامًا لم نقرّ عليه] اهـ.
جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية على جواز العزل بإذن الزوجة ورضاها، وهو رأيٌ عند الشافعية أيضًا، وهو جائز للحاجة عند الحنابلة.
يقول الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 334، ط. دار الكتب العلمية): [وإن كان العزل برضاها لا يكره؛ لأنها رضيت بفوات حقها] اهـ.
ويقول الإمام ابن عبد البر القرطبي المالكي في "الكافي في فقه أهل المدينة" (2/ 563، ط. مكتبة الرياض الحديثة-الرياض): [وليس له أن يعزل عن المرأة إلا بإذنها] اهـ.
ويقول الشيخ سليمان الجَمَل الشافعي في "حاشية الجمل على شرح المنهج" (4/ 447، ط. دار الفكر): [ويحرم ما يقطع الـحَبَل من أصله. أما ما يبطئ الـحَبَل مدة ولا يقطعه من أصله فلا يحرم كما هو ظاهر، بل إن كان لعذر؛ كتربية ولد لم يكره أيضًا] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "المغني" (7/ 298، ط. مكتبة القاهرة): [ولأن لها في الولد حقًا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجزْ إلا بإذنها] اهـ.
وأجاز الحنفية للزوج أن يعزل عن الزوجة ولو بغير رضاها كلما خاف الولد السوء؛ قال الإمام ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (3/ 176، ط. دار الفكر-بيروت): [إن خاف من الولد السوء في الحرة يسعه العزل بغير رضاها لفساد الزمان، فليعتبر مثله من الأعذار مسقطًا لإذنها] اهـ.
وبعد هذا التفصيل يتبين لنا أنه لا تتعارض الدعوة إلى تنظيم النسل مع دعوة الشرع إلى التكاثر، بل يُعدُّ التنظيم وسيلة لإخراج أجيال تأخذ حقها في الرعاية المتكاملة، وتنال الاهتمام الكافي؛ مما يؤهلهم إلى تَحمُّل المسؤولية؛ فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ» رواه أبو داود. المقصود به: الكَثْرة المؤمنة الصالحة القوية المنتجة المتقدمة؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يباهي بكثرة ضعيفة متخلفة في مناحي الحياة المختلفة؛ لأنها إن خرجت عن ذلك فكانت كثرة ضعيفة لا قيمة لها ولا نفع، فتصبح تلك الكثرة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُنْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ» رواه أحمد؛ أي كثرة ضعيفة لا قيمة لها، لا تضرُّ عدوًا ولا تنفع صديقًا.
وقد جاء في كتاب "نظرة الإسلام إلى تنظيم النسل" لمحمد سلام مدكور (ص: 66-67، ط. دار النهضة العربية): [الكثرة منشودة لذاتها أم لما يترتب عليها من صالح الأسرة ومصلحة المجتمع والشعب؟ فالتناسل متحققٌ مع التقليل منه، والكثرة مطلوبة إذا اقتضتها مصلحة، وأمكن التحكم في توجيهها توجيهًا نافعًا، والقيام بأعبائها دون حرج ولا ضيق، والقليل النافع خير من الكثرة المهملة التي تترك دون تقويم وإعداد] اهـ.
بناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنَّ تنظيم النسل أمرٌ جائزٌ شرعًا بشرط موافقة الزوجين عليه؛ قياسًا على جواز العزل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يتعارض ذلك مع دعوة الإسلام إلى التكاثر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما الحكم في تعيين المرأة في وظيفة مأذون، وذلك من الناحية الشرعية؟
ما حكم الشرع في زوجة تركت أولادها الصغار منذ عام 1985م فلم ترعهم، ورفضت الحضور لاستلامهم أو رؤيتهم؟
سائل يسأل عن حكم الشبكة عند وفاة الخاطب؟ وهل هي من حق المخطوبة أو تُردُّ إلى أهل ورثة الخاطب؟
سأل في صديق له تزوج وأنجب أولادًا، ثم أصيب بارتخاء أحرجه أمام زوجته، وهداه تفكيره السقيم إلى إيقاظ دوافعه الجنسية بالاحتكاك بدبر زوجته، ولكنه وقع من حيث لا يشعر في المحظور؛ إذ إنه كان أحيانًا قليلة يأتي امرأته في دبرها.
وطلب السائل الإفادة عما إذا كان إتيان صديقه زوجته في دبرها يحرمها عليه أو لا، علمًا أنه ندم على ما فعل، واستغفر وعزم مصمِّمًا على عدم العودة إلى ذلك مستقبلًا.
سائل يسأل فيقول: قدَّم رجل لخطيبته مهرًا، ولكن لم يتم العقد، فلما طالبهم به أبَوْا إلا أن يعطوه نصفه فقط؛ متعلّلين بأنّ هذا هو الشرع، فهل هذا صحيح؟ نرجو منكم بيان الأمر.
ما حكم الجمع بين المرأة وبنت أخيها؛ حيث يوجد رجل متزوج بامرأة، ويريد أن يتزوج عليها بنت أخيها، فهل يجوز الجمع بينهما، أم ما الحكم؟ أفيدوا الجواب ولكم الثواب.