سائل يقول: ورد في نصوص الشرع الحث على إقراض الآخرين قرضًا حسنًا من باب التعاون على البر والتقوى. فما المقصود بالقرض الحسن؟ وما هو ضابطه؟ وما كيفية سداده؟
المحتويات
القرضُ الحسنُ: هو ما يُعطيهِ الشخصُ المُقرِضُ مِنَ المالِ ونحوِهِ قُرْبةً وإرْفَاقًا للشَّخصِ المقترِضِ دونَ اشتراطِ زيادة، لِيَرُدَّ إليْهِ مِثلهُ؛ وقد عبَّر عن حقيقته الإمام الطاهر ابن عاشور بقوله في "التحرير والتنوير" (27/ 377، ط. الدار التونسية): [القرض الحسن: هو القرض المُسْتَكْمِلُ محاسِنَ نَوْعِهِ من كَوْنِهِ عن طِيب نفسٍ وبشاشةٍ في وجه الْمُسْتَقْرِضِ، وخُلُوٍّ عن كل ما يُعَرِّضُ بالْمِنَّةِ أو بتضييق أجل القضاء] اهـ.
وإقراض المحتاج رفقًا به وإحسانًا إليه دون نفعٍ يبتغيه أو مقابلٍ يعود عليه هو من قبيل تنفيس الكربات التي يضاعف الله بها الأجر والثواب؛ مصداقًا لقول المولى تبارك وتعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11].
إذا كان الشرعُ الشريفُ قد رغَّبَ في القَرْضِ الحَسَنِ وأجزل الثواب للمُقْرِضِ، وحثَّ على قضاء حوائج الناس وتفريج كروبهم، فإنَّه أيضًا قد نهى عن استغلال حوائج الناس وإيقاعهم في الحرج الذي يدفعهم لارتكاب المحظور؛ لذا كان الأصل في القرض ألَّا يَجُرَّ للمقرِض نفعًا، وأن يكون غير مشروط بزيادةٍ على أصله، وأن يكون على سبيل الترفُّق لا التربُّح؛ لأنَّه من عقود التبرعات لا المعاوضات. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (7/ 395، ط. دار الكتب العلمية)، و"الكافي" للحافظ ابن عبد البر المالكي (2/ 728، ط. مكتبة الرياض الحديثة)، و"المجموع" للإمام النووي (13/ 170، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (4/ 240، ط. مكتبة القاهرة).
الأصل أن يتم سداد القرض بمثله؛ فإنه من المقرر شرعًا وفاء القرض بمثلهِ قدرًا وصفةً بالنسبة للنقود الورقية، لأنها من الأموال المثلية، وتُرد بمثلها طالما لم ينقطع التعامل بها، ولا أثر لغلائها أو رخصها في سداد القرض ما دامت صالحة للتعامل ولم يحصل لها انهيار في القيمة.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (7/ 395) في شرائط القرض: [أن يكون مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة، فلا يجوز قرض ما لا مثل له من المذروعات، والمعدودات المتقاربة؛ لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين ولا إلى إيجاب رد القيمة؛ لأنه يؤدي إلى المنازعة لاختلاف القيمة باختلاف تقويم المقومين؛ فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل؛ فيختص جوازه بما له مثل] اهـ.
وقال العلامة علي أبو الحسن المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (2/ 162، ط. دار الفكر): [(وإن كان) مثليًا (مما يوزن أو يكال) أو يعد (فليرد مثله..)] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (3/ 33، ط. دار الكتب العلمية): [(ويرد) في القرض (المثل في المثلي)؛ لأنه أقرب إلى حقِّه] اهـ.
وقال الإمام الرُّحَيْبَانِي الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (3/ 242- 243، ط. المكتب الإسلامي): [(ويجب) على مقترض (رد مثل فلوس) اقترضها، ولم تحرم المعاملة بها.. قَالَ الْمُوَفَّقُ: إذا زادت قيمة الفلوس أو نقصت؛ رد مثلها؛ كما لو اقترض عرْضًا مثليًّا؛ كبُرٍّ وشعير وحديد ونحاس، فإنه يرد مثله وإن غلا أو رخص؛ لأن غلو قيمته أو نقصانها لا يسقط المثل عن ذمة المستقرض] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما كيفية رد الدين إذا كان ذهبا؟ لأن زوجتي لها عند والدها ووالدتها ذهبًا منذ عدة سنوات، وقد وعد الأب والأم بردّه أكثر من مرة ولم يَرُدَّاه حتى الآن. ما حكم الشرع في ذلك؟
ما هو حق الزوجة في هدايا لم تستلمها من زوجها قبل وفاته؛ فقد أرسل زوج ابنتي إليها مالًا لمصاريفها، وأرسلَ لأخيه مبلغًا؛ لبناء شقة له في أرض أخيه، وقد أعلم زوجته تليفونيًّا قبل وفاته أنه أحضر لها هدايا ذهبية وغيرها وأنه سيُقدّمها هدية لها عند العودة إلى مصر؛ إلَّا أنه مات وترك الهدايا عند أهله بالسعودية، ولمَّا عاد والداه من السعودية طالَبَ ابنتي بما قدَّمه لها زوجها المتوفى من المصاريف، وقد عَلِمت منهما أن عليه دينًا بالسعودية وطلَبَ منها المساهمة في هذا الدين بقدر ما يخصّها فيه؛ فهل يحقّ لهم المطالبة بذلك؟ وما مقدار نصيب ابنتي من المبلغ الذي أعطاه المُتَوفَّى لأخيه لبناء الشقة؟ وهل لها الحقّ فيما اشتراه لها زوجُها المُتوفَّى من الهدايا والحلي، وكذلك مؤخر الصداق؟ وهل عليها أن تساهم في الدين الذي على زوجها بالسعودية؟
هل مؤخر الصداق يعتبر دَينا يخرج من تركة الميت؟ وكان زوجي قد أخذ مني ذهبًا كقرض، فما حكمه؟
السلام عليكم، زوجي ضَمِنَ أخي في شراء سيارة عندما كنّا في إحدى دول الخليج، وتوفي زوجي في فترة الغزو، وفوجئنا بالبنك يطلب زوجي لتسديد دين أخي، وعندما عرفوا أنه توفي طالبوا أخي، وعندما أبلغناه قال: إن الحكومة عفت عن الديون لأهل هذه الدولة، وأكيد عَفَوَا عني.
ورجع إلى هذه الدولة مرة أخرى وعمل بها عدة سنوات ولم يسدد الدين، وعرف أخيرًا بعد إلحاحي لسؤاله عن: هل سقط الدين عليه أم لا؟ فعرف أن الدين لم يسقط عنه، وأخي عنده الآن ما يضمن سداد الدين ولكنه يدر عليه دخلًا للإنفاق على أسرته، وأنا أرملة لا أعمل الآن ولي خمسة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، ولي بنات أريد زواجهن.
فهل أنا وأبنائي مجبرون على سداد دين أخي لأن زوجي ضامن؟ مع العلم بأن أخي اعترف بالدين وأبرأ زوجي منه وسيحاول سداده فيما بعد، وأنا أعرف أن المتوفى لا يبرأ إلا بعد سداد الدين، وهذا ليس عليه ولكن على أخي وهو معترف به وأبرأ زوجي منه.
فرجائي أن تخبرني برأي الدين هل الدَّين ما زال على زوجي -ورثته- أم على أخي؟ وفقكم الله.
ما حكم سداد دين الغير بالخطأ؟ فقد سئل في رجل دفع لآخر مبلغًا معلومًا من الجنيهات؛ ظنًّا منه أنه دين على ابنه للمدفوع إليه واجب عليه، دفعه عنه لكونه في معيشته، والحال أنه ليس عليه ولا على ابنه شيء للمدفوع إليه بوجه من الوجوه الشرعية، فهل يكون لهذا الدافع الرجوع بما دفعه على المدفوع إليه، أم كيف الحال؟ أفيدوا الجواب.
يدرس السائل ويعمل حاليًّا في كندا وأمريكا، وكان قد استدان من شقيقه مبلغًا من المال لسداد نفقات الدراسة واتفق معه على إعطائه نسبة الأرباح التي كان يأخذها على هذا المبلغ من البنك. وقد قام والحمد لله بسداد المبلغ لأصل الدين كالآتي: 76% من أصل الدين قبل انقضاء أربعة أشهر من استلامه للسلفة. 24% بعد 11 شهرًا من استلامه للسلفة. كما أرسلت إليه مبلغًا آخر، وهو حاليًّا يطالبني بأرباح هذا المبلغ. علمًا بأنني استلفت المبلغ لسداد نفقات الدراسة ولم أستلفه لا في المرابحة ولا في الاستثمار. ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي.