حكم التقدم على الإمام الراتب في المسجد للصلاة

تاريخ الفتوى: 04 أكتوبر 2023 م
رقم الفتوى: 7976
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم التقدم على الإمام الراتب في المسجد للصلاة

هل يجوز لأحد المصلين التَّقدُّم على الإمام الراتب في المسجد إن كان الـمُتقدِّم أفقه وأعلم منه؟

حقَّ الإمام الراتب في إقامة الجماعة محفوظ ولو غائبًا، ولم يُرخِّص الفقهاء لغيره -وإن كان أفقه وأعلم منه- في إقامة الجماعة في غيبته إلا لعذرٍ، كاليأس من حضوره، وخوف فوات الوقت ونحو ذلك، لا سيما وأن تنصيب الأشخاص للإمامة في عصرنا يتم وفق إجراءات تراعي صلاحيته لهذا المنصب الشريف، فقهًا وعلمًا وقراءةً وأداءً وهيئةً، إضافة إلى أنَّ التَّقدُّم على الإمام دون إذنه يكون فيه افتئات على ولي الأمر، ومِن ثَمَّ فلا يجوز أن يتقدَّمه أحد إلَّا بإذنه.

المحتويات

 

فضل صلاة الجماعة

الصلاة هي عمود الدِّين، كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ» رواه الترمذي في "سننه".

وقد حَثَّنا الشرع الحنيف على أداء الصلاة المفروضة في جماعةٍ، ووعدنا على ذلك الأجر العظيم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» متفقٌ عليه.

وفي الحديث الذي رواه البخاري في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».

بيان المقصود بالإمام الراتب

الإمام الراتب: هو الذي رَتَّبه -أي: وظَّفه- ولي الأمر أو مَن ينيبه للإمامة بمحلٍّ مُعدٍّ لصلاة الجماعة، مسجدًا كان أو غيره في الصلوات الخمس أو بعضها، كما أفاده العلامة عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 356، ط. دار الفكر).

حكم التقدم على الإمام الراتب في المسجد للصلاة

قد اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أَنَّ الإمام الراتب هو الأحقُّ بالإمامة من غيره، وإن كان هذا الغير أعلم وأفقه منه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ ولا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح" عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» أخرجه أصحاب "السنن" واللفظ للترمذي.

فالحديث نَصٌّ على أحقِّيَّة الإمام الراتب بالإمامة، فإمام المسجد ذو سلطان في مسجده الذي نُصِّب للإمامة فيه، فلا يجوز أن يتقدَّمه أحد إلَّا بإذنه، وهو فيه بمنزلة صاحب البيت بل هو أحق بها؛ ولأنَّ تقدم غيره عليه دون إذنه يؤدي إلى التشويش والتنفير عنه، وترك تأليف القلوب المجتمعة عليه، ويبطل فائدة اختصاصه بالتقدم.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 173، ط. دار إحياء التراث العربي): [صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره، وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه، وصاحب المكان أحق، فإن شاء تقدم وإن شاء قدم مَن يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولًا بالنسبة إلى باقي الحاضرين؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء] اهـ.

وقال الإمام الحصفكي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 557، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية ابن عابدين"): [(والأحق بالإمامة) تقديمًا بل نصبًا "مجمع الأنهر" (الأعلم بأحكام الصلاة) فقط صحة وفسادًا، بشرط اجتنابه للفواحش الظاهرة] اهـ.

قال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: تقديمًا) أي: على مَن حضر معه (قوله: بل نصبًا) أي: للإمام الراتب، (قوله: بأحكام الصلاة فقط) أي: وإن كان غير متبحر في بقية العلوم، وهو أولى من المتبحر، كذا في "زاد الفقير" عن "شرح الإرشاد"] اهـ.

وقال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 382، ط. دار الفكر): [(ونُدِب) بضم فكسر نائب فاعله (تقديم سلطان) أي: ذي سلطنة وإمارة، سواء كان الإمام الأعظم أو نائبه للصلاة إمامًا على الحاضرين معه الصالحين للإمامة. ولو كانوا أفقه وأفضل منه، أو رب منزل أو راتب مسجد، والندب لا ينافي القضاء عند المشاحة، (ثم) إن لم يكن فيهم سلطان ندب تقديم (رب) أي: مالك (منزل) أو راتب مسجد مثلًا، وإن كان غيره أفقه وأفضل منه] اهـ.

وجاء في "حاشية قليوبي على شرح المحلي على المنهاج" (1/ 271-272، ط. دار الفكر): [(والإمام الراتب.. إلخ) أي: أن الإمام الراتب يقدم على غير الوالي، ويقدم الوالي عليه إلَّا إن كان قد رتبه الإمام الأعظم، فيقدم على الوالي أيضًا. وهذا في مسجد غير مطروق بأن لا يصلي فيه في كلِّ وقت إلَّا جماعة واحدة ثم يقفل.. وإلا فالراتب كغيره] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 151، ط. مكتبة القاهرة): [وإمام المسجد الراتب أولى من غيره؛ لأنه في معنى صاحب البيت والسلطان] اهـ.

وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى كراهة التقدم على الإمام الراتب:

قال الإمام الحصفكي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 559): [ولو قدموا غير الأولى أساؤوا بلا إثم. (و) اعلم أن (صاحب البيت) ومثله إمام المسجد الراتب (أولى بالإمامة من غيره) مطلقًا، (إلا أن يكون معه سلطان أو قاض فيقدم عليه)؛ لعموم ولايتهما، وصرح الحدادي بتقديم الوالي على الراتب (والمستعير والمستأجر أحق من المالك)؛ لما مر] اهـ.

قال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: أساؤوا بلا إثم) قال في "التتارخانية": ولو أنًّ رجلين في الفقه والصلاح سواء إلا أن أحدهما أقرأ، فقدم القوم الآخر فقد أساؤوا وتركوا السُّنَّة ولكن لا يأثمون؛ لأنهم قدموا رجلًا صالحًا، وكذا الحكم في الإمارة والحكومة، أما الخلافة وهي الإمامة الكبرى، فلا يجوز أن يتركوا الأفضل، وعليه إجماع الأمة. اهـ فافهم] اهـ.

وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 255، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال في "الكتاب": صاحب المنزل أولى ممَّن حضره، قال صاحب "الطراز": وكذلك تُمنع الإمامة في مسجد الإمام الراتب إلا بإذنه] اهـ.

وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 489، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره أن تقام جماعة في مسجد بغير إذن إمامه الراتب قبله أو بعده أو معه خوف الفتنة إلا إن كان المسجد مطروقًا، فلا يكره إقامتها فيه، وكذا لو لم يكن مطروقًا وليس له إمام راتب، أو له راتب وأذن في إقامتها، أو لم يأذن وضاق المسجد عن الجميع، ومحل الكراهة إذا لم يخف فوات أول الوقت] اهـ. بينما ذهب الحنابلة في المعتمد إلى أنَّه تَحْرُم إمامة المصلين بغير الإمام الراتب إلَّا بإذنه، فإن تَقدَّم أحدٌ على الإمام الراتب لا تصح الصلاة، ويرى بعضهم أنَّ الصلاة والحال هذه تصح مع الكراهة.

قال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 555-556، ط. دار الكتب العلمية): [(ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه)؛ لأنه بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَؤُمَّنَّ الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه»؛ ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه وتبطل فائدة اختصاصه بالتقدم، ومع الإذن له هو نائب عنه.. (فإن فعل) أي: أمَّ في المسجد قبل إمامه الراتب بلا إذنه (لم تصح في ظاهر كلامهم) قاله في "الفروع" و"المبدع"، ومعناه في "التنقيح"، وقطع به في "المنتهى"، وقَدَّم في "الرعاية": تصح مع الكراهة] اهـ.

الخلاصة

بناء عليه: فإن حقَّ الإمام الراتب محفوظ ولو غائبًا، ولم يُرخِّص الفقهاء لغيره -وإن كان أفقه وأعلم منه- في إقامة الجماعة في غيبته إلا لعذرٍ، كاليأس من حضوره، وخوف فوات الوقت ونحو ذلك، لا سيما وأن تنصيب الأشخاص للإمامة في عصرنا يتم وفق إجراءات تراعي صلاحيته لهذا المنصب الشريف، فقهًا وعلمًا وقراءةً وأداءً وهيئةً، إضافة إلى أنَّ التَّقدُّم على الإمام دون إذنه يكون فيه افتئات على ولي الأمر، ومِن ثَمَّ فلا يجوز أن يتقدَّمه أحد إلَّا بإذنه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يقول السائل: أحرص دائمًا على تأخير صلاة العشاء إلى منتصف الليل؛ حتى أصليها مع زوجتي في جماعة، ونصلي ما شاء الله لنا من قيام الليل، فما حكم تأخير صلاة العشاء حتى منتصف الليل؟


هل تجزئ الصلاة المكتوبة عن ركعتي الطواف؟ بحيث إنه بعد الانتهاء من الطواف أقيمت الصلاة المكتوبة فصلَّاها من قام بالطواف؛ فهل يلزمه أن يصلي ركعتين مخصوصتين للطواف أو أن الصلاة المكتوبة التي صلَّاها تكفيه عن هاتين الركعتين؟

 


ما حكم إمامة الفاسق في الصلاة؟ حيث يوجد بالقرية شاب متدين يصلي الأوقات بالمسجد إمامًا وسيرته حسنة غير أنه يعمل في مجال السياحة على توريد ما يدخل البار من مشروبات من خمورٍ وما شابه ذلك، وبعض الناس معترض وغير موافق على صلاته إمامًا، ولا يوجد بالمكان من هو أفضل منه. فهل يجوز أن يصلي إمامًا بالمسجد بالقرية؟


بعض المساجد يؤذن فيها أذان واحد يوم الجمعة عقب صعود الخطيب المنبر، وبعضها الآخر يؤذن فيها أذانان قبل صعود الخطيب وعقب صعوده، فأيهما أصحُّ وأولى بالاتباع؟


هل يجوز وضع سماعات كبيرة على مسجد ورفع الصوت أثناء الصلوات الجهرية والدروس بشكل دوري يسمعه سكان الحي؟ بناءً على أن ذلك دعوة إلى الخير وإسماع لكلام الله تعالى حتى للناس في بيوتهم، علما بأن في الحي مساجد أخرى يصل إلى المصلين فيها صوت هذا المسجد، وهل يمكن الاستدلال على ذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أَذِن الله لشيءٍ ما أَذِن لنبيٍّ يَتَغَنّى بالقرآنِ يَجهَرُ به» رواه مسلم؟


ما حكم صلاة الإمام والمأمومين إذا كان الإمام دائم الحركة يمينًا وشمالًا؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31