هل يجوز لمن وجبت الزكاةُ في ماله أن يخرِجَها مقسطةً في صورة دفعات شهرية على مدار العام إلى مَنْ يعرف أنهم يستحقونها لسدِّ حاجتهم شهرًا بشهر؟
يجوز شرعًا إخراج الزكاة مقسطةً على مدار العام بعد مرور الحول الذي وجبت بمروره الزكاة إلى من يعرفهم من مستحقيها الذين يحتاجون إليها في سد احتياجاتهم شهرًا بشهر، مع مراعاة عدم بلوغ الحول التالي إلا وقد أخرجها كلَّها، ولا يعد هذا من تأخير إخراج الزكاة عن موعدها كما نص عليه جماعة من الفقهاء.
المحتويات
شرع الله تعالى الزكاة فجعل لها مقاصد وأسبابًا وشروطًا، ومِن مقاصد الزكاة: التعاون والتكافل في المجتمع بسدِّ حاجة المستحقين لها ومواساتهم، وإغناؤهم عن السؤال، ومِن أسبابها: ملك النصاب، وقابليته للنماء، وكونه فائضًا عن الحوائج الأصلية، ومن شروطها: الوقت؛ وهو مرور الحول.
ومتى بلغ المال النصاب -وهو ما يساوي 85 جرامًا من الذهب عيار 21- وكان فائضًا عن حاجة صاحبه الأصلية، ثم حال عليه الحول: فإنه يجب إخراج الزكاة إلى مستحقيها على الفور، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء؛ من الحنفية في المختار عندهم والمالكية والشافعية والحنابلة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي في "السنن"، والبزار في "المسند".
قال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 250، ط. الأميرية): [والوجه المختار: أن الأمر بالصرف إلى الفقير معه قرينة الفور؛ وهي أنه لدفع حاجته وهي معجلة، فمتى لم تجب على الفور لم يحصل المقصود من الإيجاب على وجه التمام] اهـ.
وقال العلامة الزرقاني المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 324، ط. دار الكتب العلمية): [تفرقتها على الفور بموضع الوجوب] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 223، ط. المكتب الإسلامي): [إذا تمَّ حول المال الذي يشترط في زكاته الحول وتمكن من الأداء؛ وجب على الفور] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 510، ط. مكتبة القاهرة): [وتجب الزكاة على الفور؛ فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضررًا] اهـ.
من المقرر أن قوامَ الشريعة وعمادها تحقيقُ مصالح العباد عاجلها وآجلها، وأن التماس ذلك في إقامة أحكامها هو قدرٌ زائدٌ مستحسَنٌ شرعًا على مجرد الامتثال للأمر بها.
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 64، ط. دار الكتب المصرية): [ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم في "مدارج السالكين" (1/ 151، ط. دار الكتاب العربي): [فإن للحُكمِ في كُلِّ مسألة مِنْ مَسَائل العلم مُناديًا ينادي للإيمان بها علمًا وعملًا، فيقصد إجابة داعيها، ولكن مراده بداعي الُحكِم: الأسرار والحِكَم الداعية إلى شرع الحُكْم، فإجابتها قدرٌ زائدٌ على مجرد الامتثال] اهـ.
ومقصد سد خلة الفقير وحاجته الذي هو من أَجَلِّ مقاصد الزكاة وأسماها متفاوِتٌ في تحقيقه بتفاوُتِ حاجات الفقراء تبعًا لاختلاف أحوالهم وأنماط معيشتهم وتنوع التزاماتهم؛ فمنهم من تسدّ حاجته إذا ما دفعت إليه الزكاة جملة واحدة، ومنهم من لا تسدّ حاجته إلا إذا دفعت إليه مقسطة شيئًا فشيئًا على مدار الحول.
قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 3، ط. دار الكتب العلمية): [أداء الزكاة من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروض] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 330، ط. دار الفكر): [المعتمد: أن مقصود الزكاة سدُّ خلة الفقير من مال الأغنياء شكرًا لله تعالى وتطهيرًا للمال] اهـ.
قد توسع جماعة من الفقهاء في بيان ما يقتضيه معنى الفورية في إخراج الزكاة، وأنها تتَّسعُ لتشمل الوقت من حين وجوب الزكاة بمرور الحول إلى ما قبل مرور حولٍ ثانٍ؛ منهم: الإمامان الكرخي ومحمد بن الحسن من كبار فقهاء الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد في المنصوص عليه عند الحنابلة، وهو المختار للفتوى؛ لما فيه من تحقيق المقصود الأعظم من الزكاة الذي هو كفاية المستحق لها وإغناؤه عن السؤال على مدار العام كلِّه، ومثاله: أن يتعيَّن المستحق للزكاة مع كونه ممن لا يحسن تدبير المال إذا دفعت إليه جملة واحدة، أو أن يكون ممن تتجدَّد حاجته إلى الزكاة بصفة شهرية لتوفير الدواء أو إيجار المسكن، وبحيث لو دُفِعَت إليه جملة واحدة أسرَفَ فيها وأَضَرَّ بمصلحته ومصلحة مَنْ يعول في الأجل القريب؛ فيكون إخراجُ الزكاة مقسطة إليه على مدار الحول بحسب احتياجاته محققًا لمقصدها من كفايته وسد حاجته على مدار العام.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 3): [وأما كيفية فرضيتها؛ فقد اختلف فيها: ذكر الكرخي أنها على الفور، وذكر في "المنتقى" ما يدل عليه؛ فإنه قال: "إذا لم يُؤَدِّ الزكاةَ حتى مَضَى حَوْلَانِ فقد أساءَ وأَثِمَ ولم يَحِلَّ له ما صَنَع"] اهـ.
وقال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (3/ 294، ط. دار الكتب العلمية): [في "المنتقى" عن محمد رَحِمَهُ اللهُ: إذا كان له مائتا درهم فحال عليها حولان ولم يزك فقد أساء؛ لا يحلّ له ما صنع] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (4/ 244، ط. مؤسسة الرسالة): [له أن يعطي قريبَهُ كلَّ شهرٍ شيئًا، وعنه: لا، وحمل أبو بكرٍ الأولى على تعجيلها؛ قال صاحب "المحرر": وهو خلاف الظاهر، وأطلق القاضي وابنُ عقيلٍ الروايتين] اهـ.
بناءً على ذلك: فإن رعايةَ مصلحة المستحق للزكاة وسَدَّ حاجته من أهم مقاصد الزكاة، ولذا يجب إخراجها فور مرور الحول بعد بلوغ المال النصاب وكونه فائضًا عن حاجة صاحبه الأصلية، ويتسع معنى الفورية ليشمل طول العام، ويدخل فيه تقسيط الزكاة بإخراجها في صورة دفعات شهرية لمستحقيها بحسب حاجتهم، والتي تختلف من شخصٍ إلى آخر، بشرط أن تخرج كُلُّها قبل أن يحول الحول التالي.
وفي واقعة السؤال: فيجوز للسائل شرعًا إخراج الزكاة مقسطةً على مدار العام بعد مرور الحول على ماله الذي بلغ النِّصاب إلى من يعرفهم من مستحقيها الذين يحتاجون إليها في سد احتياجاتهم شهرًا بشهر، مع مراعاة عدم بلوغ الحول التالي إلا وقد أخرجها كلَّها، ولا يُعَدُّ هذا من تأخير إخراج الزكاة عن موعدها كما نص عليه جماعة من الفقهاء، وهو ما عليه الفتوى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أسمع كثيرًا أن نصاب الزكاة في المال هو 85 جرامًا من الذهب عيار 21، فلماذا كان النصاب على عيار 21 وليس على عيار 18 أو 24؟
ما حكم صرف الأموال التي جُمِعَت للأيتام في غرض آخر؟ حيث تقوم جمعيتنا بكفالة الأيتام، وقد جمعت من أغنياء المدينة أموالًا لهذا الغرض، وهي تقوم بموجب لائحة موضوعة لهذا الغرض بالصرف منها على ستة وثمانين أسرة مكونة من مائتين وأربعة وثلاثين فردًا، وقد توافرت أموال من مجموع ما تم تحصيله للصرف على الأيتام وتم من هذه الأموال بناء مبنًى تجاري من طابقين ليعود رِيعه على مشروع الكفالة.
فهل يمكن الصرف من هذه الأموال على أُسَرِ الفقراء والمحتاجين وغيرهم من ذوي الاحتياجات في المجتمع من غير الأيتام، وهم كثيرون، والأموال المخصصة لهم لا تكفيهم؟ مع العلم أن الأموال محل السؤال قد جُمِعَت من المتبرعين للصرف منها على كفالة الأيتام.
ما حكم تأجيل العمل وقت الدوام ليكون عملًا إضافيًّا بعد انتهاء وقته؟ فأنا أعمل في شركة ما وأجد بعض الزملاء يؤجلون بعض الأعمال إلى وقت الساعات الإضافية بدون سبب من أجل الحصول على مقابل مالي لذلك، فما رأي الشرع في هذا التصرف؟
ما حكم استرداد العارية قبل انتهاء المدة المتفق عليها؟ فرجلٌ استعار سيارةً مِن جاره لقضاء بعض المصالح بها لمدة ثلاثة أيام، إلا أن صاحب السيارة طلب استردادها بعد يومٍ مِن أخذها لسفر ضروري طرأ له في عمله، ولا يملك غير هذه السيارة للسفر، لكنِ المستعيرُ امتنع عن رَدِّها، وتمسك باتفاقه مع صاحب السيارة، وأنه قد استأذنه فيها لمدة ثلاثة أيام، والسؤال: هل يجوز شرعًا ما فعله المستعير مِن الامتناع عن تسليم السيارة إلا بمضي المدة المتفق عليها؟ علمًا بأن رَدَّها لا يَضُره في شيء، فهي موجودة عند البيت ولا يستعملُها حين طُلِبَت منه، وإنما المتضرر هو صاحب السيارة؛ لأنه لو استأجر سيارة للسفر سوف يتكلف كثيرًا من المال، ولو امتنع عن السفر تضرر في عمله.
ما حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات؟ فإنّه مع كلِّ موسمٍ من مواسم الانتخابات الوطنيَّة، نشهد من بعض الناخبين تساهلًا في الإدلاء بأصواتهم، أو إعراضًا عن المشاركة مع تثبيط مَن يحيطون بهم عن المشاركة فيها، فهل المشاركة في الانتخابات مطلوبةٌ شرعًا؟
يقول السائل: نسمع عن مفهوم (الوحدة الوطنية) وأهميتها في المجتمع؛ فنرجو منكم توضيح كيف نظر الشرع إلى هذا المفهوم؟ وهل يوجد في الشرع الشريف ما يدعو إلى ذلك؟