حكم التعاقد على شراء المحاصيل من الفلاحين قبل الحصاد

تاريخ الفتوى: 13 فبراير 2024 م
رقم الفتوى: 8267
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: البيع
حكم التعاقد على شراء المحاصيل من الفلاحين قبل الحصاد

ما حكم التعاقد على شراء المحاصيل من الفلاحين قبل الحصاد؟ فهناك رجلٌ يعمل تاجرًا للحبوب (من نحو القمح والأرز وغيرهما)، ويتعامل معه الفلاحون على محاصيلهم قبل الحصاد بشهرين أو ثلاثة، بحيث يتفق معهم على شراء كمية محددة من المحاصيل ويعطيهم المال في مقابل تسلم الكميات المتعاقد عليها بعد ذلك، ويسأل: ما حكم هذه المعاملة شرعًا؟

شراء التاجر محاصيلَ الحبوب مِن نحو القمح أو الأرز أو غيرهما مِن الفلاحين قبل حصادها بشهرين أو ثلاثة، هو عبارةٌ عن عقد بيعٍ على موصوفٍ في الذِّمَّةِ بثمن عاجلٍ، وهو ما يعرف بـ"بيع السلم"، وهو جائز شرعًا ولا حرج فيه متى توافرت شروطُه، مِن بيان كمية المَبِيع ونَوْعه وصِفَتِه ومقداره ووقتِ التسليم ومكانِه والثمن المقبوض وكلِّ ما مِن شأنه أن يَرفع الجهالة ويَمنع النزاع بين البائع والمشتري، مع مراعاة اللوائح والقوانين المنظمة لمثل هذه المعاملات.

المحتويات

 

حكم التعاقد على شراء المحاصيل من الفلاحين قبل الحصاد

الأصل في عقد البيع أن يكون المبيع مملوكًا للبائع وحاضرًا وقت التعاقد عليه؛ وذلك لما رواه أصحاب "السُّنَنِ" عن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي، أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ».

إلا أنَّ الشرع الشريف قد استثنى من هذا العموم بعضَ أنواع البيوع التي يَصِحُّ فيها بيع المعدومات -كما في مسألتنا-، والتي تعرف ببيع "السَّلَمِ أو السَّلَفِ"، وهو عبارةٌ عن "عقدٍ على موصوفٍ في الذِّمَّةِ ببدلٍ يُعطَى عاجلًا"، كما عَرَّفَهُ الإمام النَّوَوِي في "روضة الطالبين" (4/ 3، ط. المكتب الإسلامي).

والأصل في مشروعية هذا النوع من البيوع: الكتاب، والسُّنَّة، وإجماع الأُمَّة.

فمِن الكتاب العزيز قولُ الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282].

قال الإمام شمس الدين أبو عبد الله القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 377، ط. دار الكتب المصرية) عند تفسير هذه الآية: [قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: هذه الآيةُ نزلت في السَّلَمِ خاصَّة] اهـ.

ومِن السُّنَّة المطهرة ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

وقد نقل الإجماعَ على جوازه غيرُ واحدٍ من الأئمة، وممن نص على ذلك الإمامُ ابن المُنْذِر في "الإشراف" (6/ 101، ط. مكتبة مكة الثقافية)، ولا يُعرف مخالِفٌ لهذا الإجماع إلا ما جاء عن التابعي الجليل سعيد بن المُسَيِّب رضي الله عنه، كما في "فتح الباري" للحافظ ابن حَجَر العَسْقَلَانِي (4/ 428، ط. المكتبة السلفية).

الحكمة مِن مشروعية بيع السلم وبيان شروط صحته

الحكمة مِن مشروعية هذا البيع على خلاف الأصل هي دفعُ حاجة الناس بتوفير رأس المال المطلوب للنفقة على الأعمال وأصحابها، ولهذا سُمِّي بـ"بيع المَفَالِيس".

قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (4/ 207، ط. مكتبة القاهرة) في بيان الحكمة مِن مشروعية السَّلَم: [لأنَّ بالنَّاس حاجةً إليه؛ لأنَّ أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النَّفَقَةِ على أنْفُسهم وعليها لِتَكْمُلَ، وقد تُعْوِزُهُم النَّفَقَةُ، فَجُوِّزَ لهم السَّلَمُ ليَرْتَفِقُوا، ويرتفق المُسْلِمُ بالاسْتِرْخَاصِ] اهـ.

وقد اتفق الفقهاء على أنه يُشترط لصحة بيع السلم عدةُ شروط، وهي معرفة جنس الشيء المُسْلَمِ فيه (المبيع)، وبيان صفته، وقَدْره، والأَجَل المضروب له، ومعرفة ثمنه وتسليمه في مجلس العقد، وتعيين مكان التسليم إذا كان المبيع مما له حملٌ ومؤونة، كلُّ ذلك بما يَرفع الجهالة ويَمنع وقوع النزاع، فمتى توافرت هذه الشروط في هذا البيع كان صحيحًا وجائزًا شرعًا ولا حرج فيه.

وقد نقل الإجماعَ على ذلك الإمامُ ابن المُنْذِر، فقال في "الإشراف" (6/ 101-102، ط. مكتبة مكة الثقافية): [وأجمَعَ كلُّ مَن نَحفظ عنه مِن أهل العلم على أنَّ السَّلَمَ الجائزَ أنْ يُسْلِمَ الرجلُ على صاحبه في طعامٍ معلومٍ موصوفٍ مِن طعامِ أرضٍ عامَّةٍ لا يُخطئُ مثلها، بكيلٍ معلومٍ أو وزنٍ معلومٍ إلى أَجَلٍ معلومٍ دنانير أو دراهم معلومة، يدفع ثمن ما أّسْلَمَ فيه قبل أنْ يَتَفَرَّقَا مِن مقامهما الذي تَبَايَعَا فيه، ويُسَمَّى المكانُ الذي يُقبض فيه الطعام، فإذا فَعَلَا ذلك وكَانَا جَائِزَيِ الأمر، كان سَلَمًا صحيحًا، لا أَعلم أحدًا مِن أهل العلم يُبْطِلُهُ] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن شراء التاجر المذكور محاصيلَ الحبوب مِن نحو القمح أو الأرز أو غيرهما مِن الفلاحين قبل حصادها بشهرين أو ثلاثة، هو عبارةٌ عن عقد بيعٍ على موصوفٍ في الذِّمَّةِ بثمن عاجلٍ، وهو ما يعرف بـ"بيع السلم"، وهو جائز شرعًا ولا حرج فيه متى توافرت شروطُه، مِن بيان كمية المَبِيع ونَوْعه وصِفَتِه ومقداره ووقتِ التسليم ومكانِه والثمن المقبوض وكلِّ ما مِن شأنه أن يَرفع الجهالة ويَمنع النزاع بين البائع والمشتري، مع مراعاة اللوائح والقوانين المنظمة لمثل هذه المعاملات.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم استغلال المريض بالتوقيع على عقد بيع؛ فقد توفي عمي، وقبل وفاته استغلت زوجته فترة مرضه، وقامت بتزوير ورقة يتم بمقتضاها نقل ملكية منزل كان يمتلكه عمي إليها، وجعلت عمي يوقع عليها. وبعد فترة توفيت زوجته -سامحها الله-، فأصر أهلها على أن يرثوا هذا المنزل؛ لأنها لم تنجب أطفالًا، على الرغم من علمهم بقيامها بتزوير ملكية المنزل. فما حكم الدين في ذلك؟ وما التصرف الأمثل في هذه الحالة؟


ما حكم بيع الثمار قبل نضجها؟ حيث يقول السائل: في بلادنا يتعاقد الفلاح (البائع) والمشتري على القمح والشعير وأمثالهما من الحبوب قبل نضجها؛ فالبائع يأخذ المال مقدمًا، وحين تظهر الحبوب وتنضج يحصدها المشتري ويأخذها؛ فهل هذا البيع جائز؟ وهل يدخل تحت بيع السلم مِن منظور المذهب الحنفي؟


ما حكم بيع مالك الأرض الأسمدة المدعمة للمستأجر بسعر السوق؟ فأنا مالك لأرضٍ زراعية، والجمعيات الزراعية تقوم بإعطائي الكيماوي والسِّمَاد بأسعار مدعمة، وقد أجَّرتُ أرضي لأحد الأشخاص، وأقوم بأخذ حصتي من الكيماوي من الجمعية وأبيعها بسعر السوق للمستأجر، فما حكم ذلك؟


ما حكم أخذ البائع للعربون؟ فقد ورد أن أحدُ الأشخاص تعاقد مع آخر مالك لأرضٍ على شراء قطعة أرضٍ من مِلكه للمباني ودفعَ عربونًا مبلغًا من النقود أثناء التوقيع على عقد الوعد بالبيع، ونصَّ في العقد على دفع باقي الثمن على أقساطٍ ثلاثة يحلُّ أولُها في آخر شهر يناير سنة 1980م، والثاني في آخر فبراير سنة 1980م، والثالث في آخر مارس سنة 1980م، واتفقا على أن يطبق على مبلغ العربون قواعد القانون إذا لم يقمِ المشتري بتسديد الأقساط في مواعيدها، ولمَّا لم يَفِ المشتري بالأقساط أنذره البائعُ بفسخ الوعد بالبيع، فحضر وتسلَّم القسط الأول الذي كان قد سدده للمشتري، ورأى الحاضرون أنه غير مُحِقٍّ في استرداد العربون؛ لإخلاله بشروط العقد، وقد انصرف المشتري معترفًا بخطئه.
والسؤال: ما هو حكم الإسلام في العربون؟ وهل هو من حق البائع شرعًا؟ وهل له أن يتبرع به في وجهٍ من وجوه البر مثلًا إذا لم يكن من حقه؟


ما حكم الشرع في بيع السلع بعرض عينات منها عن طريق مندوب المبيعات؟ فأنا أعمل مندوبًا للمبيعات في منتجات مصانع الأدوات والمستلزمات الطبية، وأبيع لمحلات المستلزمات والأدوات الطبية والصيدليات؛ بحيث أعرض عليهم عيِّنات من هذه المنتجات، وأتفق على بيع مثل هذه العيِّنة بكمية محددة وسعر محدد بناء على الاتفاق بيني وبين القائمين على المحل أو الصيدلية، فما حكم هذا البيع شرعًا؟


ما حكم ما يقوم به بعضُ التجَّار من بيع وشراء الحيوانات المصابة بالأمراض رغبةً في زيادة المكسب؟ وهل يجوز كتم العيب عند بيعها؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :18
الشروق
6 :51
الظهر
11 : 58
العصر
2:47
المغرب
5 : 5
العشاء
6 :28