حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول "بيع المعاطاة"

تاريخ الفتوى: 31 يناير 2024 م
رقم الفتوى: 8283
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: البيع
حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول "بيع المعاطاة"

ما حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول؟ فأنا أحيانًا أذهب إلى السوق لإحضار بعض الخضراوات، ويكون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف، فأنتقي ما أريد وأدفع سعره للبائع دون أن أتلفظ بأيِّ شيءٍ. فهل هذا بيعٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا؟

البيع المذكور بِانْتِقاء ما يرِيدهُ الشخص مِن الخضراوات أو غيرها مع كون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف منها، ودفع ثمنها للبائع دون التلفُّظ بأيِّ شيءٍ مِن الإيجاب والقبول مِن الطرفين -بيعٌ صحيحٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا.

المحتويات

 

الحكمة من مشروعية البيع وبيان أن الرضا شرط لتمام التعامل فيه

أحلَّ اللهُ سبحانه وتعالى البيعَ؛ لما فيه من تحقيق مصالح العباد، وتبادُل المنافع بينهم، واستمرار حياتهم واستقرارها بالحصول على حاجاتهم من مستلزمات، وحيث إنَّ حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبًا، وصاحبه قد لا يبذله بغير مقابل، ففي شرعية البيع وسيلةٌ إلى بلوغ الغرض مِن غير حرج على أحد، قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275].

وجعل سبحانه وتعالى الرضا شرطًا لتمام التعامل؛ حتى لا يكون أكلًا لأموال الناس بغير حقٍّ، ولكون الرضا في التعاملات يُبعد المتعاملين عن المشاحنات والمباغضات والاختلافات، قال جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].

قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (10/ 58، ط. دار إحياء التراث العربي): [ظاهره يَقْتَضِي الحِلَّ عند حصول التَّرَاضي] اهـ.

وورد في السُّنَّة عن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» أخرجه الأئمة: عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما"، وابن ماجه في "سننه" واللفظ له، وابن حِبَّان في "صحيحه".

قال الإمام الصَّنْعَانِي في "التنوير" (4/ 167، ط. مكتبة دار السلام): [«إِنَّمَا الْبَيْعُ» أي: الشرعي الصحيح المعتبر عند الشارع، الذي يترتب عليه صحة المِلك، هو الصادر «عَنْ تَرَاضٍ» مِن البائع، بإخراج السلعة عن مِلكه، ومِن المشتري بإدخاله في مِلكه، وهو إخراجٌ لبَيْع المُكْرَه فليس ببَيْعٍ معتبَرٍ، قالوا: ولَمَّا كان الرضا أمرًا قَلبيًّا خفيًّا نِيطَ البيعُ بالعقدِ الدَّالِّ صُدُورُه على الرضا، وقيل: لا اعتبار بالألفاظ، بل إذا ظهر الرضا ثَبَت العقد] اهـ.

حكم البيع دون التلفظ بالإيجاب والقبول "بيع المعاطاة"

لَمَّا كان الرضا أمرًا خفيًّا لا يُطَّلَعُ عليه، وَجَب تَعَلُّقُ الحكم بسببٍ ظاهرٍ يدل عليه، ولذلك وُجِدَت الصيغةُ مِن الإيجاب والقبول، حتى يتم بها معرفة الرضا بين البائع والمشتري، فإذا تم البيع بغير تلفُّظٍ مِن إيجابٍ أو قبولٍ كأن يأخذ المشتري السلعةَ ويَدفع ثمنَها للبائع دون كلامٍ بينهما -كما هو في مسألتنا-، فهذا يعرف عند الفقهاء بـ"بيع المُعَاطَاة".

وأصل كلمة "المعاطاة" في اللغة مِن المُفاعَلَة، ويراد بها المُناوَلَة، كما في "مختار الصحاح" للإمام زين الدين الرَّازِي (ص: 212، ط. المكتبة العصرية)، واستعملها الفقهاء في البيع من غير تكلُّم ولا إشارة بين المتبايِعَيْن، فيكون بالإعطاءِ مِن جانِبٍ والأخذِ مِن جانِبٍ آخَر، ويَلزم البيعُ في المعاطاة بالتقابُض، أي: قبض الثمن والمُثمَن، كما في "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين الحنفي (4/ 513، ط. دار الفكر)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي (3/ 3، ط. دار الفكر، مع "حاشية الإمام الدُّسُوقِي")، و"المجموع" للإمام شرف الدين النَّوَوِي الشافعي (9/ 163، ط. دار الفكر)، و"الكافي" للإمام موفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (2/ 3، ط. دار الكتب العلمية).

وقد ذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية، وهو المختارُ عند جماعة مِن فقهاء الشافعية -ونَصَّ بعضُهم على أنه المختار للفتوى في المذهب-، والصحيحُ عند الحنابلة إلى القول بصحة بيع المعاطاة مطلقًا، وسواء كان في الرَّخِيص أو الغالي مِن الأشياء؛ لأنَّ المقصود هو الرضا، وكما يُوجَد ويُعرَف ويَحصُل بالقول فإنه يُعرَف ويَحصُل كذلك بالفعل، ولكون البيع والشراء بهذه الطريقة وحصول الرضا هو ما تَعَارَفَ عليه الناسُ وتعامَلُوا به خاصةً في هذا الزمان، حيث يَدخل المشتري اليوم للأسواق الكبيرة والصغيرة، فيَجد ما يريد أمامَهُ مُسَعَّرًا، فيأخذ ما يريد ويدفع حسابه دون أن يتكلم ثم ينصرف، فيرجع الحكم في ذلك للعُرف السائد المتعامَل به بين الناس، وحيث لَمْ يَثبُت اشتراطُ لَفظٍ محدَّدٍ، فيصير ما يَعُدُّه الناسُ بيعًا كذلك؛ لِمَا فيه مِن دلالة عُرفية، وهي كافية؛ إذ المقصود مِن التجارة إنما هو أخذُ ما في يَدِ الغير بدفع عِوض عن طِيب نَفْسٍ منهما، فتكفي دلالة العُرْف في ذلك على الرضا وطِيب النفس، سواء حصل ذلك الرضا بالقول أو الفعل.

نصوص الفقهاء في هذه المسألة

قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (19/ 61، ط. دار المعرفة): [البيع بالتعاطي يَنعقد عندنا؛ لأن المقصودَ تمامُ الرضا... وذلك يَحصُل بالفعل كما يَحصُل بالقول] اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل" (6/ 12-13، ط. دار الكتب العلمية): [(يَنعقد البيعُ بما يدل على الرضا وإنْ بمعاطاة) البَاجِي: البيعُ معروفٌ ويَفتقر إلى إيجابٍ وقبولٍ، وكلُّ لَفظٍ وإشارة فُهِمَ منه الإيجابُ والقبولُ لزم به البيعُ وسائرُ العقود] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (4/ 228، ط. دار الفكر): [(يَنعقد البيعُ بما يدل على الرضا وإنْ بمعاطاة)... لأنَّ الصيغةَ كلامٌ أو فِعلٌ... ويعني أن الركن الأول الذي هو الصيغة التي يَنعقد بها البيع هو ما يدل على الرضا مِن البائع ويُسَمَّى الإيجاب، وما يدل على الرضا مِن المشتري ويُسَمَّى القبول، وسواء كان الدَّالُّ قولًا كقول البائع: بِعْتُكَ، وأَعطَيتُكَ، ومَلَّكْتُكَ بكذا وشَبَه ذلك، وقول المشتري: اشتريتُ، وتَمَلَّكتُ، وابْتَعْتُ، وقَبِلْتُ وشَبَه ذلك، أو كان فِعلًا كالمعاطاة... لأنَّ الفعل يدل على الرضا عرفًا، والمقصود مِن البيع إنما هو أخذُ ما في يد غيرك بعِوض ترضاه، فلا يُشترط القول، ويكفي الفعل كالمعاطاة] اهـ.

وقال الإمام شرف الدين النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (9/ 162-163): [اختارَ جماعاتٌ مِن أصحابنا جوازَ البيع بالمعاطاة فيما يُعَدُّ بيعًا... وممن اختار مِن أصحابنا أنَّ المعاطاةَ فيما يُعَدُّ بيعًا صحيحةٌ، وأنَّ ما عَدَّه الناسُ بيعًا فهو بيعٌ: صاحِبُ "الشامل"، والمُتَوَلِّي، والبَغَوِي، والرُّويَانِي وكان يفتي به، وقال المُتَوَلِّي: وهذا هو المختار للفتوى، وكذا قاله آخَرون، وهذا هو المختار؛ لأنَّ اللهَ تعالى أحلَّ البيعَ، ولَم يَثبُت في الشرع لَفظٌ له، فوَجَب الرجوعُ إلى العُرف، فكُلُّ ما عَدَّه الناسُ بيعًا كان بيعًا، كما في القبض والحِرز وإحياء المَوَات وغير ذلك مِن الألفاظ المُطلَقة، فإنها كلَّها تُحمَل على العُرف، ولَفظةُ البيع مشهورةٌ، وقد اشتهرت الأحاديث بالبيع مِن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في زمنه وبَعْدَه، ولَمْ يَثبُت في شيءٍ منها -مع كَثْرَتِهَا- اشتراطُ الإيجاب والقبول] اهـ.

وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 263، ط. دار إحياء التراث العربي): [الصحيح مِن المذهب صحةُ بيع المعاطاة مطلقًا، وعليه جماهير الأصحاب، وهو المعمول به في المذهب] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإنه يُشترط في البيع أن يَحصُل برضا البائع والمشتري، والرضا كما يكون بالقول الذي يُعرف بـ"الإيجاب والقبول"، يكون أيضًا بالفعل الدالِّ عليه وهو أخذُ السلعة وإعطاءُ ثمنها وإنْ لم يتكلم المشتري ولا البائع، ولا إثم في ذلك ولا حرج.

وفي واقعة السؤال: البيع المذكور بِانْتِقاء ما تُرِيدِينَهُ مِن الخضراوات أو غيرها مع كون السعر مكتوبًا على كلِّ صنف منها، ودفع ثمنها للبائع دون التلفُّظ بأيِّ شيءٍ مِن الإيجاب والقبول مِن الطرفين -بيعٌ صحيحٌ منعقدٌ وجائزٌ شرعًا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يريد السائل أن يكتب نصيبه من البيت الذي يمتلكه لزوجته التي ساهمت في بنائه، على أن يكون البيع ساريًا بعد وفاته؛ خوفًا عليها من إخوته الذين رباهم وصرف عليهم حتى تزوجوا جميعًا، ولكنهم أساءوا معاملته. فما حكم الشرع في ذلك؟


ما حكم شراء شقة بالتقسيط بمقدم حجز مع استرداد جزء من المقدم قبل الاستلام؟ فقد تعاقدت مع شركة عقارية تبيع وحدات سكنية بنظام التقسيط، وجميع إجراءات التعاقد والشيكات تكون مع الشركة وباسمها، ويكون تسلم الوحدة المُتَعَاقَد عليها بعد سنتين، وتشترط هذه الشركة على نفسها بإعطائي مبلغًا ماليًّا ثابتًا من نسبة مُقَدَّم الحجز الذي سأدفعه لجدِّية التعاقد، وذلك في صورة شيك مُسْتَحَق كل ثلاثة شهور حتى مدة الاستلام، فما حكم الشرع في ذلك؟


يرغب أحد الأشخاص [طرف ثان] في الحصول على آلات وأجهزة ما؛ لاحتياجه إليها في مشروع أقدم عليه، لكنه لا يمتلك ثمنها، ولديه صديق [طرف أول] يتعامل بنظام الإجارة المنتهية بالتمليك، فطلب الطرف الثاني من الطرف الأول أن يوفر له تلك الآلات والأجهزة، ثم حررا عقد إجارة اشتمل على الآتي:

1- يدفع الطرف الثاني ثمن الآلات والأجهزة على مدى عشر سنوات في صورة أجرة شهرية تزيد قيمتها عن أجرة المثل، زيادة متعارف عليها بسعر السوق والعرف بين التجار؛ نظرًا لتملك الطرف الثاني لها بعد مرور السنوات العشر دون دفع أي زيادة.

2- ضمان الآلات والأجهزة طوال السنوات العشر من مسئولية الطرف الثاني.

3- لا يحق للطرف الثاني التصرف في الآلات والأجهزة بالبيع أو الهبة أو أي تصرف فيه نقل للملكية طوال السنوات العشر.

4- العقد ملزم للطرفين، ليس لأحدهما فسخه أو الرجوع فيه إلا بالاتفاق والتراضي مع الطرف الآخر.

والسؤال: هل هذه الصورة التعاقدية جائزة شرعًا أو لا؟


ما حكم إخفاء درجة جودة السلعة عند بيعها؟ فأنا أعمل تاجرًا في مجال قطع الغيار، ومن المعروف عني أني لا أتاجر إلا في السلع عالية الجودة، لكن في الآونة الأخيرة وبسبب عدم توفر سيولة مالية كبيرة لن أتمكن من الاستمرار في ذلك، فهل يجوز لي التعامل في السلع متوسطة القيمة والجودة، فأبيعها على كونها ذات جودة عالية لكن بسعر منخفض؟ مع العلم بأني لن أُعلم المُشتري بطبيعة هذه السلع.


ما حكم إقامة مشاريع لحل مشاكل الإسكان؟ فيسأل مدير شركة تخصصت في دراسة وتصميم وتنفيذ المشروعات، وكذلك في تسويق الاختراعات محليًّا وعالميًّا، وإعطاء الأولوية للدول الإسلامية، وتقترح الشركة مشروعًا يساهم في حل مشاكل الإسكان وهو كالتالي:
1- سيقوم مدير الشركة وأعضاؤها بدعوة المواطنين إلى التكافل لحل مشكلة الإسكان، وهو أن يتبرع كل من يريد -وبشرط أن يكون راضيًا- بسداد مبلغ عشرة جنيهات مثلًا للمساهمة في مشروع التكافل الإسكاني، ويعطي له إيصالًا بالمبلغ ورقمًا مسلسلًا، ويتم سحب بطريق الكمبيوتر، وبحضور مندوب من الدولة لتخصيص 80٪ من التبرعات الشهرية لشراء شقق ذات مستوًى متوسط لمن يفوز من المشتركين في المناطق التي يحددونها.
2- يخصص 10٪ من حصيلة التبرعات لإصلاح مرافق الحي أو القرية من طرق ومجاري وكهرباء وغير ذلك.
3- يخصص 2.5٪ لمساعدة الأسر المحتاجة بشدة، وبعد التأكد من حاجتها، وسوف يتم اشتراك الأشخاص الذين لم يفوزوا في أي شهر في سحب الأشهر التالية، ولن يتم تسليم أي شقة إلا بعد التأكد من أن الشخص الفائز لا يمتلك شقة أخرى، ثم يقول صاحب الرسالة إنه على علم بأن اليانصيب حرام، ولكن هذه صورة أخرى، وهي أن يتبرع كل مواطن ليتكافل مع أخيه بنفس راضية لحل مشكلة الإسكان وإصلاح المرافق ومساعدة المحتاجين. ويسأل عن حكم الشرع في هذا المشروع المعروض.


ما حكم توفير سلعة معينة لشركة مقابل نسبة من قيمة السلعة؟ فقد أعلنت شركة حاجتها لشراء سلعة بمواصفات معينة، على أن مَن يوفرها لها يأخذ نسبة مئوية من قيمة السلعة المعلومة المحددة، فما حكم هذه المعاملة وأخذ هذه النسبة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 22 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :34
الشروق
7 :2
الظهر
12 : 39
العصر
3:51
المغرب
6 : 17
العشاء
7 :35