ما حكم تشييع المسلم لجنازة مسيحي؟ حيث توفي من أهل قريتنا رجل مسيحي، شارك في جنازته عدد كبير من أهلنا في القرية، ومعظمهم مسلمون، وقد خرجت أصوات بعد ذلك تقول إن تشييع المسلم للمسيحي غير جائز شرعًا. لذلك نرجو من حضراتكم إعطاءنا فتوى موثقة في حكم حضور المسلم جنازة المسيحي أو غير المسلم. ولكم جزيل الشكر.
يجوز للمسلم اتِّباعُ جنازةِ غير المسلم وتشييعها، بل إن هذا من صور المواساة والبرِّ ومكارِم الأخلاق المأمور بها شرعًا.
المحتويات
بُعِث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسن الخلق، وأرسله الله تعالى رحمةً للعالمين؛ دون تفرقةٍ بين جنسٍ وجنسٍ أو طائفةٍ وأخرى، أو دينٍ ودينٍ، بل كان رحمةً لكلِّ البشر؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم في "المستدرك".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَحِيمٌ»، قلنا: كلُّنا رحيمٌ يا رسول الله، قال: «لَيْسَتِ الرَّحْمَةُ أَنْ يَرْحَمَ أَحَدُكُمْ خَاصَّتَهُ؛ حَتَّى يَرْحَمَ الْعَامَّةَ، وَيَتَوَجَّعَ لِلْعَامَّةِ» رواه عَبدُ بنُ حُمَيدٍ في "مسنده".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ»، قلنا: يا رسول الله، فكلُّنا رحيمٌ، قال: «لَيْسَ الَّذِي يَرْحَمُ نَفْسَهُ خَاصَّةً، وَلَكِنِ الَّذِي يَرْحَمُ النَّاسَ عَامَّةً» رواه البيهقي في "شُعَبِ الإيمان".
وقد راعى الإسلام مشاعرَ الإنسان وأحزانَه في حال الوفاة ولو كان على موت حيوان تعلَّق به؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يدخل علينا ولي أخٌ صغيرٌ يُكَنَّى أبا عُمَير وكان له نغر يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فرآه حزينًا، فقال: «ما شأنُه؟» قالوا: مات نغره، فقال: «يا أبا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» رواه أبو داود في "السنن"، وأحمد في "المسند"، والبخاري في " الأدب المفرد"، وابن حِبان في "الصحيح".
الأمرُ بحُسنِ معاملةِ أهلِ الكتاب ورحمتِهم يدخل في عموم الأمر بالرَّحمةِ وحُسن الخلق، ويزداد تأكُّدًا بما ورد في حقِّهم ونُصَّ عليه في شأنِهم؛ من وجوب الإحسان إليهم؛ حيث قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 46]، وقال سبحانه: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
من أشملِ صور حسن معاملتهم ورحمتهم: مواساتُهم عند المصائِب، وجبرهم عند الحاجة والضَّعفِ، ومن ذلك: حال المرض، وحال الوفاة، سواء كانوا من الأقارب أم من غير الأقارب.
وقد كان ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن غلامًا ليهودٍ كان يخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَعُودُهُ" أخرجه البخاري في "صحيحه"، وروى ابن أبي شيبة في "مصنَّفه": "أن أبا الدرداء رضي الله عنه عادَ جارًا له يهوديًّا".
أما اتِّباعُ جنازتِهم:
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: "مرَّ بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا به، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا» متَّفَقٌ عليه.
وعن سهل بن حنيف، وقيس بن سعد رضي الله عنهما قالا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّت به جنازةٌ فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا» متفق عليه.
وشيَّع الصحابة رضي الله عنهم جنازةَ نصرانيَّة؛ هي أم الحارث بن أبي ربيعة رضي الله عنه؛ فعن الشَّعبي قال: "ماتت أم الحارث بن أبي ربيعة رضي الله عنه، وكانت نصرانيةً، فشيَّعها أصحابُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم" أخرجه محمد بن الحسن في "الآثار"، وابن أبي شيبة وعبد الرازق الصنعاني في "مصنفيهما".
فقد شيَّعها الصحابة رضي الله عنهم ولم تكن قريبةً لهم، وهذا يدل على جواز ذلك لغير الأقارب.
وعن عبد الله بن شريك رضي الله عنه قال: "سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، سئل عن الرجل المسلم يتبع أمَّه النصرانيَّة تَموت؟ قال: يتبعها ويمشي أمامها" أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنَّفِه".
نصَّ الفقهاء من الحنفية والشافعية على جواز تشييع جنازة أهل الكتاب واتباعها؛ سواء كان المتوفَّى من الأقارب أو الجيران أو لم يكن كذلك.
قال العلامة ابن مازة البخاري الحنفي في "المحيط البرهاني" (2 /194، ط. دار الكتب العلمية): [وفي "السير الكبير": سأل رجلٌ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما: أن أمي ماتت نصرانيَّةً؟ فقال: اتبع جنازتها واغسِّلها وكفِّنها، ولا تصلي عليها، وادفنها. وإنَّ الحارث بن أبي ربيعة ماتت أُمُّهُ نصرانيَّةً، فتتبع جنازتها في نفرٍ من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين] اهـ.
وقال الإمام النووي الشَّافعي في "منهاج الطَّالبين" (ص: 62، ط. دار الفكر): [ولا بأس باتباع المسلم جنازة قريبِه الكافر] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (3 /22، ط. دار الفكر): [(ولا بأس باتباع المسلم جنازة قريبه الكافر).. ولا يبعد كما قاله الأذرعي إلحاق الزوجة والمملوك بالقريب، ويلحق به أيضًا المولى والجار كما في العيادة فيما يظهر] اهـ.
وقال العلامة عبد الحميد الشرواني في حاشيته على "تحفة المحتاج" (3/ 200، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [قال في "العباب": وللمسلم زيارة قبر كافر. قال: في "شرحه": أي يُباح له ذلك كما قطع به الأكثرون وصوبه في "المجموع" انتهى. وظاهر قطع الأكثرين هذا الذي صوَّبه في "المجموع" أنه لا فرق بين القريب والأجنبي. ويؤخذ من ذلك عدم الحرمة أيضًا في اتِّباع جنازته لقريبٍ أو أجنبيٍ] اهـ.
والمواطَنَةُ تفرِض على المسلم حقوقًا لمواطنِيه؛ منها التَّناصُرُ والتآزُرُ والتَّعاون والمواساة وردُّ التَّحيَّة والنَّصيحة وحسن الخلق والمعاملة بالمعروف، والدِّفاع عنه وعن حرماته وأمواله، وتشييع الجنائز من أعظم ما تحصل به المواساة ويتحقق به البرُّ والرحمة والتخفيف عن أهل المتوفَّى في مصابهم، وذلك من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان.
بناءً عليه وفي واقعة السؤال: فيجوز للمسلم اتِّباعُ جنازةِ غير المسلم وتشييعها، وهذا من صور المواساة والبرِّ ومكارِم الأخلاق المأمور بها شرعًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أرجو من فضيلتكم التكرم ببيان آداب الجنازة؛ حيث إنَّ بعض الناس ينتظرُ الجنازة عند المقابر، وبعضهم يدخل المقابر ويتركُ الجنازة لقراءة الفاتحة لذويهم الموتى من قبل، وبعض أهالي المُتَوفّين يتركُ الدفن ويُسْرِع لتلقي العزاء، وبعض المسلمين في المدن يشيّعون الجنازة راكبين.
كما أنَّ بعض الأهالي يرفضون صلاة الجنازة بالمساجد، وتقامُ بالشوارع؛ لكثرة المصلين، ويقوم بعض المُشَيِّعين بالاكتفاء بالإشارة بالسلام بدلًا من المصافحة عند كثرة المُشَيِّعين أو مستقبلي العزاء. فما هو الرأي الشرعي في ذلك كله؟
ما الذي يجب فعله في الصلاة عند قدوم جنازة أثناء الصلاة على جنازة أخرى؟ فقد كنت أصلي في أحد المساجد، وبعد صلاة الفريضة حضرت جنازة، فَقُدمِت للصلاة، وتقدم بعض أقارب الميت للصلاة عليها؛ لعدم وجود الإمام الراتب في ذلك الوقت، وبعد التكبيرة الأولى حضرت جنازة أخرى ووضعت بجانب الجنازة الأولى، فكبر على الجنازة الثانية أربع تكبيرات لتمام الصلاة، وبذلك صار التكبير على الأولى خمس تكبيرات، ثم سلَّم الإمام، وبعد السلام اعترض بعض الناس على فعله، فما رأي الشرع في هذه الصلاة التي وقعت؟ ولكم جزيل الشكر.
ما هي شروط صلاة الجنازة على الغائب؟ حيث تُوفِّيَ صديق لي أثناء عمله بالخارج ولم أعرف بذلك إلا بعد شهر من وفاته، وأريد أن أصلي عليه صلاة الغائب؛ فأخبرني شخص أنه بمرور شهر على وفاته لا تجوز الصلاة عليه؛ فهل يحق لي أن أصلي عليه؟ وهل هناك مدة معينة لصحة الصلاة على الغائب من بعد موته؟ وما شروط صلاة الجنازة على الغائب؟
طلب السائل بيان الحكم الشرعي في نقل جثمان متوفى من مقبرة سوف تهدم جميعًا ويعمل بها طريق ومساكن عمرانية، وما هي طرق إجراءات النقل رسميًّا وشرعيًّا؟
أرجو توضيح شروط غسل الميت، وهل يجوز للرجل أن يقوم بتغسيل امرأة ليس زوجًا لها؟
هل عند دفن السيدات لا يحملها إلا ذو محرم من أهلها لحظة الدفن؟