حكم تعمد مريض كورونا مخالطة الناس

تاريخ الفتوى: 01 مايو 2020 م
رقم الفتوى: 5209
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم تعمد مريض كورونا مخالطة الناس

ما حكم تعمد مريض كورونا مخالطة الناس؟ ففي ظل ما يعيشه العالم من انتشار فيروس كورونا الوبائي، ودخوله لمصر، وما اتخذته الدولة من إجراءات احتياطية وقرارات وقائية لتقليل التجمعات البشرية في المدارس والمساجد وغيرها، للحد من انتشار هذا الفيروس عن طريق العدوى والمخالطة. فما حكم تعمُّد مصابي فيروس كورونا حضورَ الجُمَع والجماعات والمحافل ومخالطة الناس ومزاحمتهم؟

يحرم شرعًا ويُجرَّم قانونًا تعمُّد مصابي فيروس كورونا أو من يشتبه بإصابته حضورَ الجُمَع والجماعات والمحافل، ومخالطة الناس ومزاحمتهم في الأماكن والمواصلات العامة، بل ويحرم عليه الذهاب في هذه الحالة إلى المسجد لحضور الجمعة والجماعة مع المسلمين، ويجب على المواطنين امتثال القرارات الاحتياطية والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الدولة من منع التجمعات البشرية، للحد من انتشار هذا الفيروس؛ لِما ثبت من سرعة انتشار هذا الفيروس، وقد يكون الإنسان مصابًا بالفيروس أو مُحمَّلًا به وهو لا يشعر.
وقد أسقطت الشريعة الغراء وجوب الجمعة واستحباب الجماعة في مثل هذه الحالات الوبيئة، فأجازت لهم الصلاة في البيوت والرِّحَال، ونص على ذلك العلماء سلفًا وخلفًا؛ رعايةً لسلامة الناس، ووقاية لهم من الأذى، وحدًّا من انتشار الأمراض.

المحتويات

 

التحذير من إلحاق الأذى والضرر بالآخرين

بلغَ من عناية الشرع الشريف في منعِ الأذى والضرر أنْ نَهَى عنهما حتى ولو كان القصد حسنًا؛ كتخطِّي رقابِ النّاس يومَ الجمعة، فكيف بالضرر المتعمد والأذى المقصود؟
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].
وعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ» رواه الطبراني في "المعجم الكبير".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» متفقٌ عليه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه الدارقطني في "سننه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
وعن أبي شريح رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ». قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، ولفظ مسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/ 283، ط. دار الوفاء): [البوائق: الغوائل والدواهي، أي: من لا يؤمن شره ولا مضرته، ومن كان بهذه الصفة من سوء الاعتقاد للمؤمن، فكيف بالجار وتربُّصه به الدوائر وتسبيبه له المضار، فهو من العاصين المتوعدين بدخول النار، وأنه لا يدخل الجنة حتى يُعاقب ويجازى بفعله، إلا أن يعفو الله عنه] اهـ.
وعلى هذا المعنى تضافرت القواعد الشرعية كقاعدة "الضرر يزال"، و"يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام"، و"الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"، و"إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما"، و"درء المفاسد أولى من جلب المصالح" كما في "المنثور في القواعد" للزركشي (2/ 317، 320، ط. أوقاف الكويت)، و"الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: 84، 87، ط. دار الكتب العلمية).

حكم تعمد مريض كورونا مخالطة الناس

قد رتَّب الشرع على ذلك الأساليب الإجرائية والوسائل الوقائية، التي تدفع أذى الناس المريضة بأمراض معدية ومؤذية عن الناس الصحيحة، وتبعدهم عن محافلهم وتجمعاتهم حتَّى في العبادات كالصلاة والحج ونحوهما:
فنهى أصحاب الأمراض المعدية عن العبادات؛ مخافة انتشار العدوى وإيذاء الناس؛ فعن ابن أبي مليكة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ على امرأة مجذومة تطوف بالبيت، فقال: "يا أمة الله، اقعدي في بيتك، ولا تؤذي الناس" أخرجه مالك في "الموطأ".
ونهى عن اقتراب المسجد وحضور الجماعة لِمن كان بهم أذى؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في غزوة خيبر: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي الثُّومَ- فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ -الثُّومِ، وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ- فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وقد نص العلماء على أن هذا معنى عامٌّ في دفع الأذى عن جماعة المسلمين، يعمُّ المسجد وغيره مما يدخل تحت المجامع والاختلاط؛ كحِلَقِ الذكر، ومصلى الْعِيد، ومشاهد الجنازة، ومكان الْوَلِيمَة، ونحو ذلك، ويلحق به كل ما يُتأذى به ويُنفَّر عنه؛ كالمجذوم، والأبرص، ومن به جرحٌ له رائحة، وشبهه.
قال الإمام البدر العيني الحنفي في "عمدة القاري" (6/ 146، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهو بعمومه يتَنَاوَل المجامع، ومصلى الْعِيد والجنازة ومكان الْوَلِيمَة، وَحكم رحبة المسجِد حكمه، لِأَنَّهَا مِنْهُ] اهـ.
وقال الإمام ابن بطال المالكي في "شرح صحيح البخاري" (2/ 466، ط. الرشد): [وهو دليل أن كل ما يُتأذَّى به؛ كالمجذوم وشبهه، يُبعَد عن المسجد وحِلَق الذكر.. وهو أصلٌ في نفي كل ما يتأذى به] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في "فتح الباري" (2/ 344، ط. دار المعرفة): [وألحق بعضهم بذلك: مَن بِفِيهِ بَخَرٌ أو به جرحٌ له رائحة، وزاد بعضهم فألحق أصحابَ الصنائع كالسمّاك، والعاهات كالمجذوم، ومن يؤذي الناس بلسانه] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الفتاوى الكبرى" (1/ 213، ط. المكتبة الإسلامية): [سبب المنع في نحو المجذوم: خشية ضرره، وحينئذ فيكون المنعُ واجبًا فيه] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 430، ط. مكتبة القاهرة): [رُوِي عن أحمد: أنه يأثم؛ لأن ظاهرَ النهي التحريمُ، ولأن أذى المسلمين حرام، وهذا فيه أذاهم] اهـ.
وفي "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية الحنبلي (3/ 17، ط. دار الكتب العلمية):
[مسألة في رجلٍ مبتلى سكن في دارٍ بين قومٍ أصحَّاء، فقال بعضهم: لا يمكننا مجاورتك، ولا ينبغي أن تجاور الأصحاء، فهل يجوز إخراجه؟
الجواب: نعم، لهم أن يمنعوه من السَّكَنِ بين الأصِحَّاء؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ»، فنهى صاحب الإبل المراض أن يوردها على صاحب الإبل الصحاح، مع قوله: «لا عَدوى وَلا طيرة». وكذلك روي أنه لما قدم مجذوم ليبايعه، أرسل إليه بالبيعة، ولم يأذن له في دخول المدينة] اهـ.
ولذلك نص العلماء على سقوط صلاة الجمعة والجماعة عمَّن كان به أذًى؛ لأن مشاركتهم المسلمين واختلاطهم بهم سبب للأذى وإلحاق للضرر؛ قال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "المنهاج القويم" (ص: 150، ط. دار الكتب العلمية): [وكذا نحو المجذوم والأبرص، ومِن ثَم قال العلماء: إنهما يمنعان من المسجد وصلاة الجماعة، واختلاطهما بالناس] اهـ.

موقف القانون من ذلك

قد نصت المادتان (20)، و(21) من القانون المصري رقم (137) لسنة 1958م بشأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية على أن: لوزير الصحة العمومية القرار باعتبار جهةٍ ما موبوءةً بإحدى الأمراض المعدية، وفي هذه الحالة يكون للسلطات الصحية المختصة أن تتخذ كافة التدابير اللازمة لمنع انتشار المرض من عزل وتطهير وتحصين ومراقبة وغير ذلك، ولها على الأخص أن تمنع الاجتماعات العامة، أو الموالد من أي نوع كان، وأن تعدم المأكولات والمشروبات الملوثة، وتغلق الأسواق، أو دور السينما والملاهي، أو المدارس، أو المقاهي العامة، أو أي مؤسسة، أو في مكان ترى فيه خطرًا على الصحة العامة وذلك بالطرق الإدارية.
وأن للسلطات الصحية المختصة إبعاد المصابين بمرض مُعْدٍ أو الحاملين لميكروب المرض عن كل عمل له اتصال بتحضير أو بيع أو نقل المواد الغذائية أو المشروبات من أي نوع، ومَنْ تقرر إبعاده على النحو المتقدم لا يجوز له العودة إلى عمل تلك الأعمال إلا بإذن منها، ويعد مسؤولًا أيضًا صاحب العمل أو مديره الذي يسمح لمن صدر الأمر بإبعاده على الوجه المتقدم بالاشتغال عنده في أي الأعمال المذكورة.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فيحرم شرعًا ويُجرَّم قانونًا تعمُّد مصابي فيروس كورونا أو من يشتبه بإصابته حضورَ الجُمَع والجماعات والمحافل، ومخالطة الناس ومزاحمتهم في الأماكن والمواصلات العامة، بل ويحرم عليه الذهاب في هذه الحالة إلى المسجد لحضور الجمعة والجماعة مع المسلمين، ويجب على المواطنين امتثال القرارات الاحتياطية والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الدولة من منع التجمعات البشرية، للحد من انتشار هذا الفيروس؛ لِما ثبت من سرعة انتشار هذا الفيروس، وقد يكون الإنسان مصابًا بالفيروس أو مُحمَّلًا به وهو لا يشعر.
وقد أسقطت الشريعة الغراء وجوب الجمعة واستحباب الجماعة في مثل هذه الحالات الوبيئة، فأجازت لهم الصلاة في البيوت والرِّحَال، ونص على ذلك العلماء سلفًا وخلفًا؛ رعايةً لسلامة الناس، ووقاية لهم من الأذى، وحدًّا من انتشار الأمراض.
والله سبحانه وتعالى أعلم.


ما حكم منع الأب ابنه من السفر للجهاد؟ فأنا ليبي أعيش في بلدي مع أسرتي، فهل يجوز لي منع إبني البالغ من السنِّ ثمانية عشر عامًا من الذهاب للجهاد في سبيل الله سواء أكان في العراق أو الشيشان أو أفغانستان أو فلسطين المحتلة؟ وهل الجهاد في الوقت الحالي فرض عين؟ وهل موقفي في منع ابني من ذلك موقف شرعي أم أنه خروج عن طاعة الله عز وجل ومنع له من إقامة الفرائض الشرعية كما يقول؟


امتازت الشريعة الإسلامية السمحة بمبادئ والتزامات حياتية أوجدها الله سبحانه وتعالى لتيسير أمور البشر وتنظيم أحوالهم، ومعروف لدى الجميع مدى صرامة الإسلام بكل ما يتعلق بحفظ واحترام حقوق المسلم، وقد جاءت النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بتحريم جريمة السرقة وتجريم مرتكبها، وتضمنت عقوبات رادعة في حق السارق.
وبهذا الصدد لا يخفى أن سرقة الملكية الفردية، والعلامات التجارية الأصلية المسجلة، أو الاحتيال عليها لا تقل خطورة عن السرقة بالأساليب والأنماط التي اعتدنا رؤيتها؛ فهي تضر بمصالح أصحابها، وتفوت عليهم فرصة النمو والتطور، فضلًا عن الأضرار التي تلحق بسمعتهم مِن جراء قيام سارقها بخداع المستهلك مع سابق نية.
فما هو الحكم الشرعي في سرقة الملكية الفكرية والعلامات التجارية الأصلية المسجلة من أصحابها؟
وما حكم فتح محلات تجارية والمتاجرة بها، وخداع المواطنين والمستهلكين بأنها العلامة الأصلية؟
وما حكم العمل في تلك المحلات بالنسبة للموظفين؟
وما هو الحكم الشرعي للذين يتعاملون مع سارقي العلامات التجارية؟
وما هي العقوبات التي ترون وجوب اتخاذها بحق سارقها؟


ما حكم تقسيم الأراضي التي ضاعت حدودها بداغستان؟ حيث تسأل جامعة الإمام أبي الحسن الأشعري بداغستان -بعد شرح موجز لأحوال المسلمين هناك-: ما حكم أراضي قرى داغستان اليوم بعد الدعوة إلى إعادتها إلى أيدي مُلَّاكها من أهل القرية، وقد ضاعت الحدود والحقوق في أغلب القرى، ومات الأجداد الذين كانوا يعرفون الحدود وحقوق الجيران من طرقٍ ومسيلات ماء، وما هو الواجب في كيفية تقسيمها؟


ما حكم الصلاة في البيت لعذر؟ وما الأجر المترتب على ذلك؟ فقد تلقَّينا خبرَ وقف الصلوات في المساجدِ بسبب فيروس كورونا بحزنٍ شديد؛ حيث إننا ولله الحمد والمنَّة من المحافظين على صلاة الجمعة والجماعة في المسجد مهما حدث من ظروف؛ طمعًا في ثوابها وقبولها، والآن حُرِمنا هذه الفضيلة، وقد سمعنا أنه إذا حال بيننا وبين صلاة الجماعة أمرٌ خارجٌ عنا وصلينا في البيت، فحينئذٍ نأخذ أجر الجماعة، فهل هذا صحيح؟


في ظل ما يعيشه العالم من انتشار فيروس الكورونا الوبائي، وبعد دخول الفيروس لمصر، وما اتخذته الدولة من إجراءات احتياطية وقرارات وقائية بتقليل التجمعات البشرية في المدارس والمساجد وغيرها، للحد من انتشار هذا الفيروس عن طريق العدوى والمخالطة، فهل والحالة هذه يجوز ترك صلاة الجماعة في المسجد؟ وهل يسري هذا على صلاة الجمعة أيضًا؟ 


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 يوليو 2025 م
الفجر
4 :35
الشروق
6 :13
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 49
العشاء
9 :16