ما حكم إقامة الجماعات أمام المساجد وفي الساحات؟ ففي ظل ما يعيشه العالم من وباء كورونا وما اتخذته مصر وغيرها من دول العالم من قرارات وإجراءات للحد من انتشار هذا الوباء؛ فمنعت التجمعات، وأغلقت المساجد والمدارس، يصر البعض على مخالفة تعليمات الدولة الرسمية؛ فخرجوا على الناس يدعون إلى أداء صلاة الجمعة في الشوارع والساحات أمام المساجد؛ مستدلين بالحديث الشريف: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»؛ وذلك بحجة إقامة الشعائر، وتحت دعوى تجميع الناس للقنوت والدعاء لصرف الوباء، زاعمين بأن إغلاق المساجد لأجل ذلك منافٍ لشرع الله، ومنع لفريضة الله، وأن هذا أخذ بالشبهة، وعمل بالظنة؛ دون قرينة أو شبهة قرينة يُبنى عليها الحكم، وأن احتمالية وجود مريض في المسجد لا تبرر إغلاق مساجد الدولة كلها، وأن ذلك إنما يصح إذا تفشَّى المرض؛ فنبني وقتَها على التفشي، بدليل أنه قد وقعت بين المسلمين أمراض كثيرة فيما مضى، ومرت بسلام دون حاجة إلى كل هذه الإجراءات.
يحرم شرعًا الإصرار على إقامة الجماعات أمام المساجد وفي الساحات تحت دعوى إقامة الشعائر والحفاظ على الفرائض مع تحذير الجهات المختصة من ذلك وإصدارها القرارات بمنع ذلك للحد من انتشار الوباء، وقد أسقطت الشريعة صلاة الجماعة عن المسلمين حال الخوف أو المرض أو ما كان في معناهما من الأعذار، كما نص الفقهاء أيضًا على سقوطها عن المجذومين ومَنْ في حكمهم من أصحاب الأمراض المعدية، وأوجبوا عزلهم عن الناس؛ سدًّا لذريعة الأذى، وحسمًا لمادة الضرر، مع أخذهم ثواب الشعيرة الجماعية؛ اعتبارًا بصدق النية، ورعايةً لأعذارهم القهرية، ومكافأةً لهم على كف الأذيَّة عن البرية.
المحتويات
أرست الشريعة الإسلامية مبادئ الحجر الصحي حال الوباء والأمراض المعدية؛ خوفًا من تفشي الوباء وانتشار الأمراض؛ فدعت إلى الأخذ بكل ما من شأنه يمنع العدوى ويَحُولُ دون انتشارها، فأسقطت الجماعةَ عن المسلمين حال الخوف أو المرض أو ما كان في معناهما، وقررت في هذا الشأن أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و"إذا تعارض مفسدتان رُوعِيَ أعظمُهما ضررًا بارتكاب أخفهما"، و"دفع الضرر العام مقدم على دفع الضرر الخاص"؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا». قَالُوا: مَا عُذْرُهُ؟ قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ» أخرجه أبو داود والدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، و"الصغرى"، و"معرفة السنن والآثار" قال الإمام البيهقي: "وَمَا كَانَ مِنَ الْأَعْذَارِ فِي مَعْنَاهَا فَلَهُ حُكْمُهُمَا".
قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "عمدة القاري" (6/ 196، ط. دار إحياء التراث العربي):
[وكذا إن كان له مريض يخشى عليه الموت.. وهو مذهب عطاء والأوزاعي.
وقال الشافعي في أمر الوالد: إذا خاف فوات نفسه..
وقال الحسن: يرخص ترك الجمعة للخائف.
وقال مالك في "الواضحة": وليس على المريض والصحيح الفاني جمعة.
وقال أبو مجلز: إذا اشتكى بطنه لا يأتي الجمعة] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (16/ 244، ط. أوقاف المغرب): [وأما قوله في الحديث: «مِن غَيرِ عُذْرٍ»: فالعذر يتسع القولُ فيه؛ وجملته: كل مانعٍ حائلٍ بينه وبين الجمعة مما يتأذى به ويخاف عدوانه، أو يُبطِل بذلك فرضًا لا بدل منه؛ فمن ذلك السلطان الجائر يظلم، والمطر الوابل المتصل، والمرض الحابس، وما كان مثل ذلك] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 300، ط. إحياء التراث العربي): [(ويُعذَر في ترك الجمعة والجماعة المريض) بلا نزاع، ويُعذَر أيضًا في تركهما لخوف حدوث المرض] اهـ.
والحالة التي تمر بها البلاد جرَّاء فيروس كورونا الوبائي تدخل تحت هذه الأعذار، بل هي أبلغ عذرًا؛ لاشتمالها على معنى الخوف الشديد والمرض المميت؛ فالأمر فيها أشد والرخصة لها آكَد؛ لتعلُّق أمرها بالحفاظ على النفوس والأرواح؛ فإن العالم كله أصبح يواجه وباءً قاتلًا ذهب ضحيتَه آلافُ البشر، وانتشر في عشرات البلدان، وهو فيروس كورونا "كوفيد-19" (COVID-19).
والعبادة إنما شُرِعَت لتزكية النفوس وترقيتها، لا لإشقائها وإهلاكها، فحِفْظُ النفس من أهم المقاصد الكلية، وآكَدِ الفروض الشرعية، وهي في مقدمة الكليات الخمسة الضرورية، التي جاءت بحفظها كلُّ الشرائع السماوية.
قال حجة الإسلام الإمام الغزالي في "المستصفى" (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية): [مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة] اهـ.
قد حمَّل الشرعُ الشريفُ ولاةَ الأمر مسؤوليةَ الرعية، فهم مأمورون بتحقيق الأمن والسلام لمواطنيهم ومسؤولون عن ذلك، ومن أجل تحقيق واجبهم خوَّل الشرع لهم اتخاذَ ما يساعد عليه من وسائل وإجراءات؛ فكما وجب على الحاكم تحقيق واجبه وجبَ على الرعية طاعته؛ إذ مبدأ السلطة والمسؤولية التقابل بين الحقوق والواجبات، ولذلك جاءت النصوص الواضحة بالنهي عن الافتيات على ولاة الأمور ومخالفتهم، فيجب على الجميع الالتزام بتعليماتهم وإرشاداتهم للحدِّ من انتشار هذا الفيروس والقضاء عل يه؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله سبحانه: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: 71]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» أخرجه البخاري في "صحيحه" من حيث أبي هريرة رضي الله عنه.
ويجب اتخاذ كافة الوسائل للحفاظ على نفوس الناس، باتباع تعليمات الجهات المسؤولة وأهل الاختصاص؛ من الأطباء ونحوهم، في كيفية التعامل مع هذا المرض الوبائي، والالتزام بما يوصون به من توجيهات وقائية أو علاجية؛ إذ هم أهل الذكر الذين تجب استشارتهم في هذا الشأن، وقد أمرنا الله بالرجوع لأهل الذكر في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].
أما الاحتجاج بالأحاديث التي أخبر فيها الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم بأن من خصوصية أمته: أن جعل الله تعالى لها الأرض مسجدًا وطهورًا؛ كالحديث المتفق عليه: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ»: فهو استدلال في غير محله؛ إذ لا يخفى أن سقوط الجمعة والجماعة إنما هو لخطر اجتماع الناس في الوباء وتَسَبُّبِه في نقل العدوى والداء، أما موضع الصلاة: فإنه يجب على كل مسلم أن يؤدي الصلاة المكتوبة في أي مكان مع اتخاذ التدابير الوقائية من العدوى؛ ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناسَ في المطر والوحل أن يصلوا في رحالهم وبيوتهم، ولم يكن ذلك مخالفًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الآخر: «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»؛ فتجوز الصلاة في البيت كما تجوز في المسجد؛ فقد أباح الله عز وجل لهذه الأمة الصلاة حيث كانوا؛ تخفيفًا عليهم وتيسيرًا؛ كما قاله العلامة الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (11/ 3635، ط. نزار الباز).
وأما الإصرار على إقامة الجمعة والجماعات، والتجمع أمام المساجد والساحات، وتحريض الناس على مخالفة التعليمات، بدعوى أن هذه الإجراءات ما هي إلَّا أخذ بالشبهة، وعمل بالظنة؛ دون قرينة أو شبهة قرينة يُبنى عليها الحكم: فهو غيابٌ عن الواقع، وإيقاع للناس في المشقة والحرج، وإلقاء بنفوسهم إلى التهلكة، وقد تقرر في الشرع أن "المظنة تنزل منزلة المئنة"، وأنه "يحتاط للحفاظ على الأنفس والمُهَج ما لا يحتاط لغيرها"؛ قال الإمام السيوطي في "مصباح الزجاجة" (ص: 85، ط. قديمي كتب خانة): [البناء على الظَّن الغَالِب أصلٌ مُقَرر فِي الشَّرْع] اهـ.
وتجمُّع الناس وتجمهرهم في الساحات وأمام المساجد هو مما يزيد البلاء ويعظمه، حتى وإن كان ذلك للعبادة أو التضرع أو اللجوء إلى الله تعالى لرفع البلاء.
وقد جُرب هذا التغافل والبعد عن الحقائق كثيرًا في حالات الوباء التي وقعت عبر التاريخ، وكان القصد منها أيضًا التضرع والاستغاثة لصرف الوباء؛ فأوقعت الناس في المخاطر والمهالك، وتزايدت الضحايا أضعاف ما كانت عليه قبل ذلك، فسرى فيهم الوباء سريان النار في الهشيم، وزادت الطين بلة حتى صار كالوحل الرطيم، فزاد الوباء وفشا، لا كما يدَّعِي -صاحب الفتوى- أنه مشى.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "بذل الماعون في فضل الطاعون" (ص: 328، ط. دار العاصمة):
[قرأت في جزء "المنبجي"، بعد إنكاره على من جمع الناس في موضع، فصاروا يدعون ويصرخون صراخًا عاليًا، وذلك في سنة أربع وستين وسبعمائة، لمَّا وقع الطاعون بدمشق، فذكر أن ذلك حدث سنة تسع وأربعين، وخرج الناس إلى الصحراء، ومعظم أكابر البلد، فَدَعَوْا واستغاثوا، فعَظُمَ الطاعون بعد ذلك وكثر، وكان قبل دعائهم أخف.
قلت: ووقع هذا في زماننا؛ حين وقع أول الطاعون بالقاهرة، في السابع والعشرين من شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، فكان عدد من يموت بها دون الأربعين؛ فخرجوا إلى الصحراء في الرابع من جمادى الأولى، بعد أن نودي فيهم بصيام ثلاثة أيام كما في الاستسقاء، واجتمعوا ودعوا وأقاموا ساعة ثم رجعوا؛ فما انسلخ الشهر حتى صار عدد من يموت في كل يوم بالقاهرة فوق الألف، ثم تزايد] اهـ.
وقال العلامة سبط ابن العجمي في "كنوز الذهب في تاريخ حلب" (2/ 212، ط. دار القلم):
[ثم في يوم الإثنين ثالث عشري ربيع الأول سنة 852هـ خرج الكافل والقضاة والمشايخ والعوام ومعهم المصاحف وأعلام الجوامع إلى قرنبيا، ورفعوا أصواتهم بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى، وقرَّب الكافلُ قربانًا للفقراء ورجعوا، فظهر الوباء ظهورًا لم يكن قبل ذلك.
وأذكرني هذا ما قاله شيخنا أبو الفضل بن حجر: أن في سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقع الطاعون بدمشق، وخرج الناس إلى الصحراء ومعظم أكابر البلاد، ودعوا واستغاثوا، فعَظُمَ الطاعون بعد ذلك وكثر] اهـ.
وأما الاستدلال على الاجتماع للصلاة والدعاء فيها والتضرع واللجوء إلى الله تعالى لرفع البلاء والوباء بقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۞ قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 63-64]، فهو تخصيص من غير مخصص.
فالإعراض عن كل هذه الحقائق، والتعامي عن خطر هذا الوباء، هو استهانة بالنفوس واستخفاف بالعقول، ومخالفةٌ للمعقول والمنقول، وليس إنكار الواقع من شأن العقلاء، ولا المكابرة فيه مما يدفع البلاء، ولا يجوز إلقاء الناس في المخاطر، بدعوى إقامة الشعائر، بل واجب الوقت على العلماء أن يقفوا أمام انتشار البلاء، حتى لا يستفحل الداء فيعجز الدواء، وأن يتضرعوا إلى الله بالدعاء، والإخبات والرجاء، ليكشف عن البريَّة هذه البَلِيّة، ويقي الناس شر الباس.
ويجب على المؤمن أن يعلم أن صبره على هذا البلاء وثباته والتزامه بالتعليمات من قبل الجهات المختصة، سيكون سببًا لتكفير سيئاته ورفع درجاته، وقد جعل الشرع أجر صلاة المسلم في البيت لعذرٍ كأجر صلاته في المسجد إذا كان حال عدم العذر مداومًا عليها؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ، كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ» رواه أبو داود.
قال الإمام ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (1/ 502، ط. دار الغرب الإسلامي): [والمشهور في الْمَرْضَى والمسجونين: أنهم يُجمِّعون؛ لأنهم مغلوبون على ترك الجمعة.. وقال ابن القاسم في المجموعة: إنهم لا يعيدون، وقاله أصبغ في المتخلفين من غير عذر، وهو الأظهر، إذ قد قيل: إنهم يُجمِّعون؛ لأنهم وإن كانوا تعدَّوا في ترك الجمعة، فلا يحرموا فضل الجماعة] اهـ.
بل نص العلماء على أن العبد إذا صبر على هذا الوباء وثبت، فله أجرُ شهيٍد وإن لم يمت به؛ كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 194، ط. دار المعرفة).
بناءً على ذلك: فيحرم شرعًا الإفتاء بذلك؛ لأنه قول بغير علم، يتسبب في إيقاع الناس في المهالك، ولا يستشفع لهذا القول حُسْنُ القصد، فهو غير كافٍ في مثل هذه الأمور؛ بل يُعدُّ قتلًا إذا مات الناس بسببه، ويوزن حينئذ بميزان «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ؛ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا» رواه الترمذي.
واتهام ولاة الأمور والخوض في أعراضهم، باتهامات كاذبة ودعاوى فارغة، هو مما يوقع في الإثم، والاستدلال بطهورية الأرض على هذه الدعوى استدلال باطل، لا ينهض أن يكون دليلًا تتعلق به حياة الناس وأرواحهم، فالمحافظة على النفوس من أهم المقاصد الكلية التي حثت عليها الشرائع السماوية.
ويجب شرعًا على المسلمين الالتزامُ بتعليمات الجهات المسؤولة التي تقضي بإيقاف الجماعة والجمعة في المساجد في هذه الآونة؛ لما تقرر في قواعد الشرع أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وقد حمَّل الشرعُ ولاةَ الأمر مسؤوليةَ الرعية، وخوَّل لهم من أجل تحقيق واجبهم اتخاذَ ما فيه المصلحةُ الدينية والدنيوية، ونهى عن الافتيات عليهم ومخالفتهم.
وعليه: فيحرم الإصرار على إقامة الجماعات أمام المساجد وفي الساحات تحت دعوى إقامة الشعائر والحفاظ على الفرائض مع تحذير الجهات المختصة من ذلك، وإصدارها القرارات بمنع ذلك.
وقد أسقطت الشريعة صلاة الجماعة عن المسلمين حال الخوف أو المرض أو ما كان في معناهما من الأعذار، كما نص الفقهاء أيضًا على سقوطها عن المجذومين ومَنْ في حكمهم من أصحاب الأمراض المعدية، وأوجبوا عزلهم عن الناس؛ سدًّا لذريعة الأذى، وحسمًا لمادة الضرر، مع أخذهم ثواب الشعيرة الجماعية؛ اعتبارًا بصدق النية، ورعايةً لأعذارهم القهرية، ومكافأةً لهم على كف الأذيَّة عن البرية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم لعبة البلياردو؟
ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.
ما حكم التباعد بين المصلين في صلاة الجماعة خوفا من عدوى كورونا؟ فقد انتشرت مقاطع فيديو لصلوات الجماعة في المسجد الأقصى وبعض مساجد المسلمين في صفوف متباعدة، مع التباعد الكافي بين المصلين (متر فأكثر) من جميع الجهات، واستقلال كل مصل بسجادته الخاصة به، وذلك قبل أن تصدر القرارات بتأجيل إقامة الجُمَع والجماعات احترازًا من انتشار عدوى كورونا. فهل هذه الهيئة تنافي معنى تسوية الصفوف المأمور بها؟ وهل إذا تباعدت الصفوف واتسعت أثَّر ذلك في حصول الاقتداء؟ وما حكم صلاة الجماعة على هذا النحو؟ أفيدونا أفادكم الله.
ما حكم تعجيل إخراج الزكاة بسبب وباء كورونا؟ حيث يمر العالم في هذه الآونة بنوع من الكساد الاقتصادي بسبب انتشار وباء فيروس كورونا، وأمام الإجراءات التي تتخذها دول العالم ومنها مصر للحد من انتشار عدوى هذا الوباء؛ من المكث في البيوت، وإغلاق المحلات، وغير ذلك، تأثر كثير من الناس بذلك، فهل يجوز تعجيل أموال الزكاة عن موعدها بسبب هذه الحالة التي تمر بها مصر وبلاد العالم؟
ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ حيث توجد بعض الألعاب المنتشرة على شبكة الإنترنت تكون بين مجموعة من اللاعبين، يأخذ كل متسابق في بداية اللعبة عددًا من العملات الخاصة باللعبة (coins)، فإذا خسر قَلَّ عدد هذه العملات، وإذا تقدم في اللعبة زاد عددها، كما أنَّ اللاعب عند وصوله إلى مستوى معين يكون قد جمع الكثير من هذه العملات ولا يكون في حاجة إليها، فيبيعها لغيره بأموال حقيقية، عن طريق تحويلها إلى حساب الشخص الآخر في اللعبة، أو يبيع حساب اللعبة (account) بالكامل، بأن يعطي اسم الحساب والرقم السري للمشتري؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع الوباء حيث ورد سؤال يقول صاحبه: في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء.
لكن خرج بعضُ مدَّعي العلمِ على بعض المواقع زاعمًا أن التَّعبُّدَ بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التِّلاوة بدعة، وأن التبرُّك والتوسُّل به حرام، وأنه لا فرقَ في ذلك بين "صحيح البخاري" و"مسلم" مثلًا، وأنها مجرَّد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، وأنَّ توظيف "صحيح البخاري" للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمرٌ متكلَّف، وأنَّ من ضرورياتِ الدين أنَّ المقصودَ مِن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو العمل بِمَا فيهما مِن الأوامرِ والنَّواهي، والإيمان بِمَا فيهما مِن الأخبار، وليس المقصود مجرَّد تلاوتهما ألفاظًا وتعبُّدًا.. فبَيِّنوا لنا الصوابَ في ذلك مشكورين.
1- عادة إقراء "صحيح البخاري" عند النوازلِ من الكوارثِ والأوباء قديمة، جرت على لسان السراج البلقيني في اليقظة والمنام.
2- لعل أمر هذه الظاهرة يعودُ إلى أقدم من وباء الطاعون الذي عمَّ الدنيا سنة 749هـ، واشتهرت هذه الظاهرة عند قدوم تيمورلنك إلى بلاد المسلمين.
3- أشهر الإمام سراج الدين البلقيني العمل بها، ودوَّنتها كتب التراجم والتأريخ، ونقلنا ذلك عنه فيما مضى.
4- التحقيق أن هذا العمل ليس موصولًا بعصور السلف، وأنَّ شيوعَه وذيوعَه بحكم وقوعه ووجوده لا يعطيه الحجِّية، وأنه ما زال يحتاجُ للدليل، وأن مجرَّد رؤيةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُ به لا يكفي مُستَدلًّا؛ فالمنامات يُسْتَأنس بها وليست -عند أهل السنة والجماعة- حجةً وبرهانًا، وأن الاتِّكاء عليها مع ترْك الأخْذ بالأسباب بدعةٌ في الدين، ومضادَّة لمقاصدِ الشريعة الكلية، والله المستعان وهو الواقي والعاصم.