رفع إلينا استفتاء من أحد الأشخاص ببيروت؛ جاء فيما تضمنه السؤال: عما إذا كان يجوز شرعًا للأطباء أن يشرحوا ويأخذوا عضوًا من أعضاء الميت سواء أكان رجلًا أم امرأة كقلبه أو معدته أو كبده أو سلسلة ظهره أو غيرها؛ لأجل فحص ذلك طبيًّا لمعرفة سبب موته أو دائه من أجل اختراع دواء لمعالجة المرضى الأحياء بهذا الداء؟
تشريح جثة إنسان بعد وفاته لبحثها علميًّا وللاستفادة بذلك في الصحة العامة أو أخذ عضو منها جائز شرعًا إذا اقتضته الضرورة الشرعية والمصلحة العامة، مع وجوب مراعاة الضوابط الشرعية والإجراءات الطبية المنظمة واختيار الأطباء الثقات، بما يضمن الابتعادَ عن التلاعب بالإنسان المكرم، وحفظَ جسده من الامتهان.
إن نصوص الشريعة وقواعدها وأحكامها ترمي إلى تحقيق مصالح البشر وضرورة المحافظة على أنفسهم من الآفات والأمراض؛ فأجازت أكل الميتة للمضطر بقدر ما يسد رمقه، واعتبرت من أدلة الأحكام ما يسمى بـ"المصالح المرسلة"، وهي التي لم يشهد لها أصل شرعي من نص أو إجماع لا بالاعتبار ولا بالإلغاء، ولكن يترتب على العمل بها تحقيق مصلحة تتفق وأغراض الشريعة فيعمل بها، ولذا وافق أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما على جمع المصحف بعد أن تحقق من أنه مصلحة في الدين، ونحو ذلك كثير.
وقد نص في أصول الفقه على أن "كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين وكان ملائمًا لتصرفات الشرع ومأخوذًا معناه من أدلته فهو صحيح يبنى عليه".
كما نص فيه على أن "كل ما يتوقف عليه ضروري من الضروريات الخمس ومنها المحافظة على النفس فهو ضروري".
وعلى هذا بنى الفقهاء كثيرًا من قواعدهم؛ كقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، وقاعدة "يرتكب الضرر الخاص لدفع الضرر العام"، وفرعوا على ذلك جواز الرمي إلى كفارٍ تترّسوا بصبيان المسلمين وأسراهم أو تجارهم؛ لأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام، وقتل الأسير أو التاجر ضرر خاص، كما فرعوا جواز نقض حائطٍ مَالَ إلى طريق العامة ولو أبى مالكها؛ دفعًا للضرر العام بتحمل الضرر الخاص، ومن قواعدهم: "إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما".
ولذا نص الحنفية على أنه: إذا ماتت حامل وولدها حي يضطرب شُق بطنها ويخرج ولدها؛ لأن الإضرار بالميت أخف من الإضرار بالحي، وقالوا: لو كان الولد ميتًا وخيف على الأم قطعته القابلة بآلة بعد تحقق موته وأخرجته؛ للسبب المذكور، ولو كان حيًّا لا يجوز تقطيعه، وعلَّلوا ذلك بأن موت الأم به أمر موهوم، فلا يجوز قتل آدمي حي لأمر موهوم،
وقالوا: لا يُشق الحي مطلقًا؛ لإفضائه إلى الهلاك.
فمن هذا كله نأخذ أنه: إذا اقتضت ضرورة المحافظة على الصحة العامة، أو ضرورة المحافظة على الأمن العام في حوادث الجنايات، بتشريح جثة لبحثها علميًّا وللاستفادة بذلك في الصحة العامة، أو أخذ عضو منها كذلك؛ لم يكن في ذلك بأس، بل قد يكون واجبًا بناءً على القواعد المذكورة، ولموافقته لأغراض الشريعة؛ من ارتكاب الضرر الخاص بدفع الضرر العام، وارتكاب الضرر الأخف لاتقاء الضرر الأشد، ولموافقته لما ذكر الفقهاء من الفروع، ولا يمنع من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لِحَفَّارٍ وَجَدَ عَظْمَ مَيِّتٍ فَكَسَرَهُ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» رواه أبو داود في "سننه"؛ لأن ذلك لم يكن لمصلحة.
وقول الفقهاء: لا يُشق الحي مطلقًا؛ لإفضائه إلى الهلاك: كان في زمانٍ لم يتقدم فيه الطب، فكان الغالب على الظن الهلاك، أما في زماننا وقد تقدم العلم والتشريح، وأصبح قريبًا من اليقين بالتجارب نجاةُ من شُقَّ بطنُهُ لإصلاح فسادٍ فيه؛ فلا يكون الشق ممنوعًا، بل قد يكون واجبًا في بعض الحالات، وأعمال الطب الآن تجري على هذا الأساس.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الشرع في القيام بإنشاء مركز أطفال الأنابيب؟
ما حكم تركيب أطراف صناعية؟ حيث تذكر السائلة أن الله تعالى رزق ابنها الوحيد بطفلة جميلة إلا أنها وُلدت ببتر خِلْقي بالذراع اليسرى -نصف ذراع من دون كف- وأن الطبيب أفادها بأنه يمكن تركيب أطراف صناعية للطفلة عند بلوغها أربع سنوات، والسؤال: هل في مثل هذه الحالة يجوز تركيب الأطراف الصناعية أم يكون ذلك اعتراضًا على حكم الله تعالى؟
ما حكم تزوير الشهادات الطبية لبيع البلازما؟ ففي ظل انتشار وباء فيروس كورونا "كوفيد- 19"، وبعد خروج تصريحات وزارة الصحة المصرية بارتفاع نسب الشفاء بعد حقن المرضى ببلازما المتعافين؛ لاشتمالها على أجسام مضادة للفيروس، وجدنا من يستغل هذه الحاجة ويلفق كذبًا من الشهادات الطبية ما يفيد تعافيه من الفيروس؛ وذلك لبيع البلازما بمبالغ مالية كبيرة، فما حكم ذلك؟
ما حكم الشرع الشريف في التبرع بالأعضاء بعد الوفاة؟
يقول السائل: امرأةٌ حامل في بداية الأسبوع السادس، وهي مصابة بنوع من السرطان الوراثي الذي يجعل احتمالات إصابة الجنين به خمسين بالمائة، فهل يجوز الإجهاض في هذه الحالة؟
إلى أي مدًى تُعدُّ الإصابة بالتوحد أو الذَّاتَوِيَّة من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة؟