ما حكم الانشغال في وقت العمل الرسمي بأعمال خاصة؟ حيث يقوم بعض الأشخاص بإنجاز بعض الأعمال الخاصة في وقت العمل الرسمي؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
الموظف مُؤتمنٌ على العمل الذي كُلِّف به، ولا يجوز له تركه والانشغال عنه بأعمال خاصة، إلَّا ما كان متَّفقًا عليه عند التعاقد، أو جَرى به العرف؛ كالأعمال التي يقوم بها في وقت الراحة نحو أداء الصلاة المفروضة، وتناول الطعام، فإذا صَرَف العامل وقت عمله في غير ما تعاقد عليه كان مُخِلًّا بعَقْده، مستوجبًا للذَمِّ شرعًا، وللعقوبة قانونًا.
المحتويات
حثَّ الشرع الحنيف على العمل والسعي لكسب الرزق الحلال؛ لكي يكون المسلم عضوًا فعَّالًا مُنْتِجًا في المجتمع، عاملًا على توفير حياة كريمة له ولأهل بيته، مساهمًا في قوة وازدهار مجتمعه؛ لذا امتدح الله تعالى عباده الذين يُؤَدّون عملهم بإخلاص وأمانة في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 253، ط. دار الكتب المصرية): [والأمانة تعمُّ جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور] اهـ.
كما أنَّه نهى عن الخيانة بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النساء: 107].
العلاقة بين العامل وبين صاحب العمل تُكَيَّف من الناحية الفقهية على أنَّها علاقة إجارة؛ لأنَّ الإجارة هي: عقدٌ على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبَذْل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم. ينظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (3/ 438، ط. دار الكتب العلمية)، وهذا التعريف ينطبق على العلاقة المذكورة، ويستوي في ذلك أن يكون العمل عامًّا -حكوميًّا- أو خاصًّا.
وتعتبر تلك العلاقة إجارة واقعة على منفعة متعلِّقة بعين؛ لأنها متعلقة بشخص مُحَدَّد مُعَيَّن، وقد تكون على الذمة إذا تعلقت بعمل مُحَدَّد يُطلب إنجازه.
يقول الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (3/ 443، ط. دار الفكر): [وهي -أي: الإجارة- قسمان: واردة على عين؛ كإجارة العقار، ودابة، أو شخص مُعَيَّنِينَ، وعلى الذمة؛ كاستئجار دابة موصوفة، وبأن يلزم ذمته خياطة أو بناء] اهـ.
والذي يضبط العلاقة بين العامل وصاحب العمل في الإجارة هو العقد المبرم بينهما، فيجب على كل منهما الالتزام بما تضمنه من بنود، والتقيد بما فيه من شروط؛ لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (6/ 32): [أمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود، قال الحَسَن: يعني بذلك عقود الدَّيْن، وهي ما عَقَدَه المرء على نفسه؛ من بيع، وشراء، وإجارة.. وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة] اهـ.
ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» رواه الترمذي في "سننه" من حديث عمرو بن عَوف المُزَني رضي الله عنه.
على ذلك: فالموظفون والعاملون هم أُجَرَاءُ لأوقات معينة على أعمال معينة يتعاقدون عليها ويأخذون عليها أجرًا، وهذا الأجر في مقابل احتباسِهم أنفسَهم واستقطاعِهم جزءًا معينًا من وقتهم لصرفه في هذا العمل، فليس لهم أن يقوموا بأيّ عمل آخر مِن شأنه أن يأخذ من وقتهم أو يُؤثِّر على جودة أدائهم في عملهم، ما لم يكن متَّفقًا عند التعاقد على استقطاع شيء من الوقت؛ وباستثناء ما جرى عُرف العمل على استثنائه؛ كأوقات الراحة، والصلوات المفروضة؛ فإذا صَرَف العامل وقت عمله في غير ما تعاقد عليه كان مُخِلًّا بعقده، مستوجبًا للذم شرعًا.
قال العلاَّمة البجيرمي الشافعي في "حاشيته على شرح منهج الطلاب" (3/ 174، ط. مطبعة الحلبي): [وأوقاتُ الصلوات الخمس، وطهارتُها، وراتبتُها، وزمنُ الأكل، وقضاء الحاجة: مُستَثناةٌ من الإجارة؛ فيصليها بمحله، أو بالمسجد إذا استوى الزَّمَان في حَقِّه، وإلا تعين مَحَلُّه] اهـ.
وإذا ما انشغل العامل والموظف في أوقات العمل الرسمية عن الأعمال المكلف بها بأعمال أخرى فإنَّه قد يلحق بالجهة التي يعمل بها ضررًا من تفويت الوقت عليها، وعدم إنجاز المطلوب، وهذا أمر منهي عنه شرعًا، ويدل لهذا ما رواه ابن ماجه في "سننه" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار».
قال الإمام الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (6/ 40، ط. دار الكتاب الإسلامي) عند شرح هذا الحديث: [يحتمل أن يريد به التأكيد، فيكون معنى الضرر والضرار واحدًا، واختار ابن حبيب هذا القول، ويحتمل أن يريد به: لا ضرر على أحد؛ بمعنى أنه لا يلزمه الصبر عليه، ولا يجوز له إضراره بغيره، وقال الخشني: الضرر: هو ما لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة، والضرار: ما ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة؛ ومعنى ذلك والله أعلم: أن الضرر ما قصد الإنسان به منفعة نفسه وكان فيه ضرر على غيره، وأن الضرار ما قصد به الإضرار لغيره؛ قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 107]، ويحتمل عندي أن يكون معنى الضرر: أن يضر أحد الجارين بجاره، والضرار: أن يضر كل واحد منهما بصاحبه؛ لأن هذا البناء يُسْتَعْمَل كثيرًا بمعنى المفاعلة؛ كالقتال، والضراب، والسِّباب، والجلاد، والزحام، وكذلك الضرار] اهـ.
وعلى أيٍّ من هذه التأويلات المذكورة فإنَّ انشغال العامل عن العمل في وقت العمل الرسمي وعدم قيام بالأعمال المكلف بها على الوجه المطلوب سيكون من مشمولات النهي الوارد في الحديث الشريف؛ لأنه سيؤدي إلى إيقاع الضرر بالغير.
وقد صرَّح الفقهاء بأن الأجير الخاص ليس له أن يعمل لغير مُستأجِره إلَّا بإذنه، وإلَّا نقص من أجره بقدر ما عمل. ولو عمل لغيره مجَّانًا في مدة عمله أسقط صاحب العمل من أجره بقدر قيمة ما عمل.
قال الإمام الزيلعي في "تبيين الحقائق" (5/ 137، ط. المطبعة الكبرى الأميرية) عن الأجير: [وليس له أن يعمل لغيره؛ لأنَّ منافعه في المدة صارت مستحقة له، والأجر مقابل بها فيستحقه، ما لم يمنعه من العمل مانع حسّي؛ كالمرض والمطر ونحو ذلك ممَّا يمنع التمكن من العمل] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (15/ 100، ط. دار الفكر): [والأجير على ضربين: خاص ومشترك، فالخاص هو الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها.. سُمِّي خاصًّا لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس] اهـ.
وجاء في "كشاف القناع" للعلامة البهوتي (4/ 33، ط. دار الكتب العلمية): [(وليس له) أي: الأجير الخاص (أن يعمل لغيره) أي: غير مستأجره؛ لأنه يفوِّت عليه ما استحقَّه بالعقد، (فإن عمِل) الأجير الخاص لغير مستأجره (وأضرَّ بالمستأجر فله) أي: المستأجر (قيمة ما فَوَّته) من منفعته (عليه) بعمله لغيره] اهـ.
قيامُ العاملين بما أُنِيط بهم من مهام وتكاليف بموجب العقد المُبرَم بينهم وبين جهة العمل، هو أمر واجب الالتزام، وانصرافهم وتشاغلهم عنه حرامٌ شرعًا؛ لأنه تشاغلٌ بغير واجب الوقت، ما لم يكن ذلك مسموحًا به في لوائح العمل كما بيَّنَّا، ويحق لصاحب العمل أن يوقع عليهم الغرامات المالية في مقابل الضرر الواقع عليه، بحسب ما نصَّت عليه اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم (81) لسنة 2016م، حيث حَدَّدت المادة (150) المحظورات التي يجب على الموظف العام تجنبها، بالإضافة إلى عدم مخالفة القوانين واللوائح والقرارات، وجاء في مُقدِّمة هذه المحظورات:
1- مباشرة الأعمال التي تتنافى مع الحَيْدة، والتجرد، والالتزام الوظيفي أثناء ساعات العمل الرسمية.
2- أن يجمع بين وظيفته وأيّ عمل آخر يؤديه بالذات أو بالواسطة إذا كان من شأنه الإضرار بأداء واجبات الوظيفة أو كان غير متفق مع مقتضياتها.
3- أن يؤدي أعمالًا للغير بأجر أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية إلا بأذن من السلطة المختصة.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالموظف مُؤتمنٌ على العمل الذي كُلِّف به، ولا يجوز له تركه والانشغال عنه بأعمال خاصة، إلَّا ما كان متَّفقًا عليه عند التعاقد، أو جَرى به العرف على النحو السابق تفصيله، فإذا صَرَف العامل وقت عمله في غير ما تعاقد عليه كان مُخِلًّا بعَقْده، مستوجبًا للذَمِّ شرعًا، وللعقوبة قانونًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم المشاركة في مسابقات التوقعات من خلال تطبيق إلكتروني؟ حيث أن السائل يقول: يوجد تطبيق يمكن تحميله والاشتراك من خلاله في التوقعات لأمور كثيرة؛ كلعبة كرة القدم أو غيرها، ولكي يقوم الشخص بالاشتراك يقوم بدفع مبلغ من المال، فإن صحَّ تَوقُّع المشترك استرد المال وفوقه زيادة، ومَن لم يصحّ توقعه لا يستردّ ماله، فهل هذا يجوز شرعًا؟
ما حكم المشاركة في دعوات الامتناع عن التجارة في أوقات الغلاء؟ فأنا صاحب نشاط تجاري وسمعت أنَّ هناك دعوات ومبادرات لبعض أصحاب المحلات التجارية التي تبيع المواد الغذائية وكذا محلات جزارة اللحوم والطيور لغلق النشاط والامتناع عن ممارسة التجارة بسبب غلاء الأسعار مدعين أن هذا هو مصلحة الفقير، فما حكم المشاركة في تلك المبادرات؟ وما التصرف الشرعي تجاه ذلك؟
ما حكم اشتراط جميع الربح للمضارِب؟ فرجلٌ أعطى لآخرَ مبلغًا من المال ليتجر فيه مضارَبَةً، ونظرًا لقرب العلاقات بينهما والظروف المالية التي يمر بها هذا الآخَر (المُضَارِب)، اشترط عليه الرجلُ صاحبُ المال أن يكون جميع الربح له (للمُضَارِب)، واتفَقَا على ذلك وتراضَيَا عليه، فهل تصح هذه المعاملة شرعًا؟
كيف يتصرف الخيَّاط في الملابس التي يقوم بتفصيلها ويتأخر أصحابها في تسلمها عن موعدها المحدد؟ فهناك رجلٌ يعمل خياطًا، ويقوم الزبائن بإحضار أقمشةٍ إليه لتفصيلها وملابس لإصلاحها، ويواجه مشكلة أحيانًا؛ حيث يترك بعضُهم تلك الملابس مدةً طويلةً، قد تبلغُ السنةَ وأكثر، مما يُسبب له حرجًا وضيقًا في محلِ العمل، فما التصرف الشرعي المطلوبُ في مثل هذه الحالة؟
ما حكم العمل في الأحجار الكريمة وزكاتها؟ فنحن المسلمين من منطقة شنجيانغ الواقعة في شمال غرب الصين، نعيش في مدينة صغيرة تعد من أفقر المدن، إلا أن الله سبحانه وتعالى وهبها ثروة طبيعية معدنية وهي الأحجار الكريمة، فلذا من البديهي أن يوجد من يتاجر بها، وبالتالي يصل عدد المزاولين من المسلمين إلى عشرين ألف شخص أو يزيد عن ذلك، هذا ما عدا المنتفعين منها، وعلى هذا نستطيع أن نقسمهم إلى ثلاثة أقسام:
1- الأيدي العاملة: ويقوم هؤلاء بالحفر والتنقيب عن المعادن مقابل أجور لمالكي المعادن.
2- الوسطاء: ويقوم هؤلاء بشراء الأحجار المستخرجة من المعادن ويبيعونها للناقلين.
3- الناقلون: يقوم هؤلاء بشراء الأحجار من الوسطاء وأحيانًا من المعادن مباشرة، وبعدما تصبح لديهم كمية كبيرة من الأحجار يذهبون بها إلى المدن الصينية الأخرى البعيدة ويبيعونها إلى غير المسلمين من النحاتين والنقاشين الذين ينحتون منها بنسبة 70 % أشكالًا مجسمةً مثل: الأصنام والتماثيل والحيوانات، وبنسبة 30% أشكالًا غير مجسمة مثل: الأَسْوِرَة والخواتم.
علمًا بأن الأحجار بحسب أسعارها تنقسم إلى قسمين:
1- الأحجار ذات الأسعار الغالية، وهي تحتل نسبةً ضئيلةً جدًّا لا يصنع منها النحات شيئًا بل يحتفظ بها للتباهي والتفاخر.
2- الأحجار ذات الأسعار الرخيصة، وهي تحتل النسبة الكبيرة منها التي ينحت منها النحَّات الأشكال المجسمة وغير المجسمة كما ذُكر بعاليه.
ونفيدكم بأن أغلبية المزاولين من خيرة الرجال الذين يتفانون في بذل ما عندهم للأمور الخيرية ومساعدة الفقراء، وهم كذلك من المتمسكين بالعقيدة الصحيحة.
ومما تجدر الإشارة إليه بأن عمدة اقتصاد المسلمين في أيدي مزاولي هذه التجارة، وإذا لم يزاولها المسلمون فمن المؤكد جدًّا أن يستولي عليها غير المسلمين، وبالتالي يضعف اقتصاد المسلمين، وفي هذه الحالة فما على المسلمين إلا أن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه الأمور الخيرية.
والسؤال الآن هو: ما حكم هذه التجارة؟ وكيف تؤدى زكاتها؟ وإذا كانت حرامًا فكيف تُصرف الأموال المكتسبة منها؟ أفتونا مأجورين بالتفصيل مع ذكر الأدلة.
ما حكم عمل برامج تسويق لمنتج طبي مستخلص من الخنزير واستخدامه في التداوي؛ فنحن نقوم بعمل برامج التسويق والبيع الخاصة بأحد المنتجات الطبية لإحدى الشركات الأجنبية، وهو يتكون من مادة الجلاتين بروسين في شكل إسفنجي، وهي مادة مستخلصة من الخنازير، وتقوم بوقف النزيف أثناء العمليات الجراحية، وتمتص داخل جسم الإنسان، فتساعد على نمو الأنسجة التالفة. علمًا بأن هذا المنتج تتم معالجته كيميائيًّا بمادة الميثانال ثم ضخّ غاز النيتروجين لتكوين الشكل الإسفنجي وليس بالاستخراج المباشر. ما الحكم الشرعي لاستخدام هذا المنتج والعمل في تسويقه؟