ما حكم صلاة المريض العاجز عن استقبال القبلة؟
استقبال القبلة حال الصلاة واجبٌ مأمورٌ به شرعًا؛ حيث قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: 144]، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للمُسيء في صلاته: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ» متفقٌ عليه.
وقد اتفق الفقهاء على أنَّ استقبال القبلة شرطٌ من شروط صحة الصلاة. ينظر: "البناية" للإمام بدر الدين العيني (2/ 117، ط. دار الكتب العلمية)، و"مواهب الجليل" للإمام الحطاب (1/ 507، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للإمام النووي (3/ 189، ط. دارالفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة (1/ 313، ط. مكتبة القاهرة).
ومع اتفاقهم على كون استقبال القبلة شرطًا للصلاة إلا أنهم قد نصوا على سقوط هذا الشرط في حال العجز عن الإتيان به بسبب مرضٍ أو نحوه، مع اختلاف بينهم وتفصيل في شروط ذلك وفي وجوب إعادة الصلاة بعد زوال العذر أم الاكتفاء بما أدَّاه حال قيام العذر.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه مَن عجز عن استقبال القبلة ولم يجد أحدًا يحوله إلى القبلة أو كان التحويل يضره: يسقط عنه الاستقبال ويصلي على حسب حاله، ولا إعادة عليه حينئذٍ؛ لأن الاستقبال شرط زائد يسقط عند العجز، وإن وَجَد أحدًا يحوله إلى القبلة، فإنه ينبغي أن يطلب منه المساعدة في استقبالها، فإن لم يفعل وصلَّى إلى غير القبلة، فالصلاة صحيحة عند الإمام أبي حنيفة، خلافًا لمحمد وأبي يوسف.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 118، ط. دار الكتب العلمية) في كلامه عن شرط استقبال القبلة في الصلاة: [فإن كان عاجزًا لعذرٍ مع العلم بالقبلة فله أن يصلي إلى أيِّ جهةٍ كانت، ويسقط عنه الاستقبال؛ نحو أن يخاف على نفسه من العدو في صلاة الخوف.. أو كان مريضًا لا يمكنه أن يتحول بنفسه إلى القبلة وليس بحضرته مَنْ يحوله إليها، ونحو ذلك؛ لأن هذا شرط زائد فيسقط عند العجز] اهـ.
وقال العلامة ابن مازه في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (2/ 148، ط. دار الكتب العلمية): [الحاصل: أن مفارقة المريض الصحيح فيما هو عاجز عنه، فأما فيما يقدر عليه هو كالصحيح. فإن كان يعرف القبلة، ولكن لا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، ولم يجد أحدًا يحوله إلى القبلة.. وفي ظاهر الجواب: لا يعيد؛ لأن ما عجز عنه من الشرائط لا يكون أقوى ما عجز عن الأركان، فإن وجد أحدًا يحوله إلى القبلة، فإنه ينبغي أن يأمره حتى يحوله إلى القبلة، فإن لم يأمره وصلَّى إلى غير القبلة، قال أبو حنيفة رحمه الله: تجوز صلاته، وقالا: لا تجوز] اهـ.
وقال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/ 302، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(قوله: والخائف يصلي إلى أيِّ جهةٍ قَدَر): لأن استقبال القبلة شرط زائد يسقط عند العجز.. وأراد بالخائف من له عذرٌ؛ فيشمل المريض إذا كان لا يقدر على التوجه وليس عنده من يحوله إليها أو كان التحويل يضرُّه، والتقييد بعدم وجود من يحوله جرى على قولهما، أما عنده: فالقادر بقدرةِ غيره ليس بقادر] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 3، ط. دار إحياء التراث العربي): [الصحيح من المذهب: سقوط استقبال القبلة في حال العجز مطلقًا؛ كالتحام الحرب.. وعجز المريض عنه وعمَّن يديره] اهـ.
وقال العلامة الحجاوي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 100، ط. دار المعرفة) في شروط صحة الصلاة: [ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة، وهو الشرط الثامن لصحة الصلاة، فلا تصح بدونه إلا المعذور.. ولو نادرًا كمريض عجز عنه وعمن يديره إليها وكمربوط ونحوه فتصح إلى غير القبلة منهم بلا إعادة] اهـ.
وذهب المالكية والشافعية إلى أنه مَن عجز عن استقبال القبلة ولم يجد مَن يحوله إليها ولو بأجرة؛ فيصلي على حسب حاله ويعيد الصلاة وجوبًا، وقيد المالكية: الإعادة في الوقت إذ تحققت الاستطاعة به أو بوجود من يساعده.
قال الإمام المازري في "شرح التلقين" (1/ 867، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال في "المدونة" في المريض: لا يصلي إلا إلى القبلة. وإن عسر تحويله إليها احتيل فيه. فإن صلّى إلى غيرها أعاد في الوقت إليها.. وإنما يعيد في الوقت مَن لم يقدر على استقبال القبلة. فأما المريض القادر على استقبالها فيعيد أبدًا؛ كالصحيح] اهـ.
وقال العلامة الحطاب في "مواهب الجليل" (1/ 507، ط. دار الفكر): [قال ابن بشير في باب صلاة المريض: فإن عجز عن استقبال القبلة بنفسه حُوِّل إليها، فإن عجز عن تحويله سقط حكم الاستقبال في حقه كالمسايف، وفي "الكتاب": إذا صلى لغير القبلة أعاد في الوقت بمنزلة الصحيح.. قال أصبغ في "الواضحة": هذا إذا لم يستطع التحويل إلى القبلة ولم يجد من يحوله فيصلي كما هو؛ فإذا قدر أو وجد من يحوله أعاد في الوقت. ابن يونس: يريد ولو كان واجدًا مَن يحوله فتركه وصلى إلى غير القبلة أعاد أبدًا كالناسي. انتهى] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 243، ط. دار الفكر): [المريض الذي يعجز عن استقبال القبلة ولا يجد مَن يحوله إلى القبلة، لا متبرعًا ولا بأجرة مثله، وهو واجدها يجب عليه أن يصلي على حسب حاله، وتجب الإعادة؛ لأنه عذر نادر] اهـ.
وبناءً على ما سبق: فإنَّ المريض إذا دخل عليه وقت الصلاة ولم يستطع استقبال القبلة بنفسه أو بمساعدة أحد وشقَّ عليه ذلك: فإن له أن يُصَلِّى على حاله ولو لغير القبلة، ولا إعادة عليه كما هو مذهب الحنفية والحنابلة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة؟
ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟ فقد سافرتُ في مهمة للعمل خارج البلاد، وقمتُ بجمع الصلاة في أيام سفري جمعَ تقديمٍ، مع المحافظة على صلاة النوافل بترتيبها مع كلِّ صلاة، فعند الجمع بين الظهر والعصر كنتُ أصلي نافلة الظهر القَبلية، ثم الظهر، ثم نافلتَه البَعدية، ثم نافلة العصر، ثم أصلي العصر، وعند جمع المغرب مع العشاء صليتُ المغرب، ثم نافلتَها، ثم نافلة العشاء القَبلية، ثم العشاءَ ونافلتَها البَعدية.
ما حكم عمل سجادة للصلاة تقوم بِعَدِّ ركعات الصلاة أثناء الصلاة؛ وذلك لكبار السن وغيرهم ممَّن يكثر سهوُه ونسيانُه؟
سائل يقول: نرجو منكم بيان ما ورد في السنة النبوية من تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التخلف عن صلاة الجمعة كسلًا وتهاونًا ممَّن وجبت عليهم.
ما حكم الاقتصار على خطبة واحدة بعد صلاة العيد؟ فقد ذهبت أنا وإخوتي لأداء صلاة العيد، وبعد انتهاء الصلاة قام الإمام ليخطب، فجلسنا لنسمع الخطبة، فوجدناه قد أنهى الخطبة دون الفاصل المعهود بين الخطبتين، فقال أحد إخوتي: إن الإمام قد أخطأ في ذلك؛ لأن الصحيح أن تكون خطبتان لا خطبة واحدة، فما الحكم الشرعي في تلك المسألة؟
تعلمون فضيلتكم أنه قد يضطر القائمون على المساجد إلى إضافة أدوار عليا فوق المسجد نظرًا لضيق الأماكن، ولكن تقابلنا مشكلة تبزغ من وقت لآخر، وهي: أن المصلين في هذه الأدوار العليا لا يتمكنون من رؤية الإمام ولا المصلين خلفه بالدور الأرضي، وإنما يتابعون الصلاة عن طريق السماع فقط (بمكبرات الصوت)، ولا يخلو الأمر أحيانًا من وجود سهو في الصلاة كأن يقوم الإمام بدلًا من الجلوس للتشهد أو تكون هناك سجدة تلاوة أو سجود للسهو، وغير ذلك مما لا يفطن إليه المصلون بالأدوار العليا، فيستمرون في صلاتهم حتى يكتشفوا الخطأ فيحدث ارتباك في المسجد، بل وقد ترتفع الأصوات ويشك الناس في صلاتهم.
وقد فكرنا في الاستفادة من الأجهزة الحديثة في التغلُّب على هذه المشكلة قياسًا على الاستفادة من مكبرات الصوت والإضاءة الحديثة وقبل أن نقدم على ذلك نودُّ أن نتعرَّف على الحكم الشرعي في ذلك حتى لا نفتح بابًا للبدع في المساجد بغير قصد، لذلك نعرض على فضيلتكم اقتراحنا أولًا، ونسأل الله أن يوفقكم في الإجابة وفق ما يُحبُّه ويرضاه. وهذا الاقتراح يتمثل في الآتي:
1- تثبيت عدسة مراقبة (كاميرا تصوير) خلف الإمام فقط لمتابعة حركته من قيام وركوع وسجود، ولا تستعمل إلا عند إقامة الصلاة وتغلق عند انتهاء التسليمتين (على غرار الكاميرات المستعملة للمراقبة في الشركات والهيئات).
2- اتصال هذه الكاميرا بشاشة عرض صغيرة (كمبيوتر أو تلفزيون) أو فانوس إسقاط -بروجكتور- توضع في قِبلة الأدوار العليا بالمسجد ليتمكن المصلون من متابعة الإمام بين الحين والآخر.
فيرجى التكرم بالإفادة عن مدى شرعية هذا الأمر قبل تنفيذه.