سائل يقول: توضأتُ ولبستُ جوربين، ثم بعد مدة قصيرة لبستُ جوربين آخَرَين فوقهما قبل أن يَنتقض وضوئي، فهل يجوز لي المسح عليهما أو عليَّ نزعُهما والمسح على الأوَّلَين؟
ما دام لُبس الجَوْرَبَيْن كان بعد الوضوء، وتم المسح عليهما، ثم بعد ذلك تمَّ لبس غيرَهما فَوْقَهما قبل أن يَنتقض الوضوء، فإنه يجوز -عند الوضوء- المسح على الجَوْرَبَيْن الظاهرين، وذلك إذا كان في مدة المسح وكان المسلم مراعيًا أحكامَه.
المحتويات
مِن يُسْرِ الشريعةِ السمحةِ: أنَّ أحكامَهَا قد بُنِيَتْ على التخفيفِ والتيسيرِ ورفعِ الحرجِ، فلم يُكَلِّفِ المولى سبحانه وتعالى العبادَ إلا بما هو في طاقتهم ووُسعهم؛ قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
قال الإمام الزَّمَخْشَرِي في "الكشاف" (1/ 332، ط. دار الكتاب العربي): [الْوُسْعُ: ما يَسَعُ الإنسانَ ولا يَضِيقُ عليه ولا يُحْرَجُ فيه، أي: لا يكلِّفها إلا ما يَتَّسِعُ فيه طَوْقُه ويَتيسر عليه، دون مَدَى الطاقة والمجهود، وهذا إخبارٌ عن عدله ورحمته، كقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾] اهـ.
ومِن مظاهر هذا اليُسر في الشريعة: أنها أباحت للمسلم عند الوضوء أنْ يمسح على الخُفَّيْن أو الجَوْرَبَيْن -على اختلافٍ بين الفقهاء وتفصيلٍ في شروط المسح عليهما، سواء في الخُفَّيْن أو الجَوْرَبَيْن-، وذلك دون أن ينزعهما، ما دام قد لَبِسَهُمَا وفق أحكامهما المقررة في الشرع، والتزم بهذه الأحكام.
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعنه أيضًا رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» أخرجه الأئمة: أصحاب السنن الأربعة، وأحمد في "المسند" واللفظ له.
"الخُفُّ": نعلٌ مصنوعٌ من الجلد يُغطي الكعبين، والكَعْبَان: هما العَظْمَتان البارِزَتَان على جانِبَي القدم، وجَمْعُهُ: خِفَاف بكسر الخاء؛ كما في "سبل السلام" للإمام الصنعاني (1/ 80، ط. دار الحديث).
و"الجَوْرَبُ": ما يرتديه الإنسانُ في قَدَمهِ للدفء غالبًا، سواء كان مصنوعًا من الصوفِ أو القطنِ أو الكتانِ أو غير ذلك؛ كما في "تاج العروس" للإمام الزَّبِيدِي (2/ 156، ط. دار الهداية).
إذا توضأ المسلمُ ولبس الجَوْرَبَيْن، ثم لبس بعد ذلك جَوْرَبَيْن آخَرَين فَوْقَهما قبل أنْ ينتقض وُضوؤه -أي: وهو على نفس الطُّهر الذي لبس فيه الجَوْرَب الأول-، فإنه يجوز له أن يمسح على الجَوْرَبَيْن الظاهرَين (الأَعْلَيَيْن أو الفَوْقَانِيَّيْن) دون أن ينزعهما؛ لحديث أبي عبد الرحمن السلمي أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالًا رضي الله عنهما عن وُضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» أخرجه الأئمة: أبو داود في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
وعن الحارث بن معاوية، وسهيل بن أبي جندل أنهما سَأَلَا بلالًا رضي الله عنه عن المسح، فقال: «امْسَحُوا عَلَى الْجُرْمُوقِ» رَفَعَه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه الإمام الطبراني في "مسند الشاميين".
و"المُوقُ": ما يُلْبَسُ فوق الخُفِّ، وأَصْلُهُ فارسيٌّ معرب؛ كما في "الصحاح" للإمام الجوهري (1/ 301، ط. المكتبة العصرية).
و"الجُرْمُوق": خُفٌّ قصيرٌ يُلبس فوق الخُفِّ، وقيل: هما سواء؛ كما في "الجوهر النقي على سنن البيهقي" لأبي الحسن المارديني الشهير بـ"ابن التركماني" (1/ 288، ط. دار الفكر).
وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء مِن الحنفية، والشافعية في مقابل الأصح -إلا إذا كان الجَوْرَب الأسفل مُخَرَّقًا؛ فإنه يجوز المسح على الجَوْرَب الأعلى قولًا واحدًا-، والمالكية، والحنابلة.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (1/ 102، ط. دار المعرفة): [قال: (ويجوز المسح على الجُرْمُوقَيْن فوق الخُفَّيْن) عندنا.. (ولَنَا) حديث عمر رضي الله تعالى عنه قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الجُرْمُوقَيْنِ»، ولأنَّ الجُرْمُوق فوق الخُفِّ في معنى خُفٍّ ذي طَاقَيْنِ، ولو لبس خُفًّا ذا طَاقَيْنِ كان له أن يمسح عليه، فهذا مثله، وإنما يجوز المسح عندنا على الجُرْمُوقَيْن إذا لبسهما فوق الخُفَّيْن قبل أنْ يُحدِث] اهـ.
وقال العلامة الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 178، ط. دار الفكر): [يُرخص في المسح على الخُفِّ إن كان منفردًا، بل ولو كان جَوْرَبًا على جَوْرَبٍ، أو خُفًّا على جَوْرَبٍ، أو خُفًّا أو جَوْرَبًا على لفائفَ، أو خُفًّا أو جَوْرَبًا على خُفٍّ في الرِّجلين، أو إحداهما في الجميع، والأخيرتان في "المدونة" وفيها الخلاف المشار إليه بـ"لو"، وشرطُ مسحهِ على الأَعْلَيَيْنِ: أنْ يكونَ لَبِسَهُمَا وهو على الطُّهْرِ الذي لبس بعده الْأَسْفَلَيْنِ، أو بعد أنْ أحدثَ وَمَسَحَ على الْأَسْفَلَيْنِ، أمَّا لو لَبِسَ الْأَسْفَلَيْنِ على طُهْرٍ، ثمَّ أحدَث، ثم لبس الأَعْلَيَيْنِ قبل أنْ يتوضأ ويمسحَ على الْأَسْفَلَيْنِ، لم يمسحْ على الأَعْلَيَيْنِ] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 504، ط. دار الفكر): [الأصَحُّ مِن القولين عند الأصحاب: أنه لا يجوز المسح على الجُرْمُوق، ووافقهم عليه القاضي أبو الطيب في "تعليقه"، وخالفهم في كتابه "شرح فروع ابن الحداد" فَصَحَّحَ الجواز، وهو اختيار المُزَنِي.
وشرطُ مسألة القولين: أنْ يكون الخِفَافُ والجُرْمُوقَانِ صحيحَين يجوز المسحُ على كلِّ واحدٍ لو انْفَرَدَ كما قاله المصنِّف، فأمَّا إنْ كان الأعلى صحيحًا والأسفل مُخَرَّقًا، فيجوز المسحُ على الأعلى قولًا واحدًا؛ لأنَّ الأسفل في حكم اللِّفافةِ، هكذا قَطَعَ به الأصحابُ الطُّرُقَ، وصَرَّحوا بأنه لا خلاف فيه] اهـ.
وقال أيضًا (1/ 506): [(فرعٌ) في مسائل تتعلق بمسح الجُرْمُوقَيْن: إحداها: إذا قلنا: يجوز المسح على الجُرْمُوقَيْن، فينبغي أن يَلبس الخُفَّيْن والجُرْمُوقَيْن جميعًا على طهارةِ غَسل الرِّجلين] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (1/ 208، ط. مكتبة القاهرة) فيمن لبس خُفَّيْن ثم لبس فوقهما خُفَّيْن أو جُرْمُوقَيْن آخَرَين: [وإن لَبِسَ الْفَوْقَانِيَّ قبلَ أنْ يُحْدِثَ، جازَ المسحُ عليهِ بكلِّ حالٍ، سَوَاءٌ كان الذي تحته صحيحًا أو مُخَرَّقًا، وهو قول الحسن بن صالح، والثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دمتَ قد لبستَ الجَوْرَبَيْن بعدما توضأتَ ومسحتَ عليهما، ثم لبستَ غيرَهما فَوْقَهما، فإنه يجوز لكَ -عند الوضوء- أن تمسح عليهما، وذلك ما دمتَ في مدة المسح ومراعيًا أحكامَه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم صلاة الجمعة لمَن أدرك الإمام في التشهد؟ حيث يوجد رجلٌ أدرك مِن صلاة الجمعة السجدتين والتشهد مع الإمام، فلما سلَّم الإمام أتمَّ صلاتَه ركعتين، فهل ما فعله صحيحٌ ومجزئٌ له عن الجمعة شرعًا؟
ما حكم الالتزام بمواقيت الصلاة التي تصدرها هيئة المساحة فنحن في قرانا بإدارة أوقاف إسنا التابعة لمديرية أوقاف الأقصر بعض المساجد تتفاوت في توقيت الأذان، فبعضها إلى الآن ما زال على التوقيت القديم بحساب فرق التوقيت بالزائد والناقص؛ بمعنى أنهم يأخذون معرفة الأذان من توقيت النتيجة، ثم لهم ورق بحساب فرق التوقيت بالزائد والناقص، ثم يكون الأذان.
وبعضها يأخذ توقيت الأذان من موقع الهيئة العامة المصرية للمساحة، ونحن فى حيرة من أمرنا، ولكن يا معالي مفتي الديار المصرية أليس هناك موقع للهيئة العامة المصرية للمساحة وهي التي تحدد التوقيت بالدقيقة مع هؤلاء الذين يأخذون بالتوقيت القديم فينظرون أولًا في النتيجة ثم يأخذون بحساب فرق التوقيت بالزائد والناقص، وتوقيت النتيجة هو نفسه مأخوذ من موقع الهيئة العامة المصرية للمساحة؟ ولكن المشكلة في حساب فرق التوقيت بالزائد والناقص أنه يفرق عن توقيت المساحة بدقيقتين أو ثلاث دقائق. فيا معالي مفتي الديار المصرية لا ندري أيُّ التوقيتين أصحُّ؟
هل يجوز نقل دورة المياه الخاصة بالمسجد من الناحية البحرية إلى الناحية القبلية؛ فتكون دورة المياه باتجاه القبلة، يعزلها عن المسجد جدار؟
ما هي حدود الاستمتاع بين الزوجين أثناء الحيض؟ فأنا قليلا ما أجتمع بزوجتي بسبب سفري، وغالبًا ما آتي في وقت تكون فيه حائضًا، وعادتها أن تحيض أربعة عشر يومًا؛ فلا نستطيع الاستمتاع إلا يومًا أو نحوه في مدة مكثي معها. فهل يجوز لي أن أستمتع بكامل جسد زوجتي وهي حائض إذا اجتنبت الجماع؟
ما حكم الخروج من المسجد بعد الأذان؟ فأنا دخلت المسجد لأصلي الظهر، ثم حدث أمرٌ طارىء فخرجت من المسجد قبل الصلاة؛ فما حكم الشرع في الخروج من المسجد بعد الأذان؟
بعض المساجد يؤذن فيها أذان واحد يوم الجمعة عقب صعود الخطيب المنبر، وبعضها الآخر يؤذن فيها أذانان قبل صعود الخطيب وعقب صعوده، فأيهما أصحُّ وأولى بالاتباع؟