ما حكم إتمام من شَرَع في صومِ التطوعِ وحكم قضائه إن أفسده؟ فأنا اعتدتُ على الإكثار من صيام التطوع كنحو يومي الإثنين والخميس من كلِّ أسبوع ما أمكن ذلك، ولكن أفسدت صومي في أحد هذه الأيام بعد الشروع فيه، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ وهل يجب عليَّ قضاء هذا اليوم؟
ينبغي على المكلف إتمام صوم التطوعِ متى شَرَع فيه، وعليه أن لا يتعمد الإفطار بغير عذر، وإذا عَرَضَ عذرٌ أبيح له الفطر اتفاقًا، أما إذا أفطر بغير عذرٍ فيستحب قضاء هذا اليوم، خروجًا من خلاف من أوجب قضاءه.
المحتويات
الصوم عبادة من أجَلِّ العبادات التي يثاب عليها المسلم؛ سواء كانت على سبيل الوجوب والفريضة، أم على سبيل الندب والتطوع؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 184]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ» أخرجه الترمذي وابن ماجه في "سننهما"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» متفقٌ عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في عِظَم الصوم وفضائله الكثيرة.
هذا، وقد اختلف الفقهاء في حكم إتمام من شَرَع في صومِ التطوعِ وحكم قضائه إن أفسده.
فذهب الحنفية إلى أنَّ من شَرَع في صومِ التطوعِ وجبَ عليه إتمامه، وإن أفسده وجب عليه قضاؤه، سواء أكان الإفساد لعذرٍ أم لغير عذرٍ، ولا إثم عليه في حال عدم الإتمام مع وجود العذر المبيح للإفطار، فإن لم يكن عذر فإنه يكره الفطر في إحدى الروايتين عند الحنفية، وفي رواية أخرى عند أبي يوسف وهي اختيار بعض محققي المذهب بأنه لا يكره الفطر مع عدم العذر أيضًا ما دام صاحبه ينوي القضاء.
قال الإمام المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 125، ط. دار إحياء التراث العربي): [ومن دخل في صلاة التطوع أو في صوم التطوع ثم أفسده قضاه.. ثم عندنا لا يباح الإفطار فيه بغير عذرٍ في إحدى الروايتين لما بيَّنَّا -أي: أن المؤدَّى قربةٌ وعملٌ فتجب صيانته بالمضي عن الإبطال، وإذا وجب المضي وجب القضاء بتركه- ويباح بعذر، والضيافة عذر؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ»] اهـ.
وقال العلامة ابن مَوْدُود المَوْصِلِي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 66، ط. الحلبي): [(ويلزم التطوع بالشروع مُضيًّا وقضاءً)؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]..، ولقوله عليه الصلاة والسلام للصائم: «أَجِبْ أَخَاكَ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ»، وقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة وحفصة رضي الله عنهما، وقد أفطرتا في صوم التطوع: «اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَا تَعُودَا»] اهـ.
وقال العلامة الشُّرُنْبُلَالِيُّ الحنفي في "مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح" (ص: 260-261، ط. المكتبة العصرية): [(ويجوز للمتطوع) بالصوم (الفطر بلا عذر في رواية) عن أبي يوسف. قال الكمال: واعتقادي أنها أوجَه.. اعلم أن فساد الصوم والصلاة بلا عذر بعد الشروع فيهما نفلًا مكروه، وليس بحرام؛ لأن الدليل ليس قطعي الدلالة، وإن لزم القضاء، وإذا عرض عذر أبيح للمتطوع الفطر اتفاقًا .. (وإذا أفطر) المتطوع (على أي حال) كان (عليه القضاء)، لا خلاف بين أصحابنا في وجوبه صيانة لما مضى عن البطلان] اهـ.
ذهب المالكية إلى أنَّ من شَرَع في صومِ التطوعِ وجبَ عليه إتمامه، فإن أفسده بغير عذر وجب عليه قضاؤه، وإن أفسده لعذر فلا قضاء عليه.
قال القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي في "الإشراف" (1/ 448، ط. دار ابن حزم): [إذا دخل في صوم التطوع فقد لزمه إتمامه، فإن أفطره بغير عذرٍ فعليه القضاء، وإن أفطره لعذرٍ فلا قضاء عليه] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (1/ 350، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [ومن تطوع بالصيام وأصبح صائمًا لزمه الإتمام، فإن أفطر متعمدًا فعليه القضاء، وإن أفطر بعذر مرض أو حيض أو نسيان فلا شيء عليه، وعلى الناسي الكف في بقية يومه عن الأكل والشرب والجماع] اهـ.
وقال العلامة الخَرَشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 251، ط. دار الفكر): [الصوم النفل إذا أفطر فيه عمدًا حرامًا فإنه يلزمه قضاؤه، وخرج بالعمد النسيان، وبالحرام غيره: كالفطر لحيضٍ، أو نفاسٍ، أو نحوهما] اهـ.
بينما ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن مَن شَرَع في صوم التطوع لا يلزمه إتمامه، وإن كان الإتمام أفضل، فإن أفسده لا يجب عليه قضاؤه، إلا أنه يستحب القضاء سواء أفسده بعذرٍ أم بغيره؛ خروجًا من الخلاف، ولا إثم في الخروج من صوم التطوع ولا حرمة في ذلك سواء كان الفساد بعذرٍ أو غير عذرٍ، لكن يكره له الخروج منه بلا عذرٍ عند الشافعية في المذهب، وعند بعضهم لا يكره الخروج بلا عذرٍ، ولكنه خلاف الأَوْلى.
قال الإمام الرُّويَاني الشافعي في "بحر المذهب" (3/ 299، ط. دار الكتب العلمية): [إذا دخل في صوم التطوع أو صلاة التطوع فهو مخيرٌ إن شاء أتمه وإن شاء خرج منه، والإتمام أفضل. وقال بعض أصحابنا: يكره له الخروج منهما، فإن خالفَ وخرج لا يأثم ولا يلزمه القضاء] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 394، ط. دار الفكر): [قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: إذا دخل في صوم تطوع أو صلاة تطوع استحب له إتمامهما؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، وللخروج من خلاف العلماء، فإن خرج منهما بعذرٍ أو بغير عذرٍ لم يحرم عليه ذلك، ولا قضاء عليه، لكن يكره الخروج منهما بلا عذرٍ؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾، هذا هو المذهب، وفيه وجهٍ حكاه الرافعي: أنه لا يكره الخروج بلا عذرٍ ولكنه خلاف الأَوْلى. (وأما) الخروج منه بعذرٍ فلا كراهة فيه بلا خلاف، ويستحب قضاؤه سواء خرج بعذرٍ أم بغيره] اهـ.
وقال أيضًا في (6/ 396): [مذهبنا: أنه لا يلزمه قضاء صوم التطوع إذا خرج منه سواء أخرج منه بعذرٍ أم بغيره، وبه قال أكثر العلماء] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 186، ط. دار الكتب العلمية): [(ومن تَلبَّس بصوم تطوعٍ أو صلاته فله قطعهما).. ولكن يكره الخروج منه بلا عذرٍ؛ لظاهر قوله تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾، وللخروج من خلاف من أوجب إتمامه، فإن كان هناك عذرٌ كمساعدة ضيف في الأكل إذا عزَّ عليه امتناع مضيفه منه أو عكسه، فلا يكره الخروج منه، بل يستحب لخبر: «وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» وخبر: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» رواهما الشيخان. أما إذا لم يعز على أحدهما امتناع الآخر من ذلك، فالأفضل عدم خروجه منه، كما في "المجموع"، وإذا أفطر لم يُثَبْ على ما مضى إن خرج بغير عذرٍ، ويثاب عليه إن خرج بعذرٍ، وعلى هذا يحمل قول المتولي أنه لا يثاب؛ لأن العبادة لم تتم. وما حُكِيَ عن الشافعي أنه يثاب عليه. (ولا قضاء) واجب لقطع التطوع، بل هو مندوب سواء أخرج بعذرٍ أم بغيره؛ للخروج من خلاف مَن أوجب قضاءه] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 159، ط. مكتبة القاهرة): [(ومَن دخل في صيام تطوعٍ، فخرج منه، فلا قضاء عليه، وإن قضاه فحسن)، وجملة ذلك أن مَن دخل في صيام تطوع، استحب له إتمامه، ولم يجب، فإن خرج منه، فلا قضاء عليه] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 397-398، ط. دار الكتب العلمية): [(ومن دخل في تطوع غير حجٍّ وعمرةٍ استحب له إتمامه)؛ لأنَّه تكميل العبادة وهو مطلوب، (ولم يجب) عليه إتمامه.. (وإن أفسده)؛ أي: التطوع (فلا قضاء عليه)؛ لأن القضاء يتبع المقضي عنه، فإذا لم يكن واجبًا، لم يكن القضاء واجبًا بل يستحب] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنه ينبغي إتمام صوم التطوعِ متى شَرَع المكلف فيه، وعليه أن لا يتعمد الإفطار بغير عذر، وإذا عَرَضَ عذرٌ أبيح له الفطر اتفاقًا، أما إذا أفطر بغير عذرٍ فيستحب قضاء هذا اليوم، خروجًا من خلاف من أوجب قضاءه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم قطرة العين وهي مضاد حيوي وليست غذاءً؟ وما حكم محلول العدسات اللاصقة وهو عبارة عن مضاد حيوي ومنظف لها، وعند ارتدائها تدخل قطرة صغيرة إلى العين ومنها إلى الأنف والحلق؟
ما حكم قضاء صيام يوم عاشوراء؟ فقد اعتاد رجلٌ صيامَ عاشوراء عملًا بالسُّنة، وابتغاءً للأجر والفضل، غير أنه عرَض له سفرٌ في اليوم العاشر من شهر الله المُحرَّم، ففاتَه الصيام، فهل يُشرَع له قضاء صيام يوم عاشوراء؟
كنت مع شخص آخر في شهر رمضان في مدينة خارج القاهرة، وسمعنا أذان المغرب عن طريق المذياع فأفطرنا ظنًّا أنه وقت الأذان في المدينة التي كنا بها، وبعد ذلك أذّن مؤذن في مسجد قريب من المنزل، فاتضح أننا أفطرنا خطأ قبل موعد الأذان. ما حكم صيامنا في هذا اليوم؟
ما حكم صيام مرضى السكر؛ حيث تم إعداد برنامج جديد بالنسبة لتقييم حالة مرضى السكر، يحتوي على كل العوامل المسببة للخطورة، وإعطائها نقاطًا مختلفة حسب أهميتها، بشكل متناسب مع وضع كل مريض، ويقوم الأطباء بمراجعة حالة المريض بالتفصيل، وتضاف النقاط حسب المعلومات (عوامل الخطورة تتحدد بناءً على مدة المرض، ونوعه، ونوع العلاج، والمضاعفات الحادة من الحمض الكيتوني وارتفاع السكر الشديد مع الجفاف، والمضاعفات المزمنة، وهبوط السكر، وخبرة الصوم السابقة، والصحة الذهنية والبدنية، وفحص السكر الذاتي، ومعدل السكر التراكمي، وساعات الصيام، والعمل اليومي والجهد البدني، ووجود الحمل).
ويتم بعدها جمع النقاط لكل مريض لتحديد مستوى الخطورة في حال قرر صيام رمضان كما يلي: من 0: 3= خطورة خفيفة، ومن 3.5: 6= خطورة متوسطة، وأكبر من 6= خطورة مرتفعة.
نصائح وإرشادات:
أولًا: يجب تقديم النصائح الطبية لكل المرضى مهما كان مستوى الخطورة عندهم، وتعديل العلاج الدوائي بما يناسب كلِّ حالةٍ.
ثانيًا: يجب تقديم النصائح والمتابعة الدقيقة لكل المرضى، حتى في حال الإصرار على الصيام ضد نصيحة الطبيب.
ثالثًا: يُنصح المرضى الذين يقدر وضعهم على أنه مرتفع الخطورة بعدم الصيام مع توضيح احتمالات الضرر عليهم.
رابعًا: في حال المرضى متوسطي مستوى الخطورة، يتم التشاور بين الطبيب والمريض ومراجعة الوضع الصحي وخبرات المريض السابقة وأدويته، ويجب توضيح احتمال الخطورة المرافق، بشكل عام يسمح للمريض بالصيام مع الانتباه لضرورة المراقبة المستمرة لمستوى السكر في الدم حسب تعليمات الطبيب، وفي حال خوف المريض الشديد، دون وجود سبب طبي مقنع يتم اللجوء إلى الاستشارة الدينية.
خامسًا: في حال مستوى الخطورة المنخفض، يشجع المرضى على الصيام، مع ضرورة المراقبة الطبية الموصوفة.
سادسًا: يجب على كل المرضى الذين قرروا الصيام بنصيحة طبية أو حتى ضد النصيحة الطبية معرفة ضرورة التوقف عن الصيام في الحالات التالية:
حدوث ارتفاع السكر إلى أكثر من ٣٠٠ مع/ دل.
انخفاض السكر أقل من ٧٠ مع/ دل.
وجود أعراض الانخفاض أو الارتفاع الشديدة.
وجود أمراض حادة تسبب حدوث الحرارة أو الإسهال أو التعب أو الإرهاق العام.
الخلاصة: يجب على الأطباء مراجعة كل عوامل الخطورة المذكورة عند مرضاهم للوصول إلى تحديد مستوى الخطورة الصحيح، وستساعد هذه الوسيلة في تقييم خطورة الصيام عند المرضى في الوصول إلى تقييمات حقيقية للمرضى، حتى وإن اختلف الأطباء واختصاصاتهم، وستساعد الأطباء الأقل خبرة في الوصول إلى تقييم أقرب إلى الدقة؛ فنرجو من فضيلتكم بيان الرأي الشرعي في هذا الأمر.