ما حكم مَن صلى المغرب والعشاء بعد أن أدَّى طواف الوداع عصرًا، هل يكفيه هذا الطواف أو لا بُدَّ له من طواف آخر؟
طواف الوداع سُنَّةٌ، ولا يلزم بتركه دم؛ كما هو المختار للفتوى، وينبغي أن يكون بعد فراغ الحاج من مناسك الحج وأعماله، وعند إرادته الخروج من مكة؛ ليكون آخر عهده بالبيت، غير أنه إذا عَرَض للحاج ما يَشْغَلُهُ، من نحو إقامة صلاة، أو حزم أمتعة، أو قضاء دَين.. ونحو ذلك مما لا يصدق عليه أنه إقامة حقيقة: فإن طوافه حينئذٍ صحيح ولا تلزمه الإعادة؛ لأن المشغول بشيء من ذلك غير مقيم.
المحتويات
الطواف بالكعبة المشرفة من أعظم العبادات وأجلِّها، ومن أنواعه: طواف الوداع، وهو: الذي يطوفه الآفاقي قُبَيْلَ خروجه من الحرم إلى دياره، ويكون ذلك آخر عهده بالبيت الحرام.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون كلَّ وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَنْفِرْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» متفقٌ عليه.
وقد نص الفقهاء على أن الوقت المستحب لأداء الحاج طوافَ الوداع هو بعد فراغه من جميع مناسك الحج، وعند إرادته السفر من مكة.
قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 143، ط. دار الكتب العلمية): [وأما وقته؛ فقد روي عن أبي حنيفة أنه قال: ينبغي للإنسان إذا أراد السفر أن يطوف طواف الصدر حين يريد أن ينفر، وهذا بيان الوقت المستحب لا بيان أصل الوقت، ويجوز في أيام النحر وبعدها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 12، ط. دار الفكر): [محل طواف الوداع: عند إرادة السفر من مكة بعد قضاء مناسكه كلها] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 404، ط. مكتبة القاهرة) في وقت طواف الوداع: [ووقته: بعد فراغ المرء من جميع أموره؛ ليكون آخر عهده بالبيت، على ما جرت به العادة في توديع المسافر إخوانه وأهله] اهـ.
حكمه على المختار في الفتوى: أنه سنة، وهو مذهب المالكية، وداود، وابن المنذر، ومجاهد في رواية عنه، وقول للشافعية، ولا شيء على مَن تركه، بل حجه صحيح، غير أنه قد فاتته الفضيلة.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"، فرخَّص للحائض في تركه ولم يأمرها بدم ولا نحوه، مما يدل على سنيته؛ لأنه لو كان واجبًا لأوجب على الحائض دمًا بتركه.
وعَنْ أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَرَادَ مِن صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِهِ، فَقَالُوا: إِنَّهَا حَائِضٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَإِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَومَ النَّحْرِ، قَالَ: «فَلْتَنفِرْ مَعَكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (2/ 293، ط. السعادة) شارحًا الحديث: [فوجه الدليل من الحديث: أنه خاف أن لا تكون طافت للإفاضة، وأن يحبسهم ذلك بمكة، فلما أُخبر أنها قد أفاضت، قال: اخرجوا، ولم يحبسهم لعذر طواف الوداع على صفية كما خاف أن يحبسهم لعذر طواف الإفاضة] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 53، ط. دار الفكر): [(و) ندب لِمَن خرج من مكة ولو مكيًّا، أو قدم إليها بتجارة (طواف الوداع إن خرج) أي: أراد الخروج (لِكَالْجُحْفَةِ) ونحوها من بقية المواقيت، أراد العود أم لا، إلا المتردِّدَ لِمَكَّةَ لِحَطَبٍ ونحوه؛ فلا وداع عليه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 253): [(إذا فرغ مِن الحج وأراد المقام بمكة: لم يُكَلَّف طواف الوداع، فإن أراد الخروج: طاف للوداع، وصلَّى ركعتي الطواف، وهل يجب طواف الوداع أم لا؟ فيه قولان:... (والثاني): لا يجب؛ لأنه لو وجب لم يجز للحائض تركه... (وإن قلنا) لا يجب: لم يجب بتركه دم؛ لأنه سُنَّة، فلا يجب بتركه دمٌ؛ كسائر سنن الحج] اهـ.
وقال أيضًا في "المجموع" (8/ 284): [قال مالك وداود وابن المنذر: هو سُنَّة لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين] اهـ.
بخصوص مَن صلى المغرب والعشاء بعد أن طاف للوداع عصرًا -كما هي مسألتنا-؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، إلى صحة طوافه الذي قام به، ولا يلزمه إعادة الطواف، ومثله: كل مَن عمل عملًا لا يدخله في معنى الإقامة بمكة؛ لأن هذا لا يُعَدُّ إقامة حقيقية تجعل الطواف ليس آخر العهد بالبيت، فيبقى الطواف على صحته، ولا يُطلب بإعادته.
قال العلَّامة الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (2/ 70، ط. دار المعارف): [(وبطل) الوداع أي: بطل الاكتفاء به، لا الثواب (بإقامته) بمكة (بعض يوم) له بال؛ فيُعيده، (لا) يبطل بإقامته (بشغل) أي: بسبب شغل (خف) من بيع أو شراء أو قضاء دَين ونحو ذلك، فلا يطلب بإعادته] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 255- 256): [ولو أقيمت الصلاة فصلَّاها معهم لم يُعِد الطواف، نصَّ عليه الشافعي في الإملاء، واتفق عليه الأصحاب] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 500، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ومَن مكث) ولو ناسيًا، أو جاهلًا، أو لعيادة مريض، أو زيارة صديق (بعده) أي: بعد طواف الوداع المتبوع بركعتيه، وبما يأتي في الفرع الآتي (أعاده) وجوبًا... ولخروجه بذلك عن كونه وداعًا (لا) إن مكث (لشراء زاد وشد رحل) ونحوهما من أشغال السفر (وصلاة جماعة أقيمت) لأن المشغول بذلك غير مقيم] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 595، ط. دار الكتب العلمية): [(فإن ودَّع ثم اشتغل بغير شد رَحلٍ ونحوه، أو اتَّجَرَ، أو أقام: أعاد الوداع) وجوبًا؛ لأن طواف الوداع إنما يكون عند خروجه، ليكون آخر عهده بالبيت، ولا يعيد الوداع (إن اشترى حاجة في طريقه) أو اشترى زادًا أو شيئًا لنفسه (أو صلى)؛ لأن ذلك لا يمنع أن آخر عهده بالبيت الطواف] اهـ.
بل نصَّ الحنفية -ومذهبهم وجوب طواف الوداع- على أنه لو أقام بمكة لا يلزمه إعادة الطواف؛ لأن المقصود من طواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت نُسُكًا لا إقامة.
قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 143): [فأمَّا النَّفْرُ عَلَى فَوْرِ الطَّوَافِ؛ فليس من شرائط جوازه، حتى لو طاف لِلصَّدْرِ ثم تشاغل بمكة بعده لا يجب عليه طواف آخر، فإن قيل: أليس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلْيَكُن آخِرُ عَهْدِهِ بِهِ الطَّوَافَ»، فقد أمر أن يكون آخِرُ عَهْدِهِ الطوافَ بالبيت، ولما تشاغل بعده لم يقع الطوافُ آخرَ عهدِهِ به فيجب أن لا يجوز؛ إذ لم يأت بالمأمور به؛ فالجواب: أن المرادَ منه آخرُ عهده بالبيت نُسكًا لا إقامة، والطواف آخر مناسكه بالبيت، وإن تشاغل بغيره.
وروي عن أبي حنيفة أنه قال: إذا طاف للصدر ثم أقام إلى العشاء فأحب إليَّ أن يطوف طوافًا آخر لئلا يحول بين طوافه وبين نَفْرِهِ حائلٌ... ويكون أداء لا قضاء، حتى لو طاف طواف الصدر ثم أطال الإقامة بمكة، ولم ينو الإقامة بها، ولم يتخذها دارًا: جاز طوافه، وإن أقام سَنَةً بعد الطواف، إلا أن الأفضل أن يكون طوافه عند الصدر لما قلنا، ولا يلزمه شيء بالتأخير عن أيام النحر بالإجماع] اهـ.
بناء على ذلك: فإنَّ طواف الوداع سُنَّةٌ، ولا يلزم بتركه دم؛ كما هو المختار للفتوى، وينبغي أن يكون بعد فراغ الحاج من مناسك الحج وأعماله، وعند إرادته الخروج من مكة؛ ليكون آخر عهده بالبيت، غير أنه إذا عَرَض للحاج ما يَشْغَلُهُ، من نحو إقامة صلاة، أو حزم أمتعة، أو قضاء دَين.. ونحو ذلك مما لا يصدق عليه أنه إقامة حقيقة: فإن طوافه حينئذٍ صحيح ولا تلزمه الإعادة؛ لأن المشغول بشيء من ذلك غير مقيم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز لأصحاب الأعذار وكبار السن والأمراض المزمنة الإقامة بمكة المكرمة أيام المبيت بمنى (أيام التشريق)؟ ولكم خالص الشكر والتحية.
رجل سيسافر من مصر إلى المدينة المنورة مباشرة، فهل يجوز له أن يُحرِم من "أبيار علي" وهو ميقات أهل المدينة المنورة، أم يُحرِم من مصر قبل سفره؟
ما حكم نفقة حج الزوجة والحج عن الميت من التركة؟ حيث لي أخ كان قد وعد زوجته بأداء فريضة الحج معًا، ولكنه توفي قبل موعد الحج، فقامت زوجته بالحج وأخذت أخاها معها مَحرمًا لقضاء الحج عن شقيقي، وقامت بخصم مصاريف الحج من تَرِكته، ثم قامت بتقسيم التركة بعد خصم مصاريف الحج، وليس لأخي أولاد، وله أخت شقيقة، وتدخل بعض علماء الأزهر بالقرية وأفهموها أن الحج لا بد أن يكون من حقها الشرعي وليس من جملة التَّرِكة، فرفضت، ورفضت تكليف أحد أقاربنا بالسعودية لقضاء الحج عن أخي، وأصرت على موقفها، فأرجو الإفادة عن الحكم الشرعي.
ما حكم الاقتراض من أجل تأدية فريضة الحج؟
ما حكم المبيت بالمزدلفة؟ فنحن نريد أن نأخذ برأي سيادتكم في بعض الأمور التي تُحدِث الكثير من البلبلة والوسوسة بين السادة الحجاج أثناء تنفيذنا لرحلات الحج والتي نراعي فيها -لكثرةِ الأعداد- التسهيلَ على السادة الحجاج واختيار الأيسر لهم حتى لا يتعرضوا لحوادث الزحام في كثير من الأحيان، وعلى سبيل المثال الأمور الآتي بيانها:
1- المكوث بمزدلفة قدر حطِّ الرحال وصلاة المغرب والعشاء جمع تأخير "ويكفي المرور بها" طبقًا لفقه الإمام مالك.
2- جواز رمي الجمرات بعد "منتصف الليل" وكيفية احتساب منتصف الليل.
3- جواز الجمع بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد بِنيَّتين.
فبرجاء التكرم بإبداء رأي معاليكم في الأمور السابق ذكرها وبرامج الحج المرفقة تيسيرًا على الحجاج الذين يبلغ أعدادهم في كثير من الأحيان نحو 5 ملايين حاج.
هل تجزئ الصلاة المكتوبة عن ركعتي الطواف؟ بحيث إنه بعد الانتهاء من الطواف أقيمت الصلاة المكتوبة فصلَّاها من قام بالطواف؛ فهل يلزمه أن يصلي ركعتين مخصوصتين للطواف أو أن الصلاة المكتوبة التي صلَّاها تكفيه عن هاتين الركعتين؟