مدى حق المشتري في رد السلعة المعيبة إذا كان العيب قديما ولا يعلم به البائع

تاريخ الفتوى: 12 مايو 2024 م
رقم الفتوى: 8348
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: البيع
مدى حق المشتري في رد السلعة المعيبة إذا كان العيب قديما ولا يعلم به البائع

ما مدى حق المشتري في رد السلعة المعيبة إذا كان العيب قديما ولا يعلم به البائع؟ فهناك رجلٌ يعمل في مجال بيع السيارات المستعملة، واشترى سيارة مستعملة، ثم باعها، وبعد مُدَّة قصيرة جاء المشتري مُخْبِرًا أنه وَجَد في السيارة عيبًا قديمًا يُنْقِص مِن ثمنها الذي اشتراها به، ويريد أن يَرُدَّ هذه السيارة فور علمه بالعيب، علمًا بأنَّ هذا الرجل (البائع) لم يكن على علمٍ بهذا العيب عند البيع، والسؤال: هل يجوز للمشتري أن يردَّ هذه السيارة؟

للمشتري في هذه الحالة الخيارُ في أنْ يَرُدَّ السيارة المَعِيبَة فَوْرَ عِلمِه بالعيبِ ما دام البائعُ لم يشترط البراءةَ مِن العيوب، وكان العيبُ سابقًا على الشراء ويُنقِص مِن ثمنها الذي اشتراها به، حتى ولو لَم يكن البائعُ على علمٍ بالعيب عند البيع، وله أيضًا أنْ يُبقِيَها ويأخذَ مِن البائع عِوضَ النَّقْصِ بسبب العيب، وذلك حسبما يتفقان عليه ويتراضيان، فإن اختَلَفَا فمردُّ الفصل بينهما في ذلك إلى القضاء.

المحتويات

 

الأصل في عقد البيع التراضي بين المتعاقدين

الأصلُ في عَقْدِ البيعِ التراضي بين المتبايعين؛ لقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» أخرجه الإمامان: ابن حبَّان في "صحيحه"، وابن ماجه في "سننه"، وصحَّحه الحافظُ شهاب الدين البُوصِيرِي في "مصباح الزجاجة".

مدى حق المشتري في رد السلعة المعيبة إذا كان العيب قديما ولا يعلم به البائع وموقف القانون من ذلك

لَمَّا كان رضا المشتري بالسلعة يتوقف على سلامتها من العيوب، فإنه إذا وَجَد في السلعة التي اشتراها عيبًا قد حَدَثَ قَبْل قَبْضه لها، ولم يشترط البائعُ لنفسه البراءةَ من العيوب، وكان هذا المشتري غيرَ عالم بالعيب عند العقد، ثم بادر بالرد فور علمه بالعيب -فيَثبُت له حينئذٍ الحقُّ في ردِّ السلعة المَبِيعَة بالعيب إذا كان هذا العيبُ مُنقِصًا للقيمة أو مُفَوِّتًا غرضًا صحيحًا في الانتفاع بها. ينظر: "تكملة الإمام تقي الدين السُّبْكِي على المجموع" (12/ 123، ط. وزارة التضامن).

ويَثبُت هذا الخيار للمشتري أيضًا حتى ولو لم يكن البائع على علمٍ بهذا العيب عند البيع؛ وذلك لأن الخيار إنما يَثبُت لدفع الضرر عن المشتري، وجهلُ البائع بالعيب لا ينفي ذلك الضرر ولا يَدْفَعُه.

ثم إنَّ العيبَ لا يَعْتَرِفُ أحدٌ بعلمه غالبًا، فإذا اعتبرنا دعوى البائع وفق ذلك تضرر المشتري، ومِن المقرر في قواعد الفقه أنَّ "الضرر يزال"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام تاج الدين السُّبْكِي (1/ 12، ط. دار الكتب العلمية).

ولأنَّ غرضَ المشتري مِن المبيع يتمثل في الانتفاع الكامل به، وهذا الانتفاع الكامل لا يتحقق على الوجه المطلوب إلا بسلامة المبيع مِن العيب، فإذا لم يثبت الخيار للمشتري يتضرر بلُزوم ما لا يرضى به.

قال الإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 274، ط. دار الكتب العلمية): [(وأما) تفسير العيب الذي يوجب الخيار، وتفصيل المفسر، فكلُّ ما يوجب نُقصان الثمن في عادة التجار نقصانًا فاحشًا أو يسيرًا، فهو عيبٌ يوجب الخيار، وما لا فلا] اهـ.

وجاء في "المدونة" للإمام مالك (3/ 348، ط. دار الكتب العلمية): [قال ابن القاسم: وإنما بَيعُ الناس على الصحة، فمَن دَلَّسَ رُدَّ عليه ما دَلَّس، وما جَهِلَ البائعُ مِن ذلك فهو على بيع الصحة، إلا أنْ تَقُومَ البيِّنةُ للمشتري أنَّ ذلك العيبَ كان عند البائع، فيرده عليه وإن لم يَعلم البائعُ بذلك العيب] اهـ.

وقال الإمام الخَرَشِي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (5/ 131، ط. دار الفكر): [وتارة لا يُدَلِّس فيه البائعُ بأن لا يُعْلِمَهُ بالفعل، وفي هذا للمشتري التَّمَسُّكُ به أو الرَّدُّ] اهـ.

وقال الإمام شهاب الدين ابن حَجَر الهَيْتَمِي الشافعي في "تحفة المحتاج" (4/ 389، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [الخيارُ بالعيب لا فَرْقَ فيه بين عِلْمِ البائع به وعدمه] اهـ.

وقال الإمام موفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (6/ 225، ط. عالم الكتب): [متى عَلِمَ بالمبيع عيبًا لم يكن عالمًا به، فله الخيار بين الإمساك والفسخ، سواء كان البائعُ عَلِمَ العيبَ وكَتَمَهُ، أو لَمْ يَعْلَمْ، لا نَعلم بين أهل العِلم في هذا خلافًا] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (7/ 446، ط. وزارة العدل السعودية): [(فصلٌ فيمَن اشترى معيبًا لم يعلم) حالَ العقد (عيبه، ثم علم بعيبه) فله الخيار، سواء (علم البائع بعيبه فكتمه) عن المشتري (أو لم يعلم) البائع بعيبه] اهـ.

وعلى ذلك جاء القانون المدني المصري رقم 131 لسَنَة 1948م، حيث نصت الفقرة الأولى مِن المادة رقم (447) منه على أنه: [يكون البائع ملزمًا بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفاتُ التي كَفَلَ للمشتري وجودَها فيه، أو إذا كان بالمبيع عيبٌ ينقص مِن قيمته أو نَفْعه بحسب الغاية المقصودة مستفادةً مما هو مبيَّن في العقد، أو مما هو ظاهرٌ مِن طبيعة الشيء، أو الغرض الذي أُعِدَّ له، ويَضمن البائعُ هذا العيبَ ولو لم يكن عالِمًا بوجوده] اهـ.

فإن اتفق البائعُ مع المشتري وتَرَاضَيَا على ردِّ المَبِيع وأَخْذِ كاملِ ثمنه، أو إبقائه دون أَخْذ المشتري قيمةَ النقص مِن البائع بسبب العيب الحاصل فيه، أو إبقائه مع أَخْذه قيمةَ هذا النقص، كان لهما ذلك باتفاق أئمة المذاهب الأربعة، وهذا مقامُ الفَضْل والتراضي.

وأما مقامُ العَدْل فإنهما إذا لم يَتَّفِقَا ويتراضَيَا على شيءٍ مِن ذلك كان للمشتري الخيارُ في أخْذ المَبِيع بجميع الثمن، أو رَدِّهِ إلى البائع دون أخْذ قيمة النقص ما دام رَدُّ المَبِيع على الحال التي استلمه المشتري عليها ممكنًا، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية -على تفصيلٍ بينهم في ذلك-، وهو أيضًا روايةٌ عن الإمام أحمد، خلافًا للحنابلة في المعتمد إذ أثبَتُوا للمشتري الخيارَ في أن يَرُدَّ المَبِيعَ إلى البائع، أو يُبقِيَ عليه ويطالِبَ البائعَ بالعِوض عن النَّقْص الحاصل فيه بسبب العيب، سواء تَعَذَّر رَدُّه أو لَمْ يَتَعَذَّر، وهذا هو المختار للفتوى؛ لأنَّ كلَّ جُزءٍ من الثمن الذي دفعه المشتري يُقابله جُزء مِن المبيع، ومع ظهور العيب في المبيع فقد فات جُزءٌ منه، ومن ثَمَّ فيجوز للمشتري أن يَرْجِع على البائع بِبَدَلِ هذا الجزء الفائت مِن المبيع، وهو ما عبَّر عنه الفقهاء بـ"أرش العيب"، ومعناه: أن يُقَوَّمَ المَبِيعُ صحيحًا، ثم يُقَوَّم مَعِيبًا، ويأخذُ المشتري فَرْقَ ما بينهما. ينظر: "الاختيار لتعليل المختار" للإمام عبد الله ابن مَوْدُود المَوْصِلِي الحنفي (2/ 18-20، ط. مطبعة الحلبي)، و"بداية المجتهد" للإمام أبي الوليد ابن رُشْد الحفيد المالكي (3/ 195-196، ط. دار الحديث)، و"المهذب" للإمام أبي إسحاق الشِّيرَازِي الشافعي (2/ 52، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام موفق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (6/ 229)، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المَرْدَاوي الحنبلي (11/ 375-376، ط. دار هجر)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (7/ 447).

وبنحو ذلك جاءت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري عند توضيح الفقرة الأولى مِن المادة رقم (447). ينظر: "الوسيط في شرح القانون المدني" للعلَّامة عبد الرزاق السَّنْهُورِي (4/ 740، ط. دار إحياء التراث العربي).

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فللمشتري الخيارُ في أنْ يَرُدَّ السيارة المَعِيبَة فَوْرَ عِلمِه بالعيبِ ما دام البائعُ لم يشترط البراءةَ مِن العيوب، وكان العيبُ سابقًا على الشراء ويُنقِص مِن ثمنها الذي اشتراها به، حتى ولو لَم يكن البائعُ على علمٍ بالعيب عند البيع، وله أيضًا أنْ يُبقِيَها ويأخذَ مِن البائع عِوضَ النَّقْصِ بسبب العيب، وذلك حسبما يتفقان عليه ويتراضيان، فإن اختَلَفَا فمردُّ الفصل بينهما في ذلك إلى القضاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم التجارة في السلع بشرائها لمن يطلب وبيعها له بالتقسيط مع زيادة في الربح؟ حيث يوجد بعض الأشخاص يريدون شراء بعض السلع والأجهزة، فأقوم بشرائها لهم من الشركة أو من البائع، ثم أبيعها لهم بالتقسيط، مع وضع نسبةِ ربحٍ لي على ذلك؛ فهل هذا النوع من التجارة جائزٌ شرعًا؟


ما حكم الشرع في الاستيلاء على السلع المدعومة لتحقيق أرباح بطريقة غير مشروعة؟ وما حكم الشرع في بائع السلع ومشتريها؟ وما حكم الأموال التي يكتسبها الرجل من هذه المعاملة؟ وهل توجد عقوبة شرعية محددة لمن يقوم بالاستيلاء على السلع المدعمة وبيعها؟


ما حكم شراء شقة بالتمويل العقاري بفائدة متناقصة؟ فقد تقدمنا لحجز شقة في مشروع الإسكان الاجتماعي في مصر، وكان النظام المتبع أن ندفع 5 آلاف جنيه جدية حجز، وبعد قيام وزارة الإسكان بفرز الأوراق والاستعلام تقوم بتحويل الأوراق لأحد البنوك التابعة للبنك المركزي في إطار مبادرة التمويل العقاري، حيث يقوم البنك بسداد قيمة الوحدة، ثم يقوم بتحصيلها من المواطن بفائدة متناقصة 7 بالمائة سنويًّا، مع منع العميل من التصرف في الشقة بالبيع أو الهبة حتى يتم الانتهاء من السداد. فما حكم ذلك شرعًا؟


ما حكم حجز الذهب بدفع بعض قيمته؟ فقد ذهبتُ مع زوجتي إلى تاجر المشغولات الذهبية وقد أعجبها أحد المنتجات المعروضة، وقد أخبرنا التاجر أن ما اخترناه قد بِيع بالفعل، وأنه سَيجلب مثلَه في غضون ثلاثة أيامٍ، لكن لا بد من دفع جزءٍ مِن الثمن، فتم الاتفاق على شراء المنتج مع تحديد جميع الأمور المتعلقة بذلك من صفة المنتج ووزنه وثمنه وموعد تسليمه وتمَّ تحرير فاتورة بيع بذلك، على أن نستلمه بعد ثلاثة أيام ونسدِّد عند ذاك باقي الثمن، فهل تجوز هذه المعاملة شرعًا؟


ما حكم بيع السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة؟ فهناك رجلٌ يتاجر في السَّجَّادِ، ومنه سَجَّاد الصلاة المكتوب عليه كلمات للإهداء أو بعض الأسماء، مما يشتمل أحيانًا على لفظ الجَلَالَة -كما في بعض الأسماء المركبة مِن نحو عبد الله وغيرها- أو بعض الكلمات القرآنية، ويَبسُطُه المشتري على الأرض للصَّلاةِ عليه، فهل يحرُم عليه شرعًا بيع السَّجَّاد المشتمل على تلك الكلمات؟


المستحق لأجرة العقار بعد بيعه هل هو البائع أو المشتري؟ فهناك رجلٌ باعَ بيتًا مملوكًا له لرجلٍ آخَر أثناء مدة إيجار هذا البيت لشخص ثالث، وقد بقي من مدة الإيجار ثمانية أشهر حتى ينتهي، ولم يشترط عليه البائعُ شيئًا فيما يخص استحقاق الأجرة بعد البيع، وبعد أن تَمَّ تسجيل عقد البيع، اختلفَ البائعُ مع المشتري في استحقاق أُجْرَة المُدَّةِ المُتبقية للبيت المذكور، فقال البائع: أنا المستحق لهذه الأُجرة، وقال المشتري: أنا المستحق لها، والسؤال: لمن الحقُّ في هذه الأجرة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31