ما حكم إنشاء مدارس داخل المساجد؟ حيث طالعت عبر وسائل التواصل الحديثة دعوى أحد الأفراد بإنشاء مدارس نظامية داخل المساجد يكون عملها في غير أوقات الصلاة، فما مدى مشروعية ذلك؟
إنشاء مدارس داخل المساجد أمرٌ يرجع إلى الجهات المختصة حسبما تراه محقِّقًا للمصلحة، مع مراعاة عدم خروج المسجد عن دوره الأساسي في كونه محِلًّا للصلاة والعبادة.
المحتويات
جعل الله تعالى المساجد بيوته في أرضه، فهي مَقْصِد العُبَّاد، ومَحَطُّ رِكَاب أولي الألباب، جعلها الله تعالى خالصةً له وحده، فقال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ بيوت الله في الأرض المساجد، وإنَّ حقًّا على الله أن يُكرِم من زاره فيها» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير".
ولم يكن دور المسجد قاصرًا على الصلاة والعبادة فحسب، بل كانت له أدوارٌ أخرى، فكان موطن الذكر ومحل حِلَق العلم، ومقر استقبال الوفود، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُبرِم فيه كل أمرٍ ذي بال.
قال الإمام الزركشي في "إعلام الساجد بأحكام المساجد" (ص: 328، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية): [يستحب عقد حلق العلم في المساجد، وذكر المواعظ والرقائق ونحوها، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة] اهـ.
ممَّا يدل على أنَّ المسجد كان محلًّا لمدارسة العلم ما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يومٍ من بعض حجره، فدخل المسجد، فإذا هو بحلقتين، إحداهما يقرؤون القرآن، ويدعون الله، والأخرى يتعلَّمون ويُعَلِّمون، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلٌّ عَلَى خَيْرٍ، هَؤُلَاءِ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا» فجلس معهم. أخرجه ابن ماجه في "سننه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَالنَّاظِرِ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ» أخرجه ابن حبان في "صحيحه".
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (2/ 183، ط. دار الحديث): [فيه أيضًا التنويه بشرف تعلم العلم وتعليمه؛ لأنَّه هو الخير الذي لا يُقَادر قدرُه، وهذا إن جُعِلَ تنكير الخير للتعظيم، ويمكن إدراج كلِّ تعلُّم وتعليمٍ لخيرٍ أيِّ خيرٍ كان تحت ذلك، فيدخل كل ما فيه قربة يتعلمها الداخل أو يعلمها غيره، وفيه أيضًا التسوية بين العالم والمتعلم والإرشاد إلى أنَّ التعليم والتعلم في المسجد أفضل من سائر الأمكنة] اهـ.
وقال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 423، ط. دار المعارف): [وأما قراءة العلم في المساجد فمن السنة القديمة، ولا يرفع المدرس في المسجد صوته فوق الحاجة لقول مالك: وما للعلم ورفع الصوت؟] اهـ.
والمسجد هو أفضل مواضع التدريس وخير موطن تقام فيه حِلَق العلم، قال ابن الحاج في "المدخل" (1/ 85، ط. دار التراث): [لا يخلو موضع التدريس من ثلاثة أحوال: إمَّا أن يكون بيتًا أو مدرسةً أو مسجدًا، وأفضل مواضع التدريس المسجد] اهـ.
فكان المسجد منذ نشأة الإسلام هو المؤسسة التعليمية الأولى، وكان المركز العلمي الوحيد في أقطار العالم الإسلامي لقرون عديدة، وقد تخرَّج فيه الفقهاء والمحدثون والمفسرون والعلماء في سائر العلوم وشتى الفنون.
جاء في "آثار ابن باديس" (3/ 225، ط. الشركة الجزائرية): [المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهر الإسلام، فما بنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم استقر في دار الإسلام بيته حتى بنى المسجد، ولما بنى المسجد كان يقيم الصلاة فيه ويجلس لتعليم أصحابه، فارتبط المسجد بالتعليم كارتباطه بالصلاة... ثم مضى المسلمون على هذه السنة في أمصار الإسلام يقفون الأوقاف على المساجد للصلاة والتعليم، ومن أظهر ذلك وأشهره اليوم: الجامع الأزهر وجامع الزيتونة وجامع القرويين] اهـ.
ولما تقدَّم الزمان، واستقرت أحوال البلاد بعد اتساع الفتوحات، وتفرَّغ كثيرٌ من الناس لأعمال الحضارة من الزراعة والصناعة والتجارة والعمران، ازداد مع ذلك عددُ طلبة العلم؛ إذ العلم وقود الحضارة وعمادها، وكان من نتائج ذلك أن ضاقت المساجد عن استيعاب هذه الأعداد كلها -مع ما تضطلع به من إقامة الشعائر والعبادات-، وكذلك مع ظهور الشعب العلمية الكثيرة بجانب علوم الشرع، فكانت الحاجةُ ماسَّةً إلى إنشاء مدارس مستقلة تكون وظيفتها الأولى نشر العلم وتدريسه، تحتوي بين جنباتها الطلبة والشيوخ والكتب، ويكون لها نظام مستقل في النفقات والوظائف والأعمال المتصلة بالعلوم النظرية والتجريبية من الآلات والمعامل ونحو ذلك، وتكون تحت إشراف الدولة ورعايتها، فظهرت في بادئ الأمر المدارس النظامية ببغداد ونيسابور بشكلٍ مستقلٍّ عن المساجد، ورُتِّبت فيها لوائح التلاميذ والشيوخ وما يتعلق بالعملية التعليمية، ثم تتابع إنشاؤها بعد ذلك في سائر الأقطار الإسلامية، وتنافست البلاد والعواصمُ الكبرى في تكثيرها والعناية بها حتى صارت المدارس والمعاهد والمراصد من أبرز معايير الرفعة والوجاهة لأي بلدةٍ أو إمارة في رحاب الدولة الواسعة.
قال العلامة المقريزي في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (4/ 199، ط. دار الكتب العلمية): [والمدارس مما حدث في الإسلام، ولم تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين، وإنما حدث عملها بعد الأربعمائة من سني الهجرة، وأوَّل من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور، فبنيت بها المدرسة البيهقية، وبنى بها أيضًا الأمير نصر بن سبكتكين مدرسة، وبنى بها أخو السلطان محمود بن سبكتكين مدرسة، وبنى بها أيضًا المدرسة السعيدية، وبنى بها أيضًا مدرسة رابعة، وأشهر ما بني في القديم المدرسة النظامية ببغداد، لأنَّها أوَّل مدرسة قرِّر بها للفقهاء معاليم، وهي منسوبة إلى الوزير نظام الملك أبي عليٍّ الحسن بن عليِّ بن إسحاق بن العباس الطوسيِّ، وزير ملك شاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكال بن سلجوق في مدينة بغداد، وشرع في بنائها في سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة، وفرغت في ذي القعدة سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة] اهـ.
جعلُ المساجد الآن محلًّا للتدريس النظامي -ولو بشكلٍ جزئي- أمر يرجع إلى ولي الأمر -وكذا الهيئات التي تنوب عنه- لتقدير مدى الحاجة إلى ذلك خاصة مع قيام المدارس والمعاهد والجامعات الحديثة بهذه المهمة، مع مراعاة عدم خروج المسجد عن دوره الأساسي في كونه محِلًّا للصلاة والعبادة، ولضمان عدم استغلال تلك الدعوى من قبل المتطرفين لبثِّ أفكارهم الشاذة.
فمصالح العباد في معاشهم ومعادهم لا تتحقَّق إلَّا بالتكامل والتعاون بينهم وبين حكامهم، فالحاكم بما منحه الله من السلطة وما يتبعها من القدرة على الاطلاع على خفايا الأمور وظواهرها، وما يصلح فيها وما يفسدها، أباح له الشرعُ سَنَّ القوانين ووضع الضوابط وإصدار القرارات بما يحقق المصلحة.
فللإمام تدبير كثيرٍ من الأمور وَفْقَ اجتهاده الذي توَصَّل إليه بعد النظر السليم والبحث والتَّحَرِّي واستشارة أهل العلم الأمناء وأهل الخبرة العدول مع مراعاة الضَّابط الكُلِّي، وهو المصلحة، فله أن يضع القيود والضوابط التي تُحَقِّق المصلحة العامَّة للرَّعِيَّة، ويدخل في ذلك الشؤون المتعلقة بالعملية التعليمية، ومثل الإمام في ذلك من ينوبون عنه من أفراد، أو هيئات كلٌّ حسبما خُوِّل إليه من أعمال واختصاصات.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ نشر العلم الشرعي داخل المسجد لا يزال قائمًا الآن وهو أمر تختَصُّ به وزارة الأوقاف؛ إذ هي الجهة المخول لها هذا الأمر.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنشاء مدارس نظامية داخل المساجد أمرٌ يرجع إلى الجهات المختصة حسبما تراه محقِّقًا للمصلحة، ومع مراعاة عدم خروج المسجد عن دوره الأساسي في كونه محِلًّا للصلاة والعبادة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التلفيق بين مذهبين في بعض مسائل الطهارة؟ حيث جاء في حاشية العلامة السفطي المالكي على الشرح المسمى بـ"الجواهر الزكية على ألفاظ العشماوية" للشيخ أحمد بن تركي المالكي في باب فرائض الوضوء ما نصه: "واعلم أنهم ذكروا للتقليد شروطًا.." إلى أن قال: "الثالث: أنه لا يلفق في العبادة، أما إن لفق كأن ترك المالكي الدلك مقلدًا لمذهب الشافعي، ولا يبسمل مقلدًا لمذهب مالك، فلا يجوز؛ لأن الصلاة حينئذٍ يمنعها الشافعي؛ لفقد البسملة، ويمنعها مالك؛ لفقد الدلك"، ثم قال بعد ذلك: "وما ذكروه من اشتراط عدم التلفيق رده سيدي محمد الصغير وقال: المعتمد أنه لا يشترط ذلك، وحينئذ فيجوز مسح بعض الرأس على مذهب الشافعي، وفعل الصلاة على مذهب المالكية، وكذا الصورة المتقدمة ونحوها وهو سعة ودين الله يسر". فهل لو اغتسل غسلًا واجبًا أو توضأ وضوءًا واجبًا من ماءٍ قليلٍ مستعمل في رفع حدث مقلدًا لمذهب مالك وترك الدلك مقلدًا لمذهب الشافعي يكون غسله أو وضوؤه صحيحًا مثل الصورتين المتقدمتين؟ وهل يجوز التلفيق في قضية واحدة بين مذهبين في غسل واجب أو وضوء واجب؟
سائل يقول: أقوم بتذكير أصدقائي في بعض الأوقات بين الحين والآخر وأدعوهم إلى تلاوة القرآن الكريم وذكر الله تعالى. فهل لي أجر على ذلك؟
ما حكم عدم التزام الصيدلي بشراء الدواء من غير الشركة المنتجة له بالسعر المحدد؟ فأنا أعمل صيدليًّا، وفي بعض الأحيان يأتي إليَّ شخص ببعض الأدوية كي يبيعها لي كان قد اشتراها لعلاجه ثم فاضت عن حاجته، فإن اشتريت الدواء منه بسعره المدوَّن من قِبل الشركة للبيع للجمهور فلن أربحَ شيئًا، فهل يجوز لي أن أشتري هذا الدواء منه بسعر أقل من السعر المدوَّن حتى أحقق ربحًا؟
هل يجوز للعامي أن يأخذ الأحكام الشرعية من الكتب دون الرجوع إلى أهل العلم والفتوى المتخصصين؟
ما حكم صلاة الجمعة بخطبة واحدة بغير اللغة العربية في دولة لا تتحدث العربية؟ فقد سافر رجلٌ إلى إحدى الدول التي لا تتحدث العربية للعمل، وأقام في إحدى المقاطعات التي يسكنها المسلمون، وعند دخوله المسجد لأداء صلاة الجمعة وَجَد الخطيب يلقي الخُطبة بغير اللغة العربية، كما أنه اقتصر فيها على خُطبة واحدة، ويسأل: ما حكم صلاتهم الجمعة بهذه الكيفية المذكورة؟
هل يجوز للإنسان التقليد أو التلفيق من مذاهب الأئمة الأربعة ولو لغير ضرورة قبل العمل أو بعده؛ وذلك كمن توضأ وضوءًا واجبًا أو اغتسل غسلًا واجبًا من ماء قليل مستعمل في رفع حدث مقلدًا لمذهب الإمام الشافعي، وترك النية مقلدًا لمذهب الإمام أبي حنيفة؟ فهل يكون وضوؤه أو غسله صحيحًا أو لا؟