ضابط المشقة المرخصة للصلاة على الكرسي في الصلاة المفروضة

تاريخ الفتوى: 27 يونيو 2024 م
رقم الفتوى: 8400
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
ضابط المشقة المرخصة للصلاة على الكرسي في الصلاة المفروضة

ما ضابط المشقة المرخِّصة لترك ركن القيام في الصلاة المفروضة؟

المشقة التي يباح الترخص بها في ترك القيام في صلاة الفريضة هي المشقة الزائدة عن المعتاد بحيث يترتب عليها زيادة الألم أو تأخُّرُ الشفاءِ أو حصول ما يخشاه الإنسان إن صلى قائمًا أو فقد الخشوع في الصلاة بسببها.

المحتويات

 

أنواع المشقة عند الفقهاء

الأصل أن يحرص المكلف على القيام بالصلاة تامة الأركان والواجبات والشروط حتى تصح صلاته، فإذا منعه من ذلك عذر أو مشقة فيترخص له حينئذٍ القيام بها على قدر وسعه وطاقته، ومن ذلك ترك ركن القيام في صلاة الفريضة لمن يجد في الصلاة قائمًا مشقة من مرض أو غيره، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» أخرجه البخاري في "الصحيح".

والترخص بالتيسير حين وقوع العذر أو المشقة أصلٌ من الأصول الكلية التي عليها قوام الشريعة، وقد عبر الفقهاء عن ذلك الأصل بجملة من القواعد، والتي منها: "المشقة تجلب التيسير"، و"الحرج مرفوع"، و"ما ضاق على الناس أمره اتسع حكمه"، و"الضرر يُزال" كما في "الأشباه والنظائر" للعلامة السُّبْكِي (1/ 12، ط. دار الكتب العلمية)، و"الأشباه والنظائر" للعلامة ابن نُجَيْم (ص: 89، ط. دار الكتب العلمية).

وبحسب أقوال الفقهاء يتضح أن المشقة تنقسم إلى نوعين رئيسيين:

النوع الأول: المشقة التي لا تنفك عنها العبادة غالبًا لأنها لازمةٌ لها؛ وذلك كمشقة الجوع الملازمة لفريضة الصيام، والجهد البدني والمالي الملازم لفريضة الحج، ولا يُباح بهذه المشقة ترك العبادة أو تخفيفها؛ لكونها ملازمة لطبيعتها ومقصودة من الآمر بها وهو الشارع الحكيم.

النوع الثاني: المشقة التي تنفك عنها العبادة؛ لكونها غير لازمة للقيام بها، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع:

الأول: مشقة عظيمة، وهي التي يُخشَى معها هلاك أو عظيم ضرر، وهذه مما يجب التخفيف بسببها؛ لأن حفظ النفس سبب لمصالح الدين والدنيا.

الثاني: مشقة بسيطة، وهي التي يقوى الإنسان على تحملها دون لحوق ضرر أو أذى به، وهذه المشقة لا توجب تخفيفًا؛ لأن تحصيل العبادة معها أولى من تركها، لشرف العبادة مع خفة هذه المشقة.

الثالث: مشقة متوسطة، وهي التي تقع بين المشقة العظيمة والبسيطة، ويختلف الحكم بالترخُّص في التخفيف بها باختلاف قُربها من المشقة العظيمة أو بُعدها عنها، فكلما اقتربت من المشقة العظيمة أوجبت التخفيف، وكلما ابتعدت عنها اختلف القول بالتخفيف بها وتوقف ذلك على حال المكلف وطاقته.

قال الإمام القَرَافي في "الفروق" (1/ 118-119، ط. عالم الكتب): [(المشاقُّ قسمان: أحدهما لا تنفك عنه العبادة، كالوضوء، والغسل في البرد، والصوم في النهار الطويل، والمخاطرة بالنفس في الجهاد، ونحو ذلك، فهذا القسم لا يوجب تخفيفًا في العبادة؛ لأنه قُرِّر معها. وثانيهما المشاقُّ التي تنفك العبادة عنها، وهي ثلاثة أنواع: نوع في الرتبة العليا، كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع فيوجب التخفيف؛ لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة، فلو حصَّلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثال هذه العبادة.

ونوع في المرتبة الدنيا، كأدنى وجع في أصبع، فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة؛ لشرف العبادة وخفة هذه المشقة. النوع الثالث مشقة بين هذين النوعين فما قَرُب من العليا أوجب التخفيف، وما قَرُب من الدنيا لم يوجبه، وما توسط يُختَلَف فيه لتجاذب الطرفين له] اهـ.

ضابط المشقة المرخصة للصلاة على الكرسي في الصلاة المفروضة

المتأمل في أقوال الفقهاء ونصوصهم يجدهم قد تناولوا مسألة المشقة المبيحة ترك القيام في الصلاة تحت عدد من الأسباب، والتي من خلالها يمكن الوصول إلى ضابط المشقة، والذي تُخرَّج عليه ما يُستجَدُّ من مسائل وأحوال، وهذه الأسباب هي:

أولًا: عدم القدرة على القيام حقيقةً -بالعجز عنه بحيث لو قام سقط- أو حكمًا بأن قدر عليه لكنه يجد بسببه زيادةَ مرضٍ أو تأخُّرَ الشفاءِ أو حصولَ ما يخشاه إن صلى قائمًا، كدوران الرأس أو الغرق لمن كان يصلي في سفينة، ويُعلم ذلك إما بسبق تجربة أو بإخبار طبيب.

قال الإمام ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 121، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(قوله: تعذر عليه القيام أو خاف زيادة المرض صلى قاعدًا يركع ويسجد).. أراد بالتعذر التعذر الحقيقي بحيث لو قام سقط بدليل أنه عطف عليه التعذر الحكمي وهو خوف زيادة المرض] اهـ.

وقال العلامة النَّفَرَاوِي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 240، ط. دار الفكر): [(وصلاة المريض) الفريضة (إن لم يقدر على القيام) فيها مستقلًّا بأن عجز عنه جملة أو تلحقه به مشقة شديدة (صلى جالسًا) مستقلًّا] اهـ.

قال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 310، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز ألا يتأتى القيام ولا يكفي أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة، أو زيادة مرض، أو نحو ذلك، أو خاف راكب السفينة الغرق، أو دوران الرأس، صلى قاعدًا ولا إعادة] اهـ.

وقال العلامة الحصني الشافعي في "كفاية الأخيار" (ص: 122، ط. دار الخير): [واعلم أنه ليس المراد بالعجز عدم الإمكان، بل خوف الهلاك، أو زيادة المرض، أو لحوق مشقة شديدة، أو خوف الغرق، ودوران الرأس في حق راكب السفينة] اهـ.

وقال العلامة ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (2/ 106، ط. مكتبة القاهرة): [وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به، أو تباطؤ بُرئِه، أو يشق عليه مشقة شديدة، فله أن يصلي قاعدًا] اهـ.

ثانيًا: أن يلحقه بما يجده من المشقة حال صلاته قائمًا ما يذهب بمقصود الصلاة من الخشوع أو كماله، وسواء كان ذلك بسبب مرض أو ضيق مكان أو خوف عدو ونحوه.

قال العلامة تقي الدين الحصني الشافعي في "كفاية الأخيار" (ص: 122): [وقال الإمام: ضابط العجز أن تلحقه مشقة تُذهب خشوعه] اهـ.

وقال الشيخ عبد الرحمن الشربيني في "حاشيته على الغرر البهية" (1/ 409، ط. الميمنية): [(قوله: حدًّا يسقط القيام) هو ما لم يحصل معه شيء من الخشوع وما هنا يكفي فيه ذهاب كمال الخشوع. اهـ. ع ش، لكن في "الإيعاب": وأدنى مراتب المشقة في المرض أن تشغله عن الخشوع أي: أصله لا كماله كما هو ظاهر في الصلاة] اهـ.

وقال العلامة ابن مُفْلِح الحنبلي في "النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر" (1/ 125، ط. مكتبة المعارف): [وإطلاق كلامه أيضًا يقتضي أنه إذا أمكنه القيام في صورة الراكع أنه لا يلزمه، وليس كذلك، بل يلزمه؛ لأنه قيام مثله، بخلاف ما لو كان لغير آفة به، كمن في بيت قصير سقفه، أو خائف من عدو يعلم به إذا انتصب ويمكنه أن يستوي جالسًا فإنه يصلي جالسًا على منصوص الإمام أحمد لعدم الاستطاعة المذكورة في حديث عمران بن حصين] اهـ.

وقال العلامة المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (5/ 7، ط. هجر): [لو كان في سفينة، أو بيت قصير سقفه، وتعذر القيام والخروج، أو خاف عدوًّا إن انتصب قائمًا، صلى جالسًا على الصحيح من المذهب، نص عليه] اهـ.

وعليه: فالمشقة التي يباح الترخص بها في ترك القيام في صلاة الفريضة هي كل مشقة تزيد عن المشقة المعتادة بأصل التكليف، مما قد يضر بالأبدان أو يمنع من حصول الخشوع في الصلاة، بأن يكون المصلي عاجزًا عن القيام بسبب شدة مرضه أو كبر سنه، أو يخاف إذا صلى قائمًا زيادة مرض، أو تأخُّرَ بُرئِه، أو غير ذلك من الأعذار.

جاء في "تهذيب الفروق" للشيخ محمد بن علي بن حسين مفتي المالكية في مكة المكرمة (1/ 132، ط. عالم الكتب): [وضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها هو أنه يجب على الفقيه أولًا أن يفحص عن أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص أو إجماع أو استدلال، ثم ما ورد عليه بعد ذلك من المشاق ينظر فيه ثانيًا، فإن كان مثل تلك المشقة أو أعلى منها جعله مُسقطًا، وإن كان أدنى منها لم يجعله مُسقطًا.. والسفر مبيح للفطر بالنص فيعتبر به غيره من المشاق] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن المشقة التي يباح الترخص بها في ترك القيام في صلاة الفريضة هي المشقة الزائدة عن المعتاد بحيث يترتب عليها زيادة الألم أو تأخُّرُ الشفاءِ أو حصول ما يخشاه الإنسان إن صلى قائمًا أو فقد الخشوع في الصلاة بسببها.

والله سبحانه وتعالى أعلم

إلى أي مدًى تُعدُّ الإصابة بالتوحد أو الذَّاتَوِيَّة من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة؟


ما حكم قضاء المرأة الصلاة التي فاجأها الحيض في آخر وقتها؟ حيث إن هناك امرأةً فاجأَها الحيضُ قبل أذان العصر بزمنٍ يسيرٍ، ولم تكن قد أدَّت صلاة الظهر، فهل يلزمها قضاء صلاة الظهر بعد طُهرها من الحيض؟


ما هو الحكم الشرعي في شأن الصلاة في القطار المتحرك (غير المتوقف) في المذاهب الأربعة؟ مع ملاحظة أنَّ المسلمين في الهند يسافرون لمدة 24 ساعة متواصلة. وقد أفتى المجلس الشرعي بالجامعة الأشرفية مباركفور بالهند بجوازها دون إعادة، فهل هذا الحكم صحيح في ضوء الفقه الحنفي؟

 


ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.


هل تصح إمامة الطفل البالغ من العمر تسع سنوات لأمه من باب تشجيعه على الصلاة؟


السؤال عن صيغة التشهد في الصلاة؛ حيث ذكر بعضهم أنه ينبغي أن نقول في التشهد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "السلام على النبي"، وأن من أخطاء المصلين الشائعة قولهم:" السلام عليك أيها النبي"، زاعمًا أن كاف المخاطبة كانت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم فالصيغة اختلفت، وأنه على كل مصلٍّ أن يقول: "السلام على النبي"، وليس "السلام عليك أيها النبي"، وزعم هذا القائل أن هذا التغيير كان من السيدة عائشة رضي الله عنها بوصية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، وأنها أعلمت الصحابة بهذه الوصية للعمل بها.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :12
الشروق
6 :39
الظهر
12 : 50
العصر
4:20
المغرب
7 : 0
العشاء
8 :18