ما حكم سداد الكفيل للدين إذا مات المدين وترك مالًا يكفي لسداد دينه؟ فرجلٌ تكفَّل بدَيْنٍ على أخيه لأحد الأشخاص، ثم تُوفي أخوه (المدين) يوم حلول أَجَلِ الدَّينِ مُخَلِّفًا تركةً تزيد على قيمته، فهل يجب على الرَّجل المذكور (الكفيل) سدادُ هذا الدَّين عن أخيه، أم يُسدَّد من التَّرِكَة؟
إذا حلَّ الدَّين ومات المكفول عنه وترك مالًا يكفي لسداد دَينه، فإنَّ الدَّين يكون واجبًا في تركته أصالةً، ويجب على الورثة إخراجُه مِن التركة بعد نفقات تجهيزه وتكفينه ودفنه، وقَبْلَ تقسيمها وتوزيعها على مستحقيها، سواء أكان الدَّين مُسْتَغْرِقًا للتركة أم غير مُسْتَغْرِقٍ لها، ولا يتعيَّن الكفيلُ لأداء الدَّين حينئذٍ، بل يجوز له إنْ أداه أن يرجع على الورثة لاستيفائه مِن تَرِكَةِ المكفول.
المحتويات
الكَفَالةُ ضربٌ مِن ضروب التعاون، وهي مِن عقود التبرعات، والمراد بها: ضمُّ ذمَّة الكفيل إلى ذمَّة الأصيل، على وجه التوثيق في حق المطالبة بما على الأصيل مِن دَين، كما في "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي (6/ 10، ط. دار الكتب العلمية)، و"مواهب الجليل" للإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي (5/ 96، ط. دار الفكر)، و"فَتْحِ القَرِيبِ المُجِيب" للعلامة شمس الدين الغَزِّي الشافعي (ص: 179، ط. دار ابن حزم)، و"كشاف القناع" للإمام أَبِي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (3/ 423، ط. دار الكتب العلمية).
وتصِحُّ الكفالة بلَفْظِ كَفيلٍ، وضَمِينٍ، وقَبِيلٍ، وحَمِيلٍ، وصَبِيرٍ، وزَعيمٍ، وبكُل لَفْظٍ يُنبئ عن العهدة في العرف والعادة.
مِن المقرَّر شرعًا أنَّ قضاء الديون المالية يُعدُّ مِن أهم الحقوق المتعلقة بتركة الميت، وذلك بعد نفقات تجهيزه وتكفينه ودفنه ما دام قد خلَّف تَرِكَةً تَفِي بتلك الدُّيون، وهو ما نصَّ عليه جمهور فقهاء المذاهب المتبوعة مِن الحنفية والمالكية والشافعيَّة والحنابلة. ينظر: "الاختيار لتعليل المختار" للإمام مجد الدين ابن مَوْدُودٍ المَوْصِلِي الحنفي (5/ 85، ط. مطبعة الحلبي)، و"مِنَح الجليل" للشيخ عِلِيش المالكي (9/ 597، ط. دار الفكر)، و"مُغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (4/ 7، ط. دار الكتب العلمية)، و"مطالب أولي النهى" للإمام الرُّحَيْبَانِي الحنبلي (4/ 543، ط. المكتب الإسلامي).
وفي حالة وجود ضامن للدين أو كفيل فقد اختلف الفقهاء في أحقية مطالبة الدائن الكفيل بدفع الدَّين إذا كان المدين مليئًا موسرًا وقادرًا على سداده على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن من حق الدائن عند حلول الدين المكفول مطالبةَ مَن شاء منهما، كفيلًا كان المُطَالَبُ أو أصيلًا، وعللوا ذلك بأن مطالبة الأصيل إنما هي لكون الدَّين لا يزال باقيًا في ذمته، وأن مطالبة الكفيل حقٌّ بالخبر السابق ذكره عن أبِي أُمَامَةَ البَاهِلِي رضي الله عنه، فإذا طالب الدائنُ الأصيلَ أو الكفيلَ فإن ذلك لا يُسقط حقه في مطالبة الآخَر منهما، وله أن يطالِب أحدَهما بكامل الدَّين أو بعضه ويُطالِب الآخَر بالباقي منه، وله كذلك مُطالبَتُهُما معًا.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (20/ 28، ط. دار المعرفة): [إذا كفل الرجلُ عن رجلٍ بمالٍ فللطالب أن يأخذ به أيهما شاء، وبمطالبة أحدهما لا يَسقط حقه في مطالَبة الآخَر] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "فتح الوهاب" (1/ 253، ط. دار الفكر): [ولِمُسْتَحِقٍّ لِلدَّيْنِ -سواء أكان هو المضمونُ لَهُ أم وارثه- مطالبةُ ضَامنٍ وَأَصِيلٍ بالدَّينِ، بأن يطالبهما جميعًا، أو يطالبَ أيهما شاء بالجميع، أو يطالب أحدَهما ببعضه والآخَر ببَاقِيه] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (13/ 7، ط. هجر) في الكلام على المُطَالَب بِرَدِّ الدَّين عند حصول الكفالة: [ولصاحب الحَقِّ مُطالبَةُ مَن شاء منهما بلا نِزاعٍ] اهـ.
ومع أحقية الدائن عند فقهاء الشافعية أن يطالب من شاء من الكفيل أو الأصيل، إلا أنهم جعلوا للكفيل حق مطالبة الأصيل بسداد الدَّين وتخليصه من الأداء عنه إذا طالبه الدائن بأدائه؛ وذلك لأن المدين هو الذي أوقع الكفيل في المطالَبة بهذا الدَّين عند طلبه الكفالة منه، فيكون من حق الكفيل أن يطلب التخليص مِن المدين؛ حيث إنه المطالَب بالسداد أصالةً قبل حصول الكفالة.
قال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي في "مغني المحتاج" (3/ 216- 217، ط. دار الكتب العلمية): [(وإذا طالبَ المُسْتَحِقُّ الضامِنَ) بالدَّيْنِ (فله مطالبةُ الأصيل بتخليصه بالأداء) للدَّيْنِ المضمون له ليبرأ الضَّامِنُ، هذا (إن ضمن بإذنه) لأنه الذي أوقعه في المطالبة، كما أنه يَغْرَمُهُ إذَا غَرِمَ، ومعنى التَّخليصِ: أنَّه يُؤدِّي دَين المضمون له ليبرأ الضَّامِنُ] اهـ.
القول الثاني: ذهب المالكية إلى عدم أحقية الدائن في مطالبة الكفيل إذا كان المدين موسرًا قادرًا على سداد الدَّين؛ حيث إن وجود الكفيل أو الضامن يشبه وجود الرهن، ولا سبيل إلى الرهن إلا عند عدم وجود المطلوب به، فكذلك لا سبيل على الكفيل إلا عند عدم قدرة الأصيل على السداد، وكذلك فإنهم لَمْ يفرِّقوا في حالة وفاة المدين بين وجود كفيلٍ وضامنٍ للدَّين أو لا في وجوب سداده مِن تَرِكَةِ الميت قبل تنفيذ وصيته في ثلث التَّرِكة، أو تقسيمها على الورثة الشرعيين، فما دام الميت قد ترك مالًا يكفي لسداد ما عليه من ديون، فيجب أن يُخرَج هذا المال مِن تركته ابتداءً دون مال الكفيل؛ لأنَّه المطالب بالسَّداد أصالةً، ورغم انعدام قدرة المدين بالموت على السداد بنفسه إلا أنَّ مَن خلَّفهم مِن الورثة يقومون مقامه في السَّداد إن ترك ما يكفي مِن الأموال لسداد تلك الديون.
قال الإمام أبو بكر بن يُونُسَ التَّمِيمِي في "الجامع لمسائل المدونة" (18/ 34، ط. مركز البحوث بجامعة أم القرى): [(المسألة الأولى: في إغرام الحميل والغريمُ حاضر مليء).
قال مالك: ومَن تحمَّل برجل، أو بما عليه فليس للذي له الحق إذا كان الغريم حاضرًا مليئًا أن يأخذ من الكفيل شيئًا إلا ما عجز عنه الغريم] اهـ.
قال الإمام أبو عبد الله الموَّاق في "التاج والإكليل" معللًا عدم مطالبة الكفيل بالدين في حال يُسر المدين (7/ 43، ط. دار الكتب العلمية): [لأنَّ الحميل إنما أخذ توثقةً فأشبه الرهن، فلما كان لا سبيل إلى الرهن إلا عند عدم المطلوب، فكذلك لا سبيل على الكفيل إلا عند عدم المطلوب] اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله الخَرَشِي في "شرحه لمختصر خليل" (8/ 197، ط. دار الفكر): [يخرج مِن تركته مؤن تجهيزه كغسله وتكفينه وحمله وإقباره ونحو ذلك مما يناسبه بحسبه فقرًا وغنًى، ثم بعد إخراج ما مرَّ تُخرَج الديونُ، كانت بضامنٍ أم لا] اهـ.
ما ذهب إليه المالكيةُ من عدم ثبوت الحق في مطالبة الكفيل بسداد الدَّين في حال يسار المدين وقدرته على سداده -هو ما عليه الفتوى والعمل في الديار المصرية، وهو ما أخذ به القانون المدني رقم 131 لسَنَة 1948م، فقد نصت المادة رقم (788) منه على أنَّه:
[1- لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين.
2- ولا يجوز له أن ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد تجريده المدين من أمواله، ويجب على الكفيل في هذه الحالة أن يتمسك بهذا الحق] اهـ.
فإذا طالب المدينُ الكفيلَ بالدَّين الذي كَفَلَهُ بدلًا عن المكفول عنه فدفعه، فإنَّ له أن يعود على الأصيل لمطالبته به، وإن مات الأصيل فله الرجوع على الورثة فيأخذ ما دفعه مِن تركة المكفول؛ حيثُ إنَّ الورثة هم خلف المكفول، ويقومون مقامه في سداد ما عليه من ديون في حالة تَرْكِهِ مالًا يكفي لذلك.
قال الإمام علاء الدين الحَصْكَفِي في "الدر المختار" (ص: 456، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا يطالب كفيل) أصيلًا (بمال قبل أن يؤدي) الكفيل (عنه)؛ لأن تملكه بالأداء] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين الأُسْمَنْدِي في "طريقة الخلاف" (ص: 421، ط. مكتبة دار التراث): [الميت المفلس غير قادر؛ لأن القدرة على الفعل إمَّا أن تكون بنفسه أو بِخَلَفِهِ، والميت لا يقدر بنفسه ولا بِخَلَفِهِ؛ لأنَّ خَلَفَهُ هو الوارث، وإنَّه يَخْلفه ويقوم مقامه في إيفاء الدَّين إذا ترك مالًا؛ لأن الوارث لا يؤمَر بقضاء دَين الميت مِن مال نفسه] اهـ.
وقد نصَّ القانون المدني المصري في المادة رقم (800) منه على أنَّ: [للكفيل الذي وَفَّى الدَّين أن يَرجع على المَدِين، سواء كانت الكفالةُ قد عُقِدَت بعِلمه أو بغير عِلمه] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الكَفَالة من عقود التبرعات التي تقوم على معنى تحمُّل الدَّين عن المدين حالَ إعساره بضمِّ ذمَّة الكفيلِ الضامنِ إلى ذمَّة المكفول عنه، وإذا حلَّ الدَّين ومات المكفول عنه وترك مالًا يكفي لسداد دَينه، فإنَّ الدَّين يكون واجبًا في تركته أصالةً، ويجب على الورثة إخراجُه مِن التركة بعد نفقات تجهيزه وتكفينه ودفنه، وقَبْلَ تقسيمها وتوزيعها على مستحقيها، سواء أكان الدَّين مُسْتَغْرِقًا للتركة أم غير مُسْتَغْرِقٍ لها، ولا يتعيَّن الكفيلُ لأداء الدَّين حينئذٍ، بل يجوز له إنْ أداه أن يرجع على الورثة لاستيفائه مِن تَرِكَةِ المكفول، ومِن ثَمَّ فلا يجب على الرجلِ المذكورِ المتكفلِ بدَين أخيه أن يسدِّد ذلك الدَّين عنه بعد وفاته تاركًا لورثته ما يَفِي بهذا الدَّين، وإنما يجب الأداء فيما خلَّفَه أخوه مِن أموال، فعليهم أن يسدِّدوه بعد تجهيزه ودفنه منها، وقبل القسمة الشرعية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تنازل الجدة عن ميراثها لورثة ابنها؟ فإن والدة السائلة قد وقعت حال حياتها ورقة بتنازلها عن إرثها في ابنها، وهذا التنازل في أرض مبانٍ كان ابنها قد اشتراها بالتقسيط. وتريد السائلة أن تعرف حكم هذا التنازل الذي تم من والدتها حال حياتها لورثة ابنها.
توفي رجل عن: زوجة، وأولاد ثلاث عمات شقيقات: خمسة ذكور وثلاث إناث. ولم يترك المتوفى المذكور أيَّ وارث آخر غير من ذكروا ولا فرع يستحقُّ وصيةً واجبةً. فما نصيبُ كلِّ وارث؟
هناك أسرة مكونة من الوالدين، وثلاثة أبناء وبنت، تزوج الابن الأكبر وأقام ومعه زوجته وأولاده الأربعة بنفس شقة والده، ثم انهار المنزل الذي كانوا يقيمون فيه بسبب زلزال عام 1992م، ثم أعطت الدولة شقتين لهم: شقة للابن الأكبر وأولاده وأخرى لباقي الأسرة، ثم ملكتهما لهم فيما بعد، ثم تزوجت البنت وأقامت بعيدًا عن الأسرة، ثم توفي الوالدان ولكن الأب كان قد أوصى بأن تكون الشقة للبنت الوحيدة؛ نظرًا لعدم إنجابها ولحزنه الشديد على مستقبلها. وبقي في الشقة ابنان ثم تزوج أحدهما ثم تنازل للأخير بقية الورثة؛ ليتمكن من إدخال الهاتف باسمه، ثم تزوج الأخير ويقيم الآن في شقة تمليك باسمه. والبنت لا تحتاج لهذه الشقة لأنها الآن ميسورة الحال وتمتلك شقة باسمها في حي راقٍ، والابن الكبير باع شقته التي ملكته إياها الدولة واشترى شقة بإحدى المدن الجديدة. فما حكم هذه الشقة بالنظر إلى الميراث والوصية؟
توفي رجل عام 1985م عن زوجة، وابنين وخمس بنات، وأولاد ابنه المتوفى قبله: ابنان وبنت، وأولاد بنته المتوفاة قبله: ثلاثة أبناء وبنت.
ثم توفي أحد ابنيه عن زوجة، وثلاثة أبناء وبنت، وبقية المذكورين.
ثم توفيت زوجة هذا الابن عن أولادها المذكورين.
ثم توفيت زوجة الرجل المسئول عنه عن بقية المذكورين.
ثم توفيت إحدى بناته عن زوج، وابن، وبنتين، وبقية المذكورين.
ثم توفيت بنت أخرى من بناته عن بقية المذكورين.
فمن يرث؟ ومن يستحق؟
ما حكم عطاء الوالد لبعض أولاده حال حياته؟ فنحن ثلاث أخوات شقيقات، ولنا أختان من أبينا، وكان والدنا رحمه الله تعالى قد كتب لي ولشقيقَتَيَّ أرضًا زراعية مساحتها 11 فدانًا بيعًا وشراء، وترك ستة أفدنة أخرى لم يكتبها باسم أحد، تم تقسيمها على ورثته بعد وفاته، وكذلك قد خصني أنا وشقيقَتَيَّ -دون الأختين الأخريين- بمبلغ ألف جنيه في دفتر توفير لكل واحدة منا، مع العلم أننا ساعتها كنا صغيرات، وكانت أختانا لأبينا متزوجتين.
والسؤال هنا: هل من حق الإنسان أن يتصرف حال حياته كيفما يشاء في ماله؟ مع العلم أنني قد سمعت عدة آراء فقهية مختلفة في هذه المسألة؛ بعضها يحرم ما فعله الوالد ويلزمنا بِرَدِّ الحقوق، وبعضها يحرم ما فعله الوالد ويجعل رد الحقوق تطوعيًّا منا، وبعضها يجيز ما فعله الوالد ولا يلزمنا بشيء، فما مدى صحة هذه الآراء؟ وهل يجوز لي تقليد أيٍّ منها؟ وهل معنى حديث: «استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك، والبر ما اطمأن إليه القلب والإثم ما حاك بالصدر» أن الإنسان إذا سمع عددًا من الآراء فإن الرأي الذي يطمئن إليه قلبه وعقله يكون هو الصحيح شرعًا؟ وما حكم العمل بالأحوط هنا؟ حيث إنني قد احتطت ورددت بعض الحقوق لأصحابها، وطلبت منهم المسامحة في الباقي فسامحوا.
رجل توفي عن: زوجته، وبنت ابنه من صُلبه، وأولاد أخيه ذكورًا وإناثًا، فما يكون نصيب كلٍّ من هؤلاء المذكورين في الموروث عن المتوفى المذكور؟