مدى اعتبار الإخبار بالمعصية في طلب الفتوى من الجهر بها

تاريخ الفتوى: 29 يناير 2025 م
رقم الفتوى: 8552
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: آداب وأخلاق
مدى اعتبار الإخبار بالمعصية في طلب الفتوى من الجهر بها

هل إخبار المستفتي المفتي بالمعصية التي وقع فيها يُعدُّ من قبيل الجهر بالمعاصي؟

إخبار المستفتي المفتي بما ابتُلي به من معصيةٍ لا يعدُّ من قبيل الجهرالمذموم بالمعاصي، إذ ينبغي على الإنسان إذا نزلت به حادثة أن يسأل عنها حتى يعرف حكم الشرع فيها، والإخبار بالمعصية في هذه الحالة هو من إجراءات بيان الحادثة بيانًا شافيًّا للمفتي، إذا كانت الحادثة المراد معرفة الحكم فيها متعلقة بتلك المعصية، أما الجهر المذموم شرعًا فهو الإعلان عن الوقوع في المعاصي تباهيًا واستهزاء.

المحتويات

 

ما يجب فعله على من وقع في المعاصي

الوقوع في المعاصي ممكن في حق جميع بني آدم إلا من عصمهم الله تعالى، ومن سواهم مُعرَّض للوقوع فيها قلَّت أو كثُرت، والإصرار على الذنوب وعدم التوبة منها مذموم شرعًا، وعواقبه وخيمة، وآثاره سيئة في الدنيا والآخرة، فيجب على الواقع فيها التوبة على الفور، مع الندم والعزم على عدم العود، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.

حكم المجاهرة بالمعاصي، ومدى اعتبار الإخبار بالمعصية في طلب الفتوى من الجهر بها

ممَّا يعظُم به الذنب المجاهرة به، بأن يرتكب العاصي الذنب علانية، أو يرتكبه سرًّا فيستره الله عزَّ وجلَّ لكنَّه يُخبر به بعد ذلك مستهينًا بسِتْر الله له، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» متفق عليه.

فأفاد الحديث أن من معاني المجاهرة: الإعلان عن الوقوع في المعاصي وإخبار الناس بها لغير ضرورة وحاجة.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (18/ 119، ط. دار إحياء التراث العربي): [(إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ)، هم: الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة] اهـ.

ومن صور الضرورة والحاجة: طلب الفتوى، إذ ينبغي على الإنسان إذا نزلت به حادثة أن يسأل عنها حتى يعرف حكم الشرع فيها، وهذا يكون بإخبار المفتي بعين الحادثة التي ألمت به إخبارًا دقيقًا، إذ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، فإذا بيَّن للمفتي ما وقع فيه من المخالفة لا يكون بيانه حينئذٍ مذمومًا إن كان على جهة السؤال والاستفتاء، وإنَّما يكون مذمومًا إن كان على جهة المجاهرة والتباهي والاستهزاء.

ودليل ذلك ما ورد من إخبار الأعرابي النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بما وقع فيه من مخالفة الشرع من وقاع زوجته في نهار رمضان فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رمضان، فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ بِهِ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِكْيَالٌ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا»، قَالَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَضَحِكَ النَّبَيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» أخرجه مسلم، ومعنى «لَابَتَيْهَا»، أي: طَرَفَيْهَا.

فأفاد الحديث أن كل كشف عن معصية وقع على وجه طلب الحكم أو طلب طريق التحلل منها، أو رجاء دعوة صالحة، أو معرفة ما يدفعه إلى فعلها ليجتنبه، أو غير ذلك من مقاصد معتبرة شرعًا، لا يذم فاعله.

وقد نقل العلامة المرتضى الزبيدي عن حجة الإسلام الغزالي في "إتحاف السادة المتقين" (6/ 272، ط. مؤسسة التاريخ العربي) قولَه: [الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على وجه السؤال والاستفتاء؛ بدليل خبر المحترف المتقدم في كتاب الصوم، فإنَّه أخبر بحاله النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر عليه] اهـ.

قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 368، ط. دار الفكر): [فصل: يُكره للإِنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ أو نحوها أن يخبرَ غيرَه بذلك، بل ينبغي أن يتوب إلى الله تعالى فيقلعَ عنها في الحال، ويندمَ على ما فعل، ويعزم أن لا يعود إلى مثلها أبدًا، فهذه الثلاثة هي أركان التوبة، لا تصحّ إلا باجتماعها، فإن أخبرَ بمعصيته شيخَه أو شبهَه مِمَّن يرجو بإخباره أن يعلِّمه مخرجًا من معصيته، أو ليعلِّمَه ما يَسلمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرِّفَه السببَ الذي أوقعه فيها، أو يدعوَ له، أو نحوَ ذلك، فلا بأسَ به، بل هو حسنٌ] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإخبار المستفتي المفتي بما ابتُلي به من معصيةٍ لا يعدُّ من قبيل الجهر بالمعاصي المذموم، بل هو من إجراءات بيان الحادثة بيانًا شافيًّا للمفتي، إذا كانت الحادثة المراد معرفة الحكم فيها متعلقة بتلك المعصيةٍ ، أما الجهر المذموم شرعًا فهو الإعلان عن الوقوع في المعاصي تباهيًا واستهزاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم التسامح بالتنازل عن قضية منظورة أمام القضاء مراعاة لحرمة شهر رمضان؟ فنحن مقبلون على أيام كريمة في شهر رمضان، وعندي قضية مرفوعة أمام إحدى المحاكم على بعض الأفراد بخصوص أرضٍ بيني وبينهم، وقال لي بعض المقربين بأنه لن يُتقبل لي صيام، ولن يُغفر لي إلا بعد التنازل عن هذه القضية، فهل هذا صحيح؟ وهل يجب عليَّ التنازل عن القضية وعن حقوقي أو على أقل تقدير ما أظنه حقي من باب التسامح؟ وما التسامح الذي يحصل به القبول والمغفرة؟


ما حكم كفالة بنت ورعايتها والوصية لها ببعض المال؟ فهناك زوجة موسرة وسَّع الله تعالى عليها، وترغب في تبني بنت لتقوم بخدمتها؛ حيث إنها لم تنجب، وهي مستعدة لتربية هذه البنت، وتعليمها، والإنفاق عليها بكل ما يلزمها، وتريد أن تخصها بكتابة شيء لها من مالها بعد وفاتها؛ فما الحكم الشرعي في ذلك؟


ماذا وردَ في سماحة النبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ومراعاته مشاعر الآخرين وجبر خواطرهم؟


ما حكم تزوير الشهادات الطبية لبيع البلازما؟ ففي ظل انتشار وباء فيروس كورونا "كوفيد- 19"، وبعد خروج تصريحات وزارة الصحة المصرية بارتفاع نسب الشفاء بعد حقن المرضى ببلازما المتعافين؛ لاشتمالها على أجسام مضادة للفيروس، وجدنا من يستغل هذه الحاجة ويلفق كذبًا من الشهادات الطبية ما يفيد تعافيه من الفيروس؛ وذلك لبيع البلازما بمبالغ مالية كبيرة، فما حكم ذلك؟


ما حكم استرداد العارية قبل انتهاء المدة المتفق عليها؟ فرجلٌ استعار سيارةً مِن جاره لقضاء بعض المصالح بها لمدة ثلاثة أيام، إلا أن صاحب السيارة طلب استردادها بعد يومٍ مِن أخذها لسفر ضروري طرأ له في عمله، ولا يملك غير هذه السيارة للسفر، لكنِ المستعيرُ امتنع عن رَدِّها، وتمسك باتفاقه مع صاحب السيارة، وأنه قد استأذنه فيها لمدة ثلاثة أيام، والسؤال: هل يجوز شرعًا ما فعله المستعير مِن الامتناع عن تسليم السيارة إلا بمضي المدة المتفق عليها؟ علمًا بأن رَدَّها لا يَضُره في شيء، فهي موجودة عند البيت ولا يستعملُها حين طُلِبَت منه، وإنما المتضرر هو صاحب السيارة؛ لأنه لو استأجر سيارة للسفر سوف يتكلف كثيرًا من المال، ولو امتنع عن السفر تضرر في عمله.


سائل يقول: ورد في كتب الحديث أنّ النبي صلّى الله عليهِ وآله وسلّم ذم الجدل ولكن أخبرني البعض أن الجدل ليس كله مذمومًا بل منه ما هو محمودٌ. فنرجو منكم بيان ذلك.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 21 نوفمبر 2025 م
الفجر
4 :55
الشروق
6 :25
الظهر
11 : 41
العصر
2:36
المغرب
4 : 56
العشاء
6 :17