مدى تأثير عدم إخراج زكاة المال على الصيام

تاريخ الفتوى: 13 مارس 2025 م
رقم الفتوى: 8577
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الزكاة
مدى تأثير عدم إخراج زكاة المال على الصيام

هل يؤثر على صحة الصيام عدمُ إخرج الزكاة بتأخيرها عن وقتها دون عذر، أو عدم إخراجها أصلًا؟

صيام من يؤخِّر إخراج الزكاة عن وقتها دون عذرٍ، أو مَن لا يلتزم بإخراجها أصلًا، صحيحٌ شرعًا؛ فكلُّ عبادةٍ منهما مستقلةٌ عن الأخرى، فهذا الإنسان طائع بأدائه الصيام غير طائع بتأخير الزكاة عن وقتها أو عدم أدائها.

ويجب على كلِّ مكلف أن يجتهد في أداء جميع الفرائض التي فرضها الله عليه على قدر طاقته واستطاعته؛ فالملتزم بجميع الفرائض أعظم أجرًا، وأكثر ثوابًا، وأفضل حالًا ممن يلتزم ببعضها، ويفرط في البعض الآخر.

المحتويات

 

الالتزام بكل شرائع الإسلام وعباداته

التكاليف الشرعية التي جاء بها الإسلام منظومة متكاملة من شأنها ضبط حركة الإنسان وتنظيم جميع علاقاته في هذه الحياة، أي: علاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بأخيه الإنسان، بل وعلاقته بالكون بأسره، ورأس هذه التكاليف وأصلها الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفقٌ عليه.

وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين أن يؤدوا هذه العبادات بأكملها، أي: أن المسلم مأمورٌ بها جميعًا، فيجب عليه أن يلتزم بكلِّ ما فرضه الله تعالى عليه، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: 208]، والمعنى: أي التزموا بكلِّ شرائع الإسلام وعباداته التي أمر الله تعالى بها ورسولُه صلى الله عليه وآله وسلم من غير أن يتخير أحدٌ منكم أداء بعضها وترك بعضها الآخر؛ لقوله تعالى ناعيًا على هؤلاء: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85].

وهذا ما نطقت به عبارات المفسرين، حينما عقبوا على الآية الآمرة بالدخول في السلم:

قال الإمام الطَّبَرِيُّ في "جامع البيان" (3/ 600، ط. هجر): [تأويل ذلك: دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست مِن حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء مِن حدوده] اهـ.

وقال الإمام الْـمَاوَرْدِيُّ في "النكت والعيون" (1/ 268، ط. دار الكتب العلمية) ناقلًا قول الإمامين مجاهد، وقتادة: [والدخول في السِّلْم: العمل بشرائع الإسلام كلها] اهـ.

أثر عدم إخراج الزكاة على صحة الصوم

مع أن المسلم مأمورٌ -على قدر طاقته البشرية- بأداء كلِّ الفرائض المفروضة عليه جملة واحدة دون ترك أيٍّ منها إلا أن كل عبادة منها مستقلة بذاتها؛ فكل فريضة من هذه الفرائض لها شروطها وأركانها الخاصة بها، فإذا أدى الإنسان عبادةً من العبادات مستوفيةً شروطها وأركانها فهي صحيحة وبَرِئَتْ ذمته منها، وخرجت من عهدته، ولا يؤثر في صحتها تركُ غيرها من العبادات الأخرى المفروضة عليه أيضًا.

قال العلامة نجم الدين الطُّوفي في "شرح مختصر الروضة" (1/ 441، ط. مؤسسة الرسالة): [الصحة في العبادات: وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء، وقيل: موافقة الأمر.

معنى هذا: أن العلماء اختلفوا في معنى صحة العبادات، فالفقهاء قالوا: الصحة وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء؛ كالصلاة الواقعة بشروطها وأركانها مع انتفاء موانعها، فكونها كافية في سقوط القضاء -أي: أنها لا يجب قضاؤها- هو صحتها] اهـ.

وقال العلامة الزَّرْكَشِي في "البحر المحيط" (2/ 16، ط. دار الكتبي): [أما الصحة في العبادات فاختُلف فيها؛ فقال الفقهاء: هي وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء؛ كالصلاة إذا وقعت بجميع واجباتها مع انتفاء موانعها، فكونها لا يجب قضاؤها هو صحتها] اهـ.

ومقتضى ذلك: أنه ليس من شروط صحة العبادة امتثال المكلف لغيرها من العبادات وقيامه بها، بحيث يكون تَرْكُ ذلك مؤثرًا على صحتها أو موجبًا لعدم قبولها؛ إذ لا ارتباط بين إسقاط الفرائض التي يؤديها وبين الفرائض التي يتهاون في أدائها، فلكلٍّ ثوابه، ولكلٍّ عقابه.

وعلى ذلك: فإذا وجبت الزكاة في حقِّ أحد ولم يُخْرِجْها أو قصَّر في أدائها فإنه آثم بعدم القيام بهذا الفرض، فإن أدى فرضًا آخر وهو الصيام فصيامه صحيح، وإثمه بتركه أداء الزكاة لا يؤثر في صحة الصيام، وهو بهذا مطيع في الصيام غير مطيع في الزكاة.

قال الإمام السَّرَخْسِي في "أصوله" (1/ 81، ط. دار المعرفة): [ألَا ترى أن الصائم إذا ترك الصلاة يكون فعل الصوم منه عبادة صحيحة هو مطيع فيه وإن كان عاصيًا في ترك الصلاة؟] اهـ.

وقال العلامة أبو بكر الجَصَّاص في "الفصول في الأصول" (2/ 179، ط. أوقاف الكويت): [وكون الإنسان مرتكبًا للنهي عاصيًا في غير المعقود عليه (لا يمنع وقوع فعله موقع الجواز، كما أن كونه عاصيًا في تركه الصلاة لا يمنع) صحة صيامه إذا صام] اهـ.

وقال الإمام الآمِدِيُّ في "أبكار الأفكار" (4/ 385-386، ط. دار الكتب والوثائق القومية) في الردِّ على شبهة القائلين بكون المعصية محبطةً للأعمال مطلقًا: [إن التقابل بين الطاعة والمعصية: إنما يتصور في فعلٍ واحدٍ بالنسبة إلى جهةٍ واحدةٍ، بأن يكون مطيعًا بعينِ ما هو عاصٍ مِن جهة واحدة، وأما أن يكون مطيعًا في شيء، وعاصيًا بغيره، فلا امتناع فيه، كيف وأن هؤلاء وإن أوجبوا إحباط ثواب الطاعات بالكبيرة الواحدة، فإنهم لا يمنعون من الحكم على ما صدر من صاحب الكبيرة من أنواع العبادات... كالصلاة، والصوم، والحج، وغيره بالصحة، ووقوعها موقع الامتثال، والخروج عن عهدة أمر الشارع؛ مع حصول معصية في غيرها، بخلاف ما يقارن الشرك منها، وإجماع الأمة دلَّ على ذلك، وعلى هذا: فلا يمتنع اجتماع الطاعة والمعصية، وأن يكون مثابًا على هذه ومعاقبًا على هذه] اهـ.

الاستقامة بالالتزام بجميع ما أمر الله تعالى به

الصيام مع كونه صحيحًا ولا تتأثر صحته بعدم إخراج الزكاة إلا أن الملتزم بالفرضين معًا وبسائر الفروض أعظم أجرًا، وأكثر فضلًا، وأقوم طريقًا؛ لما جاء عَن سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: «قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا». رواه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

والاستقامة هي الالتزام بجميع ما أمر الله تعالى به.

قال العلَّامةُ مُظهِر الدين الزَّيْدَانيُّ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ المشهورُ بالمُظْهِري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 86، ط. دار النوادر): [وقوله عليه السلام: «ثم استقم»: لفظٌ جامعٌ للإتيانِ بجميع الأوامر، والانتهاءِ عن جميع المناهي؛ لأنه لو ترك أمرًا لم يكن مستقيمًا على الطريق المستقيم، بل عَدَل عنه حتى يرجع إليه، ولو فعل منهيًّا؛ فقد عَدَلَ عن الطريق المستقيم أيضًا حتى يتوبَ] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي السؤال: فإن صيام من يؤخِّر إخراج الزكاة عن وقتها دون عذرٍ، أو مَن لا يلتزم بإخراجها أصلًا، صحيحٌ شرعًا؛ فكلُّ عبادةٍ منهما مستقلةٌ عن الأخرى، فهذا الإنسان طائع بأدائه الصيام غير طائع بتأخير الزكاة عن وقتها أو عدم أدائه الزكاة أصلًا، ويجب على كلِّ مكلف أن يجتهد في أداء جميع الفرائض التي فرضها الله عليه على قدر طاقته واستطاعته؛ فالملتزم بجميع الفرائض أعظم أجرًا، وأكثر ثوابًا، وأفضل حالًا ممن يلتزم ببعضها، ويفرط في البعض الآخر.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الزكاة والصدقات لصالح مؤسسة خيرية؟ حيث يتشرف أحد البنوك بإحاطة فضيلتكم علمًا بتأسيس مؤسسة للتنمية المجتمعية بوزارة التضامن الاجتماعي، وتعمل المؤسسة منذ إنشائها على تطوير مجالي الصحة والتعليم في مصر، وذلك عبر منهج متكامل لا يعتمد فقط على المساهمات المادية، ولكن أيضًا من خلال إدارة عملية للتطوير بالتعاون مع الإدارات المختصة بالمؤسسات العامة التي تعمل بها، وإذ تركز المؤسسة في المرحلة الحالية على المشروعات الصحية، لا يتوقف دورها عند تحديث البنية الأساسية وتطوير الخدمات فحسب، ولكنه يمتد أيضًا ليشمل توفير الدورات التدريبية لأطقم التمريض، والعمل على رفع كفاءة العنصر البشري ككل، وننوه سيادتكم بأن البنك يتحمل كافة التكاليف الإدارية للمؤسسة، بحيث تذهب جميع التبرعات مباشرة للمشروعات التي تتبناها المؤسسة الخيرية.
وتعمل المؤسسة الآن على استكمال التطوير الشامل لثلاثة مشروعات مهمة وهي: مستشفى الأطفال الجامعي التخصصي "أبو الريش الياباني"، المعهد القومي للأورام، وقريبا نبدأ العمل بمركز الكلى بالمنصورة، وذلك للوصول بها إلى مستويات عالمية في الخدمة، حتى نتمكن من خدمة أكبر عدد من المرضى المحتاجين دون تحميلهم أي أعباء مادية، ويأتي اختيار هذه المؤسسات تحديدًا؛ لأنها تخدم المجالين التعليمي والصحي، وهما الهدف الأساسي الذي من أجله أنشئت المؤسسة.
وفي هذا الشأن، نعمل الآن على الاستعداد لإطلاق حملة إعلانية لتعريف الرأي العام بأهداف المؤسسة وبرامجها التنموية، وقد وردتنا في هذا الشأن عدة استفسارات من عملائنا يتساءلون من خلالها عن المواضع التي يمكن أن يتبرعوا من خلالها بالزكاة، وتلك التي تستحق الصدقات بالمؤسسة، كي تنفق منها على المشروعات التي تعمل عليها.
وعليه: فإنا نسأل فضيلتكم عن إمكانية استصدار فتوى مكتوبة وموثقة من دار الإفتاء المصرية تجيز إخراج الزكاة والصدقات لصالح المؤسسة، وتبين المواضع الملائمة لصرف كل منها، مما يشجع السادة المساهمين من أبناء المجتمع المصري لدعم جميع المبادرات التي من شأنها الوصول بمصر إلى ما نصبو إليه من تقدم وازدهار.


يحتكر بعض التجار السلع، ويُضَلِّلون في أسعارها، ويبيعونها بضعف السعر؛ ويُبرِّرون ذلك بأنهم يتَصدَّقون بالزيادة في السعر على الفقراء؛ فنرجو موافاتنا بالحكم الشرعي لهذا الفعل؟


سائل يقول: سمعت أن إعطاء الزكاة للفقراء والمستحقين لها من الأقارب كالأخ والأخت أفضل من دفعها إلى غير الأقارب. فنرجو منكم بيان ما مدى صحة هذا الكلام؟


ما حكم صرف أموال الزكاة والأوقاف في نشر المعرفة بإسهامات المسلمين في الحضارة؟ حيث يعمل أحد المراكز في نشر سلسلة أمهات كتب الحضارة الإسلامية مترجمةً إلى اللغة الإنجليزية، وتتكلف الترجمة مع المراجعة والنشر والإشراف أموالًا كثيرة، فهل يجوز صرف أموال الزكاة والأوقاف في مثل هذه الأعمال؟


هل يجوز للشركة علاج بعض العاملين بها من زكاة المال المفروضة عليها شرعًا؟ علمًا بأن العاملين مُؤَمَّن عليهم تأمينًا صحيًّا، ولكن أحيانًا يتم إخطارنا بأنَّ ظروف العامل أو الموظف لا تسمح بعلاجه على نفقته، وأنَّ التأمين الصحي لا يقوم بالخدمات الطبية الكافية.


جمعية خيرية تخضع لأحكام قانون ممارسة العمل الأهلي رقم (149) لسنة 2019م ولائحته التنفيذية، وتمارس الجمعية العديد من الأنشطة، وتسأل عن الحكم الشرعي في الآتي:

- جمع الزكاة والصدقات للصرف منها على علاج الفقراء والمساكين، والقوافل الطبية، وإنشاء العيادات، وتوفير الأجهزة الطبية اللازمة، وتوفير مواد الإغاثة اللازمة في حال الأزمات والكوارث.

- جمع الزكاة والصدقات والصرف منها على المساعدات الخارجية، وبالأخص إغاثة غزة والسودان.

- جمع زكاة الفطر وصكوك الأضاحي وصرفها على الفقراء والمساكين وذوي الحاجة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 يوليو 2025 م
الفجر
4 :35
الشروق
6 :13
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 49
العشاء
9 :16