ما حكم الدم النازل على المرأة الكبيرة بعد انقطاع الحيض عنها؟ وهل يمنع من الصلاة والصيام؟ فقد تجاوزت سني السادسة والخمسين سنة، وقد انقطع عني دم الحيض منذ عام، ولكن فوجئت منذ أيام بنزول الدم مرة أخرى بنفس ألوان دم الحيض المعروفة لمدة خمسة أيام، فما حكم ذلك شرعًا؟ وهل يعتبر دم حيض يمنع من الصلاة والصيام؟
الدم النازل بالسائلة التي تجاوز عمرها السادسة والخمسين بعد عام من انقطاع الحيض عنها، واستمراره لخمسة أيام على العادة المعروفة لديها: حيض، ما لم يقرر أهل التخصص من الأطباء خلاف ذلك وأنه ليس حيضًا، وأنَّ نزوله إنما هو لأسبابٍ طبيَّة لا علاقة لها بالحيض، فحينئذ لا يكون حيضًا، ومتى حكم بأنها حائض سقطت عنها الصلاة، ويحرم عليها الصوم والوطء وسائر ما يحرم بالحيض، وإلا فلا.
المحتويات
الحيض عارض كتبه الله تعالى على النساء؛ فعنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فَحِضْتُ، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي، فقال: «ما لَكِ، أنَفِسْتِ؟» قلت: نعم، قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» متفق عليه.
قال العلَّامة ابن بطَّال في "شرح صحيح البخاري" (1/ 411، ط. دار الرشد): [هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الحيض مكتوب على بنات آدم فمن بعدهن من البنات، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحُهُنَّ] اهـ.
والحيض هو: سيلانُ دَمٍ طَبيعةً وجِبِلَّةً، يُلقيه الرحم في أوقات معلومة، اقتضاءً للطباع السليمة، تصير المرأة به بالغة، مع الصِّحَّة وَالسلَامة.
وذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى أن أقل سنِّ تحيض فيه المرأة هو التسع، كما في "المبسوط" للإمام السرخسي الحنفي (3/ 149، ط. دار المعرفة)، و"شرح مختصر خليل" للإمام الخرشي المالكي (1/ 204، ط. دار الفكر)، و"أسنى المطالب" للإمام زكريا الأنصاري الشافعي (1/ 99، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الفروع" للإمام ابن مُفلح الحنبلي (1/ 362، ط. مؤسسة الرسالة، ومعه "تصحيح الفروع" لعلاء الدين المرداوي).
اختلفوا في تحديد سن اليأس، فذهب الحنفية -في المختار- إلى أن أكثر سن الحيض وحد الإياس هو خمس وخمسون سنة، بشرط انقطاع الدم لمدة ستة أشهر في الأصح.
قال الإمام ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (3/ 516، ط. دار الفكر) في بيان سن اليأس: [وحَدُّه خمس وخمسون سنة هو المختار، لكنه يشترط للحكم بالإياس في هذه المدة أن ينقطع الدم عنها مدة طويلة، وهي ستة أشهر في الأصح] اهـ.
واعتبر المالكية أن أقصى مدة للحيض هي سبعون سنة، وأن المرأة من سن الخمسين إلى السبعين تسأل النساء، فإن قلن حيض أو شككن فهو حيض، وإلا فلا، وما بين سن الثلاثة عشر والخمسين قطعًا حيض.
قال الإمام الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 208، ط. دار المعارف): [وتسأل النساء في بنت الخمسين إلى السبعين، فإن قلن: حيض، أو شككن، فحيض. كما يسألن في المراهقة، وهي بنت تسع إلى ثلاثة عشر. وأما ما بين الثلاثة عشر والخمسين فيقطع بأنه حيض] اهـ.
وأما الشافعية فلا حد لآخر سن الحيض عندهم، بل هو ممكن ما دامت المرأة حية، وإن حدوه باثنتين وستين سنة اعتبارًا بالغالب.
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (1/ 384، ط. دار إحياء التراث العربي): [ولا حد لآخر سنه ولا ينافيه تحديد سن اليأس باثنتين وستين سنة؛ لأنه باعتبار الغالب حتى لا يعتبر النقص عنه] اهـ.
ويرى الحنابلة أن أكثر سن تحيض فيه المرأة هو خمسون سنة.
قال الإمام أبو منصور البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 202، ط. دار الكتب العلمية): [(وأكثره) أي: أكثر سن تحيض فيه المرأة (خمسون سنة)؛ لقول عائشة: "إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض" ذكره أحمد. وقالت أيضًا: "لن ترى في بطنها ولدًا بعد الخمسين" رواه أبو إسحاق الشالنجي] اهـ.
فإذا انقطع دم الحيض ثم رأته المرأة بعد ذلك، فيرى الحنفية أن عود الدم الخالص يبطل الإياس على الصحيح، فيلغي اعتبار المرأة يائسة، ويكون النازل عليها حيضًا إذا عاد بنفس الصفة المعتادة، بأن كان دمًا قويًّا كالأسود والأحمر القاني، أما إذا كان صفرة أو خضرة أو تربية فلا يكون حيضًا.
قال الإمام أبو المعالي ابن مَازَةَ البخاري في "المحيط البرهاني" (13 /458-459، ط. دار الكتب العلمية): [قال الصدر الشهيد رحمه الله: والمختار خمسة وخمسون سنة، وعليه أكثر المشايخ، فإذا بلغت هذا المبلغ وانقطع دمها حكم بإياسها. فإن رأت الدم بعد ذلك هل يكون حيضًا على هذه الرواية؟ فقد اختلف المشايخ فيما بينهم. قال بعضهم: لا يكون حيضًا ولا يبطل به الاعتداد بالأشهر، ولا يظهر فساد الأنكحة، وقال بعضهم: يكون حيضًا ويبطل به الاعتداد بالأشهر؛ لأن الحكم بالإياس بعد خمس وخمسين سنة كان بالاجتهاد والحيض بالنص، فإذا رأت الدم فقد وجد النص بخلاف الاجتهاد فيبطل حكم الإياس الثابت بالاجتهاد، ولهذا قال هؤلاء المشايخ: الدم المرئي بعد هذه المدة إنما يكون حيضًا إذا كان أحمر أو أسود، أما إذا كان أخضر أو أصفر لا يكون حيضًا؛ لأن هذا المرئي ثبت حيضًا بالاجتهاد فلا يبطل حكم الإياس الثابت بالاجتهاد] اهـ.
وفصل المالكية المسألة حسب عمر المرأة، فإن كانت فيما دون الخمسين: فالدم العائد بعد الانقطاع حيض قطعًا، أما إذا كانت بين الخمسين والسبعين: فيرجع إلى النساء، فإن قلن: إنه حيض، فهو كذلك، وإلا فلا، أما بنات السبعين أو الثمانين: فالنازل عليهن ليس بحيض.
قال الإمام الخَرَشِيُّ في "شرحه لمختصر خليل" (4/ 142): [ودم من لم تبلغ خمسين حيض قطعًا] اهـ.
وقال الإمام أحمد الدردير في "الشرح الصغير" (1 /207-208): [(الحيض دم أو صفرة أو كدرة خرج بنفسه من قبل من تحمل عادة... خرج بنفسه... من قبل امرأة تحمل عادة): احترازًا مما خرج من الدبر فليس بحيض، ومما خرج من قبل صغيرة لم تبلغ تسع سنين أو كبيرة بلغت السبعين فليس بحيض قطعًا] اهـ.
قال الإمام الصاوي محشيًا: [قوله: (بلغت السبعين): أي: وتسأل النساء في بنت الخمسين إلى السبعين، فإن قلن: حيض، أو شككن، فحيض. كما يسألن في المراهقة، وهي بنت تسع إلى ثلاثة عشر. وأما ما بين الثلاثة عشر والخمسين فيقطع بأنه حيض] اهـ.
وذهب الشافعية إلى أن الدم العائد بعد الانقطاع حيض، إذ لا حد لسن اليأس عندهم.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (3/ 392): [(فإن حاضت الآيسة) التي تقدم لها حيض (في أثناء الأشهر انتقلت إلى الحيض) لما مر في الصغيرة ولتبين أنها ليست من الآيسات (وحسب ما مضى قرءا)؛ لأنه طهر احتوشه دمان فتضم إليه قرأين (وكذا) تنتقل إلى الحيض (بعد) تمام (العدة) بالأشهر (ما لم تتزوج) لتبين أنها ليست آيسة] اهـ.
وذهب الحنابلة -في الصحيح- إلى أن المرأة إذا انقطع عنها الحيض من غير سبب مرات، ثم عاد بعد سن الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها قبل انقطاعه، فهو حيض.
قال الإمام المَرْدَاوِيُّ في "الإنصاف" (1/ 356، ط. دار إحياء التراث العربي): [والصحيح: أنه متى بلغت خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب: فقد صارت آيسة، وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها، فهو حيض في الصحيح] اهـ.
محصل أقوال المذاهب الأربعة أن الدم العائد للمرأة البالغة ستًّا وخمسين عامًا بعد انقطاعه حيض، شريطة التحقق من كونه كذلك، فعمد فقهاء الحنفية والحنابلة إلى وضع ضوابط وعلامات مميزة للدم العائد حتى يعتبر حيضًا، بينما أناط فقهاء المالكية الأمر بخبرة نساء أهل ذلك الزمان باعتبارهن العارفات ببواطن الأمور النسائية، أما فقهاء الشافعية فقد أطلقوا الحكم باعتباره حيضًا دون تفصيل، ومبنى هذه الأحكام على الاستقراء وتتبع أحوال النساء.
وأعلم الناس بأحوال النساء وتحديد نوع الدم النازل بهن في هذا الزمان هم أهل الطب المتخصصون في ذلك، فيرجع إليهم، متى تحيرت المرأة، ولم يكن الدم العائد على العادة المعروفة لديها، فإذا قرر الطبيب الثقة بأن الدم العائد بعد الانقطاع حيض: فهو كذلك، وإلا فلا.
ومتى اعتبر الدم العائد بعد الانقطاع حيضًا فإنه يترتب على ذلك أحكامه الشرعية الثابتة، فتسقط الصلاة عن المرأة، ويُحظر عليها الصوم، ويحرم وطئها.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الدم النازل بالسائلة التي تجاوز عمرها السادسة والخمسين بعد عام من انقطاع الحيض عنها، واستمراره لخمسة أيام على العادة المعروفة لديها: حيض، ما لم يقرر أهل التخصص من الأطباء خلاف ذلك وأنه ليس حيضًا، وأنَّ نزوله إنما لأسبابٍ طبيَّة لا علاقة لها بالحيض، فحينئذ لا يكون حيضًا، ومتى حكم بأنها حائض سقطت عنها الصلاة، ويحرم عليها الصوم والوطء وسائر ما يحرم بالحيض، وإلا فلا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما الذي يجب على من أفطر يومًا في نهار رمضان متعمدًا بلا عذر؛ حتى يتوب من هذا الذنب؟
إذا جامع الرجل زوجته أثناء قضاء الفريضة لأحدهما، فما الحكم؟
هل يصحّ الوضوء بالماء الـمُسَخَّن بالطاقة الشمسية؟
ما حكم كلام القائمين على المسجد أثناء خطبة الجمعة لتنظيم الناس؟ أحيانا تقتضي الحاجة في المسجد الكلام في أثناء خطبة الجمعة؛ لتنظيم حركة الناس في المسجد والأماكن التي يجلسون فيها ونحو ذلك، فهل يجوز للقائمين على المسجد الكلام وتوضيح ذلك أثناء خطبة الجمعة؟
ما حكم الإسراف في استعمال الماء أثناء الوضوء؟ لأني أرى بعض الناس أثناء وضوئهم يغسلون أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث مرات، وآخرين يستخدمون ماءً كثيرًا زائدًا عن المطلوب. فما حكم هذا الفعل؟ وهل يُعدُّ هذا من الإسراف في استعمال الماء؟
أرجو من فضيلتكم التكرم بإفتائي عن موضوع المحراب في المسجد؛ حيث إن قريبًا لي يبني مسجدًا ولما وصل إلى عمل المحراب اعترض عليه بعض الناس وأخبروه بأن المحراب لا يجوز في المسجد، وقال له بعض آخر: إن المحراب يجوز، فتضاربت الأقوال بين الجواز وعدمه، مما جعلني أتقدم إلى فضيلتكم لإنهاء هذه الخلاف.