ما حكم الاشتراك في عمل وصفة لتغذية الدواجن وانفراد أحد الشريكين بالتربح منها دون الآخر؟ فقد اشترك اثنان في مزرعة دواجن، وطلبا من متخصص في التغذية الحيوانية عمل وصفة غذائية للدواجن، وبالفعل أحضرها لهما وكانت بقيمة ثلاثين ألف جنيه، وبعد فترة نمت الدواجن وزادت، فطلب أصحاب بعض المزارع الأخرى من أحدهما أن يبيع لهم طعامًا مما يقدمانه للدواجن في مزرعتهما، فقام أحد الطرفين دون علم الآخر بتحضير الوصفة من ماله الخاص، ثم قام بتركيبها وبيعها، فربح ربحًا وفيرًا. والسؤال: هل لشريكه الأول جزء في هذه الأرباح أو لا؟ وإذا كان له جزء فكيف يتم احتسابه؟
الأصل عدم جواز تصرف أحد الشركاء في مال الشركة وأعيانها إلا بإذن باقي الشركاء، فإن تصرف دون إذنهم وربح فالربح للشركة، وله ما أنفق من أمواله الخاصة به، ومن ثمَّ فعلى الشريك الذي قام باستغلال الوصفة الغذائية الخاصة بالشركة دون إذن شريكه في تقديم طعام لبعض أصحاب المزارع الأخرى -أن يرد ما ربحه من أموال بعد أن يأخذ ما تحمله من نفقات من أمواله الخاصة، مع عدم اللجوء لمثل هذا التصرف فيما بعد؛ تحقيقًا لمبدأ الشفافية والصدق والأمانة.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن الشركة جائزة في الجملة بالإجماع، والأصل في ذلك قولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 24]، والخلطاء: الشركاء، كما قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (26/ 384، ط. دار إحياء التراث العربي)، نقلًا عن الإمام الزَّجَّاج؛ وقد أقرَّت الآية الكريمة الخُلطة مع ذمِّ ما يحصل بين الشركاء أحيانًا من الحَيْفِ والبَغْيِ.
وللشركة في حكمة مشروعيتها جملة من الحكم التي تحقق مصالح البلاد والعباد؛ منها أنَّها شرعت لتنمية المال، وتحصيل أصله، والحاجة إلى تحصيل أصل المال فوق الحاجة إلى تنميته، فلما شرعت لتحصيل الوصف فلأن تشرع لتحصيل الأصل من باب أولى؛ كما في "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني (6/ 58، ط. دار الكتب العلمية).
الوصفة الغذائية المذكورة في السؤال التي حصل عليها الشريكان من الخبير المختص مقابل مبلغ من المال محدد سلفًا هي من قبيل المنافع المتقوَّمة، أي: التي لها قيمة في عُرْف الناس، والمنافع أموالٌ كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، كما في "التاج والإكليل" للإمام أبي عبد الله المَوَّاق المالكي (6/ 480، ط. دار الكتب العلمية)، و"الشرح الكبير" للإمام الرافعي الشافعي (10/ 224، ط. دار الفكر)، و"شرح منتهى الإرادات" للإمام البُهُوتي الحنبلي (2/ 320، ط. دار الكتب).
إذا ثبت للوصفة صفة المالية، فهو مال خاص بالشركة التي يمثلها الشريكان، والأصل المقرر أن يد الشركاء على مال الشركة يد أمانة، وأنه لا يجوز لأحد الشركاء التصرف في مال الشركة بما فيه مصلحته، أو ما يضر بسائر الشركاء، وأنه لا يعفى عن شيء من التصرفات المنفردة إلا فيما يتسامح الناس فيه عادة، أما ما لا يتسامحون فيه عادة، كالتربح الكثير من المال فهذا لا يعفى عنه، وهو ما أشار إليه الحديث الشريف القدسي الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا» أخرجه الأئمة: أبو داود -واللفظ له- والدارقطني والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك".
قال العلامة الشبراملسي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (5/ 3، ط. دار الفكر): [قوله: (ما لم يخن) إشعار بأن ما أخذه أحد الشريكين مما جرت العادة بالمسامحة به بين الشركاء كشراء طعام أو خبز جرت العادة بمثله لا يترتب عليه ما ذكر من نزع البركة] اهـ.
وقال العلامة علي بن أحمد بن محمد العزيزي البولاقي الشافعيّ في "السراج المنير شرح الجامع الصغير" (1/ 394، ط. الخيرية): [قال العلقمي: تحصل الخيانة ولو بشيء قليل كفلس ونحوه، نعم ما يعلم به رضاه كفلس للسائل والفقير فهذا ليس بخيانة، ويحتاط فيما يقع فيه الشك] اهـ.
وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء، قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (30/ 192، ط. دار المعرفة): [وليس لأحد الشريكين ولاية إلحاق الضرر بشريكه؛ فلهذا كان ممنوعًا من هذه التصرفات إلا بإذن شريكه] اهـ.
وقال الإمام الحطاب في "مواهب الجليل" (5/ 151، ط. دار الفكر): [قال ابن عرفة: وفيها مع غيرها منع أحد الشريكين بمجرد الملك في شيء تصرف فيه دون إذن شريكه] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (4/ 283، ط. المكتب الإسلامي): [وتصرف الشريك كتصرف الوكيل، لا ببيع نسيئة، ولا بغير نقد البلد، ولا يبيع ولا يشتري بغبن فاحش إلا بإذن الشريك] اهـ.
وإذا تقرَّر أن يد الشريك يد أمانة، وأنه لا يجوز له التصرف في مال الشركة بما يضر بالشركة أو الشركاء، فإذا تصرف في عين من أعيان الشركة -كالوصفة المسؤول عنها- تصرفًا فرديًّا دون علم الآخر، وترتب على تصرفه هذا ربح وفير، فإنَّ من مقتضى أحكام الشركة أن يرجع بما ربحه على الشركة، فيشترك الشركاء معه كل حسب حصته المتفق عليه، وذلك بعد أن يأخذ ما تحمله من نفقات من أمواله الخاصة.
قال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 322، ط. عالم الكتب): [ولو اتَّجر وديعٌ بوديعةٍ فالربح لمالكها نصًّا] اهـ.
وقال الإمام الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (4/ 64): [(لو اتجر مودع في الوديعة)؛ فالربح لمالك على الصحيح من المذهب، ونص عليه في رواية الجماعة] اهـ.
ووجه هذا القول: أنَّ الربح ما حصل إلا بسبب اشتراكهما في شراء هذه الوصفة ليستفيدا منها في نشاط المزرعة التي تخصهما، فاقتضى ذلك أن يكون الربح بينهما على أساس ما اتفقا عليه من تقسيم لأرباح الشركة بينهما.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (6/ 63): [والربح بينهما على الشرط] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (5/ 23، ط. مكتبة القاهرة): [(والربح على ما اصطلحا عليه)، يعني: في جميع أقسام الشركة] اهـ.
ولا يُشترط أن يُعْلِمَ الشريك شريكه بهذا المال الزائد الذي يردُّه، قال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الزواجر" (2/ 367، ط. دار الفكر): [ما يتعلق به حق آدمي فالتوبة منه يشترط فيها جميع ما مر، ويزيد هذا بأنه لا بد من إسقاط حق الآدمي، فإن كان مالًا ردّه إن بقي، وإلا فبدله لمالكه أو نائبه أو لوارثه بعد موته ما لم يبرئه منه، ولا يلزمه إعلامه به، فإن لم يكن وارث أو انقطع خبره دفعه إلى الإمام ليجعله في بيت المال، أو إلى الحاكم المأذون له التصرف في مال المصالح، فإن تعذر قال العبادي والغزالي: تصدق عنه بنية العزم] اهـ.
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأصل عدم جواز تصرف أحد الشركاء في مال الشركة وأعيانها إلا بإذن باقي الشركاء، فإن تصرف دون إذنهم وربح فالربح للشركة، وله ما أنفق من أمواله الخاصة به، ومن ثمَّ فعلى الشريك الذي قام باستغلال الوصفة الغذائية الخاصة بالشركة دون إذن شريكه في تقديم طعام لبعض أصحاب المزارع الأخرى -أن يرد ما ربحه من أموال بعد أن يأخذ ما تحمله من نفقات من أمواله الخاصة، مع عدم اللجوء لمثل هذا التصرف فيما بعد؛ تحقيقًا لمبدأ الشفافية والصدق والأمانة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم بيع الأدوية مجهولة المصدر غير المصرح بها؟ حيث يقوم بعض الصيادلة بشراء وبيع الأدوية المهربة مجهولة المصدر غير المصرح بها من وزارة الصحة، مثل: المنشطات، والأدوية المؤثرة على الحالة النفسية، مما يترتب عليها الضرر بالمرضى؛ لعدم مطابقة هذه الأدوية للمواصفات؟
ما حكم بيع الثمار بعد ظهورها على الأشجار ولكن قبل أن تطيب؟
ما حكم العمل بالشرط الجزائي في العقود والمعاملات؟
يقول السائل: يدَّعي بعض الناس جواز الاتّجار في المخدرات من غير تعاطيها، وأنه ليس حرامًا؛ لأنه لم يرد نصٌّ في القرآن الكريم أو السنة المشرفة بحرمة ذلك. فنرجو من منكم الردّ على ذلك وبيان الرأي الشرعي الصحيح.
يقوم بعض التجار بشراء الثمار التي لم يُزْرَع بِذْرُها، فما حكم هذه المعاملة شرعًا؟
ما حكم البيع مع الوعد بخفض السعر وقت التسليم؛ فرجلٌ يتاجر في الحديد، ذهب إليه رجلٌ يحتاج حديدًا، فاشترى منه قَدْرًا معينًا ودفع ثمنه، وطلب من التاجر إبقاء الحديد عنده إلى حين طلبه دون زيادة في الثمن إن زاد يوم التسليم، ثم أضاف التاجر: "وإن انخفض الثمن يوم التسليم حاسبتك بسعر يوم التسليم". فما حكم هذا التعامل؟