ما حكم ضمان ما تلف في يد الوكيل من أمانة؟ فرجل كان مسافرًا خارج البلاد هو وابن عمه، وقد أعطاه ابن عمه هاتفًا محمولًا ليوصله إلى أبيه (عم الرجل) عند عودته إلى مصر، وفي طريقه إلى المطار تعرض لحادث سير لا يد له فيه أدَّى إلى تلف الهاتف المحمول وأشياء أخرى يملكها، فهل يلزمه أن يشتري له مثله أو يضمن له قيمته شرعًا؟
يدُ الرجل المذكور على الهاتف المحمول المعطى له ليوصله إلى عمِّه -يدُ أمانة، فلا يضمنه ما لم يتعدَّ أو يُفرِّط في حفظه، فإن تعدَّى أو فرَّط وقامت البَيِّنة عليه ضمنه ولزمه الإتيان بمثله، وإن اختلفا في ذلك ولم تقم البَيِّنة على التَّعدِّي أو التَّفريط فالقول قول الوكيل مع حلف اليمين.
المحتويات
صَون الأمانة وحفظها مِن أعظم الأخلاق والشِّيَم، وأداؤها إلى أصحابها فريضةٌ في الدِّين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58].
قال الإمام البَيْضَاوِي في "أنوار التنزيل" (2/ 79، ط. دار إحياء التراث العربي): [خطابٌ يعمُّ المكلَّفين والأمانات] اهـ.
وقال الإمام القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 253، ط. دار الكتب المصرية): [والأمانة تعمُّ جميع وظائف الدِّين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور] اهـ.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما خطبنا نَبِيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا قال: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» أخرجه الأئمة: أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي.
المعاملة المسؤول عنها تُكيَّف من الناحية الشرعية على أنَّها وكالة في إيصال الهاتف المحمول إلى مَن عيَّنه الموكِّل، والوكالة: عبارةٌ عن إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرف معلوم. وقيل: هي تفويض أمرك إلى مَن وَكَّلْتَهُ اعتمادًا عليه فيه ترفُّهًا منك أو عجزًا عنه، كما في "العناية" للإمام البَابَرْتِي (7/ 499، ط. دار الفكر)، و"فتح القدير" للإمام ابن الهُمَام (7/ 500، ط. دار الفكر).
قد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الوكيل أمين فيما دفعه إليه الموكِّل من المال -أو ما يقوَّم به-، فلا يضمن ما تلف أو هلك في يده إلا إذا كان متعدِّيًا ومفرِّطًا في حفظه؛ وذلك لأن الوكيل نائبٌ عن الموكِّل في اليد والتصرف، فكانت يده كيد موكله، وهلاكه في يده كهلاكه في يد موكله، ولأن الوكالة في أصلها عقد إرفاق ومعونة، والضمان منافٍ لذلك ومنفِّرٌ عنه.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (14/ 40، ط. دار المعرفة): [الوكيل أمين فيما دفعه الموكل إليه من ماله] اهـ.
وقال الإمام القَرَافِي المالكي في "الذخيرة" (8/ 15، ط. دار الغرب الإسلامي): [الوكيل أمين في حق الموكل، فلا يضمن إلَّا بالتَّعدِّي أو التفريط] اهـ.
وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "روضة الطالبين" (4/ 325، ط. المكتب الإسلامي): [للوكالة حكم الأمانة، فيد الوكيل يد أمانة، فلا يضمن ما تلف في يده بلا تفريط] اهـ.
وقال الإمام ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع" (4/ 347، ط. دار الكتب العلمية): [(والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط) لأنَّه نائب المالك في اليد والتصرف، فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك] اهـ.
وكذلك لو اختلف الوكيل والموكِّل في التلف، فقال الوكيل: تلفت الأمانة من غير تعدٍّ أو تفريط فلا يلزمني الضمان، وقال الموكِّل: بل حصل منك تعدٍّ عليها، أو تفريطٌ في حفظها، فيلزمك الضمان، فالقول قول الوكيل مع يمينه، فلا يضمن، ولا يكلَّف الإتيان ببينة؛ لأنَّه مما يتعذَّر إقامة البينة عليه، ولئلَّا يمتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها.
قال الإمام الكَاسَاني الحنفي في "بدائع الصنائع" (6/ 34، ط. دار الكتب العلمية): [المقبوض في يد الوكيل بجهة التوكيل بالبيع والشراء وقبض الدَّين والعين وقضاء الدَّين -أمانةٌ بمنزلة الوديعة؛ لأنَّ يده يد نيابة عن الموكل بمنزلة يد المودع، فيضمن بما يضمن في الودائع، ويبرأ بما يبرأ فيها، ويكون القول قوله في دفع الضمان عن نفسه] اهـ.
وقال الإمام الدَّرْدير المالكي في "الشرح الصغير" (3/ 519، ط. دار المعارف): [(وصدِّق) الوكيل بيمينه (في دعوى التَّلَف) لما وكِّل عليه؛ لأنَّه أمين] اهـ.
وقال الإمام الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (3/ 262، ط. دار الكتب العلمية): [(وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمينه)؛ لأنه أمينٌ كالمودَع] اهـ.
وقال الإمام البُهُوتِي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 202، ط. عالم الكتب): [(ويصدَّق) وكيلٌ (بيمينه في) دعوى (تلف) عين أو ثمنها إذا قبضه وقال موكله: لم يتلف، كالوديع (و) يصدَّق بيمينه في (نفي تفريط) ادعاه موكله؛ لأنه أمين، ولا يكلف بينة؛ لأنه مما تتعذر إقامة البينة عليه، ولئلَّا يمتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن يدَ الرجل المذكور على الهاتف المحمول المعطى له ليوصله إلى عمِّه -يدُ أمانة، فلا يضمنه ما لم يتعدَّ أو يُفرِّط في حفظه، فإن تعدَّى أو فرَّط وقامت البَيِّنة عليه ضمنه ولزمه الإتيان بمثله، وإن اختلفا في ذلك ولم تقم البَيِّنة على التَّعدِّي أو التَّفريط فالقول قول الوكيل مع حلف اليمين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز أن يستخدم الجد توكيلًا لابنه بعد وفاته في بيع نصيبه في شيء لابنه الثاني؟ وما مدى شرعية هذا العقد؟
سئل بإفادة من محكمة مصر الكبرى الشرعية؛ مضمونها: أنه ورد لها مكاتبة من مجلس حسبي مصر تاريخها 29 مارس سنة 1899م، تتضمن نظر المجلس في طلب ورثةِ متوفًّى تعيينَ وكيلِ خصومةٍ عن رجلٍ وارثٍ لامرأة متوفاة، غائب غيبة منقطعة؛ لأجل رفع دعوى حقوقية في مواجهته، وأنه رأى عدم اختصاصه بتعيين وكيل للخصومة، وأن ذلك مختص بالمحكمة الشرعية، وقرر بجلسته المنعقدة في يوم 22 مارس المذكور، إحالة الأوراق على المحكمة، وأرسلها لها لإجراء ما يلزم لذلك، وحيث عُلم من الأوراق المرقومة أن الغائب المذكور مفقودٌ في حياة أخته المتوفاة المذكورة، ولم يرفع دعوى شرعية عن ذلك، بل المراد تعيين وكيل عن الغائب المرقوم؛ لأجل رفع دعوى حقوقية في مواجهته من ورثة المتوفى المذكور أولًا، بشأن حصته من عقارٍ مباعة لمورثهم من المتوفاة المذكورة (أخت المفقود)، بحجة شرعية مطعون فيها من مُدَّعٍ بالصفة المبينة بعريضتهم -إحدى الأوراق طيه-، فقد تحرر هذا وطيه المكاتبة المحكي عنها، والأوراق الواردة معها -الجميع عدد 8-، بأمل الاطلاع عليها والإفادة بما يقتضيه الحكم الشرعي في تعيين الوكيل المطلوب، وهل يكون تعيينه عن الغائب المذكور، أو عن التركة؟ وإعادة الأوراق لإجراء المقتضى.
توجد معاملة منتشرة في أكثر من قرية بين الفلاحين وتجار المحاصيل؛ حيث يضع الفلاح محصوله من الأرز أو غيره عند التاجر، مع علم الفلاح أن التاجر له حق التصرف فيه، وعند احتياج الفلاح لثمن المحصول يأخذه بسعر اليوم الذي يطلبه فيه من التاجر، وعند الاختلاف بينهما في سعر اليوم الذي يطلب فيه الفلاح ثمن المحصول فإن الفلاح يأخذ المحصول الذي أودعه عند التاجر كما أودعه إياه بلا زيادة ولا نقصان، ويبيعه إن شاء لتاجرٍ آخر. فما حكم هذه المعاملة؟
توفيت خالتي -رحمها الله- وكانت تدخر مالًا في أحد البنوك الإسلامية قدره ثمانية وعشرون ألف جنيه، وعندما قامت بإيداعه في البنك ذهبت أنا معها وقامت بعمل توكيل بنكي لي، قالت لي: هذا المال لحج والديَّ المتوفييْن، فإذا أطال الله في عمري فسوف أحج لهما، وإن لم أستطع فقومي بالحج لهما، ولكن القدَر لم يعطها الفرصة للحج لهما.
فما حكم هذا المبلغ: هل يعد ميراثًا أم يُترك لحج الوالدين المتوفيين؟ علمًا بأن خالتي تركت زوجًا وأختين وأخًا توفي بعدها وترك أولادًا.
خالتي أيضًا عندما مرضت وجاءت عند أختها -والدتي- وأقامت للعلاج كان لديها ذهب، فقامت بإعطاء هذا الذهب لي وقالت: خذي هذا، وفي ذلك الوقت كانت تجلس أمامها أمي ولم تعطها الذهب، ولم تفصح عن نية الأخذ: هل للحفاظ عليه أم بغرض أنها تعطيه لي، علمًا بأنها لا يبدو أنها كانت تعرف أنها سوف تموت، ولم تكن تعلم أنها مريضة بالمرض الخبيث.
فما الحكم في هذا الذهب؟ هل يعد ميراثًا أم آخذه أنا؟ والله يعلم أنني لم أرغب في أخذه لنفسي، ولكن أرغب في بيعه والتبرع لها به كصدقة جارية على روحها؛ لأنها تعبت في حياتها ولم تنجب ولم يساعدها أحد من الورثة في شراء هذا الذهب.
وقد أوصت خالتي أخي قبل وفاتها بيوم واحد بالحج عن أمها حيث إنه كان مسافرًا للحج، وقد حج فعلًا عنها، وقد أقر أخي قبل الحج وبعده بأنه لا يريد مالًا مقابل حجه عن جدته، ولكنه أخبر جميع الأهل قبل سفره، وكذلك أخبر بعد رجوعه خاله قبل وفاته بأنه سوف يتبرع بما يتفقون عليه من مصروفات الحج لمستشفى السرطان، وأخي هذا يشغل منصبًا لا يكلفه مصروفات كبيرة للحج مقارنة بأسعار السوق، وهو لا يعرف كم أنفق، فهل يتم تحديد المصروفات جزافيًّا أم ماذا؟
ما حكم تعيين الحاكم وكيلًا عن الغائب؟ فقد سئل بإفادة واردة من وزارة الحقانية وصورتها: قَدَّم سائل طلبًا لمحافظة مصر يقول فيه: إن أخاه متغيب بالمدينة المنورة التابعة للدولة العثمانية من ستة أشهر انقطعت فيها أخباره، وتعذر عليه العودة؛ لانقطاع طرق المواصلات بسبب الحرب الحاضرة، ونظرًا لوجود أطيان له مرهونة للبنك العقاري، ومستحق عليها ثلاثة أقساط، فاتخذ البنك الإجراءات القانونية لنزع ملكيتها، فرغب تسوية الحالة مع الدائنين، ولكن لعدم وجود صفة قانونية له طلب من المجلس الحسبي تعيين وكيل له، ولما كان غياب المذكور لا يعتبر غيبة منقطعة لمعرفة محل وجوده، فبعث المجلس بالطلب لأخذ رأي الوزارة عن كيفية التصرف في مثل هذه الحالة، وهل يجوز له قياسًا على الغيبة المنقطعة؛ لوجود موانع المواصلات، أن يعين وكيلًا له أم لا؟ فنرجو من فضيلتكم إفتاء الوزارة في هذا الموضوع؛ لتوالي الطلبات المماثلة لهذا الطلب في الوقت الحاضر. وطيه الأوراق عدد 2.